→ عودة إلى سلسلة المرأة

الحلقة 9 - ليطمئن قلبُكِ

٢٨ فبراير ٢٠٢٠
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم يا كرام ويا كريمات.

مقدمة

في الحلقتين الماضيتين من سلسلة المرأة، استعرضنا معًا موضوع الإسلام وضرب المرأة، وموضوع القوامة. وعملنا استبيانًا لكل من الحلقتين لنرى آثارهما في تغيير قناعات ومشاعر المتابعين تجاه الإسلام. وسنستعرض معكم اليوم النتائج لهذين الاستبيانين، وسنعطيكِ ونعطيكِ المنهجية التي تتعاملين بها مع كل تساؤل عن الإسلام، ومع كل نفور تجدينه. وسنرى ختامًا قصة بروفيسور التاريخ الملحد الذي ثبت إيمان يوسف بن صديقي.

نتائج استبيانات الحلقات السابقة

نتائج استبيان حلقة "الإسلام وضرب المرأة"

تعالوا بداية لنتائج حلقة الإسلام وضرب المرأة. ممن عبأوا الاستبيان حوالي سبعة آلاف ومائتي متابع ومتابعة قالوا أنهم حضروا الحلقة كاملة. وهؤلاء أجابوا سؤال التأثير، تأثير الحلقة على الشعور تجاه "واضربوهن" في قوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}.

وكانت النتيجة كالتالي: من الذين كان لديهم حرج قبل أن يشاهدوا الحلقة، حوالي 92% منهم زال هذا الحرج من صدورهم أو قلّ بعد الحلقة. وحوالي أربعة من كل خمسة من هؤلاء زال الحرج من صدورهم تمامًا.

نتائج استبيان حلقة "أنا حرة عن قوامة الرجل"

النتائج لحلقة "أنا حرة عن قوامة الرجل": الذين عبأوا الاستبيان ممن يقولون أنهم حضروا الحلقة كاملة حوالي 8600 شخص. وأجابوا سؤال التأثير: هل كان لديك شعور بالحرج أو بعدم الطمأنينة والاستيعاب تجاه آيات القوامة، وكيف أثرت الحلقة فيكِ؟ من الذين كان لديهم هذا الشعور، 81% منهم زال هذا الشعور أو قلّ بعد الحلقة. وأكثر من ثلثي هؤلاء زال الشعور بالحرج أو عدم الاستيعاب تمامًا.

مفهوم إثبات المفهوم

ما فعلناه في هاتين الحلقتين هو أشبه بدراسة حالة لتطمئني أكثر إلى حقيقة أنه ربٌّ يُعبد. ناقشنا هذه التشريعات الربانية لنقوم بما يسمى إثبات المفهوم. مفهوم أن الحرج الذي قد نجده تجاه آية أو حكم شرعي هو نتيجة العطب الذي أصاب عناصر المعادلة الثلاثة: صورة الشريعة الربانية، وصورة الجاهلية الحديثة، والميزان الذي يوازن بينهما. فشوهت الشريعة وزُينت الجاهلية وأُعطب الميزان، فخرجت النتيجة استقباحًا لأمر الله واستحسانًا للجاهلية.

فلما أريناكِ حقيقة الجاهلية وجمال الشريعة، وضبطنا الميزان على معايير الحق والعدل، ووضعنا الآيات في السياق الصحيح، قلّ الحرج بشكل كبير أو زال بالكلية.

أهمية التطبيق العملي

ونحن هنا يا كرام نتكلم عن حلقات نظرية لا عن تطبيق عملي. ومن أكثر ما يُظلم به الإسلام هو أنه لا يُرى واقعًا عمليًا. فلكم أن تتصوروا كيف سيكون الأمر إذا عاش الناس الإسلام واقعًا. نتكلم عن حلقات من نصف ساعة تغير قناعات ومشاعر سلبية تشكلت وكرست عبر عقود من الزمن بتشويه ممنهج وبممارسات خاطئة. فلكم أن تتصوروا كيف لو عاش المسلمون الإسلام واقعًا.

