السلام عليكم ورحمة الله إخوتي الكرام.
النشاط التنصيري في الأردن
انتشر على النت مقطع فيديو لقناة "سي بي إن" يبين النشاط التنصيري الذي يمارس على أخواتنا النازحات السوريات في شمال الأردن. المراسلة مُعدة الفيديو هي إحدى المنصرات، وتتكلم عن نشاطها هي وزميلاتها بفخر وبلُغة مكشوفة، حيث تبين أن هدفها هي وزميلاتها إقناع اللاجئات بأن المسيح لم يكن مجرد نبي، وبأنه صلب على الصليب لينقذهن. وتحاضر بالمسلمات في كنيسة لإقناعهن بذلك.
كما يقوم المنصرون بتقديم الطعام والهدايا للاجئات، بل وحتى غسل أقدامهن لكسب قلوبهن، كما يظهر بالفيديو. كما يصرح المنصرون فيه بأن وقت المآسي والحروب هو الأنسب لعملهم، ليظهر المسيح محبته لضحايا الحروب على حد تعبيرهم.
ليس هذا المقطع إخواني أول بادرة في التنصير، بل ملف التنصير في الأردن وفي العالم الإسلامي عموماً ملف كبير وقديم، وسنجعل الحديث عنه في نقاط.
المنصرون الأجانب: طحالب المآسي
أولاً: المنصرون الأجانب هم طحالب المآسي، وهم وجه العملة الآخر للآلة العسكرية للنظام الدولي. يعملان بتنسيق لمحاربة المسلمين في عقيدتهم.
عام 2003، عندما كانت الطائرات الأمريكية تدمر العراق، نشرت صحف بريطانية خبر انتظار فرق التنصير الأمريكية في الأردن لسقوط النظام العراقي حتى تدخل العراق وتبدأ بنشاطها. وقد حضرت في أمريكا محاضرة لقسيس نصراني يستدر بها عواطف المسلمين بهدف جمع التبرعات منهم لغايات الإغاثة في العراق، وعرض صورته وهو منحنٍ يعطي رغيف الخبز للأطفال في العراق، وصليبه يتدلى قرب الرغيف. وعلى الطاولات في قاعة المحاضرة صحف صفحاتها صورة لأطفال عراقيين مد البصر يلبسون الصلبان. ومع ذلك لا يتحرج هذا القسيس من طلب التبرعات من المسلمين لتكفير أبناء دينهم، مستغلاً سوء تطبيق مبدأ التسامح الديني لدى كثير منهم.
وكذلك الأمر في أفغانستان، وكذلك في أفريقيا، حيث يساهم النظام الدولي في افتعال الحروب الأهلية ثم يبث الجماعات التنصيرية بكثافة، بينما يمنع الدكتور عبد الرحمن السميط من متابعة نشاطه الدعوي فيها، ويضيق على تبرعات المسلمين لنيجيريا بدعوى أنها دعم لجماعة بوكو حرام الإسلامية الإرهابية بزعمهم.
وها هو السيناريو يتكرر مرة أخرى: أمريكا والنظام الدولي يسهم في إطالة أمد المأساة السورية، ويمنع هو وحلفاؤه في المنطقة الشعوب الإسلامية من مناصرة الشعب السوري في حربه. ثم عندما ينزح إخواننا وأخواتنا إلى دول الجوار، ينكب عليهم المنصرون ليستغلوا حاجتهم ومعاناتهم سعياً إلى إفساد عقائدهم. يدان لشيطان واحد: يد تضرب وتتسبب في المأساة والتهجير، ويد أخرى تربت على أكتاف هؤلاء المهجرين وتغسل أرجلهم وتقدم الطعام لهم مسموماً بالشرك. إذاً فهؤلاء المنصرون طحالب المآسي.
الرد على شبهة السماح بنشر دينهم
ثانياً: بعض من هان عليهم دين الله تعالى يقولون: "يا أخي لماذا تمنع هؤلاء من نشر دينهم كما تدعو أنت الناس إلى دينك في بلادهم؟ اسمح لهم أن يدعوا إلى دينهم". وكأننا نتكلم عن آراء شخصية لا عن حق وباطل وهدى وضلال!
لو أعدنا صياغة اعتراض هؤلاء، فإن معناه على النحو الآتي: "كما تريدون نشر التوحيد، فعليكم أن تسمحوا للمنصرين بنشر الشرك وشتم الله بادعاء الولد له". كما في الحديث القدسي الذي رواه البخاري: "وأما شتمه إياي فقوله لي ولد، فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولداً".
معنى عبارتهم: "كما تدعون إلى القرآن الذي يعظم الله تعالى، فعليكم أن تسمحوا لهم بنشر كتابهم المقدس بل المحرف الذي يصف الله بالنوم، وبأنه صرخ كالثملان، وبأنه تعب من خلق السماوات والأرض، وبأن يعقوب النبي صرع الله".
