الحلقة 11 - البحث عن الذات في الزواج (لماذا يفشل كثير من الزواجات؟)
البحث عن الذات في الزواج (لماذا يفشل كثير من الزواجات؟)
السلام عليكم ورحمة الله.
عندما نقول للأنثى: لا تهربي من إصلاح ذاتك وتزكية نفسك إلى البحث عنها في أجواء الدراسة الجامعية والعمل، فإن الذي يتبادر إلى ذهنها أننا نقول لها: يا أختي تزوجي واقعدي في البيت، ديري بالك على زوجك وأولادك، والله يعطيك العافية. لا ثم لا.
بل كما لم ننصحك بالهروب من مواجهة نفسك وإصلاحها إلى الجامعة والعمل، فنحن أيضاً لا ننصحك بالهروب منها إلى الزواج. التي تزوجت أعطيناها وسنعطيها مفاتيح لنجاحها كزوجة ومربية بإذن الله.
أما التي لم تتزوج بعد، والتي لم تحقق النجاح في المستوى الأول الأساسي الذي تكلمنا عنه في علاقتها مع الله وعلاقتها مع نفسها، فكثيراً ما يكون زواجها هروباً وإخلالاً بالأولويات، وبحثاً عن الذات بطريقة خاطئة أيضاً، كما قلنا عن الخروج للدراسة والعمل المهني دون تحقيق النجاح في الأساسيات.
وبالمناسبة، فمفهوم العلاقة مع النفس مشحون بمعانٍ كبيرة لا يدرك السامع أبعادها وأهميتها عادة، مع أنها الأخطر والأهم. لذا فحتى لا يبقى الكلام عاماً، سنوصيكم في ختام هذه الحلقة بخارطة طريق التزكية للنفس من خلال قراءات ومقاطع نافعة بإذن الله.
الزواج كمتنفس عاطفي: توقعات غير واقعية
الأنثى المهملة لتزكية نفسها، والتي نجحت المنظومة العولمية في شحنها عاطفياً بخيالات الرومانسية الهوليودية، والتي أقنعت أنها يجب أن تكون غير مطمئنة ولا سعيدة ما لم تُلبِّ هذه الشحنة العاطفية، لأنها لا تأنس بنفسها ولا بعلاقتها بربها، فإنها في أحسن أحوالها ستنظر للزواج على أنه المتنفس الشرعي لشحنتها العاطفية، وأنها ستحقق بهذا الزواج سعادتها.
فتدخل على الزواج بهذه النفسية وبهذه التوقعات العالية المضخمة غير الواقعية، وتنتظر من شريك حياتها أن يملأ فراغ نفسها بمثل ما رأته من الرومانسيات التمثيلية، وأن يستمر الحال على ذلك. بينما الحقيقة أن الزواج ليس كذلك، حتى وإن كان سوياً ناجحاً، وحتى إن بدأ بفترة من متعة العلاقة الجديدة، فإنه لا بد بعد ذلك من الاعتياد والدخول في عجلة الحياة الأسرية ومتطلباتها ومسؤولياتها. فما بالكم بمجتمعاتنا التي تعيش واقعاً سياسياً واقتصادياً صعباً لا يستطيع الزوج أن ينفك عنه بالكلية.
لكن تبقى في الزواج الناجح علاقة المودة والرحمة، بينما أريناكم واقع هذه العلاقات في الغرب في حلقة البوكس الرومانسي.
عواقب الزواج غير المستعد له
فلا تجد الأنثى ما توقعته من الزواج، بل وتجد فيه مسؤوليات لم توطن نفسها على تحملها. فيصبح الزواج نكسة لها وعبئاً، وتبحث عن مهرب. مهرب إلى ساحة تحقيق الذات بالطريقة الرأسمالية والعولمية، أو إلى مواقع التواصل الاجتماعي، فتبحث عن ذاتها الضائعة مع الجماهير وتعليقاتهم وإعجاباتهم، وتنتظر منهم مديحاً وثناءً يلامس شيئاً من عاطفتها التي لم تجد إشباعها في الزواج.
