→ جميع المقالات
إلى المحاصرين بحمص والغوطتين
٩‏/٢‏/٢٠١٤

إخوتي المحاصرين بحمص والغوطتين، أتحزنون لأنكم ترون النفوس تموت سُدىً ما أحدثت في عدو هزيمة ولا جلبت للمسلمين نصرا؟ فلا والله ما ذهبت سدى! فمن مات لأجل دينه وعرضه فهو شهيد وإن كان يموت جوعا وحصارا. هذه نفوس يصطفيها الله من بين خلقه: (ويتخذ منكم شهداء)، والله لا حاجة له بنكاية في عدو، ولا أنتم ملزمون، إن اصطفاكم الله، بنصر للمسلمين. بل قد وقعت على الله أجوركم وما كان الله ليضيع إيمانكم. في الحديث الذي رواه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما مِن غازِيَةٍ أو سَرِيَّةٍ تَغزو فتَغنَمُ وتَسلَمُ إلَّا كانوا قد تعجَّلوا ثُلُثَي أُجورِهم. وما مِن غازِيَةٍ أو سَرِيَّةٍ تُخفِقُ وتُصابُ إلَّا تَمَّ أجورُهم). وفي القصة التي أوردها البخاري أن سبعين من خيرة الصحابة كانوا يسمون القراء، أي كثيري قراءة القرآن، وكانوا من القوامين بالليل، أرسلهم رسول الله إلى قبائل رعل وذكوان وعصية وبني لحيان ليعلموهم الإسلام، فغدروا بهم، وطعنوا أحدهم برمح في ظهره نفذ من صدره فقال: (فزت ورب الكعبة)...فاز لأنه قُتل على طاعة الله. ثم قتل الغادرون بقيتهم. تصوروا يا إخوتي هذا الحادث الأليم! سبعون من خيرة الصحابة يُقتلون وما علموا الناس دينهم بعد ولا أحدثوا في أعدائهم نكاية ولا حققوا للمسلمين نصرا ظاهرا. ومع ذلك ماذا كان مصيرهم؟ قال أنس بن مالك: (فقَرَأنا فيهم قُرْآنًا، ثم إنَّ ذلك رُفِعَ: بَلِّغوا عنَّا قَومَنا أنا لَقينَا رَبَّنا فرَضيَ عَنَّا وأرْضانا)...آيات تلاها الصحابة فيهم قبل أن تُنسخ. فأي فوز أعظم من هذا؟! والله ما تذهب نفوس من يموت منكم سدى واللهُ ببركتها وبركة غيرها سيقيم للمسلمين مجدا ولو بعد حين، وحسبها أنها أبرأت ذمتها، ثم حسبها أن تبقى مضرب المثل للمسلمين، وقدواتٍ قريبة لكل طالب كرامة فيقول: أهل حمص والغوطتين ابتُلوا في الله وحوصروا سنتين لا يجدون ما يأكلون وزلزلوا زلزالا شديدا وتوفاهم الله على هذا الحال مؤمنين صابرين محتسبين، أو جعل الله لهم بعد ذلك مخرجا من حيث لم يحتسبوا. فأنتم يا إخوتي صُناع المجد ومنارات الثبات، وإن احتسبتم الأجر فلعل الله يجعل من استن بسنة صبركم بعدكم إلى القيامة في صحائف أعمالكم. وانظروا حال أصحاب الأخدود الذين ضربهم الله مثلا للمؤمنين إلى قيام الساعة. ولذا فإني أتجه بالكلام إليكم الآن وأترك من ليس في مثل حصاركم ممن قصر في نصرتكم. فأنتم أرفع شأنا وأبقى أثرا وأعز إلى قلوب المؤمنين.