مسلسل الحلاج: تحليل ودوافع
السلام عليكم ورحمة الله.
تنوي إحدى الدول العربية أن تنشر في شهر رمضان مسلسلاً عن الحلاج. من الحلاج؟ ولماذا يتم إصدار مسلسل عنه في هذا التوقيت؟ ولماذا تشجع الإدارة الأميريكية الترويج لهذه الشخصيات؟ ولماذا تروج له قناة الحرة الأميريكية الممولة من قبل الكونغرس الأميريكي؟
من هو الحلاج؟
بدايةً إخواني، الحلاج هو ممن كان يقول بالحلول والاتحاد، أي: أن الله تعالى قد حَلَّ في المخلوقات وصارت هي والله شيئاً واحداً. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. حتى تبرأ منه أئمة من أئمة الصوفية كما سنرى.
ذكر ابن الجوزي في كتابه "المنتظم" ضمن الشعر المنسوب إلى الحلاج قوله: سبحان من أظهر ناسوته ... سر سنا لاهوته الناقب ثم بدا في خلقه ظاهرا ... في صورة الآكل والشارب والعياذ بالله. يعني يقول أن الله حل في مخلوقاته.
ومما يستهوي أعداء الإسلام أن الحلاج كان يروج لوحدة الأديان، فكان مما قاله: عَقَدَ الخلائقُ في الإله عقائدا ... وأنا اعتقدتُ جميعَ ما اعتقدوه يعني يعتقد جميع الكفر الذي اعتقدته الطوائف الضالة من البشر، ويعتقد التوحيد والشرك في آنٍ واحد!
ونقل ابن الجوزي أن الحلاج كانَ يقول لأصحابه: أنت نوح، ولآخر أنت موسى، ولآخر أنت مُحَمَّد.. قد أعيدت أرواحهم إلى أجسادكم.
موقف العلماء من الحلاج
وقال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" عن الحلاج: (وتبرأ منه سائر الصوفية والمشايخ والعلماء لما سترى من سوء سيرته ومروقه، ومنهم من نسبه إلى الحلول، ومنهم من نسبه إلى الزندقة، وإلى الشعوذة والزوكرة، وقد تستر به طائفة من ذوي الضلال والانحلال، وانتحلوه، وروجوا به على الجهال. نسأل الله العصمة في الدين).
وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى": (مَنْ اعْتَقَدَ مَا يَعْتَقِدُهُ الْحَلاجُ مِنْ الْمَقَالاتِ الَّتِي قُتِلَ الْحَلاجُ عَلَيْهَا فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ إنَّمَا قَتَلُوهُ عَلَى الْحُلُولِ وَالاتِّحَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَقَالاتِ أَهْلِ الزَّنْدَقَةِ وَالإِلْحَادِ كَقَوْلِهِ: أَنَا اللَّهُ. وَقَوْلِهِ: إلَهٌ فِي السَّمَاءِ وَإِلَهٌ فِي الأَرْضِ... وَالْحَلاجُ كَانَتْ لَهُ مخاريق وَأَنْوَاعٌ مِنْ السِّحْرِ، وَلَهُ كُتُبٌ مَنْسُوبَةٌ إلَيْهِ فِي السِّحْرِ).
إذاً إخواني فالوصف الصحيح للحلاج ليس أنه: (صوفي)، بل هو زنديق، إنسان موغل في الكفر. علشان لا يطلعلنا من يقول: الصوفية فيها أشياء جيدة، والجنيد كان رجلاً صالحاً. من فيهم خير من الصوفية تبرؤوا من الحلاج وأقواله.
حتى نقل الذهبي في "سير أعلام النبلاء" أن الجنيد رحمه الله قال للحلاج بعدما كلَّمه وظهر فساده: (أي خشبة تفسدها؟) يريد أنه يصلب. يعني مثلك يقتل ويصلب على خشبة ليتعظ الناس به، وستفسد الخشبة التي توضع عليها.
وسيخرج لك من يقول: (يا أخي الحلاج مختلف في أمره.. هناك من مَدَحه). سبحان الله! يعني عدمت الأمة رجالها الأبرار الأخيار المجمع على صلاحهم، ولم يجد منتجو المسلسل ومن يدعمهم إلا شخصاً مختلفاً فيه على حد تعبيرك ليلمعوه كالحلّاج؟!
الأهداف الحقيقية من تلميع الحلاج
مشكلتنا إخواني وهذا مهم جداً... مشكلتنا ليست أنه يراد تبرئة الحلاج من الزندقة، أنه (تعالوا يا جماعة: الحلاج لم يقل هذه الكفريات المنسوبة إليه). لا يعنينا ولا يهمنا الحلاج كشخصية في التاريخ لو كان هذا هو الطرح.
الذي يراد حقيقة هو التطبيع مع زندقة الحلاج. يقال لك: بعض ما ينسب إليه لا يصح. تعال اسمع ما يقوله. تسمع أنت ولا تعرف ما قاله مما لم يقله، وتتعاطف مع شخصيته أنه لربما كان مظلوماً، وتتسرب إليك أقواله الكفرية شيئاً فشيئاً مع هذا التطبيع النفسي!
فالهدف واضح من استخراج الحلاج من مزابل التاريخ وتلميعه وإصدار مسلسل كامل عنه. الهدف: (بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أنداداً). هي حرب على عقيدة المسلمين. العلماء الصادقون الأحياء يُسجنون، كتبهم تُمنع وتُسحب من المراكز، وعلماء الأمة الأوائل يشوهون، ويلمع لنا الزنادقة أمثال الحلاج!
