→ جميع المقالات
حسن الظن بالله - الحلقة 2 - كيف تتخلص من الخوف من المجهول؟
١٤‏/٧‏/٢٠١٤

تصور معي : أنه جاءتك هدايا، وأنت تعرف أنها هدايا عظيمة وقيمة، لكن بعض هذه الهدايا جاء في غلاف جميل وبراق، والبعض الآخر جاء في غلاف قبيح، هل يهمك كثيرًا شكل الأغلفة إذا علمت أن الهدايا التي في الداخل هدايا ثمينة وقيمة وعظيمة؟

كذلك إذا علمت أن كل ما سيحصل في المستقبل بمقدورك أن تجعله لمصلحتك، فلن يهمك كثيرًا أن يكون في غلاف محنةٍ أو في غلاف منحة، فأنت من يقرر ما سيكون عليه.

لماذا يخاف الناس عادة ويقلقون؟ لأن المستقبل مجهول بالنسبة لهم. هذا الخوف ينغص على أهل الدنيا سعادتهم مهما كان عندهم من نعيم الدنيا لأنهم يخشون أن يزول هذا النعيم وتتبدل الأحوال.

فصاحب المال قد يفتقر.. صاحب الصحة قد يمرض مرضًا مزمنًا.. الطليق قد يُحبس.. الآمن قد يُروَّع.. المحب لإنسان حبًّا شديدًا قد يموت حبيبه.

إذن.. أتريد أن تعرف كيف تتخلص من الخوف من مجهول المستقبل؟ ببساطة: اتخذ قرارًا بالرضا عن فعل الله سبحانه بك مهما كان.

لاحظ: الرضا يقع بعد الحدث، وهو نتاج أشياء تفعلها قبل الحدث فيأتيك الرضا في وقت حاجته.. لذلك كثيرًا ما يُطرح التساؤل: (الرضا من أفعال القلوب التي لا يملك الإنسان إيقاعها، ومع ذلك فهو مطلوب منه.. كيف؟!). والجواب أن الذي تستطيعه هو توطين نفسك على الرضا، والعمل بطاعة الله بحيث يرزقك الرضا عند حاجتك إليه.

كلما جاءك هاجس الخوف من المجهول جدد العهد والوعد بأن ترضى وتكون شاكرًا صابرًا.. وثِق في معونة الله لك. إذا فعلت ذلك فلن تخاف من المستقبل لأنه ما عاد مجهولًا، بل أصبح صفحة مكشوفة لك! كيف؟ ببساطة، أنت الآن بعد اتخاذ هذا القرار فإنك على يقين بأن كل ما يحصل هو لخيرك. ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له) (رواه مسلم).

إذن فبعد أن تتخذ قرارًا بالشكر في الســراء والصبر في الضراء لا تقل: (لا أدري إن كان المستقبل يحمل لي خيرًا أم شــرًا). فـبِـنَـصّ كلام النبي صلى الله عليه وسلم المستقبل لا يحمل لك في هذه الحالة إلا خيرًا. الجميل في الأمر هنا أن المسألة لم تعد في حسِّك أقدارًا مجهولة تتقاذفك في وديان الضياع.. لم يعد مُهِمًّا ظواهر الأمور: فقر أم غنى، صحة أم مرض، بقاء الأحباب أم وفاتهم.. أنت! أنت من سيجعل هذا كله يؤول إلى مصلحتك وخيرك بإذن الله.. ما عليك إلا اتخاذ قرار الشكر والصبر. لا تقل (حتى لو اتخذت قرارًا بالرضا والصبر، قد يُقَدِّر الله عليَّ ألا أصبر)، بــل تـذكر أن الله ســبــحــانــه قـال:{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ يَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ ١١} [التغابن: 11].. هذه الآية تحمل معانٍ عظيمة، منها أن الذي يُسَلِّم أمره لله سبحانه مؤمنًا به حقًّا فإن الله تعالى سيهدي قلبه ويثبته ويعينه. فالرضا والصبر آثار لامتلاء القلب بالإيمان بالله تعالى والتسليم له.

أيضًا يعالج لك هذا الخوف رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: (ومن يتصبَّرْ يُصبّرْه اللهُ) (رواه مسلم). إذن بادر أنت واتخذ القرار ولا تقل قد يُقدر الله علي بعد ذلك ألا أصبر. فالله أحلم من ذلك وأرحم. وقد جعل سبحانه للصبر عُدَّةً وأسبابًا من لازَمها أمدَّه ربه بالصبر والسكينة والطمأنينة، فَبِعَمَلِكَ تستمد التصبير من الله، وليس هذا خارجًا عن مقدورك.

قد تقول: (أحاول أن أتخذ القرار بالرضا، لكني أحس بعدم الصدق في ذلك لأني أخـــاف أن يكون الــبــلاء شديدًا لا يمكنني تحمله). سنتعاون على التخلص من هذا الخوف أيضا عندما نتأمل شيئاً من حكمته وإعانته في صفحات قادمة بإذن الله.

قد تقول: أنا الآن أستطيع اتخاذ القرار لأني أحب الله تعالى. لكن إذا ابتلاني ابتلاءً عظيمًا فأخشى أن تتأثر هذه المحبة.. سنتعاون أيضا إن شاء الله على إعادة بناء محبتنا لله تعالى على أسس سليمة كي نطمئن إلى معيته ومعونته مهما كانت الظروف.

المطلوب منك الآن أن تثق وتؤمن وتوقن بحكمة الله ورحمته، فتتخذ القرار بالرضا، والمقصود بالرضا: الــرضا الكامل التام الذي لا تشوبه شائبة، المنافي للتسخط على الله سبحانه والاعتراض على حكمته وأفعاله، وليس المقصود هنا عدم التأثر بما يقع عليك من مكروه أو محبة ذلك المكروه. فهذا منافٍ لفطرة الإنسان، فمن ابتلي بموت عـزيـز عليه فـمن الطــبــيــعي أن يحـزن ويتألم، ولكنه لا يتسخط على القدر ويعترض على ربه سبحانه بمثل (لماذا أبتلى أنا) و(ماذا فعلت حتى يقع لي ذلك)، على سبيل الاعتراض! بل يـحمـد ربــه سبـحـانه ويصبر، فينال الأجر والثواب مع لذة الرضا والطمأنينة.. وقد كان من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم: (وأسألك الرِّضاءَ بعد القضاء) (رواه النسائي وصححه الألباني).

المطلوب منك عندما تضع رأسك لتنام وتقول الدعاء الذي علَّمَنا إياه نبيُّنا: ((اللهم أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك)). أن تقولها بيقين مطلق وتسليم تام، لتكون مشمولًا بالخطاب الذي وجهه الرحــمن الرحـــيم إلى نبيه حيث قال: {وَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعۡيُنِنَاۖ} [الطور: 48]. أي: لا تخف، أنت في حفظنا ورعايتنا يكتنفك حلمنا ولطفنا.

خلاصة هذه المحطة:

اتخذ قرارًا بالرضا عن ربك في كل أمر، لتتخلص من الخوف من المجهول إلى الأبد بإذن الله.