السلام عليكم ورحمة الله، مساكم الله بالخير يا كرام.
دعوات "التحرر" من الحجاب
انتشر وسم، يعني هاشتاغ، بعنوان "Free from Hijab" أي "متحررة من الحجاب"، والذي رفع الوسم في الأردن مثلاً ليصبح شائعاً (تريندينغ). وردود الأفعال الرافضة لهذا الوسم من المعترضات عليه. وأود أن أستثمر الفرصة لإيصال بعض الرسائل المهمة في الموضوع.
التعامل مع الباطل
أولاً إخواني وأخواتي، هذا الوسم لم يكن منتشراً في المنطقة العربية، ففي هذه الحالة نعمل بقاعدة "أمِت الباطل بعدم ذكره". ليس من المناسب أن نشغل أنفسنا بكل باطل، بل أن ننشغل ببناء أنفسنا وبما ينفع.
مفهوم التحرر الحقيقي
ثانياً يا كرام، الفتاة والمرأة التي تخلع حجابها لا تتحرر، بل تقع في عبودية الشيطان الذي حذر الله تعالى منه إذ قال: {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا}.
ويريت نستغلها فرصة لنشر سلسلة "المرأة" والتي كان لها بفضل الله أثر كبير على كثير من النساء والفتيات، وخاصة الحلقة الأولى بعنوان "تحرير المرأة الغربية: القصة الكاملة"، علشان إذا كان هناك فتيات متأثرات بفكرة التحرر من الحجاب يعرفن ما هو هذا التحرر حقيقة.
نقد ردود فعل المسلمات
ثالثاً وهو الأهم بصراحة، أكثر ما يلفت النظر في المنشورات على هذا الوسم هو ردود فعل كثير من المسلمات الرافضات للوسم. واسمحوا لي أقول أن الردود بتدل على مشاكل في طريق التفكير لكثير من بناتنا، فحبيت أخصص هذه الكلمة علشان أنصحهن، جزاهن الله خيراً أنهم يعني هم مستنكرات لهذا الوسم، لكن بصراحة الردود فيها مشاكل تحتاج أن نقف عندها، مش على سبيل النقد والتجريح وإنما على سبيل العلاج والمناصحة.
مركزية الإنسان مقابل طاعة الله
الردود كثير منها يحمل فكرة مركزية الإنسان، وهو مفهوم غربي يجعل القداسة للإنسان وأهوائه. بيجرح شعور البنات اللي اختاروا الحجاب، وبيظهر الحجاب كأنه قيود. يعني المشكلة هي جرح شعور الإنسان، فرجعنا لمسألة مركزية الإنسان، مع أن المشكلة الحقيقية هي أن هذا الهاشتاغ بيجرّء على معصية الله تعالى، رب الإنسان وخالق الإنسان.
التضحية في سبيل الله
كثير من البنات قالوا أن الحجاب لم يحرمنا من أي فرصة في الحياة، واستطعنا خوض المجالات المختلفة بالحجاب، "شوفوني وأنا مسافرة، شوفوني وأنا بعمل في هذا المكان، شوفوني وأنا بلعب رياضة". طيب افترضي أن الحجاب حرمك من خوض بعض المجالات، أو بالأصح استقامتك على أمر الله ومحافظتك على حيائك الأنثوي فوت عليك بعض الفرص الدنيوية، هل هذا يطعن في الحجاب؟
مش الإسلام يا أخواتي فيه تضحية؟ قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}. مش بس الفرص، أنتِ نفسك ومالك الأصل أنك بعتيهم لله عز وجل مقابل الجنة. فمثل هذه التعليقات تغفل عن حقيقة أننا نضحي في هذه الدنيا في سبيل الله.
الحجاب بين ستر الجمال وإظهاره
كثير من البنات علشان يثبتوا أن الحجاب مش قيود نشروا صورهم وهن متجملات. طبعاً أنا أقول "صورهم وهن" يعني أنا علشان نبسط العبارة وإلا أنا أعرف أنه لازم نقول "صورهن وهن" إلى آخره، بس علشان نقرب العبارة ونبسطها لأخواتنا. فأقول مرة أخرى: كثير من البنات علشان يثبتوا أن الحجاب مش قيود ومش تحديد للمرأة نشروا صورهم وهن متجملات، والرسالة في هذه الصور: "الحجاب مش مبشعني، الحجاب جميل وأستطيع أن أظهر جمالي بالحجاب".
