→ عودة إلى مرئيات

الخليفة سليمان بين الحقيقة و (حريم السلطان)

١٧ أبريل ٢٠١٤
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم.

من هو الخليفة سليمان القانوني؟

من هو الخليفة سليمان القانوني؟ وما الهدف من تصويره على أنه سلطان منغمس في الشهوات؟

بدايةً إخوتي، هل يُقبل منا أن نأخذ تاريخنا عن أعدائنا؟ إن كان ما يسمى بالكتاب المقدس الذي يدين به اليهود والنصارى، يفتري على نبي الله سليمان عليه السلام، فيقول في سفر الملوك الأول: "وكان في زمان شيخوخة سليمان أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى، ولم يكن قلبه كاملاً مع الرب إلهه كقلب داود أبيه، فذهب سليمان وراء عشتروت إلهة الصيدونيين وملكوم رجس العمونيين". حاشا نبي الله عليه الصلاة والسلام.

فإن كانوا يقولون ذلك في نبي الله سليمان، مع أنهم يعترفون بنبوته ويفتخرون به، فماذا تتوقعون أن يقولوا عن الخليفة سليمان الذي مرّغ أنوفهم في التراب؟ حتى قال عنه المؤرخ الألماني هالمر: "كان هذا السلطان أشد خطراً علينا من صلاح الدين نفسه".

أحرق أعداء الإسلام وأغرقوا مكتبات بغداد وقرطبة وغرناطة وإشبيلية وطرابلس لبنان والقدس وعسقلان وغيرها. يحرقون كتبنا ثم يكتبون تاريخنا بأنفسهم. فهل يليق بنا بعد ذلك أن نعرض عما تبقى من مؤلفات علمائنا ومؤرخينا؟

ألا ينبغي لنا إخوتي، بدلاً من أن نتعرف على الخليفة سليمان من كتب أعدائنا الموجوعين منه، ومن أفلام العلمانيين أيتام أتاتورك، ألا ينبغي لنا أن نتعرف عليه من كتب علماء ومؤرخين مسلمين عاصروا الخليفة وكانوا قريب عهد به؟

شهادات المؤرخين المسلمين في الخليفة سليمان

الخليفة سليمان أثنى عليه المؤرخ الفقيه الذي عاصره طاش كبري زاده، كما في كتابه "العقد المنظوم". وأحمد بن يوسف القرماني الذي عاصر الخليفة أيضاً، كما في كتابه "أخبار الدول"، فقال: "وكان رحمه الله عالي الهمة، عالماً شجيعاً إلى الغاية، طويل القامة، حسن الصورة، وهو ممن اشتهر في الآفاق بالعدل والخير".

وكذلك الفقيه المؤرخ ابن العماد الحنبلي الذي ولد بعد وفاة الخليفة بـ 32 عاماً فقط، كان مما قال عنه في كتابه "شذرات الذهب": "استمر في السلطنة 49 سنة، وهو سلطان غاز في سبيل الله، مجاهد لنصرة دين الله". وقال فيه أيضاً: "وكان مجدد دين هذه الأمة المحمدية في القرن العاشر".

وقفات مع سيرة الخليفة سليمان القانوني

تعالوا نقف وقفات مع سيرة الخليفة سليمان رحمه الله، مستمدين كثيراً من المعلومات من دراسة أعدها الكاتب محمود حافظ بعنوان "السلطان سليمان القانوني أكبر ملوك الإسلام". هذه الوقفات تجعلك تدرك لماذا تحرص وسائل الإعلام التابعة للصليبيين وأذنابهم من حكام المسلمين على تشويه صورة سليمان القانوني.

فتح بلغراد

في عام 926 هـ، استشاط السلطان سليمان غضباً وقال: "أيُقتل سفير دولة الإسلام؟". ليس من مصلحة الأنظمة أن نعرف التاريخ الحقيقي لسليمان، فالمسلمون أهون الناس في أيامنا، يُقتلون في الدول الشقيقة والصديقة ويُهانون، فلا تطالب دولهم بحقهم، ولا يستشيط لهم السلاطين غضباً، ولا ينتصرون. "لا يُلام الذئب في عدوانه إن يكُ الراعي عدو الغنم".

أما سليمان فما أصبح الصباح إلا وقد أعد جيشاً جراراً مدعوماً بالسفن الحربية، وخرج بنفسه على رأس هذا الجيش قاصداً مدينة بلغراد عاصمة صربيا حالياً، فحاصرها ثم دخلها فاتحاً يوم 26 رمضان، وأمر أن يرفع الأذان من قلعتها. وكانت هذه بداية زحفه نحو المجر التي كان بها إمبراطورية قوية قضى عليها آخر حياته.

