→ عودة إلى مرئيات

كروية الأرض

١٧ يوليو ٢٠١٨
النص الكامل للمقطع

كروية الأرض

السلام عليكم ورحمة الله. إخواني الكرام، لا يخفى على المتابعين منكم أنني أتكلم بكثافة مؤخرًا عن تزييف العلم، خاصة فيما يعرف بنظرية التطور. بعض الإخوة يعلقون على الحلقات قائلين: "نريد منك أن تتكلم عن مسألة أخطر، ألا وهي إثبات أن الأرض ليست كروية كما تدعي الناس، هذا كله فوتوشوب، بل الأرض مسطحة، وهذا ما ينص عليه القرآن والسنة، فأنذر الناس من هذه الكذبة والخديعة الكبرى".

منهجية التعامل مع العلم الغربي

أقول إخواني، قبل أن نتكلم عن تسطيح وكروية الأرض، هناك نقطة منهجية مهمة. عندما نقول أن هناك تزييفًا في العلم الغربي، خاصة فيما يتعلق بالأشياء التي توجه أيديولوجيًا وعقديًا مثل نظرية التطور، فهذا لا يعني أننا ننكر العلم الغربي جملة وتفصيلاً. نحن بفضل الله استفدنا ونستفيد من العلم الغربي، ومارسنا البحث العلمي في مؤسسات علمية بحثية غربية في أمريكا، ونعلم أن هناك أشياء صحيحة وهناك أشياء خاطئة، هناك أشياء مزورة وهناك أشياء ثابتة.

وبالتالي، يعني حقيقة هو موقف وردة فعل عاطفية غريبة أن ينتقل البعض من تقديس العلم الغربي إلى إهماله بالكلية وتكذيب كل ما جاء فيه. العلم الغربي منه الصواب ومنه الخطأ. ناسا صحيح أنه ثبت عليها أنها مارست الخداع والفوتوشوب ومارست الكذب، كما سنبين في الروابط إن شاء الله. هذه المسألة حقيقة أصبحت مسألة حسية بديهية معروفة.

إجماع العلماء على كروية الأرض

وللعلم، كروية الأرض مسألة إجماعية لدى علماء المسلمين من القرون الماضية. بل إن ابن حزم الأندلسي رحمه الله، والمتوفى عام 456 هجري، يعني قبل ألف عام، قال: "وما أعلم أحدًا" -معنى الكلام طبعًا- "إن أحدًا من علماء من أئمة المسلمين المستحقين لاسم الإمامة بالعلم رضي الله عنهم لم ينكر تكوير الأرض، ولا يؤثر عن أحد منهم في رده" -يعني في رد تكوير الأرض- "كلمة، بل البراهين من الكتاب والسنة على تكويرها".

وبعده ابن تيمية رحمه الله قال: "وما أعلم أحدًا قال إنها غير مستديرة وجزم بذلك إلا من لا يؤبه له من الجهال". يعني يسمي من يقول بعدم كروية الأرض أنه لا يؤبه له وأنه من الجهال. وهذا بعدما ذكر نقولات كثيرة عن العلماء في تأكيد كروية الأرض.

وللعلم إخواني، المسألة عدت الحديث عن كروية الأرض إلى حساب قطر كرة الأرض. البيروني رحمه الله، وهو متوفى عام 440 هجري - 440 أو 456 - واستطاع من خلال ذلك أن يحسب قطر الكرة الأرضية برقم قريب بنسبة 1% إلى الرقم المعروف حاليًا، بدقة عالية جدًا.

القرآن وكروية الأرض

فأنا أستغرب حقيقةً يعني أن هناك في أبناء المسلمين حتى الآن من يناقش في هذه القضية، وإذا شاف موضة هناك في الغرب من يقول بتسطيح الأرض، وكأنهم يعني أعادوا النكتة الكنسية القديمة في أن الأرض مسطحة، لا بد أن يجلب هذا الخلاف وينقله إلى العالم الإسلامي، ويحمل القرآن ما لا يحتمل.

يا جماعة، القرآن لما يقول -وهو الذي الله عز وجل يقوله عن نفسه سبحانه وتعالى- "وهو الذي مد الأرض"، نيجي نقول: "آه، هذا دليل على أن الأرض مسطحة وليست كروية"؟ هذا قصور فهم يا أخي. أنت إذا كنت لا تفهم النص القرآني لا تصادم به العلم وتصادم به الحس. الله سبحانه وتعالى يمتن على عباده أنه سهل لهم الأرض للعيش، لبناء البيوت عليها، لم يجعلها مثل طبق البيت طالع نازل طالع نازل، وإنما هي ممدودة.

كما قال الرازي: "أنه لعدم كون جرم الأرض كبيرًا، فإن كل جزء منها يكون مسطحًا". يعني هي بالنسبة لنا ممدودة بالفعل، الأرض ممدودة لنا بالفعل، أنت تستطيع أن تبني عليها، تسير عليها، مش طالع نازلة. لكن هذا لا يعني أن القرآن يصف الجرم الكروي كاملًا، كل الكرة عبارة عن جسم مسطح. لا، ليس هذا معنى الآية.

نقد دعوى تسطيح الأرض

وبالتالي، مصيبة كبيرة حقيقة أخي أن تدعي وتزعم أن نصوص القرآن والسنة واضحة وقاطعة في أن الأرض مسطحة وليست مستديرة. هذا بصراحة قصور عجيب في الفهم وفي التعامل مع القرآن والسنة.

مصادر إضافية

أحببت أن أقول هاتين الكلمتين، مع أن هذا ليس موضوعي ولا أحب أن أدخل في التفاصيل والأدلة والبينات. فسنضع رابطين: رابط لموقع إخواننا -الله يكرمهم ويرفع قدرهم- "الباحثون المسلمون"، لديهم بحث مفصل ومؤصل ومطول في المسألة يجيب عنها من كل النواحي. وهناك أيضًا رابط لفتوى من موقع "الإسلام سؤال وجواب" للشيخ محمد صالح المنجد فك الله أسره وفرج عنه وعن إخوانه وعن إخواننا أجمعين.

توضيح الموقف

ليس هذا موضوعي ولا أريد أن أخوض في التفاصيل ولا راح أدخل في التعليقات في الرد على من يقول بخلاف ذلك، لأنه بصراحة ليس هذا موضوعي. وأعلم أنه بعد هذا كله هناك من سيرى العنوان ويقول: "كروية الأرض؟ هؤلاء المتخلفون لا زالوا يتكلمون عن كروية الأرض وأنها مسطحة، مع أن العلم أثبت ذلك ووكالة ناسا وقد صعدوا إلى القمر إلى آخره". للأسف الشديد، يعني أعلم أن هذا سيكون، ولا يهمني، وليس هذا موضوعي.

لكن لا أريد أن أُفهم خطأ أنني عندما أنكر جزءًا من العلم الغربي وأقول أنه مؤدلج وأنه مسير لخدمة العقيدة الداروينية الباطلة، لا أريد أن يُفهم من ذلك أنني أنكر كل ما جاء من الأبحاث الغربية. والله تعالى أعلم، مع التأكيد على أن كروية الأرض ليست أصلًا ثابتًا لدينا بالأبحاث الغربية، بل هي مسألة من القرآن والسنة وإجماعات العلماء. والسلام عليكم.