تذكري يا أختي ويا بنتي أن الحجاب أوجد بالفعل ليستر جمالاً، ولكن ليظهر جمالاً في المقابل. الجمال الذي بمعنى الجاذبية وإظهار اللطافة ولفت الأنظار، هذا بالتأكيد مطلوب أن يحجبه الحجاب عمّن لا يعنيك أن يرى ذلك كله منك، الناس اللي مش مطلوب يشوفوا هذا الجمال فيكِ.
قيمتي ليست بشكلي، مش بهذه القشرة الخارجية، ولا بلون شعري، ولا بلطافة حركاتي، بل بالإيمان الذي يجمعنا أنا وأنتم مؤمنين ومؤمنات. أريد أنا كمسلمة أن أعينكم على عمارة الأرض بما يحب الله تعالى، فالله تعالى قال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}. وأنا أعينكم على غض أبصاركم وإعفاف أنفسكم والتفرغ لما ينفعكم.
لما تكونين ملتزمة بحجاب صحيح تظهرين فيه معتزة بهويتك الإسلامية، وتذكرين به من يراكِ بطاعة الله ومحبة الله والانقياد لأمر الله، فحينئذ أنتِ بالحجاب أجمل. في المحصلة، حجابك يستر جمالاً ويظهر جمالاً آخر، وكل ما ذكر من جماليات لا يكون إلا بالحياء مع الحجاب، وإلا بالحجاب الصحيح الذي ينم عن حياء فطري نقي عظيم.
إذا حاولت الفتاة جمع الجمالين معاً، وأن تكون جذابة وأن تنافس من يعرفنا الجمال تعريفاً مادياً جامداً، وفي الوقت ذاته الجمال الروحي، فحجابها لن يكون حجاباً ولن يظهر الجمال الروحي الذي نتكلم عنه.
الحجاب فريضة ربانية لا حرية شخصية
كثير من البنات المعترضات على الهاشتاغ يقولون: "الحجاب حرية شخصية، فزي ما أنتِ يا من خلعتِ الحجاب احترمت حريتك، احترم حريتنا". لا يا أختي، الحجاب مش حرية شخصية بل فريضة ربانية. احنا مش مسلمين يا جماعة؟ احنا مش مؤمنين؟ لما نقول الحجاب حرية شخصية فهناك مشكلتان:
أولاً: كأننا بهذا نعترف بالحرية الشخصية كقيمة عليا حاكمة مطلقة مقدسة، بينما نحن كمسلمين القيمة العليا عندنا طاعة الله تعالى، وما تقود إليه هذه الطاعة من تحقيق الحق والعدل، وكل ما خالف طاعة الله فهو معصية مذمومة مش حرية شخصية.
يعني أننا نطالب بحجاب المرأة من حيث أنه حرية شخصية وهذا باطل، فالحجاب أمر رباني ملزم للمجتمع المسلم لا حرية شخصية. حتى عبارة "حق المرأة في أن ترتدي الحجاب" تشعر بأن من حقها أن ترتديه إن أرادت ومن حقها ألا ترتديه إذا لم ترد. وهذه كلها عبارات تنجم عن نسيان أن المركزية في المجتمع المسلم هي طاعة الله تعالى.
قال الله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} في سورة النور. شوفوا النور في هذا الكلام الذي في سورة النور.
أقول هنا يا إخواني حتى المتبرجة، حتى الأخت المتبرجة الله يهدينا وإياها في مجتمعاتنا هذه الأيام، إن قالت: "يجب على المسلمين طاعة ربهم والعمل بأمره، وأنا أنصر أختي المحجبة في قضاياها نصرة لدين الله ودفاعاً عن حكم ربي، وإن كنتُ مذنبة مخطئة بتركي للحجاب"، نقول فهي مأجورة على فعلها هذا. هي آثمة على تركها للحجاب، ولكنها مأجورة على أن المسألة عندها واضحة: طاعة الله عز وجل، مش إنه المسألة حرية شخصية. مش حرية شخصية إذن فالحجاب مش حرية شخصية بل فريضة ربانية.
الخاتمة
هذه ملاحظات على ردود الأفعال على الهاشتاغ، ومرة أخرى أنصح باستثمار الحدث في نشر سلسلة "المرأة" وسنضع لكم رابطها في التعليقات بإذن الله تعالى.
وختاماً أسأل الله عز وجل أن يهدي بنات المسلمين أجمعين لما يحبه ويرضاه، وأن يجمعهم على حوض النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يهدئ بالهم ويصلح بالهم ويسكن قلوبهم ويرزقهم الرضا واليقين في الدنيا والآخرة. والسلام عليكم ورحمة الله.