بعد فتح بلغراد، وقعت هيبة الخليفة في قلوب ملوك أوروبا وروسيا، وعلموا أنهم أمام رجل، فأرسلوا إليه يهنئونه بالفتوح ويعطونه الجزية عن يد وهم صاغرون.

عدله ورفقه بالمسلمين

كان سليمان مع عزته على الكفار رؤوفاً شفوقاً بالمسلمين، كما وصفه ابن العماد الحنبلي: "أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين". فأطلق سراح ستمائة مسجون في مصر عند توليه الخلافة.

ليس من مصلحة الأنظمة في العالم الإسلامي أن تدرك هذا عن الخليفة ثم تقارنه بها. تقارنه بالبلد الذي يمتلك أمراؤه محطات الإفساد الناشرة لـ "حريم السلطان"، بينما فيه ثلاثون ألف سجين سياسي معظمهم دعاة وعلماء. أو تقارنه بالبلد الذي يذوب فيه السجناء بالأسيد، ثم يقوم ممثلون منه بدبلجة صوت السلطان وقادته. أو بالبلد الذي فيه أربعة آلاف وخمسمائة امرأة من أهل السنة يتعرضن للاغتصاب والتعذيب، وقد كان سليمان قد كف شر أجداد هؤلاء الجلادين من الصفويين.

إصلاحاته الإدارية والقانونية

الخليفة سليمان جعل منصب الفتوى أعلى المناصب قاطبة بعد منصب الخلافة، وجعل بطانته من العلماء وعلى رأسهم العالم الجليل أبو السعود، صاحب التفسير المشهور بـ "تفسير أبي السعود" والذي لا يزال تفسيره محفوظاً قرأنا منه واستفدنا. وتعاون مع أبي السعود على صياغة قوانين مستمدة من القرآن والسنة، ومن هنا كانت تسميته بـ "سليمان القانوني". وقد وصفه الجبرتي في كتابه "عجائب الآثار" بـ "إقامة الشعائر الإسلامية والسنن المحمدية وتعظيم العلماء وأهل الدين".

نعم، لم يتخذ سليمان طراطير يتمسح بهم ويضفي بهم على نفسه شرعية ويوظف بهم الدين من أجل أطماعه وشهواته.

فتوحاته وجهاده

على كل المحاور، شرقاً واجه الروس القياصرة وضم نصف روسيا لخلافته، وصد هجمات البرتغاليين على الهند المسلمة وقتها. غرباً واجه الإسبان في شمال أفريقيا وحرر عدة بلدان منهم، وأنقذ عشرات الآلاف من المسلمين الفارين من الاضطهاد بعد سقوط الأندلس. شمالاً توغل في أوروبا فشملت خلافته معظم يوغوسلافيا والمجر وبولندا وبلغاريا ومقدونيا ورومانيا واليونان. جنوباً صد هجمات البرتغاليين على شبه الجزيرة العربية وشرق أفريقيا.

الخنجر المسموم، الدولة الصفوية الرافضية، كانت قد ارتكبت مجازر ضد أهل السنة في العراق وفارس وتحالفت مع الصليبيين، فوجه الخليفة حملات طهرت منهم العراق وإيران وأذربيجان والقوقاز.

محمود بن سعيد مقديش الذي ولد بعد وفاة الخليفة بمائة وخمسين عاماً قال في كتابه "نزهة الأنظار": "ولم يكن أكثر جهاداً ونصرة للدين، وأكمل عدة وآلة لقطع الملاعين، وأقمع لأهل البغي والبدعة والكفرة الملحدين، وأشد عضداً وأشد نصراً لأهل السنة والدين منه رحمه الله". أعلمتم لماذا يكرهونه؟

اهتمامه بالحضارة والعلم

كان الخليفة يعتني ببناء المناطق التي يفتحها حضارياً، في الوقت الذي كانت أوروبا غارقة في جهلها، فكانت الكنيسة تحرق وتكفر من يخالفها في مغالطاتها العلمية. كوبرنيكوس الذي اضطهدته الكنيسة لقوله بأن الأرض ليست مركز الكون وأنها تدور حول نفسها، كان من معاصري الخليفة سليمان.

كان الخليفة يحس بمسؤوليته تجاه المسلمين جميعاً. جزيرة رودس اليونانية كان يسكنها صليبيون مسمون بفرسان القديس يوحنا، فكانوا يغيرون على سفن المسلمين المتجهة للحجاز يقتلون الرجال ويهتكون أعراض النساء، ففتحها الخليفة بعد حصار دام ستة أشهر، وأعطى نصارى القلعة من غير هؤلاء أماناً على كنائسهم ودينهم.

