→ عودة إلى مرئيات

هل يجوز أن أعمل طاعات لأحصل على ثوابها في الدنيا ؟

١٣ ديسمبر ٢٠٢١
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم ورحمة الله.

النية في الأعمال الصالحة

أيها الكرام، إذا سألت أي واحد فينا: ماذا يجب أن تكون نيتنا عندما نعمل أعمالاً صالحة؟ فسيقول لك: رضى الله والجنة.

هل يجوز طلب الثواب الدنيوي؟

طيب، إذا عملت عملاً صالحاً وأنا لا أقصد به رياء الناس، لكن في الوقت ذاته ليس المحرك الأكبر فيه رضا الله والجنة. وإنما لأني أرجو من الله على هذا العمل ثواباً دنيويًا. فهل هذه نية مقبولة أم تحبط العمل؟

يعني نفترض أنك تنصر النبي صلى الله عليه وسلم وتدعو لمقاطعة أعدائه، وفي نيتك أنك ترجو من الله بهذا أن ينصرك إذا وقعت في المآزق، ويدفع عنك شر الأشرار كما نصر نبيه.

إذا كنت تتصدق راجياً من الله أن يحفظ عليك صحتك ويسلمك من الأمراض. إذا كنت تعظم الشريعة في نفوس الناس وتدعو إلى حفظ هيبة الدين، وترجو من الله بذلك أن يحفظ عليك كرامتك. هل هذه نوايا صالحة أم فاسدة؟

لاحظ أنك في هذه الأمثلة لم تعمل أعمالك طلباً لمدح الناس ولا رجاء أجر منهم، وإنما عملتها لله، لكنك تطلب من الله عليها جزاءً دنيويًّا.

حكم طلب الثواب الدنيوي

فنقول يا كرام، هذه النية لا تبطل العمل، لكن يجب ملاحظة أمرين:

  1. الأصل في النية: يجب أن يكون الأصل في نيتك هو طلب رضا الله والجنة، وأن يكون تعظيم الآخرة في قلبك هو المحرك الأكبر لأعمالك الصالحة، وهذا لا يتم إلا بالاستعانة بالله، ومن قراءة القرآن والصحبة الصالحة وغيرها. وحينئذ فلا تعارض مع أن يطلب معها ثواب الدنيا أيضاً. أما إذا كان ثواب الدنيا هو الغالب على نيته، فإنه ليس آثماً في هذا، لكن ضيّع على نفسه من ثواب الآخرة.

    لاحظ قول الله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 134]. هذه الآية مختلفة عن الآيات الأخرى التي تتكلم عن من يريد الدنيا. فالآيات الأخرى فيها تهديد ويظهر منها أنها في الكفار أصالة، كقوله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا} [الإسراء: 18].

    بينما قوله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} هو أقرب إلى أن يكون توجيهاً للمؤمنين الذين يريدون ثواب أعمالهم الصالحة في الدنيا أن يستحضروا الآخرة ويطلبوها بأعمالهم.

    قال ابن كثير: "وقوله: {مَن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} أي: يا من ليس همه إلا الدنيا، اعلم أن عند الله ثواب الدنيا والآخرة". أنت عامل، عامل، عامله. اشتغل على نيتك وخذ بأسباب تعظيم الآخرة في نفسك لتنال خير الدنيا والآخرة.

  2. الخوف من السخط على القدر: ثانياً يا كرام، العبد الذي يعود نفسه أنه يريد ثواب الدنيا بشكل رئيس، يعني هذا ما يسيطر عليه في نيته عادة، يخشى عليه إذا لم يتحقق له ما يريد من الدنيا أن يسخط على القدر. فقد يقول في نفسه: أنا عملت هذا العمل الصالح راجياً من الله أن يعطيني عليه كذا وكذا من الدنيا، أو يحقق لي فيها الحفظة من الأعداء، أو يصلح لي ذريتي، أو يخلصني من المشاكل الزوجية، أو يرزقني عملاً أو غير ذلك، لماذا لم يتحقق ما رجوته؟

    لا، على العبد أن يرضى باختيار الله له. الله أعلم وأحكم، يكافئك على عملك الصالح كيف يشاء سبحانه. فإن شاء حقق لك ما رجوته، وإن شاء لم يفعل. وعلى كل حال لم يضع عملك الصالح، فإن الله لا يضيع أجر المحسنين.

    نحتاج هذا التوازن إخواني، والخطاب الوعظي غير السني قد يهيئ للناس غير هذا، فيظنون أن عليهم التجرد الكامل للآخرة وألا يخطر ببالهم ثواب الدنيا بأعمالهم. فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً.

    يعني عندما يحضر أحدًا الموت، فقد يوصي بوصيةٍ فيها إضرارٌ بورثته، أو من حوله يوصونه بهذا. فمطلوبٌ منك يا من تحضر هذا الموقف أن تتقي الله، وتقول قولاً عدلاً وتمنع هذا الموصي ومن حوله من الظلم في الوصية والتصرف بالمال. تفعل ذلك ابتغاء الجنة والنجاة من النار، نعم. لكن أيضاً لا مانع من أن تكون بذلك تطلب أن يحفظك الله في ذريتك بعد موتك، تخاف إن مت وهم ضعفاء أن يظلموا، فتتق الله وتقول قولاً سديداً رجاء أن يحفظهم الله ويغنيهم من فضله. {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [النساء: 9].

الخلاصة

في الخلاصة يا كرام، لا تشددوا على أنفسكم. طلب ثواب الدنيا من الله بالأعمال الصالحة مشروع. انصر دين الله واصنع صنائع المعروف، التزم أوامر الله واجتنب نواهيه، وأنت بذلك تريد من الله رفعة وحياة طيبة وخاتمة حسنة في الدنيا. وفي الوقت ذاته تذكر الآخرة واعمل لها وعظمها في نفسك وخذ بأسباب ذلك. {فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}.

والسلام عليكم ورحمة الله.