أهمية مشاهدة الحلقات كاملة

وبالمناسبة، ففي الحلقتين كانت نسبة الذين زال الحرج من صدورهم تمامًا أعلى في الذين شاهدوها كاملة مقارنة بالذين شاهدوها جزئيًا، أعلى بكثير. وهذا يدل على ضرورة الصبر في متابعة مثل هذه الحلقات المنهجية وإتمامها كاملة.

ملاحظات حول العينة

ولا بد أن نشير إلى أن العينة التي عبأت الاستبيان ليس شرطًا أن تكون ممثلة لعامة المجتمع. ولن ندخل في تفاصيل عن الاقتران والتسبب حتى لا تتحول الحلقة إلى محاضرة أكاديمية جافة، لكن هذه النتائج تعطي دلالات بلا شك.

تأثير القدوات الحية

إن كان هذا كله في كلام نظري، فما بالكم إن تحولنا إلى قدوات حية، نغير الصور النمطية عن الشريعة بسلوكنا الصحيح.

التعامل مع التعليقات السلبية

وبالمناسبة، عندما ننشر بعض التعليقات التي تدل على التأثير الإيجابي للحلقات، فقد تقول لماذا هذه الانتقائية؟ تنشرون الإيجابية وتهملون السلبية؟ لا نهمل شيئًا. بل ها نحن نظهر لكم النتائج بالأرقام يا كرام. والذين لم يتلاشَ الحرج من صدورهم، فإننا لا نيأس من هدايتهم، ونسأل الله أن يجمعنا بهم على محبة كتابه وشريعته.

المنهجية للتعامل مع التساؤلات والنفور

إذن بعد هذا يا كرام ويا كريمات، ما هي المنهجية التي تتعامل بها المسلمة مع كل تساؤل أو نفور أو حرج تجده تجاه آية من كتاب الله، أو شيء ينسب إلى دينه سبحانه؟

أسس الإيمان الجاد

وهو الإيمان الذي نعالج ما يطرأ عليه في سلسلة رحلة اليقين. عندما يتشكل هذا الإيمان العلمي الجاد، فإن التساؤلات عن أمور فرعية لن تضركِ، لأن الجهل بالفرع لا يهدم الأصل. فإذا كانت آية أو حديث أو تشريع ما تخلع إيمانك، فهذا ببساطة لأن إيمانك ليس مبنيًا على أسس. قد يكون عندك تساؤلات عن حجاب المرأة، تعدد الزوجات، وغيرها من المسائل. نعم ابحثي عن إجابات بالطريقة المنهجية التي اتبعناها في موضوع الضرب والقوامة: تصحيح الميزان، ونفض الغبار عن الشريعة، وإدراك القبح الحقيقي للجاهلية.

لكنكِ تدرسين هذا كله لا كشرط قبل أن تؤمني بالله ربًا وبالإسلام دينًا، فإيمانكِ مستقر على قواعده كالجبال الراسخات، وإنما لتزدادي إيمانًا من باب {أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي}. لتزدادي يقينًا وتعظيمًا واعتزازًا بدين رب العالمين.

أنتِ حين آمنتِ بالله في المنظومة الإسلامية، فقد آمنتِ برب هو نور السماوات والأرض، له مقاليد السماوات والأرض، تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن، وإن من شيء إلا يسبح بحمده، يقضي بالحق، تمت كلمته صدقًا وعدلًا، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، له الخلق والأمر، هو القاهر فوق عباده، وهو الحكيم الخبير، وسعت رحمته كل شيء، وأحاط بكل شيء علمًا.

أنتِ حين آمنتِ بالله ربًا، فعندكِ أصول راسخة، شواهد على حكمته وعدله ورحمته سبحانه. فإن لم تدركي الحكمة في تشريع ما، فإنكِ تردينه إلى هذه الأصول. الفتاة التي تعلن ترك الإسلام لأجل آية لم تفهم حكمتها أو تشريع لم يعجبها، هذه ما عرفت الإسلام أصلًا، وما عرفت الإيمان الجاد يومًا أصلًا، حتى وإن كانت من الحافظات للقرآن والمصليات، كما أصبحنا نسمع. مشكلة كثير من الناس أن هذه الأصول والشواهد على حكمة الله وعدله ليست موجودة عندهم أصلًا، فيهتز إيمانهم لأدنى سبب.

