إخوتي الكرام لا زلنا نتكلم عن أساليب الباطل عندما يعجز عن مواجهة الحق وحججه وبراهينه. قبل أن نستعرض أساليب أخرى أود أن ألفت انتباهك أخي وأختي إلى أن بعض المسلمين يقع في شيء شبيه بذلك للأسف! نعم...هو مسلم، لكن لديه حيود عن الحق في منهجه ومواقفه وطريقة تفكيره. فإذا حاولت تبصيره وتصويب منهجه ومواقفه فإنه يحس بأنه في مقام مناظرة وعليه أن يثبت صحة رأيه وينتصر لنفسه، ولو كان على باطل. فيفعل شيئا شبيها بما كان يفعله مكذبو دعوة النبي في مكة...لا يناقش ثبوت الأحاديث ودلالات الآيات التي تحتج بها نقاش الباحث عن الحق، بل يثير قضايا فرعية لا علاقة لها بصلب الموضوع حيودا عن المواجهة والإقرار بالحق. أقول لك هذا أخي حتى نتواصى أن لا نكون هذا الشخص.
كان من أساليب الأقوام في رد دعوة أنبيائهم عليهم الصلاة والسلام تعييرهم بأن أتباعهم من الضعفاء الفقراء أصحاب الحرف البسيطة. قال قوم نوح عليه السلام له: (وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا) (هود 27) أي إلا أصحاب المهنة المحتقرة البسيطة وليس الأشراف والرؤساء. وقالوا له كذلك فيما حكاه الله عنهم في سورة الشعراء: ((أنؤمن لك واتبعك الأرذلون)) (227).
في أيامنا هذه يزدري كثير من المشركين المسلمين لأن دعوة الإسلام تلقى رواجا في الأوساط الفقيرة والبسيطة من الدول الغربية أكثر مما تلقاه في أوساط النخبة الثرية المؤثرة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
بل حتى بين المسلمين، قد يناقَش مسلم في قناعات خاطئة لديه فيكون رده: لماذا هذا الخطاب الذي تخاطبوننا به ليس خطاب النخبة؟ لماذا لا نراه الأكثر انتشارا بين حاملي الشهادات العليا وأصحاب المكانة المرموقة؟
فنقول إخواني: هذا الرد حيود عن النقاش المنطقي، وأولى منه مناقشة الأدلة ومحاكمة الأفكار والمناهج إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بدلا من التعلق بقضية لا علاقة لها بصلب الدعوة. فالحق مر أحيانا، وتبعاته ثقيلة، وطريق الحق مليء بالأشواك، والغلبة في هذا الزمان لأهل الباطل. فليس كل أصحاب الوجاهات مستعدين للتضحية بدنياهم أو التعرض للإذلال والأذى في سبيل ربهم سبحانه. ولا عجب حينئذ أن ترى غالبية ركب الحق من المستضعفين.
إذن إخواني، ما الدرس المستفاد؟ الدرس هو: لا يصدنَّك عن الحق كون عامة أتباعه من غير الطبقات المرموقة اجتماعيا أو ماديا. فهذا سبب أدى من قبل إلى حرمان أناس من قبول دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأودى بهم إلى الشقاء الأبدي، وهم يقولون: (أنؤمن لك واتبعك الأرذلون). نسأل الله العافية. ففي ميزان الله الحق أتباع دعوته هم الأعلون الشرفاء المكرمون مهما قلت منزلتهم في عيون المنتفخين المتكبرين. والسلام عليكم ورحمة الله.