→ عودة إلى مرئيات

بلاش "دكتور..دكتور"

١٣ نوفمبر ٢٠٢٠
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم ورحمة الله.

الإسراف في استخدام لقب "دكتور"

إخواني الكرام، من زمن وأنا أود الحديث عن موضوع الإسراف في استخدام لقب "دكتور" مع حاملي شهادة الدكتوراه. هذه الظاهرة لها مساوئ كثيرة ونحتاج جميعًا أن نتخلص من مساوئها. بعض الإخوة وبعض الطلاب لما يكلمني، لازم كل جملة يحط فيها كلمة "دكتور". "نعم دكتور"، "أكيد دكتور". وأحيانًا يقول جملة كاملة وينسى فيها لفظ "الدكتوراه"، فبعد ما يسكت زي اللي بيستدرك فيقول: "دكتور"، وكأنه يعتبر من الجفاء ونقص الأدب ألا يقولها.

شوفوا يا إخوانا، أدب الخطاب من الإسلام، لكن النفخ في النمرود الصغير في نفس الإنسان ليس من الإسلام. تغذية حب الاستعلاء في نفوس الناس ليس من الإسلام. تعالوا نعد مع بعضنا مساوئ التركيز على الألقاب، خاصة "الدكتور".

مساوئ التركيز على الألقاب

1. تنمية الكبر والاستعلاء

أولًا: تشعر الدكتور المخاطَب بأنه متميز عن غيره، وهذا ينمي فيه الكبر والاستعلاء على عباد الله. قال الله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}. لذلك إذا قلت لي: "أخشى إذا لم أنادي الدكتور فلان بلقبه أن يزعل ويحس أني أنتقص منه"، أقول لك: هذا إذن أكثر واحد تحتاج تناديه باسمه حاف أو يا أخي، علشان ما ينتفخ النمرود الصغير في نفسه، حتى لو كان داعية وحتى لو كان دكتور شريعة. أكبر داعية عنده النفس أمارة بالسوء وعنده شيطانه الخاص.

لم يجعل الله تعالى التفاضل على أساس كلمة "دكتور". أصبحت في حس الناس تساوي الشخص المهم أو الشخص غير العادي، الشخص المميز. لذلك الناس إذا احترمت شخصًا فقد تقول له: "دكتور فلان"، فيقول: "لا يا جماعة أنا مش دكتور". خلص في الحس أنا "دكتور" شيء فخم، و"مش دكتور" أقل منزلة. لا إخوانا، القاعدة الربانية هي: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.

بل وعند البعض لازم تعرف متى تستخدم "سعادة" ومتى "عطوفة" ومتى "معالي" وإلى آخره. لا تقول لي حفظ المقامات، ولا تنمِّ النماريد الصغيرة في الناس. كفاية نماريد الكبار من المتسلطين. بلاش نحن كمسلمين أيضًا يتعالى بعضنا على بعض.

ستقول لي: "لكن يا إياد الإسلام حث على العلم والعلماء لهم منزلة". فأقول لك: العلم ليس محصورًا في الدكتوراة. وكم من عالم جليل بلا دكتوراة، وكم من جاهل سفيه يحمل لقب بروفيسور، مش بس دكتور. فلا كل عالم دكتور ولا كل دكتور عالم.

2. التفاضل الوهمي والاحتلال الثقافي

أنا شخصيًا أعرف أخًا ذكيًا مجتهدًا من أهل العلم الشرعي يدرس الدكتوراه في الجامعة، مع أني أحسب أنه يضع كل دكاترته في جيبه الصغير كما يقال، لكنه يفعل ذلك، يدرس الدكتوراه لأن فتواه وكلامه لا يكتسب وزنًا كافيًا عند كثير من الناس كونه ليس دكتورًا، علشان يحط "د." قبل اسمه. مع أنه في كثير من الأحوال لا يحتاجها ولا يحصل على علم يبرر ما ينفقه من أجلها من ماله وعمره. لكن أصبحت وسيلة للتفاضل الوهمي، وهذا احتلال ثقافي نضع نحن أيدينا في قيوده.

نظام أكاديمي مرجعيته ليست الوحي، والتفاضل فيه ليس على أساس التقوى. ومع ذلك نضيع أعمارنا وأموالنا في التنافس فيه، لأننا كمجتمعات مسلمة محتلون نفسيًا له. الأصل في المؤثرين أن يعملوا على تغيير معايير المجتمع ويثبتوا أنفسهم بعلمهم وعملهم، ولا يحرصوا على الشهادة إلا إذا قدمت لهم علمًا حقيقيًا. وحينئذ فكسبوا احترام الناس الذين يهمهم الألقاب فائدة إضافية إذا رافقها تواضع وتسخير لهذا الاحترام لصالح الإسلام والمسلمين.

3. إطفاء الشرعية على الجهل أو الضلال

المفسدة الخامسة للتركيز على الدكتوراه هي إطفاء الشرعية على الجهل أو الضلال لمجرد أن قائله دكتور. كم من فتوى ضالة كان لها هيبة في نفوس الناس لأن القائلين بها دكاترة. كم من علم زائف يبعد عن الله ويشوه إدراك الناس اكتسب مصداقية لأن القائلين به دكاترة، وكأن "دكتور" تعني عالم نزيه مصدق فيما يقول. هذه مفاسد خمسة وهناك غيرها.

التوصيات والخلاصة

ولنتذكر أن عظماء الأمة لم يكونوا دكاترة، وأن نقلل استخدامها، وأن لا نحس بأي حرج عندما نخاطب دكتورًا باسمه. وإذا كنت دكتورًا، ما تحس بأي حرج إذا تكلم معك أحد لفترة ولم يخاطبك بالدكتوراه.

أحيانًا من المناسب استخدامها بتكرار، مثلًا لما تخاطب دكتورًا يكبرك سنًا من باب أدب الخطاب، مثلها مثل قول "يا عم". لكن حتى في هذه الحالة مش مشكلة.

النقطة الثانية: "دكتور دكتور" كذلك بين الجنسين، خاصة في ظل الاختلاط في أجواء العمل. فمخاطبة الشخص باسمه يحدث مودة، فمن باب الرسمية في التعامل وسد منافذ الشيطان، "يا دكتور يا دكتورة" تساعد على إبقاء حد أدنى من الانضباط في التعامل.

أقول لكم هذا الكلام كله إخواني وأنا دكتور برتبة أستاذ مشارك، يعني الخطوة التالية بروفيسور إن شاء الله، وخريج جامعة أمريكية في تخصص علم الأدوية وبتفوق بفضل الله تعالى. ومع ذلك أقول لكم: ابدأوا بي أنا، إياد. نادوني إياد، أخي إياد. لا تنفخوا في الناس، لا تنموا نماريدهم الصغيرة. الله ارتضى لنا الأخوة ورسوله ارتضاها لنا فارتضوها لأنفسكم وكونوا عباد الله إخوانًا. والسلام عليكم.

عن مساوئ الإسراف في استخدام لقب "دكتور"