خطورة النفور من آيات الله

إذا وجدتِ في نفسكِ حرجًا من آية، فتذكري خطورة هذا الشعور. وتذكري قول نبيك صلى الله عليه وسلم: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه عز وجل". فأعظم شعور تلقين به ربك، حسن الظن به سبحانه، وبكلامه وشريعته.

عندما أراد الله أن يبين أسوأ صفة في الكافرين قال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}. وفي المقابل عندما ذكر نعمته الكبرى على المؤمنين قال: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.

التعامل مع النفور

إذا نفرتِ من آية أو حديث صحيح، فلن تنساقي وراء هذا النفور، بل أنتِ الآن لديكِ تفكير ناقد ومنهجية علمية رأيتِ أثرها في الحلقتين الماضيتين. فتحاكمين نفسكِ ومشاعركِ وتعيدين صياغة نفسكِ وتقولين لها: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}.

ضرورة "الفرمتة" العقلية

فننتبه إلى ضرورة عمل "فرمتة" مسح كامل لعقولنا ومشاعرنا من كل صورة نمطية مسبقة متأثرة بالإعلام والتعليم التجهيلي. ونُقبل على دراسة ديننا بتجرد لتتحول قناعاتنا العقلية بعدل الله وحكمته ورحمته إلى طمأنينة قلبية وأنس بكلامه سبحانه. نضبط بوصلتنا باتجاه رضا رب العالمين وشعارنا: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}. {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}.

الفرار إلى الله

بعدما سبق من حلقات، فإنكِ تدركين أن نفوركِ من آية ليس لأنها تصادم عقلكِ، بل لأنها تصادم صورًا نمطية مكرسة مشوهة وفهمًا خاطئًا. فإذا وجدتِ في نفسكِ نفورًا تجاه أمر ربكِ، اتهمي من ينفركِ، {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا}. واتهمي نفسكِ وقلتِ: أنا لطخت مرآة قلبي بالذنوب، فما عادت ترى الأشياء على حقيقتها. فتفرين إلى ربكِ القائل: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}. إلى ربكِ القائل: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.

الإيمان بصدق وعدل كلمة الله

وتخضعين لما يدل عليه عقلكِ وفطرتكِ منادية في كيانكِ: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}. ومؤمنة بقول ربكِ عز وجل: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا}. صدقًا في الأخبار وعدلًا في الأحكام.

الثقة المطلقة برحمة الله

وتؤمنين بقول نبيك صلى الله عليه وسلم: أميمة بنت رقيقة صحابية جاءت مع نسوة يبايعن رسول الله على أمور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فيما استطعتن وأطقتن". فقالت أميمة: "لله ورسوله أرحم بنا منا بأنفسنا". يعني إذا قضى الله أو رسوله أمرًا، فإنا على يقين أن فيه من الرحمة ومراعاة مصالحنا أكثر مما نرحم أنفسنا. إيمان وثقة مطلقة برحمة الله في تشريعاته.

الإسلام ملاذك لا خصمك

سرنا معكِ في هذه السلسلة يا كريمة، يا من كرمكِ الله بإنسانيتكِ ثم بالإسلام. سرنا معكِ لتعلمي أنه إن ظلمكِ بشر فالحل في شريعة رب البشر. فالله ملاذكِ لا خصمكِ، لألا يكون عندكِ عصب ملتهب تجاه ربكِ سبحانه، ولا نظرة توجس، بل حسن ظن مطلق ويقين راسخ. فالله ملاذكِ لا خصمكِ.

سرنا معكِ في هذه السلسلة لا لنقول لكِ سلمي واخضعي لكل ما يقال لكِ أنه من الدين. فنحن أمة شرفها الله بحفظ كتابها بالتواتر وحفظ سنة نبيها بعلم الحديث. فالفيصل هو صحة الثبوت وصحة الدلالة.

