→ عودة إلى مرئيات

مَسخروا من يسخر من إسلامكم

٢٤ أبريل ٢٠٢٢
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومساكم الله بالخير يا كرام.

مقدمة: الرد على السخرية من الدين

هناك مفهوم مهم أود توضيحه: إذا سخر أحد من دينك، البعض يظن أنه في هذه الحالة التسامح والطيابة وطول البال. لا إخواننا، دعونا نتفق بداية.

الفرق بين الإساءة الشخصية والسخرية من الدين

الكلام ليس عما إذا ظلمك شخص أو أساء إليك بشكل شخصي. إذا أساء إلى شخصك، فهنا قد يكون من الحكمة أن تتجاوز عنه وتسامحه إذا كنت في موقف قوة، و"جزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله".

لكن عندما يتم السخرية من دينك، فالمطلوب هو أن تهزأ وتسخر ممن يسخر من دينك. طبعًا، أيضًا للتأكيد، الحديث ليس عن إنسان يتشبث بفهم خاطئ لبعض الآيات والأحاديث وينصح في ذلك، وإنما عندما يكفر أو يستهزئ بنص صريح صحيح من دينك، من آية أو من حديث، حينئذ ينبغي أن يكون هناك قسوة وشدة، وفي الوقت ذاته أدب في الرد. أن تستطيع أن تسخر من إنسان وتحقر من كلامه ولكن بأدب وبطريقة علمية.

الأدلة الشرعية على الرد بحزم

ما الدليل على ذلك؟ قال الله تعالى في نوح عليه السلام: ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ﴾ [هود: 38]. وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه، قال: ﴿إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾ [هود: 38].

تابع معي هذه الآيات العظيمة من سورة المائدة. قال الله تعالى في بعض أهل الكتاب: ﴿وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ﴾ [المائدة: 58].

قل يا أهل الكتاب، الله وجهنا ماذا نقول لأهل الكتاب في هذه الحالة: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ﴾ [المائدة: 59]. لماذا تنقمون منا وتهزأون من ديننا؟ هل لأننا نؤمن برب هو نفس الرب الذي تعبدونه وتؤمنون به؟ هل لأننا نؤمن بما أنزل إليكم من ربكم؟

هنا قد يظن هذا المستهزئ من الكفار والمشركين أنك تستعطفه وتسترحمه، وأنك تنكسر لديه، وقد ينتفش ويصاب بالغرور. انظر الآن إلى تتمة الآيات: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ﴾ [المائدة: 59]. آه، بدأ الضرب الآن! ﴿وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ﴾. يعني هل تنقمون منا فسقكم؟ هل لأننا صالحون وأنتم فاسقون فلذلك نقمتم علينا؟ فسقكم هذه مشكلتكم أنتم، انقموا على أنفسكم أن فشلتم في أن تكونوا من أهل الصلاح، ولا تحسدونا على صلاحنا.

ثم انظر الآية التي بعدها: ﴿وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ [المائدة: 60].

تصحيح المفاهيم الخاطئة في التربية الإسلامية

ويا ريت نتعود نحن في قرارة ذوات أنفسنا ونلقن أبناءنا ثقافة أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان هناك يهودي يضع القمامة على باب بيته كل صباح، فيخرج النبي فيزيح القمامة ويمضي في طريقه. هذا الحديث الباطل الذي لا أصل له كما ذكرنا مرارًا، هذا يجب أن يُمحى تمامًا من أدمغتنا.

للأسف، خطاب العز الإسلامي وأنك أنت تعرف كيف ترد على من يستهزئ بدينك هذا غير حاضر في المساجد عمومًا. لن تجد وزارات الأوقاف في العالم الإسلامي تعمم هذا الموضوع أبدًا على الخطباء، وحتى ما يسمى بالمدارس الإسلامية للأسف كثيرًا ما يدخل الطلاب على حصة التربية الإسلامية بكون أول حديث حديث اليهودي الذي كان يلقي القمامة. هذا الحديث الذي لا أصل له نهائيًا! أما أن يلقن الطالب أن كن عزيزًا ودافع عن دينك بعزة، هذا للأسف لا نراه في المدارس إلا ما رحم ربي إن كان هناك مدارس تلقننا هذا المفهوم.

وبالتالي نبث في أنفسنا وفي أبنائنا إذا استهزئ بدينك فكن كالأسد. ما هذا ليس مقام التسامح، مقام الرد بأسلوب علمي يبكت ويلجم ويخرس الخصم الذي يعتدي على ديني.

الإسلام يحمي من العقد النفسية

خذوا بالكم إخواننا، الإسلام بذلك يحميك من العقد النفسية. لما ندرس موضوع الاكتئاب وأنت تأخذ مثلاً التاريخ المرضي للمريض، بتقول له هل يا ترى كان في أحد أفراد عائلتك من أصيب بالاكتئاب؟ هل هناك أدوية تناولتها؟ هل الآخرون ينظرون إليه ويضحكون عليه؟ هذا يبقى في باله ويمكن يكسره ويؤدي إلى عقد ومشاكل نفسية واكتئاب في المستقبل. الإسلام لا يأمر أتباعه أن يكونوا متسامحين تسامحًا يكسرهم، وإنما يعلمهم كيف يصدون المعتدي على دينهم.

كيفية الرد بفعالية: العلم والدعاء

لذلك يا كرام، مسخروا من يتمسخر على دينكم. علشان تكون مسخرتنا منضبطة ومؤثرة، علينا أن نطلب العلم. أما الردح والسباب والشتائم، فلم يكن رسول الله طعانًا ولا لعانًا ولا فاحشًا ولا بذيئًا. وإنما تستطيع أن تظهر حجم من يستهزئ بالإسلام، تعطيه حجمه الحقيقي بطريقة علمية.

وأيضًا من وسائل ذلك الدعاء. الدعاء أن يثبت الله حجتك ويسدد لسانك.

دعاء عظيم لابن تيمية

وهناك دعاء عظيم ثابت صحيح كان ابن تيمية رحمه الله يكثر منه. ادعوه وادعوا معي وياريت نكرره بكثرة حتى يلقننا الله عز وجل الحجة: "رب أعني ولا تعن علي، وانصرني ولا تنصر علي، وامكر لي ولا تمكر علي، واهدني ويسر الهدى لي، وانصرني على من بغى علي. رب اجعلني لك شكارة، لك ذكارة، لك رهابة، لك مطواعة، لك مخبتة إليك، أواهًا منيبة. رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، واهد قلبي، وسدد لساني، واسلل سخيمة صدري."

الخاتمة

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعزنا بالإسلام ويعز الإسلام بنا. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.