→ عودة إلى مرئيات

طعام العزاء-تنبيه على ممارسات خطيرة

٥ فبراير ٢٠٢٠
النص الكامل للمقطع

طعام العزاء - تنبيه على ممارسات خطيرة

السلام عليكم يا كرام ورحمة الله وبركاته، وصبحكم الله بالخير.

مقدمة عن ظاهرة المناسف في العزاء

سبحان الله اليوم استوقفني أحد الإخوة ويقول: أسألك بالله أن تتكلم عن ظاهرة المناسف. قلت له: شو ظاهرة المناسف؟ المناسف نوع من الطعام عندنا هنا في الأردن. قال: مسألة حرجة، بعمل المناسف من قبل أهل الميت، وأحياناً ليس تفاخراً وإنما من قبيل أن يدفعوا العار عن أنفسهم أنهم صنعوا طعاماً لمن حضر العزاء. يعني أصبح عندنا هنا عرفاً أنه لابد لكل أهل ميت أن يصنعوا طعاماً لمن يحضر العزاء.

قال: أحياناً يكون هذا الكلام مرهق جداً. يعني يحدثني عن شخص يعرفه أنه توفي والده من أسبوعين، فتكلف آلاف الدنانير على صنع الطعام لحاضري العزاء. ثم توفيت أخته بعدها، فتكلف أيضاً آلاف الدنانير خلال أسبوعين. قال: حالته المادية صعبة. قال: وأعرف أن بعض الناس يستدين ديناً ربوياً، يرهن عقاراً له ويستدين ديناً ربوياً حتى يصنع طعام العزاء هذا.

شوفوا يا إخوان، أنا عنونت هذا البث المباشر بعنوان "ممارسات خطيرة"؛ لأنني سأتكلم عن شيء خطير، ما أتكلم فقط عن بدعة مكروهة، لا، سأتكلم عن شيء خطير يحصل أحياناً. ما يحتاجه المتوفى ليس إنساناً يأثم ويأخذ دين بالربا، ولا إنساناً يتباهى علشان أعراف بالية وتفاخرات زائفة. ما يحتاجه الميت ولد صالح يدعو له، أو ولد صالح يدعو له. ما يحتاجه أقرباء الميت هو الإعانة لهم، لا زيادة الهم عليهم من أجل الزائفة أو حتى لا يلحقهم العار.

حكم صنع الطعام لأهل العزاء

الآن يا إخواني أنا سأؤجل النقطة التي فيها إثم كبير، لكن بداية ما هو حكم صنع الطعام لمن يحضر العزاء؟ النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الحسن الذي حسنه الإمام الترمذي وغيره أنه عليه الصلاة والسلام قال: "اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم" عندما توفي جعفر. قال النبي: "اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم".

إذن السنة أنه عندما يتوفى المتوفى، أصدقاء المتوفى، أصدقاء العائلة، أقرباؤهم، جيرانهم هم الذين يصنعون الطعام لأهل المتوفى، وليس العكس. نقول قبل أن أحكي كراهة ولا تحريم، الأصل أن تلتزم بأمر نبيك صلى الله عليه وسلم، وما تقول والله إذا مش حرام بعملها حتى لو كانت مكروهة. لا، الأصل أن تلتزم.

لكن تعالوا نفصل قليلاً في حكم هذه المسألة، متى تكون حراماً وحرام بشدة كمان، ومتى تكون مكروهة. الأئمة الأربعة يا كرام على كراهة أن يصنع أهل الميت الطعام للناس الذين يحضرون العزاء. وسآتي لكم هنا بأقوال، أقرأ لكم أقوالاً لبعض العلماء مع التأكيد على أن مذهب الأئمة الأربعة يقول بالكراهة.

النووي في "روضة الطالبين" قال: "وأما إصلاح أهل الميت طعاماً وجمعهم الناس عليه فلم ينقل فيه شيء" يعني ما في سنة ثابتة ولا من أفعال الصحابة كمان أثر ثابت، "وهو بدعة غير مستحبة".

