بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله.
أرى في الإثارة الإعلامية لقضايا -كقيادة المرأة للسيارة- صرفا موجها لدور الدعاة عن هذه المهام العظيمة وتهزيلا لصورتهم ليبدوا وكأنهم خصوم المرأة القدماء المتشنجون المتحجرون الذين يريدون أن يمنعوها "حقوقها" بينما هم متخاذلون عن نصرة قضايا الأمة المصيرية. في المقابل، تَصَدُّر الدعاة لمهمتهم العظيمة مدعاة أن يصبح بعض هؤلاء "الخصوم" المفترَضين شركاء في اجتثاث الباطل الذي يشغل الجميع عنه بمعارك جانبية. 2. من الأخطاء القاتلة أن يثني داعية على "صلابة" وزارة الداخلية" و"استبسال رجال الأمن" في التصدي لــ"مثيرات الفتنة" اللواتي يطالبن بقيادة السيارة! فيظهر "المشايخ والنظام" في خندق واحد في عيون الناس في مجابهة من؟ في مجابهة المرأة!! علينا ألا ننسى أن الجهات الرسمية هي نفسها التي تعمل دائبة على تغريب بلاد الحرمين وعلمنتها واضطهاد وحبس وتعذيب من يقف في وجه ذلك. أي ثناء على منعهم لقيادة المرأة للسيارة مع فتح جامعات تعج بالاختلاط والتهتك؟! أي ثناء والمتنفذون هم أنفسهم أصحاب قنوات الكفر والفجور التي تفسد العالم العربي أجمع وليس بلاد الحرمين فحسب؟! أي ثناء ومهرجانات الرقص والغناء تقام برعاية الدولة بينما هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تُحجَّم وتُعتقل وينكل بها؟! إن كان المسؤولون يريدون إثبات غيرتهم على الدين ومحاربة داعيات الفتنة والفساد بالفعل فدونهم اللواتي لا يدخرن جهدا في محاربة دين الله تعالى تحت نظر الجهات الرسمية! 3. لا ينبغي أبدا رسم مسألة قيادة السيارات على أنها معركة الشريعة والهوية الإسلامية! بحيث إذا منعتها الجهات الرسمية فإنها حمت بيضة الدين وحرست بلاد المسلمين من الفساد والمفسدين!! ففي ذلك ذرٌّ للرماد في العيون عن تضييع الشريعة بالكلية في مفاصلها الأساسية بموالاة النظام الدولي والسير في فلكه ومحاربة المشاريع الإسلامية والدعاة في الداخل والخارج مقابل إطلاق يد الجاهليين "العلمانيين" وتركهم يتقيأون حقدهم على الشريعة في وسائل الإعلام –بل التجهيل- المختلفة، واختراق الجهاد الشامي وحرف مساره وغيرها. أما قيادة المرأة للسيارة فهي في أصلها مسألة فقهية تُتناول بهدوء، بينما ينبغي أن يشتد النكير على منظومة الإفساد المتكاملة التي يريد البعض لهذه المسألة أن تكون حلقة من حلقاتها. 4. لا يمكن مناقشة قيادة السيارة بمعزل عن هذه المنظومة المتكاملة المذكورة. فهذه المنظومة تشمل إفساد الشباب والفتيات بالمسلسلات الماجنة التي تُبث بقنوات يملكها المتنفذون في الجهات الرسمية، ثم إسكات الأصوات المنكِرة لهذا الإفساد وتغييب القدوات الصالحة، ثم يراد بعد ذلك للفتاة أن تتنقل بسيارتها وسط هذا المجتمع الذي رُفعت فيه الحصانات وانتشرت فيه الشهوات المسعورة لتطبق هي ويطبق الشباب عليها ما يرونه على شاشات المتنفذين!! فبغض النظر عن حكم قيادة المرأة للسيارة لو كانت في دولة إسلامية بالفعل، فإن الإشكالية هي في توظيف هذه المسألة ضمن منظومة الإفساد. وهذا هو الذي يستثير بعض الدعاة الفضلاء ويدفعهم إلى التركيز على الموضوع. وينبغي التفريق بين هؤلاء الفضلاء من جهة، ومن جهة أخرى "مشايخ ولاة الأمر" الذين يحرمون قيادة المرأة للسيارة ويصدرون الفتاوى لتبرير قيادة أمريكا لحكامهم! لكن ننبه الدعاة الفضلاء على ما ذكرناه أعلاه من عدم تشتيت الجهد في هذه المسألة الثانوية نسبيا، وادخار الجهد لجذور منظومة الإفساد. فمع بقاء هذه المنظومة لن يكون خروج المرأة مع السائق مثلا أقل سوءا من قيادتها هي للسيارة. 5. نقول للذين يتباكون على حقوق المرأة: بالنسبة والتناسب، أولى لكم أن تتباكوا على هيلة القصير وكسر يد مها الضحيان ونكبة العجوز لطيفة الخضيري بخمسة من أولادها المعتقلين ثم باثنتين من بناتها لجرم أنهما طالبتا بأزواجهما! أولى لكم أن تتباكوا على بنات وأخوات وأمهات وزوجات الثلاثين ألف أسير سياسي المغيبين في السجون، واللواتي يعشن كابوسا مستمرا وهن يعلمن أن ذويهن هؤلاء يتعرضون للتعذيب والإهانة. بغض النظر عن حكم قيادة السيارة، لكن لو كانت الهدف هو "حقوق المرأة" بالفعل أليست هذه حقوقا أولى بالمطالبة! 6. يُراد إبراز فئة من النساء على أنهن ثائرات على قوانين الدولة وعلى "قيود" الشريعة معا! تمريرا للثانية تحت غطاء الأولى، لئلا يظهرنَ مارقات من الدين منافقات فاسقات محشوات بزبالات الغرب مبهورات بفوضاه الأخلاقية، بل ثوريات متحررات شجاعات! وإلا فمن الذي ابتعثهن للتعليم في الخارج ابتداء ليأتين بدعوة التغريب؟ وهل يُتصور أنه لا يمكن وضع حد لهن وهن يمارسن دعواتهن بحرية بينما يُعتقل الدعاة على تعليق أو مقال على الإنترنت معارض لسياسات الدولة؟! وأخيرا، أود تذكير الإخوة والأخوات بحادثة حدثت في ميدان الإسماعيلية في مصر عام 1919 أثناء الاحتلال البريطاني الماكر عندما خرجت مجموعة من النسوة بقيادة صفية زغلول وهدى شعراوي في مظاهرة عنوانها مقاومة الاحتلال...ووسط الهتافات ضد الاحتلال قام هؤلاء بنزع الحجاب والدوس عليه!!!!! دون أية مناسبة! حتى سُمي هذا الميدان فيما بعد: ميدان التحرير! هؤلاء النسوة هُن اللواتي قُدنَ حملة التغريب في مصر فيما بعد وأغنين بريطانيا عن عناء الاحتلال، فما المانع لدى بريطانيا إذن لو أنهن هتفن ضدها ما دمن سينفذن سياسياتها في مظهر البطلات القدوات! نسأل الله أن يهدي شباب وفتيات الأمة لما يحب ويرضى. والسلام عليكم ورحمة الله.