→ عودة إلى مرئيات

دور العلماء في الثورات

٢٢ يوليو ٢٠١٣
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم ورحمة الله.

إخوتي الكرام، لا زلنا نحلل الأخطاء التي وصلت بمصر إلى أزمتها الحالية، سعيًا إلى تداركها حاضرًا وتجنبها في مشروع النهضة بالأمة مستقبلًا. من أهم هذه الأخطاء التشوش في مفاهيم الفتنة وحقن الدماء والاستقرار.

توضيح حول الثورات

هنا لا بد من توضيح مسألة قبل متابعة تحليل الوضع المصري. بعض المتابعين لنا يظن أننا نكلف الشعوب الإسلامية بالثورة على الظلمة المستبدين دون نظر إلى القدرة والاستطاعة وتحقق المطلوب من عدمه، وليس الأمر كذلك، ليست هذه دعوتنا. إنما نؤكد أنه ينبغي الفصل تمامًا بين حكم الثورات قبل بدايتها من جهة، والموقف منها بعدما بدأت ووصلت مرحلة لا رجعة عنها من جهة أخرى.

بمعنى آخر، لو جاء رجل يسأل قبل الثورة السورية مثلًا: "هل نثور على هذا المجرم ونحن ليست لدينا القوة الكافية؟" فحينها كنا سنقبل الخلاف في الأمر ونتفهم أن بعض العلماء قد يمنع من ذلك، لا حرصًا على النظام المجرم ولا لأنه نظام شرعي لا يجوز الخروج عليه، ولكن من باب أن ثورة كهذه قد لا تكون آخذة بأسباب النصر، مما قد ينتج عنه مضار للمسلمين دون تحقيق الفائدة المرجوة.

أما وقد حصلت الثورة ووصل المسلمون مع هذا النظام المجرم ومن ورائه النظام العالمي المجرم أيضًا مرحلة لا عودة، فإن مناقشة مشروعية البدء بالثورة لا يعود له مكان، والحديث عن إيقافها من جانب المسلمين سعيًا للتهدئة لا يخرج عن أن يكون غفلة أو خيانة. وهذا ينطبق على باقي الثورات والبلاد.

شروط التغيير ومسؤولية العلماء

فالذين يريدون تغيير المنكر في بلادهم وإقامة نظام إسلامي يحرر البلاد من الذل للطغم الفاسدة وللنظام الدولي، هؤلاء ينبغي أن يسألوا أنفسهم:

  • هل لديهم شوكة وقوة ويغلب على ظنهم أنها تمكنهم من التغيير وإقامة الحكم الإسلامي؟
  • هل لديهم العلماء المستعدون لقيادة الناس والنزول إلى الميادين والتضحية معهم في سبيل ذلك؟
  • هل قضيتهم واضحة للناس ولديهم قاعدة شعبية داعمة وإعلام بديل بحيث لا يحاربهم إلا من كان منافقًا أو معاديًا لدين الله، أو من ارتضى لنفسه أن يكون من جند الظلمة مطيعًا لهم في معصية الله؟
  • أم أن هناك نقصًا في وضوح القضية بحيث ينجح الظلم وإعلامهم في تشويه قضية هؤلاء المصلحين وضربهم بعامة شعبهم لعدم نضوج مشروعهم ولا وضوح صورته؟

إن كان الجواب: "بل لدينا هذه المؤهلات والأسباب للقدرة على تغيير المنكر"، فهؤلاء لا عذر لهم أمام الله إن قعدوا عن التغيير، وإن كلف ذلك حربًا ضروسًا تبذل فيها الدماء ويستخدم فيها الظلمة إجرامهم. فالإثم حينئذ على الظلمة لا على المصلحين، ولا يقال عن المصلحين حينئذ إنهم جروا البلاد إلى فتنة. بل لا فتنة أشد من أن يعبد الناس لطغمة فاسدة من البشر تحكم في دمائهم وأموالهم وأعراضهم بقوانين أرضية وتفتنهم عن دينهم بالإفساد والشهوات تارة وبالحديد والنار تارة أخرى. والفتنة أشد من القتل، "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله". وكما قال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله عليه: "لو اقتتلت البادية والحاضرة حتى يتفانوا كان خيرًا لهم من أن ينصبوا طاغوتًا يتحاكمون إليه".