ابن قدامة في "المغني" قال: "فأما صنع أهل الميت طعاماً للناس فمكروه؛ لأن فيه زيادة على مصيبتهم وتشبهاً بصنع أهل الجاهلية". تصور تشبهاً بصنع أهل الجاهلية!

شيخ الإسلام ابن تيمية قال في "مجموع الفتاوى": "طعاماً يدعون الناس إليه فهذا غير مشروع وإنما هو بدعة". بل قد قال جرير بن عبد الله يعني البجلي: "كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعتهم الطعام للناس من النياحة المحرمة". يعني وإنما المستحب إذا مات الميت أن يصنع لأهله الطعام.

وطبعاً في كلام مثل ولي بن حطاب المالكي وبن همام الحنفي، هذا مذهب الأئمة الأربعة.

متى يكون صنع الطعام حراماً؟

الآن يا كرام هنا نتكلم عن كراهة، متى يصير الأمر حرام؟ يصير الأمر حرام لما يكون مال الورثة، هذا المال من مال الميراث، ويكون في الورثة قُصّر وأناس لا يرضون بصنع الطعام من مالهم.

يعني تصور والد ترك ألف دينار وراءه، طيب هذول الدينار راح يوزعوا على من؟ على الأم والأختين والأخ الصغير أبو العشر سنوات والأخ الكبير أبو الثلاثين سنة إلى آخره. إحدى الأخوات قالت: والله يا أخوي أنا حالتي أنت عارف عنها وبالتالي أنا لا تطيب نفسي أنه يصنع طعام حتى لو كان عن والدي رحمة الله عليه، يعني عشان عزاء والدي. قال: يا أختي ما بصير، إيش يحكوا الناس عنا؟ شو يحكوا الناس عنا؟ هذا مالها، هذا حقها، ما بيطلع لك تتصرف به. هذا الولد أبو العشر سنوات، رجل لا يريد، ما بيطلع لك هناك طفل، ما بيطلع لك تأخذ من حقه، ما بيطلع لك تأخذ من ماله.

أصلاً إن كنت تريد أن تصنع الطعام وتدخل في الكرم، اصنعه من مالك أنت. فيه بيطلع لك حصة في الورثة مثلاً بيطلع لك مئة دينار في الورثة، آه من مالي كهذا. لكن ما بيطلع لك تأخذ من مال من لا تطيب نفسه اللي مش حابب إنه يدفع من مالي، ولا بيطلع لك تأخذ بالمخاجلة تحت وطأة وإحراج إنه إيش يحكوا الناس عنا، ولا بيطلع لك تأخذ من مال الأولاد هؤلاء يتامى. تذكر هنا الوعيد الشديد: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ [النساء: 10]. المسألة خطيرة جداً جداً، فما نستهين بها أبداً يا جماعة.

إذن يحرم أنك تضع من أموال القصر والأطفال في هذا الطعام. موقع الإسلام سؤال وجواب، موقع عظيم، قال: "كما يكره لأهل الميت صنع الطعام لمن يقدموا لعزائهم، كذلك يكره الأكل من الطعام الذي أعدوه لهذا السبب، وإن كان الطعام من مال الورثة الصغار فالأكل منه حرام".

قال البهوتي في "كشاف القناع": "ويكره الأكل من طعامهم" يعني من الطعام اللي بيصنعوه أهل المتوفى "وإن كان من التركة وفي الورثة محجور عليه" يعني صغار "أو من لم يأذن" طبعاً يعطيه بطيب نفس دون إحراج "حرم فعله وحرم الأكل منه؛ لأنه تصرف في مال المحجور عليه أو مال الغير بغير إذنه".