في الوقت ذاته الذي كان باب الفاتيكان يتصدى لدعوة مارتن لوثر ومذهبه البروتستانتي بالقتل والتحريق والتعذيب، كان الخليفة قد أصدر قانوناً بمنع اليهود من سكن فلسطين. لا يريد لك من باع فلسطين أن تعرف هذا عنه.

خاتمة حياته وجهاده

بعد تاريخ مشرف من الجهاد والفتوحات وعزة المسلمين، أراد الخليفة أن يتمم فتح بلاد المجر، والتي كانت دول أوروبية أخرى كألمانيا تدعمها بالجنود خوفاً من الزحف العثماني. كان الخليفة قد بلغ من العمر أربعة وسبعين عاماً، وكان طبيبه قد نصحه بعدم الخروج لمرضه، فكان جوابه: "أحب أن أموت غازياً في سبيل الله". وأخيراً فتحت مدينة سكتوار فاكتمل سقوط الإمبراطورية.

دحض الافتراءات وتشويه التاريخ

كان هذا جانباً من سيرة الخليفة سليمان رحمه الله، فهل نصدق في وصفه ابن العماد الحنبلي الذي جاء بعده بقليل وقال فيه: "لا يعرف الغل والخداع ويتحاشى عن سوء الطباع ولا يعرف المكر والنفاق ولا يألف مساوئ الأخلاق بل هو صافي الفؤاد صادق الاعتقاد"؟ أم نصدق ميرال أوكاي التي جاءت لنا بعد خمسمائة عام بزبالات كتب أعداء الخليفة لتصوغ لنا "حريم السلطان" وتظهر الخليفة رجلاً فاسداً معاقر خمر متقلباً بين أحضان النساء يضحكن عليه ويغرينه؟ في الوقت الذي تخوض فيه العلمانية في تركيا معركتها الخسيسة ضد الروح الإسلامية التي سرت في كثير من أبناء الشعب التركي، فيأتي أيتام أتاتورك ليكرسوا الصورة النمطية التي رسمها الأوروبيون عن الشخصية المسلمة وخاصة العثمانية، ولا عجب فقد قمعت شرهم وفسادهم.

أما ما يقال من أنه رحمه الله قتل ابنه مصطفى بإغواء من زوجته روكسلانا أو خرم سلطان التي تعاونت مع رستم باشا وأنها كانت ماكرة خدعته، فقد بحثت طويلاً لأجد أي مستند من كتب الأوائل يشهد لهذا فلم أجد. فهل نصدق سيرة الخليفة الحسنة الظاهرة وعدله المستفيض لتسعة وأربعين عاماً؟ أم ما يدعي الكتاب الأوروبيون أنهم اطلعوا عليه من همس امرأة السلطان له في غرفة النوم؟

المؤرخ الأمريكي هارولد لامب الذي أسهب في تصوير روكسانا كماكرة في كتابه "سليمان The Magnificent Sultan of the East" هو ذاته الذي قال عن الخليفة: "إن يوم موته كان من أيام أعياد النصارى". ولنتذكر أن هذا الذي افتراه أهل الكتاب على الخليفة سليمان هو نفس ما افتروه على النبي سليمان فقالوا: "أغوته النساء".

الحرب الممنهجة على الخلافة

المسألة ليست مسألة مسلسل ولا شخص الخليفة سليمان، إنها الحرب الممنهجة على الخلافة، الحرب الممنهجة على مبدأ الخلافة ذاته. إنه تاريخ يزور وعقول تغيب، ليحس المسلمون أنهم متطفلون على البشرية لا جذور لهم ولا تاريخ يعتزون به. وأنصح إخوتي بالعودة لكلمة "هكذا يغتالوننا" في الموضوع نفسه.

أعداؤنا يحققون بمسلسلاتهم هذه ثلاثة أهداف: إفساد أخلاق الشباب بالمشاهد الماجنة، وتشويه تاريخهم في أذهانهم، وجعلهم يكرهون أحكاماً إسلامية يبترونها عن سياقها المناسب ويضعونها في أبشع صورة. فهل يرضى مسلم لنفسه أن يفتح قلبه وعينيه وأذنيه لحثالات هؤلاء الذين يريدون أن يصفوا حساباتهم مع الدولة العثمانية ويأخذوا بثأرهم من الإسلام والمسلمين من خلال هذه المسلسلات؟

والسلام عليكم ورحمة الله.