→ جميع المقالات
النفاق - الحلقة 3
١٤‏/٧‏/٢٠١٤

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام ذكرنا في الحلقة الماضية أن الواحد منا قد يأمن على نفسه من النفاق ويظن أن الآيات التي تتحدث عن المنافقين لا تخاطبه لأنه لم يلاحظ حقيقة أن النفاق على درجات، وأن المرء قد يجمع بين نفاق وإيمان. وذكرنا دليلا على ذلك قوله تعالى: ((هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان)) وتفسيرَ العلماء لها. نود اليوم أن نذكر موضعا آخر، ألا وهو قول الله تعالى في سورة البقرة واصفا المنافقين: ((مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ)) قال ابن كثير في تفسيرها مبينا أقسام المنافقين: (وهم قسمان: خُلَّص، وهم المضروب لهم المثل الناري، ومنافقون يترددون، تارة يظهر لهم لمع الإيمان وتارة يخبو، وهم أصحاب المثل المائي، وهم أخف حالا من الذين قبلهم) اهـ. ويقصد بالمثل الناري قوله تعالى ((مثلهم كمثل الذي استوقد نارا)) والمثل المائي ((أو كصيب من السماء)). ويقصد بقوله: تارة يظهر لهم لمع الإيمان قوله تعالى ((كلما أضاء لهم مشوا فيه))...كأنهم يلمع الإيمان في قلوبهم من فترة لأخرى فيسيرون في الطريق إلى الله لكن ما يلبث نور الإيمان أن يخبو فيقفون. تأمل نفسك...هل في قلبك تشكك في بعض شرائع الإسلام ونفور من بعض شعائره؟ ثم كلما أوقع أعداء الإسلام بالأمة ظلما جديدا أحسست بأنك مستهدف وزاد تمايز الحق عندك من الباطل فقوي إيمانك وانتعشت محبتك لله ورسوله وغرت على الدين...لكنك ما تلبث وما تلبثين بعدها أن تعود إلى ما كنت فيه من نقص قناعة ببعض أحكام الله تعالى أو نفور منها؟! إن كان كذلك فعلينا ألا نأمن على أنفسنا من هذه الآيات... كذلك يُفهم من هذه الآية أن الشخص الواحد قد يتقلب بين الإيمان والنفاق: فكما أن الإيمان يزيد وينقص، فكذلك النفاق يزيد وينقص. دليل آخر على هذا التقلب قوله تعالى: ((مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء)) قال ابن كثير في تفسيرها: (ومنهم من يعتريه الشك، فتارة يميل إلى هؤلاء وتارة يميل إلى أولئك)اهـ. ضعيف الإيمان قد يميل إلى المؤمنين إذا رأى انتصارا لهم في جولة من جولات الصراع مع أعدائهم. لكن إذا رجحت كفة أعداء الإسلام مرة أخرى فإنه يعود إلى التشكك والتردد لأنه يقيس الأمور بظواهرها وينسى أن الدنيا دار عمل لا دار جزاء. إذن فليحاسب أحدنا نفسه: هل يعكر إيمانَه نفاق، وهل يتقلب في أحواله بين الإيمان والنفاق بحسب الظروف؟ وليعالج أمراض قلبه قبل فوات الأوان. والسلام عليكم ورحمة الله.