معايير الإسلام الحاكمة

إذا ثبت نص وثبتت دلالته، وخالف ما ترينه حقًا وعدلًا، فاتهمي نفسكِ وقولي لعل الخلل فيّ. لكن خذي بالكِ، ليس مطلوبًا أن تتهمي نفسكِ في كل مقام، فقد يكون ما يقال لكِ ليس من الإسلام بالفعل. ذكرنا لكِ في الحلقة الماضية أن المعايير الحاكمة المطلقة التي يحققها الإسلام هي الحق والعدل، لا الحرية والمساواة، وأن المساواة تكون أحيانًا باطلًا وظلمًا، فلا تصلح أن تكون مسطرة تقيسين بها.

التعامل مع ما ينسب للإسلام خطأً

طيب، ماذا إذا نُسب إلى الإسلام ما يُظهر أنه يخالف الحق والعدل؟ ماذا إذا نُسب إلى الإسلام ما يبدو باطلًا وظلمًا؟ لا ترفضيه بدعوى أنه مناقض للحق والعدل، فقد يكون تقييمكِ أنتِ للحق والعدل غير صحيح. منظومتكِ المعرفية ولا تمرريه دون تحقق، فإنهم قد يُحدث لديكِ نفورًا خفيًا من الشريعة، لا تعرفين سببه فيما بعد.

مثال قصة الزبير بن العوام

قد تجدين من أشهر العلماء المعروفين من يقص على الناس قصة موجودة بالفعل في بعض المراجع، أن الزبير ابن العوام رضي الله عنه غضب مرة من زوجتيه، فربطهما من شعرهما وضربهما ضربًا شديدًا. إحدى زوجتيه أسماء بنت أبي بكر فذهبت تشكو إلى أبيها فقال لها: "أي بنية اصبري فإن الزبير رجل صالح ولعله أن يكون زوجك في الجنة ولقد بلغني أن الرجل إذا ابتكر بامرأة تزوجها في الجنة". فيقع في نفسكِ أن أبا بكر سكت عن هذا الظلم، بل وتقولين ربما حصل هذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فتأخذ القصة في ذهنكِ خاتم الموافقة من النبي، وبالتالي يصبح هذا التعامل مع الزوجة من الدين بالنسبة لكِ.

لا، بل تقولين لقائل هذا الكلام: {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}. هل صح ذلك عن الزبير؟ وهل مرت الحادثة دون مساءلة من النبي والصحابة؟ هذا الأثر المذكور عن الزبير ليس له إسناد صحيح، فهو لا يصح في علم الحديث. فنفوركِ منه ليس نفورًا من الدين، بل هو نفور حق من خبر لا يصح. ولو ثبت فلا يعني أن النبي أقره ولا أنه أصبح من الإسلام. ومع ذلك فنقول مرة أخرى إنه خبر لا يصح.

أهمية التفكير الناقد

لذا فعليكِ استخدام التفكير الناقد ليس مع أعداء الشريعة فقط، بل ومع المتكلمين باسمها ومع أنصارها ممن قد يسيئون عن غير قصد. وما ندعوكِ إليه هو أن تسلمي لله وشريعته لا لكل ما ينسب إلى الإسلام هكذا بلا تمحيص.

مشوار الإيمان الجاد

قد تقولين: لكن يا أخي هذا مشوار صعب. فرمتة لإزالة الصور النمطية، طلب العلم، فرز الشريعة عما نُسب إليها بالباطل، تفكير ناقد، اتهام نفسي. هذا مشوار صعب.

صعوبة المشوار وطلب العون من الله

نعم هو صعب، صعب إذا أركنتِ فيه على ذكائكِ وقدراتكِ. "إذا لم يكن من الله عون للفتى، فأول ما يقضي عليه اجتهاده". فاستحضري هذه المعاني وأنتِ تقرأين: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}. تريدين معونة الله في هذا المشوار؟ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا}. فرقانًا تفرقين به بين الحق والباطل.