عدم توفر الشروط

طيب، إن كان الجواب عن هذه الأسئلة: "لا، ليست لدينا قوة كافية ولا علماء ولا رموز يقودونها ولا قاعدة شعبية ولا إعلام بديل ولا مشروع ناضج"، حينئذ فيكون هؤلاء غير مكلفين بالثورة ابتداءً، غير مكلفين بها ابتداءً ما داموا لم يحصلوا أسباب نجاحها. بل عليهم السعي في تحصيل هذه الأسباب، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

والا فالشروع في ثورة غير ناضجة هو مظنة بقاء المنكر، بقاء منكر الظلم والحكم الوضعي، لكن مع سفك الدماء وانتهاك الأعراض وضرب المشروع الإسلامي ووأده في مهده وتشويهه في عيون الناس وعزل المصلحين عن جسد شعبهم والتباس الأمور بحيث يخذلهم أو يقاومهم أناس فيهم خير لكن مغرر بهم لا يدركون قضية هؤلاء المصلحين.

فليست المقارنة هنا بين إقامة الحكم الإسلامي مع تحمل هذه الأضرار أو عدم إقامته تجنبًا لهذه الأضرار، بل المقارنة هنا بين بقاء الظلمة مع العمل على تحصيل أسباب تنحيتهم، وفي المقابل بقائهم أيضًا لكن مع تضييع أسباب إزالتهم نتيجة الثورة غير الناضجة، مما قد يقويهم ويطيل أمدهم، إضافة إلى الأضرار المذكورة في دماء الناس وأموالهم وأعراضهم دون مقابل من تمكين للإسلام لينعموا بعدله ورحمته.

ليست المسألة هنا النهي عن الثورة على الظلمة الحاكمين بقوانين أرضية لأنها خروج على ولاة الأمر الذين تجب طاعتهم كما يقول علماء السوء، بل لأن الثورة غير الناضجة تمكن لهؤلاء، تمكن لهؤلاء، وحتى لو سقطوا وليس لدى المصلحين مشروع فقد يأتي من هو شر من الساقطين ليقطف ثمرة جهود المصلحين وتضحياتهم وتضحيات شعبهم وآلامه.

وليس معنى هذا مهادنة الظلمة أو السكوت عنهم، بل معناه بيان حقيقتهم للشعوب وتعليم الناس عقيدة البراء منهم ما داموا ينحون دين الله، وتعليم الشعوب أن الخصومة مع هؤلاء ليست على رغيف الخبز أو توفير الوظيفة فترضى عليهم الشعوب إن وفرت لها ذلك، بل الخصومة معها هي لله وفي أخطر قضايا العبودية لله من تشريع وإنفاذ قوانين في أرواح الناس غير ما ارتضاه الله لعباده وإضلال الناس وإفساد أخلاقهم. وما الجوع ونقص الأمن إلا بعض الثمرات المشؤومة لهذا الحكم.

أي أن على المصلحين وإن لم يستطيعوا القيام بثورة أن يحافظوا على الحالة الثورية في قلوب الناس، وأن يعيشوا مع الناس آلامهم ويطالبوا لهم بحقوقهم ويسعوا في رفع ظلم الطغاة عنهم. وعليهم أن يصبروا في ذلك كله على ما ينتج عن هذه الدعوة من تضييق وحبس وتلفيق تهم وطرد من الوظيفة وتهديد في لقمة العيش.