فالمراد من هذا المسلسل والله أعلم عدة أهداف:
أولاً: ضرب عقيدة المسلمين وإحياء العقائد الكفرية بينهم، مما يدمر المسلمين من الداخل ويضعفهم عن مقاومة الظلمة والمجرمين والنظام الدولي المستعبد للناس.
ثانياً: الترويج لفكرة وحدة الأديان وأنه لا فرق بين التوحيد والشرك، ولا فرق بين عبادة الله خالق السماوات والأرض وعبادة البقر والأصنام والأديان كالهندوسية التي تُبنى معابدها في بلاد المسلمين. ولاحظوا إخواني أن هذه الدعوات التي تدعي عدم وجود فرق بين الأديان وتذيب الفوارق بينها لا تُنشر إلا بين المسلمين لتدمير مصدر قوتهم، بينما يكرس في نفوس أبناء اليهود والنصارى والهندوس وغيرهم الاعتزاز بدينهم ويحرَّضون بنصوص دينهم على التسلط على الآخرين.
ثالثاً: تشويه صورة علماء الأمة الماضين، بإظهارهم همجاً لم يفهموا مقاصد الحلاج وتعابيره الأدبية فأفتوا ظلماً بقتله! ليسقط من قلبك احترام علماء الأمة الأولين ويصفوهم لك بالغلو والجهل والدموية ومحاربة الفكر الحر.
دعم الغرب للتيارات الصوفية المعتدلة
لهذا لا تستغربوا عندما ترون مراكز التخطيط الاستراتيجي الأميريكية تدعو إلى دعم هذا الاتجاه تحت عنوان دعم الصوفية، بل وتنص على ضرورة نشر كتابات أسماء معينة وتصديرهم في الإعلام.
مثال ذلك الدراسة المنشورة عام 2007 بعنوان: (Building Moderate Muslim Networks) (بناء شبكات مسلمة معتدلة). وطبعاً أصبحنا نعرف ما تعنيه أمريكا بالإسلام المعتدل!
يقول التقرير في صفحة 73: (traditionalists and Sufis are natural allies of the West to the extent that common ground can be found with them) (التقليديون والصوفيون هم حلفاء طبيعيون للغرب إلى درجة أنه يمكن إيجاد أرضية مشتركة معهم). بينما يوصي التقرير طبعاً بالقضاء على من يعتبرهم متطرفين وعلى محاربتهم بلا هوادة.
ويوصي التقرير في ص 74 بدعم اتجاه فتح الله جولن لأنه يقول أن يجب على دول المسلمين ألا تفرض القوانين الإسلامية لأن الدين أمر شخصي، ولأنه استقبل حاخاماً يهودياً من "دولة إسرائيل".
وفي ص 101 بدعم شخص مغمور على اعتبار أنه يدعو المسلمين للانصياع لقوانين البلاد التي يعيشون فيها ويدعو إلى التعاون بين دولة "إسرائيل" والشعوب المسلمة.
وفي الصفحتين 154 و155 منه بعدة نقاط لترويج فهم متسامح وسلمي للإسلام، منها عمل شبكات تواصل بين المدارس والشخصيات الصوفية لنشر إسلام سلمي ومتسامح (peaceful and tolerant Islam)، واستخدامهم كـ(counter-ideology)، يعني مضاد للفكر المتطرف على حد تعبيرهم.
قناة الحرة وتلميع الحلاج
قناة الحرة الأميريكية والممولة باعترافها في صفحتها من قبل الكونغرس الأميريكي، نشرت في موقعها على النت مقالاً قبل أربعة أشهر تمجد فيه الحلاج وتدافع عن أقواله وتقول بالنص: (بنى الحلاج دعوته الروحانية على أسس إنسانية شاملة، من دون تعصب لدين أو جنس أو قومية بعينها).
وتقول أيضاً: (ثمة مسألتان رئيسيتان في فكر الحلاج، لا تخلو أي من أقواله أو أشعاره منهما؛ الأولى هي وحدة كل ما في الوجود، والثانية أن الطريقة الوحيدة لإدراك هذه الوحدة تتم عبر إفناء "الأنا" أو "الذات" الفردية في "الأنا" أو "الذات" الكلية، أو حسب مصطلح الحلاج "استهلاك ناسوتية الإنسان في لاهوتية الله"). - تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً -
الخلاصة والتحذير
مرة أخرى... لم تكن هذه الكلمة للتفصيل في الصوفية والاختلافات بين أطيافها، فليس هذا مقام هذا التفصيل، ونحن نعلم أن الصوفية ليسوا سواء.
وإنما هدفنا ببساطة بيان لماذا يدعم النظام الدولي وأتباعه استخراج شخصيات كالحلاج من مزابل التاريخ ويلمعونهم ويعقدون لهم المسلسلات. وبيان من يدعمهم النظام الدولي: يدعم الذين يدعون إلى التدجين، وينفرون عن إقامة الشريعة، ويصدون الناس عن مقاومة نظام الاستعباد الدولي، بل ويدعون للانصياع له، وإلى المصالحة مع الكيان الصهيوني.
ونذكركم يا كرام إذا رأيتم هذا الكلام مفيداً أن تشاركوه إخوانكم وأحبابكم ليعلموا ما يراد لهم. نسأل الله أن يعز المسلمين ويذل الكافرين وأعداء الدين. والسلام عليكم ورحمة الله.
I have reviewed the previous response and it appears that the entire transcript was formatted in a single response, ending with the concluding remarks and a salutation. There is no content left to continue.
Therefore, I cannot provide a continuation.