ثمرة التقوى

عندما تفرطين في صلاتكِ، حجابكِ، علاقاتكِ، تسمعين أو تشاهدين ما لا يرضي الله، وتقولين مع ذلك أنا أعمل أعمالًا صالحة والحسنات يذهبن السيئات. فتذكري اللذات العظيمة التي تحرمين نفسكِ منها: لذة محبة كلام خالقكِ ورازقكِ الذي إليه معادكِ، لذة النور الذي يجعله في قلبكِ إذا أطعتيه وجاهدتِ نفسكِ وشهواتها، {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}.

التعامل مع الذنوب

ولا تكابري ولا تبرري الذنب أرجوكِ ولا تدافعي عنه، فهذا كله من الظلم، {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}. اطلبي من الله العون على الطاعة حتى لا يحرمكِ من لذة محبة كلامه وشريعته بشؤم معاصيكِ وذنوبكِ.

التعامل مع النفور المستمر

بعد هذا كله يا كريمة، إذا بقيتِ تجدين في نفسكِ نفرة من حكم شرعي أو آية، فابكي وتباكي لله وتضرعي وقولي: "رب أنا لك فلا تردني إلي". قولي: "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين". وتذكري قوله تعالى في الحديث القدسي: "يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم".

الوسواس العقدي

إذا فعلتِ هذا كله فأنتِ على خير. وإياكِ أن تدخلي في الوسواس العقدي، فيوسوس لكِ الشيطان أنكِ لا تحبين الله والله لا يحبكِ لأن في نفسكِ شيء تجاه حكم من أحكامه. بل ما دمتِ تجاهدين هذه النفرة وتحاولين إخضاع قلبكِ بصدق لشريعة ربكِ فأنتِ على خير. المهم ألا تسترسلي مع هذا النفور وألا يصبح اعتقادًا مستقرًا تبوحين به وتدافعين عنه.

في الحديث الذي رواه مسلم جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: "إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به". قال: "وقد وجدتموه؟" قالوا: "نعم". قال: "ذاك صريح الإيمان، ذاك صريح الإيمان". ما دمتِ تعظمين الله وتعلمين أن نفوركِ من حكم من أحكامه شيء سيء فهذا يدل على إيمانكِ فلا تدخلي في الوسوسة.

قصة يوسف والبروفيسور الملحد

سرنا معكِ في هذه السلسلة أيتها الكريمة لتؤمني الإيمان الجاد، الإيمان الذي يفهم فيه العبد مقام العبودية لله رب العالمين. ففي زمان التعلق بالماديات وتأله الإنسان، هزل لدى كثير من الناس حتى من المنتسبين إلى الإسلام، هزل لديهم معنى العبودية وهزل لديهم معنى الإيمان.

اهتزاز قناعة يوسف

صديق عزيز لي ابنه اسمه يوسف. ولد يوسف ونشأ في أمريكا، ثم ثارت لديه تساؤلات حتى اهتزت قناعته بالإسلام. تكلم يوسف مع دكتوره الملحد في الجامعة وهو بروفيسور في التاريخ.

حوار يوسف مع الدكتور الملحد

فقال الدكتور ليوسف: "ما هي تساؤلاتك؟" فأخبره يوسف بها وعلى رأسها موضوع التطور الذي نعالجه في رحلة اليقين بالمناسبة. فقال له الدكتور الملحد: "طيب وماذا ستفعل مع هذه التساؤلات؟" قال يوسف بصراحة: "إذا لم أجد إجابات عنها فربما لن أبقى مسلمًا". فقال له الدكتور الملحد: "لا لا هذا غبي جدًا". تابع الدكتور: "لديك كل هذه الإجابات عن التساؤلات في دينك وكل هذه الأشياء التي تقنعك به، ثم تترك دينك من أجل بضعة تساؤلات؟ ماذا إذا ذهبت ليوم الحساب فقال لك الإله، يعني الذي تؤمن به؟ أعطيتك كل هذه الإجابات، ثم تركت الإسلام من أجل تساؤل واحد أو بضعة تساؤلات؟ تساؤلات لم تستطع فهم حكمتها، أو اختبرتك بها؟ لديك كل هذه الإجابات القوية والمريحة، ثم تركت الإسلام من أجل تساؤل؟" ثم قال الدكتور الملحد: "الزم دينك، وابحث عن إجابات، وإذا لم تجد إجابات فاعلم أن الدين فيه تسليم وأن الإله يختبرك". قال يوسف: "قلت له وقتها يا ليتك كنت مسلمًا لكنت إمامًا ممتازًا".

