→ عودة إلى سلسلة المرأة

الحلقة 4 - المرأة والمهمة المنسية

١١ يناير ٢٠٢٠
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم.

مقدمة: تزايد اعتناق النساء الغربيات للإسلام

عام 2011، نشرت دراسة من جامعة سوانسي قيل إنها الأكبر عن اعتناق البريطانيين للإسلام. وتلقتها صحف كـ "الإندبندنت" البريطانية تحت عنوان "النساء والإسلام: الزيادة المستمرة للكونفرت" يعني المعتنقات للإسلام.

قالت الدراسة إن عدد البريطانيين الذين اعتنقوا الإسلام في السنوات العشر الماضية كان مئة ألف، بزيادة كبيرة عن السنوات العشرة التي سبقتها (يعني من 1991 إلى 2001) والتي أسلم فيها ستون ألف بريطاني. الملفت للنظر أن ثلاثة أرباع هؤلاء المسلمين الجدد هن من النساء.

وفي بحث منشور عام 2017 شمل دولاً أوروبية عديدة، تحدث البحث عن أعداد كبيرة ممن اعتنقوا الإسلام في ألمانيا وكذلك في فرنسا ودول أخرى أوروبية. وكانت الملاحظة مرة أخرى أن النساء أكثر اعتناقاً للإسلام من الرجال.

لماذا تقبل المرأة الغربية على الإسلام؟

لماذا يا ترى؟ هل حضرت معنا حلقة "تحرير المرأة الغربية"؟ هل رأيت الصحراء التي ضاعت فيها هذه المرأة؟ إذا كانت سليمة الفطرة، فماذا تتوقع منها أن تفعل بمجرد أن تعثر وسط هذا المشهد البائس على واحة الإسلام؟ وترى إنصاف الإسلام لها، وتنظيمه لعلاقتها بربها ثم بنفسها ومجتمعها، ببوصلة وحي محفوظ لا أهواء ساسة وأصحاب رؤوس أموال مستغلين.

لذلك، فلاحظ أن أكثر الدول التي يقبل نساؤها على الإسلام هي بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، وهي أكثر دول رأينا فيها معاناة المرأة في حلقة "تحرير المرأة الغربية".

المهندس فاضل سليمان قابل عدداً من النساء اللواتي اعتنقن الإسلام لينشر بعدها وثائقية بعنوان غريب: "الإسلام في النساء" عكس العنوان المعتاد "المرأة في الإسلام". لماذا يا ترى؟ لماذا "الإسلام في المرأة" أو "الإسلام في النساء"؟ قال: لأن هناك ظاهرة تكررت مع عدد من النساء اللواتي قابلهن. يسأل الواحدة: متى أسلمت؟ فتقول له: "لا تقل لي متى أسلمت، بل قل لي متى اكتشفت الإسلام الذي بداخلك؟ متى اكتشفت الإسلام الذي بداخلك؟" تعبير عظيم عن حقيقة أنه دين الفطرة. وتعلم ما ستتعرض له بمجرد أن تضع الحجاب.

هذا كله، وعامة المسلمين لا يخطر ببالهم أصلاً واجب دعوة الآخرين إلى الإسلام، بل ومنهم من يحتفلون مع أهل الأديان في مناسباتهم الدينية، بدلاً من دعوتهم إلى الدين الحق.

لاحظ أن أعداد اللواتي يسلمن زادت بعد عام 2001، في العقد الذي تلى أحداث سبتمبر مباشرة، أحداث كان يتوقع أن تعطي نتيجة عكسية. لكن مجرد التفات نظر هؤلاء النساء إلى وجود دين اسمه الإسلام، وتنامي فضولهن للتعرف عليه، وشيء من زيادة نشاط المسلمين في الدعوة بعدها، كان له هذا الأثر الكبير.

ترى ما هي الأشياء التي جذبت هؤلاء الغربيات إلى الإسلام وجعلتهن يعتنقنه رغم كل الصعوبات؟ طرح هذا السؤال في وثائقية "الإسلام في المرأة" أو "الإسلام في النساء". وقد تستغربين أيتها المؤمنة إذا علمت أن ما جذب كثيراً من الغربيات للإسلام هو نفس التشريعات التي جعلت بعض المسلمات يتشككن في الدين أو يتركنه للأسف. أوامر ربانية يتحرج منها بعض المسلمات إما لاختلال المعايير لديهن أو لسوء تطبيق هذه التشريعات على أرض الواقع.

أما المرأة الغربية فقد خاضت التجربة. ذاقت المرارة، ضحك عليها كثيراً، واستغلت كثيراً. سلكت هذا الطريق إلى نهاياته. رأت عواقبه ومآلاته، علمت أساليب شياطين الإنس في إغرائها بسلوك هذا الطريق، جربت الحيرة والضياع طويلاً. فإذا سلمت فطرتها ورأت شرائع الإسلام، كان سهلاً عليها أن ترى فيها الحق والعدل الذي لم يره كثير من المسلمات.