ولا يسع أهل العلم والدعاة أن يسكتوا عن بيان ذلك أو أن يطفوا الشرعية على الظلمة بحجة مصلحة الدعوة، "وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه". والبطولة في هذه الدعوة والصبر على استفراد الأنظمة بالدعاة وتغييبهم وتحمل ذلك ثقة بوعد الله وتوكلًا عليه، هذه البطولة لا تقل عن بطولة من يريد استعجال الثورة غير الناضجة ويكون وسط الجموع فلا تطاله أيدي الظلمة كما تطال الأول.

دور الدعاة عند قيام الثورة الشعبية

طيب، ماذا لو ثار الشعب من تلقاء نفسه وأصبح في صراع بقاء مع الظلمة؟ هل يكون دور الدعاة أن يكسروا هذه الثورة ويطوعوا الناس للظلمة من جديد ويقولوا للناس بعدما وصل الصراع مرحلة لا رجعة: "ثورتكم هذه غير ناضجة وأخطأتم حين بدأتم بها والأسباب لم تستكمل بعد فعودوا إلى بيوتكم"؟ أعوذ بالله! ما هذا الذي يرتضيه مصلح لنفسه! بل يقال حينئذ: "قدر الله وما شاء فعل، أمر واقع فرض لعل الله يعين على تحويله لصالح المسلمين وإن لم يختره المصلحون ابتداءً".

فلا بد لأهل الحق حينئذ من قيادة هذه الثورات وتوجيهها وإعلاء سقف مطالبها، فإن كانت لرغيف الخبز فلتصبح ليكون الدين كله لله ولصلاح آخرة الناس ودنياهم معًا. وليرى الناس المصلحين في الصفوف الأولى لهذه الثورات، لا يكتفون بالكلام ولا يبخلون بأرواحهم عن أرواح الناس، بل يضحون ويكونون قدوة عملية كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وماذا لو ظهر أن الناس لا تريد أن تعدل مسار ثورتها لتكون لله، وأن رغيف الخبز الذي أخرجها سيرجعها إلى بيوتها، وأنها لا تريد للمصلحين أن يوجهوها بل تريد من يحقق لها شهواتها فحسب؟ حينئذ فللمصلحين أن يعتزلوا الأمر كله ويبقوا على دعوتهم ما دام أن هذه الثورة ليس لله فيها نصيب. ويذكرون هؤلاء الثائرين أن ثورتهم على الظلم لا تبيح لهم العدوان على أبناء شعبهم ولا على ممتلكاتهم.

لكن ما ليس خيارًا في كل الأحوال هو أن ننزل نخذل الناس باسم الدين عن ثورتهم على الظلم وهم لم يرونا من قبل في الميادين نطالب لهم بحق ولا نسعى لهم في رفع ظلم، حتى إذا ما استجابوا لنا ورجعوا إلى بيوتهم واستتب الأمر للظلم وتمكنوا فبدأوا يخطفون الثائرين يتخطفونهم واحدًا واحدًا، كنا أداة لهؤلاء الظلمة من حيث لا نشعر، تصب جهودنا في إطالة أمد ظلمهم وتخذيل الناس عنهم، وفقدنا مصداقيتنا حينئذ لدى شعوبنا وظهرنا أحبار سوء نسجل المواقف للظلمة على حساب شعوبنا، أو على أقل تقدير مغفلين نحسن الظن في غير موضعه. وحينئذ فكبر على الدعوة أربعًا ولا تنتظر من الناس أن يسمعوك بعدها ولا أن يعينوك على تحصيل الأسباب التي ذكرناها لإقامة دين الله في الأرض.

الأخطاء في التجربة المصرية

ضمن هذا الطرح، ما هي الأخطاء التي وقعت في التجربة المصرية؟ ما هي الأخطاء التي يجب ألا تتكرر في المرات القادمة سواء في مشروع إصلاح يملك الدعاة زمامه أو في ثورات تفرض عليهم وتتطلب منهم موقفًا؟ هذا ما سنعرفه في الكلمة القادمة بإذن الله.

والسلام عليكم ورحمة الله.