فلسفة الإيمان الجاد

هذا الدكتور الملحد مع أنه ليس مؤمنًا بالله إلا أنه يدرك فلسفة الإيمان أكثر من بعض المنتسبين إلى الإسلام. يدرك معنى الإيمان الجاد أنك إذا آمنت بمنظومة دينية متكاملة تجيب عن الأسئلة الوجودية الكبرى، أسئلة منشأ الإنسان وغاية وجوده ومصيره، فإن من الهزل في أمر الدين ومن انعدام الجدية أن تترك هذا الدين لأجل أمر فرعي لم تفهمه أو خالف هواك.

الإسلام لا يعارض العقل والفطرة

ولعل هذا الدكتور الملحد إذا كان صادقًا مع نفسه يدرك أن إلحاده نفسه يتناقض مع ذاته، ولا يقوم له بنيان متماسك، ولا يقدم إجابات مقنعة عن الأسئلة الوجودية الكبرى، كما وضحنا في حلقات الفطرة من رحلة اليقين. ونسأل الله لهذا الرجل الهداية.

وطبعًا المسألة يا كرام ليست بعدد الأسئلة التي يجيبها الإسلام كما قد يفهم من كلام هذا الدكتور، بل لبراهين الإسلام وأدلته وبيناته، واتساقه في كافة تفاصيله وأحكامه، وعدم معارضته للعقل الصحيح والفطرة السليمة في هذا كله. فالإسلام لم يطالبنا بالتسليم لأمر يعارض العقل والفطرة بخلاف بقية الأديان.

خاتمة وتوصيات

ختامًا يا كرام ويا كريمات، أكثر من أجابوا الاستبيانين لم يكن عندهم حرج سواء من موضوع الإسلام وضرب المرأة أو موضوع القوامة. وقبل أن ننشر استبيانًا عن حلقة أنا حرة، نبهنا أخ عزيز وقال: "طيب أنا لم يكن لدي حرج قبل حلقة الإسلام وضرب المرأة، لكن لما حضرت حلقتك زاد يقيني وإيماني بحكمة الله وقويت حجتي، فلو تضيف خيار لم يكن لدي شعور سلبي أو حرج، ولكني استفدت من الحلقة". وبالفعل أضفناه.

نتائج الاستبيانات مرة أخرى

وكانت النتيجة لحلقة أنا حرة عن القوامة أن حوالي 99.9% ممن لم يكن لديهم حرج قالوا أنهم استفادوا من الحلقة.

دعوة لنشر الفائدة

فَنقول لمن استفاد ولمن كان لديه حرج فزال بفضل الله: انشر هذه الفائدة وأحسن كما أحسن الله إليك. انشر الفائدة ولا توقفها عندك. عندما تنشر الحلقة فعلق بالمفهوم الذي استفدته منها وأثره في نفسك. وأعن على نشر الخير من قبيل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ}. وأعن الناس وساعدهم على سلامة قلوبهم ليسعدوا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

الحلقة القادمة

هذه الحلقة يا كرام، وإن كانت تظهر كالخاتمة، لكن سيتبعها حلقة أخيرة مهمة للغاية بعنوان "المرأة والبحث عن الذات"، بإذن الله تعالى.

خلاصة حلقة اليوم

خلاصة حلقة اليوم: إن كنتِ جادة فليكن إيمانكِ جادًا. وإذا وجدتِ في نفسكِ من أمر من أوامر الله شيئًا، فتذكري مقام العبودية وعظمة المعبود. واطلبي العلم، وصححي معايير الميزان، وأزيلي عن الجاهلية زينتها، وعن الشريعة غبار التشويه، وادعي ربكِ القائل: "يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم". والزمي طاعة ربكِ وتقواه، ليجعل لكِ فرقانًا. وأحسني ليرحمكِ بتحبيب الإيمان إلى قلبكِ، {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}.

والسلام عليكم ورحمة الله.