السلام عليكم ورحمة الله
إخوة الدين أم إخوة المنهج؟
إخوة الكرام، هناك أمر خطير يجر إليه كثير مننا نحن المنسوبين إلى الجهاد، قتالًا أو تنظيرًا أو تعليقًا، في الآونة الأخيرة بعد الاقتتال في الشمال السوري، هو أننا نقوقع أنفسنا بأنفسنا. وذلك من خلال طريقة تناولنا للمشكلة، والتي تشعر الآخرين أننا لا نرى في الساحة غير الجماعات السلفية الجهادية، وأننا نعنى بحل مشاكلها أكثر مما نعنى بمشاكل غيرها. وكأن الآخرين مسلمون درجة ثانية.
قد لا نقصد ذلك ولا نعتقده، بل كثير مننا ما أخرجه من بيته وضحى بنفسه إلا نصرة لهؤلاء الآخرين. لكن تركز جهودنا ومفرداتنا باتجاه معين قد يعطي عنا انطباعًا أننا لم نعد نراهم.
من نحن ومن الآخرون؟
من نحن؟ من نسمي أنفسنا أصحاب المنهج؟ أي منهج؟ المنهج الواضح في إرادة إقامة الشريعة والكفر بالديمقراطية والدساتير الوضعية.
من الآخرون؟ هم عامة الناس والفصائل غير الممنهجة التي تقاتل لغاية مشروعة من الدفاع عن النفس والعرض، الذين إذا قيل لهم شريعة قالوا سمعنا وأطعنا. لا يدرون ما ديمقراطية وما علمانية، ولا يحاربون لحساب ائتلاف ولا عسكري، ولم يقاتلوا مسلمًا لأجل إسلامه ولا مظاهرة لكافر عليه. نقول لهم ما منهجكم؟ فيقولون: "إيش منهج؟ نحن درويش يا أخي على البساطة".
ليس حديثي هنا عن الفصائل التي تقاتل لتنفيذ أجندات خارجية، ليس حديثي عن الفصائل التي صنعت على أعين النظام الدولي وبدعم من الدول الوظيفية والمؤتمرة بأمر الهيئات التي تعلن إرادتها لدولة السيادة فيها لغير شريعة الله عز وجل. كما لن أتطرق هنا لمشكلة اختزال المنهج في الكفر بالديمقراطية.
أثر تقوقعنا على الأمة
إنما أريد أن أقول: حتى نحن الذين ننكر على من رفضوا التحكيم المستقل، وغاب من حديثنا تدريجيًا السواد الأعظم من مسلمي الشام، أتدرون إخوتي ماذا نفعل بذلك؟ إننا نشعر عامة الناس بالشام أننا نخوض معركتنا نحن على أرضهم هم. إننا نثبت بأنفسنا على أنفسنا ما عجزت قوى الكفر بداية عن إثباته علينا: أننا لا نمثل الأمة، بل فرضنا أنفسنا عليها.
إننا نضيع أعظم فرصة منحنا الله إياها في الوقت المعاصر، فرصة سريان الروح الجهادية في الشعب الشامي ليتبنى مشروع التحرر وإقامة الدين الذي يدين به واقعًا في حياته ويحتضنه، بحيث يصبح انتزاع المشروع كانتزاع الروح من جسد هذا الشعب المسلم.
إننا نقوقع أنفسنا بحيث يصبح استئصال نخبة صاحبة المنهج بسهولة استئصال شوكة غريبة على الجسد.
دماء المسلمين تتكافأ
أتألم حقيقة عندما نتناقل أخبار قيادات في فصيل صاحب منهج تم تصفيتهم، فيضع أحد الآخرين من عوام المسلمين صورة أخيه أو صديقه ويقول: "يا ناس هذا أيضًا مظلوم قتل، ألا تترحمون عليه؟ ألا تطالبون بحقه؟" الناس الآن يستحيون فينا إخوة الإسلام، ويذكروننا بأن المسلمين تتكافأ دماؤهم.
إن بقينا نشعرهم بأنهم عندنا درجة ثانية وليسوا من ضمن رأس المال كونهم ليسوا أصحاب منهج، فقد نفتنهم عن دينهم، وننقلهم من ميزان حسناتنا إلى ميزان سيئاتنا، مصيبة أدهى من نقلهم من صف أخوتنا إلى صف عداوتنا في هذه الدنيا.