ما بالكم الآن يا جماعة لما يستدين أهل الميت ويتأثر بهذا الدين سلباً، ويتأثر بذلك الصغار والنساء؟ مثلاً في أخوات موجودات أو بنات للمتوفى وأطفال، بيروح الأخ الكبير بيستدين وهذا بيدخل العيلة كلها في حرج وضائقة مالية أشد حرمة. ما بالكم لما يكون دين ربوي؟ الله أكبر يا جماعة، الله أكبر يا جماعة! تستدين دين ربوي علشان تعمل مناسف عن المتوفى لإطعام الذين يحضرون العزاء! والله يا جماعة هذا جرم حرام، حرام ما تجامل الناس على حساب دين الله عز وجل.

استثناءات ودعوة للتغيير

الآن ملاحظة: يُستثنى من الكراهة كما في موقع الإسلام سؤال وجواب وهذا كلام طبعاً يتسق مع الأدلة الشرعية. فلم نصنع لهم نحن الطعام، وإنما زوج أختي جزاه الله خيراً واثنان من أصدقائي جزاهما الله خيراً أحضروا الطعام لمن حضر ويعني لمن جاء من الضفة كزوار وضيوف نازلين عندنا لأنه لا بد من طعامهم في النهاية.

فأنا ما أقول لكم يا إخواني طبقته. نحن بفضل الله تعالى عند وفاة ابنتي نحن لم نصنع طعاماً لطعام العزاء والمناسف اللي بيحكوا عنه، لا عن قلة ذاتية بفضل الله تعالى، وإنما لمحاربة هذه العادة الباطلة. لذلك أطلب منكم الله يكرمكم فلنغير ولنلتزم أمر الله تعالى. خلينا نغير هذه العادة الباطلة ونحاربها ونكافحها ونقول لأهل الميت من اليوم وطالع إذا دعوتمونا: يعني إذا كان هذا المال نسألهم هذا المال الذي تدعوننا إليه، المال الذي عملتم منه العزاء، استأذنتم الأطفال؟ استأذنتم النساء؟ النساء كان عن طيب نفس؟ إخوانكم عن طيب نفس؟ هل هذا المال مصنوع من أموال الأطفال؟ نصير ندقق ونحقق. ويفضل في هذه الحالة إذا قال لك: آه والله استأذننا الجميع وما في من مال الأطفال، يفضل في هذه الحالة ما تحضر. يفضل.

أما إن كان هذا المال أو هذا الطعام مصنوعاً من مال من لم تطب نفسه أو من مال الأطفال، فيحرم عليك أن تحضر. لا تحضر ووضح السبب يا جماعة، وضح السبب حتى ينتشر هذا المفهوم بين الناس. ونتذكر وأنا طبعاً أقول عن نفسي أنا لما أموت ولم يأتي بعدي ما تصنع طعاماً. إذا أحد من أصدقائه من الأقرباء من الجيران حب يصنع طعام للحضور للنزلاء الله يجزيه خير، لكن حتى نحارب هذه العادة لا تصنعوا يا أقربائي ويا إخواني طعاماً لمن يحضر.

وأقول هذا الكلام يا جماعة وفي بلاد المسلمين مثل الشمال السوري وفي إدلب الآن يقتل كثير من المسلمين وليس هناك من يصنع عنهم طعاماً لا من جيرانهم ولا أصدقائهم؛ لأن العزاء مرة يطلع عزاء أو موكب عزاء لواحد ينزل عليه قصف يتحول العزاء لأربعين خمسين عزاء والله المستعان. يعني خلينا نفكر بهم الأمة وما نضيع وقتنا وجهدنا ومالنا في مفاخرات زائفة وفي عادات بالية. نخلي عيننا على مجد الأمة وعلى رفعة الأمة وعلى نصرة المستضعفين من المسلمين بأن نصلح من واقعنا ومن أنفسنا. نسأل الله أن يفرج كرب المسلمين في كل مكان وبارك الله فيكم والسلام عليكم.