ولربما إن قل ورعها أكثر من ذلك، تبحث عن ذاتها الضائعة عند المدير في العمل، أو زميل العمل أو الدراسة. فهربت من نفسها إلى الزواج، ثم ها هي تهرب من نفسها وزواجها إلى إكمال الدراسة أو المهنة أو وسائل التواصل أو العلاقات غير المنضبطة. وإذا أنجبت، أنجبت أبناء مضعضعين نفسياً ضائعين مثلها.
الزواج: استجابة للفطرة لا حل للمشاكل النفسية
الزواج يا كرام استجابة لدوافع فطرية غريزية أوجدها الله لاستمرار الحياة، لكن هذه الدوافع تم تأجيجها بطريقة مشوهة لدى الشباب والفتيات، فولدت لديهم مشاكل نفسية وتوتراً، حتى أصبحت الدوافع الغريزية في نظرهم مشكلة حلها في الزواج. فيتوقعان أن تحصل معجزة بالزواج وتحل مشاكلهما هذه.
حتى أصبحت هذه ثقافة مجتمعية، كما نسمع من الآباء والأمهات الذين يعولون على أن ينصلح ابنهم بعد الزواج تحت شعار "لم يتزوج بعقل". بينما الذي يحصل عادة هو أن كل من الطرفين غير المؤهل نفسياً يعوق الآخر، وهو يتوقع منه أن يحييه.
الزواج ليس مهرباً مقبولاً من إصلاح الذات، ولا مصحة نفسية، ولا تفريغاً لشحنة مشوهة، ولا حلاً لمشكلة مصطنعة، ولا تحقيقاً لرومانسيات واهمة.
الزواج نعمة تتطلب الاستعداد
الزواج نعمة يمتن الله بها علينا، سكينة ومودة ورحمة، ونواة الأسرة التي هي الحصن الأساس للأمة أمام أعدائها. لكن حتى يكون الزواج كذلك، نحتاج أن نطيع ربنا في الإقبال على هذا الزواج والاستعداد له. بينما كثير من شبابنا وفتياتنا يهملون ذلك كله، بل وتبلغ غفلتهم عن الله ذروتها ليلة حفل الزواج.
نعم، هناك حالات انصلح فيها حال الأزواج وحلت مشاكل لديهم مع أنهم دخلوا الزواج غير مؤهلين بالتأهيل الذي ذكرنا، لكن هذا ليس الأكثر ولا الأعم، ولا الثقافة التي ينبغي أن تكرس في المجتمع عن مؤسسة الأسرة، ولا المبرر للإقبال على الزواج مع إهمال النفس وتزكيتها قبل الزواج.
أهمية تزكية النفس قبل الزواج
تحتاجين أن تزكي نفسك وتطلب العلم النافع وتصل إلى حد من الطمأنينة وإصلاح العلاقة مع النفس ومع الله ووضوح الأهداف وترتيب الأولويات التي ذكرناها في الحلقة السابقة. تحتاجين هذه النفس المرتاحة المطمئنة لتكوني راضية مستقلة نفسياً وعاطفياً حتى وإن لم يقدر لك أن تتزوجي.
وتحتاجين هذه النفس إذا تزوجت لترجعي إليها وتعبئي وقوداً وتعودي لتنفقي منه على الزوج والأولاد. وكذلك الزوج يحتاج أن يعمل على هذا كله، بحيث يكون الزواج جزءاً من تحقيق الأهداف الصحيحة التي حددتماها ضمن مشوار العبودية لله تعالى بمفهومها الشامل.
