→ عودة إلى مرئيات

فكرة التوافق التي أضرت بالـ"إسلاميين" كثيرا ! دروس من أحداث مصر (4)

١٩ يوليو ٢٠١٣
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم ورحمة الله إخوتي الكرام.

ذكرنا في المرة الماضية الأخطاء التي جرت الإسلاميين في مصر إلى المصيبة التي هم فيها. وقلنا إننا سنتكلم عن أسبابها ودوافعها سعياً إلى التخلص منها.

مفهوم التوافق الخاطئ

من أخطر هذه الأخطاء مفهوم التوافق والحرص على إرضاء غير المسلمين ولو على حساب الشريعة. أشرك الإسلاميون النصارى والعلمانيين في كتابة الدستور في سبيل التوافق، ووافقوا على منع قيام الأحزاب على أساس ديني في سبيل التوافق، وأقروا دستوراً ليس للإسلام فيه نصيب. وكانت حجتهم في هذا أنه دستور توافقي. ورفضوا النص على أحكام الشريعة من أجل التوافق، ووضعوا نصوصاً من كتاب النصارى في مناهج الطلاب في سبيل التوافق. وعين الدكتور محمد مرسي نصرانياً بمؤسسة الرئاسة لشؤون الانتقال الديمقراطي في سبيل التوافق، وتملق لمن يسمون بالفنانين كما في حفل الغردقة وغيره في سبيل التوافق.

وكان تبريرهم في كل مرة: "هناك نصارى في المجتمع، ماذا نفعل بهؤلاء؟ لا نستطيع أن نقصيهم، هل تريدوننا أن نلقي بهم في البحر؟" وكان التمسك بالدين وإقامة الشريعة تعني ظلم غير المسلمين. وكانوا في كل مرة يتعذرون أنهم يريدون بذلك الإصلاح قدر الاستطاعة.

ترى هل كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم دعوة إلى التوافق ولو على حساب الشريعة؟

الرد الشرعي على مفهوم التوافق

نعم، ما الدليل؟ هناك آيات إخواني عندما نقرأها بعد هذه الأحداث نحس وكأننا نقرأها للمرة الأولى، وأتمنى على الإسلاميين أن يقرأوها بتجرد وبطلب للهداية.

قال الله تعالى في سورة النساء: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا. وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا. فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا. أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا."

"ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت" أي أنهم تحاكموا إلى رجل من أهل الكتاب كما قال المفسرون. الدستور الذي يجعل التشريع للبشر من دون الله كما بينا في حلقات كثيرة، هذا الدستور طاغوت تحاكموا إليه وأقسموا عليه ومنعوا من الاستثناء في هذا القسم، لماذا؟ لأنه دستور توافقي.

"وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً". لا تنفر أيها المستمع لوجود كلمة المنافقين، حاول الاهتداء بالآيات هداك الله وسنعود للكلمة بعد قليل. ظهرت الدعوة إلى تحكيم الشريعة والنزول في جمعات المطالبة بها، وأتى الإعلان من أحزاب إسلامية: "لن نشارك"، وخذلوا الناس عنها، لماذا؟ لأنها تفسد حالة التوافق.

المصيبة والتبرير الواهي

ثم قال تعالى: "فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً". فكيف إذا أصابتهم مصيبة؟ نحن في مصيبة الآن ليس لها من دون الله كاشفة، وهي بما قدمت أيديهم. "ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً".

قال ابن كثير: "أن يعتذرون إليك ويحلفون ما أردنا بذهابنا إلى غيرك وتحاكمنا إلى عداك إلا الإحسان والتوفيق، أي المداراة والمصانعة لاعتقادنا صحة تلك الحكومة، لا اعتقاداً منا صحة تلك الحكومة". يعني التحاكم إلى غير الشريعة. إذا كانوا يقولون: نحن نريد الإحسان أي مصلحة المسلمين، حقن الدماء، والتوفيق بين الأطياف كلها، وعدم إحداث شرخ في أبناء المجتمع الواحد، إحساناً وتوفيقاً، ونداري أهل الكتاب الذين نحتكم إليهم، وإلا فنحن لا نعتقد صحة حكمهم ولا أفضليته على حكم الله ورسوله. هذا كان منطقهم.