إخوتنا الذين لا ننصفهم
الفصائل التي تقاتل لغاية مشروعة ولا تنفذ أجندات خارجية، هؤلاء إخوتنا. كم نكون مخطئين عندما نريد أن نبرهن لأهل الغلو أننا أنقياء المنهج، فنجر إلى الحديث عن هؤلاء، عن إخوتنا هؤلاء، على أنهم متهمون، نحاول إثبات براءتهم. وما براءتهم؟ أنهم ليسوا كفارًا فحسب، ونهددهم بأننا إن رأينا منهم كفرًا فسنقف لهم بالمرصاد! بدل أن نظهر لهم الموالاة والمحبة لأنهم مسلمون.
ما عرفوا من قبل جهادًا ولا علمًا ولا منهجًا، وعاشوا تحت نظام التجهيل والقمع عقودًا، ويغريهم أعداؤنا بالمال ليقاتلونا، فيأبى عليهم دينهم ونخوتهم أن يسلمونا ويقولون: "نعم نريد لدين الله أن يسود".
كم نكون مخطئين حين نخاف من الثناء على إخوتنا هؤلاء، لئلا يقدح فينا وفي منهجنا أصحاب الألسنة الحداد الأشحة على الخير، ويصفونا بأننا عباد الحاضنة الشعبية! وكأن تألف الناس وليننا معهم ليس من دين الله تعالى، وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينفق أموالًا طائلة لتأليف قلوب المشركين! إخواننا هؤلاء مسلمون ليسوا مشركين، ولا يريدون منا ما لن نتألفهم به، بل يريدون منا كلمة حانية وتقديرهم وإشعارهم بأننا نراهم إخوتنا. فما أظلمنا إن حرمناهم من هذه الكلمات إرضاء لمن لا يفهم سنة النبي صلى الله عليه وسلم في تألف الناس.
ما أشد عقدتنا إن نحن خفنا أن نثني عليهم اليوم ثم يبدر منهم انحراف غدًا، فيأتي متتبع الزلات ومختلقوها ليعيرون حينها بثنائنا القديم عليهم، فنؤثر الاحتياط لسمعتنا ونترك إخوتنا لوحشة الطريق، تمامًا كما نفعل مع من نراهم إخوة المنهج.
قيمة الآخرين في مشروع الأمة
هؤلاء إخوتنا، عوامهم الذين يحاربون العدو والصائل الكافر أحب إلينا وأعز علينا من أنقياء المنهج بالتعريف الضيق إنهم حرفوا بوصلة الصراع. صحيح أن الثورات تحتاج نخبًا ذات منهج لتصبح الثورة جهادًا على بصيرة يؤدي إلى التحرر وإقامة دين الله ويمنع من حرف المسار وسرقة الثمار، لكن علاقة هذه النخب مع سائر مكونات الثورة لا بد أن تكون علاقة تكاملية تعاونية لا استعلائية فوقية.
هذا بالإضافة إلى أن من نراهم الآخرين فيهم نخب دينية ودعوية وأهل علم في غير الشأن الجهادي ومن غير الاتجاه الموصوف بالسلفي الجهادي، وفيهم أصحاب تخصصات في شتى مجالات الحياة لا ينهض مشروع إقامة دين الله بدونهم. هؤلاء إخوتنا، إن كنا نعلمهم المنهج فإننا نتعلم منهم التضحية والثبات والإيمان، وقد رأيناهم يذبحون ويحرقون ليكفروا فيقولون: "لا إله إلا الله، ما لنا غيرك يا الله".
الوفاء للمضحين
من أهم علامات نقاء المنهج الوفاء لهؤلاء الذين ذبحوا وحرقوا، فأحرقوا وذبحوا معهم عهدًا من الخنوع والذل، ورحلوا عن الدنيا دون أن تتلطخ أيديهم بدماء المسلمين من أجل سلطة أو كبر. هؤلاء الذين لم يعرفوا المنهج لكن كان في قلوبهم إيمان كالجبال الرواسي فيما نحسبهم.
إخواننا الذين أهملناهم في الفترة الأخيرة فيهم كثيرون ممن يمكن أن يكونوا كهؤلاء، كلمات قليلة واهتمام بهم سيفجر فيهم ينابيع التضحية والفداء للإسلام. وليس من الإنصاف ولا العقل ولا الشريعة ولا نقاء المنهج أن نهمل هؤلاء إرضاء لأي أحد.
والسلام عليكم ورحمة الله.