معنى عبارتهم: "كما تريدون نشر القرآن الذي يكرم الأنبياء عليهم السلام، فعليكم أن تسمحوا للمنصرين بنشر كتابهم المحرف الذي يصف لوطاً بأنه زنى بابنتيه بعد ما ثمل من السكر، ويصف نوحاً بأنه رقص وتعرى من السكر، ويصف داوود بأنه رأى امرأة تستحم فأمر جنوده فأتوا بها فزنى بها وغدر بزوجها ليتخلص منه، وأن سليمان عبد الآلهة قبل موته، وأن عيسى صرخ على خشبة الصلب قائلاً: يا ربي لما خذلتني؟" حاشا أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام.
معناها: "كما تدعون إلى اتباع رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، فعليكم أن تسمحوا لمن يدعون إلى اتباع رجال الكنيسة المنغمس كثير منهم إلى آذانهم في الشذوذ بالأولاد، كما تطالعنا الأخبار كل حين، وكما في وثائق البي بي سي والوثائقيات على النت بعنوان: (جرائم الفاتيكان الجنسية) وغيرها".
معناه: "كما تريدون نشر دين الرحمة الذي يأمر أتباعه ألا يغدروا ولا يمثلوا ولا يعتدوا ولا يقتلوا غير المحاربين، فاسمحوا للمنصرين بنشر كتابهم المحرف الذي يدعي أن الرب أمر بتخريب بيوت الأقوام المقهورة، وبقر بطون الحوامل منهم، وقتل الأجنة، وتحطيم الأطفال، وفضح النساء، كما في أسفار حزقيال وهوشع وإشعياء". هذا كله في كتابهم المحرف الذي يهدونه للناس في حملات تنصيرهم. فانظروا ما معنى قولكم يا من تدعون إلى السماح لهؤلاء بنشرهم.
هدف التنصير الحقيقي: التكفير لا التنصير
ثالثاً: إخواني، وهي مسألة مهمة، كثير من المنصرين ليس هدفه إدخال المسلمين في النصرانية، بل إخراجهم من الإسلام فحسب، إخراجهم من الإسلام.
في شهر 6 عام 2002، نشرت مجلة "ماذر جونز" الأمريكية تقريراً بعنوان: "False Prophets: Inside the Evangelical Christian War on Islam" (أنبياء كاذبون: داخل الحرب الإنجيلية المسيحية على الإسلام). وفي التفاصيل: "الحركة التنصيرية الإنجيلية تسعى لاستئصال الإسلام". يتحدث التقرير عن تعاليم هذه الحركة لأتباعها في جامعة "ساوث كارولينا" كيف يشككون المسلمين في عقائدهم، وتنتشر أفرادها في 50 دولة حسب التقرير. أحدهم يقول في التقرير ما ترجمته: "ليس هدفي أن أحول المسلمين إلى المسيحية، وإنما هدفي أن ألقي في قلوبهم بذوراً من التساؤلات تزعجهم وتقلقهم وتتنامى مع مرور الزمن، بحيث يبدأون يشكون في دينهم. دعائي هو أن يُحرموا النوم المريح ويعيشوا في قلق مما يسمعون". ثم قال هو بنفسه: "This is the worst thing you can wish on a human being" أي: وهذا أفظع ما تتمناه لإنسان.
وهؤلاء يأتون لك باسم المحبة ونشر التسامح، وصدق الله إذ قال: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} [آل عمران: 118] أي يحبون لكم أن تقعوا في المشقة والضيق. {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران: 118].
ولذا إخواني، فالوصف الدقيق لنشاط كثير من هؤلاء ليس التنصير وإنما التكفير. هم يريدون تكفير المسلمين وتشكيكهم في دينهم.
دور السلطات والمسؤولين
رابعاً: إخواني، النشاط التنصيري في الأردن، بل في عامة بلاد المسلمين، ممنوع بحسب القانون فيما أعلم. لكن نرى غض الطرف إن لم نقل التساهل والتعاون من طرف السلطات، إلى درجة أن يمارس هؤلاء المنصرون نشاطهم علناً وبشكل استفزازي بطريقة تمتهن نخوتنا ومروءتنا الدينية نحن المسلمين في هذه البلاد.
أتمنى لو كانت حماسة السلطات في إنفاذ القوانين وملاحقة المنصرين كحماستهم في ملاحقة من يطيل اللسان على المسؤولين، أو يدعم الجهاد المشروع في سبيل الله. إن كانت السلطات في بلاد المسلمين تتغنى بمحاربة التكفير، فهؤلاء المنصرون هم التكفيريون بالفعل، يريدون تكفير أبناء المسلمين.
لكن إخواني، بما أن كل ما نتمناه منهم لن يكون، فيبقى أن نتكلم في النقطة الخامسة عن دورنا نحن أمام هذا الجهد التنصيري التكفيري.