وحينئذٍ إذا نجحت في هذا المستوى الأساسي من تزكية النفس، فسواء تزوجت، أم لم تتزوجي، أو كنت مطلقة، أو أرملاً، أو زوجك بعيد عنك لأسباب، أو لا يؤدي دوره النفسي والعاطفي تجاهك، إذا عملت على تزكية نفسك، فلذة الكفاية النفسية، ولذة نجاحك في الأساسيات، والتي تحققينها واقعاً، ستكون أعظم من الأحلام المبالغ فيها، والتي تبحثين عنها في السراب. أعظم طمأنينة، وتحقيقاً للرضا في الدنيا، "فلنحيينه حياة طيبة"، ثم في الآخرة حيث السعادة الأبدية.
نحن لا نصعب الزواج يا كرام، بل نسعى لإنجاحه، ولا نطالب قبل الإقدام عليه بإيمان كإيمان علي وفاطمة رضي الله عنهما. ونعلم أن النفس البشرية يعاودها الضعف والتقصير، لكن يحتاج شبابنا وفتياتنا إلى الحد الأدنى مما ذكرنا، وإلى تربية النفس عليه قبل الزواج. لا أن نقول الزواج سنة ونهمل كل ما قبله من الفروض والسنن المتعلقة بإنشاء ناجح لمؤسسة الأسرة، وأسباب توترها وشقائها، ثم حملها على الخير، والتخلص مما يؤذيها من الطبائع السلبية.
أن يبدأ مشوار هذه التزكية قبل الزواج، وأن يكون الحد الأدنى منها متطلباً لا يقل أهمية عن وجود عمل للشاب المتقدم. الشاب والفتاة عادة لا يقدمان على خطوة الزواج قبل أن يكون هناك مسكن ولو صغير، وحد أدنى من الأثاث ومتطلبات الحياة المادية في المنزل. وقد يتركون بعض الأشياء للأمام.
ما نقوله فليكن عندكم الحد الأدنى من التزكية والنضج النفسي الذي لا تقوم الحياة السوية إلا به، ثم تستكملان المشوار، وتتعاونان على السير فيه بعد الزواج، لكن تكونان قد وضعتما أرجلكما على الطريق الصحيح قبل الزواج، ولكما هدف مشترك واضح تسيران نحوه، وقيم مشتركة تحتكمان إليها، وأولويات تتفقان عليها.
أما التعويل على أننا سنضع أرجلنا على الطريق الصحيح بعد الزواج، فهذا هو الذي نحذر منه قبل وقوعه. ومع ذلك فمن وقع في ذلك نقول له: إصلاح وضعك ووضع أسرتك توبة، وباب التوبة مفتوح.
خارطة طريق لتزكية النفس
طيب، من أين أبدأ في هذا المشوار؟ مشوار تزكية النفس الذي نحتاجه جميعاً، من تزوج منا ومن لم يتزوج بعد، ذكوراً وإناثاً. ننصحكم في ذلك يا كرام بقراءات ومقاطع ودورات منها:
- دليل مع نفسي لأخينا الطبيب النفسي الدكتور عبد الرحمن ذاكر، وهي ثرية منوعة وسنضع لكم رابطها في التعليقات.
- كذلك قناة مركز النفس المطمئنة للأخ أنس شيخ كريم على تليجرام، وهو صاحب تخصصين في أصول الدين وعلم النفس التربوي، وقد ساعدني كثيراً في إنضاج مادة هذه الحلقات. وننصح بدوراته التي سنضع لكم معلوماتها في التعليقات بإذن الله.
سؤال للمناقشة في الحلقة القادمة
ختاماً، سيقول بعض الأخوات: أنا لا أبحث عن ذات ضائعة ولا شيء، لكنني بصراحة وبساطة لا أجد نفسي مع زوج وأولاد، وإنما أجد نفسي في العمل التطوعي أو التثقيفي أو حتى الدعوي، أليست هذه أهدافاً سامية؟
سنجيب عن هذا السؤال في الحلقة القادمة بإذن الله. والسلام عليكم ورحمة الله.