صدمة المسلمات الجديدات من واقع المسلمات الأصليات

لكن حسب الدراسة التي نشرت عنها "الإندبندنت"، فأكثر المسلمات الجديدات يشتكين من حالة من الارتباك، لا يتلقين دعماً تعليمياً كافياً، فيطالعن بأنفسهن عن الإسلام ويتشتتن. وعدد منهن يشتكين من حالة العزلة، ويشتكين أنهن عندما أسلمن استقبلن في البداية بحفاوة من المسلمين.

وكأنني بالمرأة الغربية المسلمة تقول: "أين أنتِ يا من ولدت مسلمة لتنقذي أمثالي من النساء، وتنتشلي غيري من طريق الضياع؟ أين أنتِ لتضربي مثلاً لنساء العالم بنجاحك في علاقاتك الأسرية، وتعاونك مع الرجل على البر والتقوى، وحسن تربيتك لأبنائك لتقوموا بالمهمة التي افترضها الله عليكم إذ قال لكم: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} أين أنتِ؟ قرآن قرأت ترجمته، ونبي قرأت سيرته التي مر عليها أربعة عشر قرناً فأسلمت لأنه دين يجذب الناس بنفسه. أين أنتِ لتجسدي ما قرأته في القرآن والسنة فتكوني قدوة حية معاصرة لبنات جنسي المحتاجات إليك؟ قصرت في دعوتي، ومع ذلك اهتديت بفضل الله، أين أنتِ لتقدمي لي الدعم النفسي والعلمي، وتشعريني بأن لي عزوة وأنساً وأهلاً في هذا الدين؟ ألا تغارن أيتها المسلمة على دينك؟ أما أدركت أنه يا له من دين، لو أن له رجالاً ونساءً، أين أنتِ عنا يا مسلمة؟"

تصور وتصوري صدمة هذه المسلمة الغربية التي تصرخ بهذا السؤال: "أين أنتِ عنا يا من ولدت مسلمة؟" فتتفاجأ بأن هذه المسلمة قد بدأت تسلك نفس الطريق الذي فرت المسلمة الغربية منه. تصر المسلمة أصلاً على خوض التجربة بكامل فصولها، بدل أن تتعظ بغيرها.

تصوري صدمة الغربية عندما ترى من المسلمات المتشككة في عدل الإسلام وإنصافه لها. رأت سوء تطبيق لبعض أوامر الله، فكارهت أمر الله نفسه. فلن تشارك في دعوة غيرها للإسلام، بل هي نفسها بحاجة إلى من يدعوها. عندما ترى منهن التائهة المحتارة في البحث عن إثبات الذات، عندما ترى منهن المشغولة بمشاكلها الشخصية، تشتكي ظلم الرجل لها، وقد يشتكي هو ظلمها له، ونسيت تماماً أنها من خير أمة أخرجت للناس. بل ومنهن من تترك الإسلام وترتد عنه، {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}.

المهمة المنسية للمرأة المسلمة

ومن المسلمات بلا شك من يقمن بواجبهن، ويتعاونن على البر والتقوى والدعوة في الأسرة، المدرسة، الجامعة، أعمالهن، مجتمعاتهن. فليس هدفها إنقاذ نفسها فحسب، بل وإصلاح أسرتها ومجتمعها وأمتها، بل والبشرية. مؤمنات متوازنات عاليات الهمة، موجودات، لكنهن قليلات. وكل يختار لنفسه من هذه الأصناف السابقة ما يريد.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ}.

لذلك، فسنسير في سلسلة لك أيتها المؤمنة، سلسلة قصيرة مكثفة من الحلقات لن توفي الموضوع حقه، لكن نسأل الله أن يجعلها مصابيح هداية، حتى نعود بعد استكمالها إلى السير في واحدة من أهم محطات رحلة اليقين.

سلسلة "المرأة والمهمة المنسية"

هذه السلسلة التي بدأنا بها هي لك أيتها المؤمنة، هدفها مساعدتك على أن تتبوئي المكان المناسب في تحمل المسؤولية العظمى تجاه دين الله. فمهمتك في الإعانة على هداية البشرية ليست مهمة تطوعية، بل واجب. إهمالك لهذا الواجب قد يكون من عقوباته القدرية أن تشغلي بالهموم والمشاكل والتظالم مع الناس ومع جنس الرجال. والمرأة في المجتمعات غير المسلمة، المرأة المسلمة التي تقصر في دورها الدعوي في تلك المجتمعات، وإعانة الرجل على دوره أيضاً، قد تبتلى بمن يضطهدها لأجل دينها ويحرمها حقوقها الدينية هناك.

سنسير بإذن الله في سلسلة تساعد على بلورة نظرتك لنفسك، ولدينك، ولعلاقتك بربك، وبأبناء جنسك البشر. وتساعدك لتستكشفي ما يمكن أن يكون قد دخل على منظومتنا النفسية رجالاً ونساءً، فأحدث نزاعاً داخل الصف المسلم والأسرة المسلمة، وجعلنا متأثرين بدعوات الضلال بدل أن نكون هداة مهتدين. فنسأل الله تعالى أن يجعل في هذه السلسلة نفعاً وبركة ويقيناً.

{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.

والسلام عليكم ورحمة الله.