واجبنا نحن المسلمين
أولاً: وأهم واجب علينا هو أن نستعيد دورنا الذي ارتضاه الله لنا إذ قال: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] بأن نبادر نحن إلى دعوة النصارى في بلادنا وخارجها إلى دين الله تعالى. لا يرضى الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن تصل إلى هذا الحد من الضعف بحيث يغزوها المشركون بشركهم بدل أن تغزوهم بتوحيدها وإيمانها وفتوحات الخلافة الإسلامية.
فما زال الزمان يدور حتى مضى بالمجد قوم آخرون وأصبح لا يرى في الركب قومي وقد عاشوا أئمته سني وألمني وألم كل حر سؤال الدهر أين المسلمون؟
جارك، زميلك في مقاعد الدراسة أو في العمل، الخبير الأجنبي الذي يزور شركتك، أو من يدخلون البلاد تحت مسميات مختلفة لغايات التنصير، علينا أن نبادر نحن إلى دعوتهم إلى دين الله تعالى.
ثانياً: معرفة أن عامة الذين يعيشون لفترات في بلاد المسلمين تحت غطاء التعليم أو العناية الطبية أو الإغاثة أو الاستثمار هم في الحقيقة منصرون. وعلى ذلك شواهد كثيرة لعلنا نعرض لها في كلمة أخرى بإذن الله تعالى. فعلينا توعية الناس بذلك، فهؤلاء لا ينبغي إعانتهم ولا مساعدتهم في تعليم اللغة، ولا تسهيل وصولهم إلى الأطفال والنساء والمحتاجين.
ثالثاً: وهي مسألة بديهية، لكن للأسف نحتاج كثيراً هذا الزمان إلى التأكيد على الثوابت. لا يجوز بحال من الأحوال إخواني، لا يجوز بحال من الأحوال التبرع لجمعيات خيرية نصرانية، إذ أن هؤلاء سيستغلون دعمك في إفساد عقائد أبناء المسلمين. والإنسان عبد الإحسان. لك أجر في أن تتبرع لفقير نصراني، نعم لك أجر في أن تتبرع لفقير نصراني وتحنو عليه وتبر به رجاء هدايته. لكن لا يجوز لك دعم من يخلطون عملهم الخيري بإفساد العقائد، وهذا هو الأصل في نشاطهم وإن أخفوه بداية، وهم يفعلون ذلك في الأردن والشواهد عليه كثيرة.
كذلك لا أنسى ما كان يحصل في الولايات المتحدة أحياناً في عيد الأضحى، عندما كان يفيض لحم الأضاحي وينشغل المسلمون عن توزيعه، فتأتي جمعيات نصرانية لتأخذ اللحم من المساجد وتوزعه بنفسها، بدل أن يوزعه المسلمون على المسلمين وغير المسلمين ويحتسب الأجر ونية الدعوة في ذلك.
رابعاً: أن نحنو على إخواننا اللاجئين. أن نحنو على إخواننا اللاجئين. تصور بشاعة أن يستغل بعض منا نحن سكان الأردن أخواتنا وإخواننا النازحين من سوريا، ونرفع إيجارات البيوت ونبخسهم لهم الأجرة في العمل، بينما هؤلاء المنصرون المكفرون يأخذونهم بالأحضان ويطعمونهم الطعام ويغسلون أرجلهم.
تصور معي المجاهد السوري أو الأسير السوري الذي أرسل بزوجته وأبنائه إلى الأردن حماية لهم وحتى يتمكن من محاربة النظام المجرم. تصور شعوره وهو يسمع أن أطفاله الذين فقدوا حنانه وحضنه الدافئ هم الآن في أحضان هؤلاء الطحالب الذين يريدون تشكيك الأولاد في الإسلام الذي يقاتل أبوهم ويبذل روحه من أجله، بينما كان مطمئناً إلى أنه أرسلهم إلى رجال، إلى إخوانهم في الدين.
إن لم نساعد إخواننا في حربهم، إن لم نساعد إخواننا في حربهم، فهل أقل من أن نخلفهم بخير في أهلهم وأبنائهم بدلاً من أن نتركهم لهؤلاء؟ فابحث عن إخوانك وأخواتك النازحين والنازحات ومد يد العون لهم واحنُ عليهم نصرة لدينك ونصرة لمروءة الأمة ونخوتها ونصرة للمجاهدين في سبيل الله.
وهذه دعوة لأهل العلم والفضلاء ووجهاء الناس إلى إثارة الموضوع إعلامياً واجتماعياً حتى يصبح حديث الشارع وبشكل ضاغط يخرج هؤلاء الطحالب، يخرج طحالب المآسي هؤلاء ويجعلهم ينقلبون خاسرين، فإن الخفافيش تهرب إن سلط عليها النور.
والسلام عليكم ورحمة الله.