توجيه إلهي حاسم

قال تعالى: "أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً". الله عز وجل الذي قال: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" يقول هنا: "وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً". نعم، المسألة فيها ضياع الدين ورفع شعار التوفيق بين الجميع ولو على حساب الشريعة معاندة لسنة الله تعالى القائل: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم". ويؤول بك إلى أن تخسر كل شيء بلا مقابل، ويدل على ضعف تعظيم الشريعة في النفوس. والله سمى هؤلاء منافقين.

أعلم أن كثيرين سيغضبون، لكن عندما نرى أن هذه الأمراض لا زالت هي هي إلى الآن، آفة التوافق والتوفيق بين أطياف المجتمع ولو على حساب الشريعة لا زالت مسيطرة على العقول. وما دامت الانحرافات موجودة فلن ينجو الإسلاميون بمصر ولن تنجو مصر معهم. نريد أن نقول لهم: شيلوا من دماغكم حاجة اسمها توافق، وإن أصررتم عليها فنحن مضطرون إلى تسمية الأشياء بمسمياتها وبيان أن هذا نفاق.

قال الله تعالى بعد هذه الآيات: "وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله". أرسل الله نبيه ليطاع طاعة كاملة، لا لنسمي أنفسنا إسلاميين وندعي الانتساب إلى دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ثم نضيعها في سبيل التوافق.

دعوة إلى التوبة والتحكيم الشرعي

ثم قال: "ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً". هذا ما ندعوكم إليه هداكم الله. هذا ما ندعوكم إليه، استغفروا من ذنوبكم السالفة ومن التوفيق على حساب الشريعة، وستجدون الله تواباً رحيماً.

ثم قال سبحانه: "فلا وربك فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً". حتى يحكموك فيما شجر بينهم. إذا لم نستطع أن نقيم هذا الحكم الإسلامي حينئذ، فهذا ليس عذراً لنا أن نكون جزءاً من حكم وضعي ونوطئه ونضفي عليه الشرعية بحجة التوافق، بل علينا العمل من خارج هذه المنظومة الجاهلية بدعوة نقية إلى أن يفتح الله بيننا وبين أعدائنا بالحق. أي تنازل في هذا المجال معناه: "فلا وربك لا يؤمنون".

التوافق الصحيح ومفاصلة الأعداء

هل نحن بتحذير من التوافق على حساب الشريعة ندعو إلى ظلم غير المسلمين؟ أبداً. النبي صلى الله عليه وسلم اتفق مع غير المسلمين بالمدينة على وثيقة المدينة المعروفة، وأعطاهم حقوقهم، أعطاهم حقوقهم، لكن هذا كله كان تحت مظلة الشريعة إذ جاء في الوثيقة: "وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجر يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم".

بل نقول إخواني: مفاصلة الناس على أساس العقيدة هي التي تؤدي إلى التوافق الحقيقي. معاداة أعداء الدين يؤدي إلى التوافق الحقيقي.

في سورة الممتحنة قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ" إلى أن قال: "وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ. إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ". ثم قال تعالى: "عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ".

تصور بمنطق البشر القاصر: علينا أن نلقي بالمودة لأعداء الله حتى نحافظ على التوافق ونتقي شرهم، بينما سنة الله تقول: إذا استجبنا لربنا وعاديناهم في الله والتمسنا رضا الله مهما سخط الناس علينا، فالله سيجعل بيننا وبينهم مودة بأن يدخلوا في دين الله أفواجاً عندما يروننا أعزة متمسكين بديننا. العقل البشري بدون وحي الله تعالى لا يصل إلى هذه النتيجة، ولهذا "والله يعلم وأنتم لا تعلمون".

الخاتمة والنصيحة

ختاماً نقول للإسلاميين بمصر وغيرها: روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله الناس، ومن أسخط الله برضى الناس وكله الله إلى الناس". ووالله إنا جميعاً لفي حاجة ماسة الآن إلى أن يكفينا الله الناس، وليس أضر علينا من أن يكلنا الله إلى الناس الذين حرصنا على التوافق معهم على حساب سخط الله.

فتوبوا يا هداكم الله من هذا التوافق على حساب الشريعة، توبوا من هذا التوافق غير الموفق، فلا يرضي الله ولا يحافظ على العلاقة بالشعب الذي نخسره لأجل من أخبرنا الله مسبقاً أنهم لن يرضوا عنا. واخلعوا هذه العبارة من ألسنتكم واحذفوها من قاموسكم إلى الأبد. عسى الله أن يتوب علينا وعليكم ويرحمنا ويرحمكم.

والسلام عليكم ورحمة الله.