السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومساكم الله بالخير يا كرام.
مقدمة: رسالة من شاب حول تضييع الوقت
اليوم صبحت على رسالة من أحد الشباب يقول فيها: "ممكن تتكلم في فيديو للشباب عن تضييع الوقت في الأفلام والمسلسلات الأجنبية بالساعات وغير البوبجي؟ أنا أغلب أصحابي بالنسبة لهم الأفلام جزء ثابت من يومهم، اللي هو بيتفاخروا بعدد الأفلام والسلاسل اللي بيسمعوها. واحد زميلي في الدراسة بيقول في آخر أسبوع تقريباً خلص مسلسل ثلاثمائة حلقة. الثاني ما بيطلعش من البيت إلا وهو محمل له كام فيلم يتسلى بهم في المواصلات عقبال ما يوصل الجامعة. والمصيبة الأكبر في اللي بيحمل ويوزع عليهم، وبيبقى فرحان إنه منزل أفلام وسلاسل جديدة. الواحد بيشوف المناظر دي قلبه بيوجع والله. ده حتى بالصدفة آخر صديق ملتزم إلى حد ما قاعد بيسمع جنبي فيلم في المواصلات، فبصيت بالصدفة لقيت الفيلم قلب على مشهد إباحي ولا حول ولا قوة إلا بالله." انتهت رسالة الأخ.
طيب، أنا أعلم أن عدداً من الشباب الذين تنطبق عليهم هذه الأوصاف يسمعني، فأحب أن أوجه لهم رسالة بالفعل.
خطورة تضييع الوقت
يوم الحسرة
شوفوا يا شباب، سأبدأ لكم بكلام أحن الناس عليكم، رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي قال في الحديث الصحيح: "ما قعد قوم مقعداً لا يذكرون الله فيه ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة وإن دخلوا الجنة للثواب."
تصور ممكن نجلس نتكلم ربع ساعة، نصف ساعة في كلام مباح، أنواع السيارات، غلاء الأسعار، أي شيء، لكن في قلبنا غفل عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم في هذه الجلسة. يوم القيامة لما تُفرد سجلات الأعمال ونرى تفاوت مراتب الناس ونرى أنه: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7-8]، حينئذ ستتحسر على هذه الربع ساعة التي لم تذكر الله وتصلي على رسوله فيها، مع أنك لم تعمل فيها منكراً.
لذلك سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام إشفاقاً علينا سن لنا أن نقول في نهاية مجالسنا: "سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك" بحيث لا تخلو مجالسنا من ذكر الله. تصور لما تمضي ساعات مش في شيء مباح غير ذكر الله، بل في شيء حرام، تنظر إلى المسلسلات المليئة بما يغضب الله تعالى، مش خايف على نفسك من الحسرة والندامة في يوم قال الله فيه: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَن عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم: 39-40]. شوف الاسم: {يَوْمَ الْحَسْرَةِ}.
يوم التغابن
أيضاً من أسماء يوم القيامة: يوم التغابن. {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [التغابن: 9]. وهناك سورة كاملة بهذا الاسم. ماذا يعني التغابن؟ يعني يظهر للناس أنهم مغبونون. المغبون يا إخواننا هو الذي يدفع الكثير فيحصل القليل. مثلاً، أنت دفعت عشرة آلاف في سيارة بتسوى خمسة آلاف، نقول أنت غُبنت في هذه السيارة.
كذلك يوم القيامة سترى أنك دفعت عمرك الذي كان يمكن أن تشتري به منزلة عالية في الجنة، لكنك لم تحصل الجنة أصلاً، أو حصلت فيها منزلة أدنى. وفي الحديث الصحيح سيد النبي عليه الصلاة والسلام يقول: "في الجنة مئة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، والفردوس أعلاها درجة، ومنها تفجر أنهار الجنة الأربعة، ومن فوقها يكون العرش، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس."
أعرف إخواننا أحد الدعاة تأخرت هدايته حتى أواخر العشرين من عمره، وهو دكتور في الكيمياء الحيوية. جاء الشيخ مقبل الوادعي من علماء الحديث إلى مصر، فهذا الدكتور صاحبنا صار يلف مع الشيخ مقبل في المساجد ليسمع دروسه. بعد أحد الدروس جاء للشيخ مقبل سؤال: "فضيلة الشيخ، ما حكم مشاهدة مباريات كرة القدم؟" فقال الشيخ: "روى البخاري..." صاحبنا الدكتور يقول: "أنا قلت في نفسي: الله الله، هو البخاري روى حديثاً حتى عن مشاهدة كرة القدم؟" تابع الشيخ: "روى البخاري عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ."
أنا لما سمعت بركت على ركبتي أبكي، جثا على ركبتيه وصار يبكي. صحتك، فراغك، أنت تدفعهما مقابل لشيء، فأنت مغبون.
قيمة الركعتين الخفيفتين
في الحديث الذي صححه الألباني بمجموع طرقه أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال عن رجل في قبره: "ركعتان خفيفتان مما تحقرون وتنفلون يزيدهما هذا في عمله أحب إليه من بقية دنياكم." يعني الواحد فينا لما يموت تنكشف له الحقائق، فلو رُد إلى الحياة من جديد وقيل له: "ها ما رأيك تصلي ركعتين؟" ركعتين خفيفتين مما تحقرون وتنفلون، يعني أنت يمكن دخلت المسجد نظرت إلى الساعة بعد ثلاث دقائق ستقام الصلاة، يا ترى أصلي تحية المسجد ولا ما فيش وقت؟ خلص خليني أصلي ركعتين خفيفتين مش عخص الحاجة يعني، وأنت تستقل أجر هاتين الركعتين. لو أعطيت فرصة الحياة بعد الموت وخيرت بين هاتين الركعتين أو أن تعيش في الدنيا طول بعرض تستمتع بها، فلا طبعاً ستختار الركعتين. لماذا؟ لأنك سترى بعد الموت أن الدنيا فانية، متعتها زائلة، بينما الركعتان تنفعانك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
الركعتان تسهلان عليك الوقوف في يوم القيامة الذي مقداره خمسون ألف سنة كما في صحيح مسلم. الركعتان قد تثقلان ميزانك فتدخلانك جنة قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم كما في البخاري: "ولقاب قوس أحدكم من الجنة أو موضع قيد يعني سوطه خير من الدنيا وما فيها." يعني المساحة اللي بيغطيها القوس، قوس الرمي، أو السوط الذي تضرب به الخيول، هذا الموضع في الجنة خير من الدنيا وما فيها. نعم، لأن الدنيا زائلة وهذا القدر الصغير في الجنة باق.
الشبهات ومخاطرها
طيب، اطلع فيي شوي. لا لا مش كلكم، أنت وأنت وأنت، قرأت عينيك تقول في نفسك: "أصلاً أنا هذه الآيات والأحاديث بصراحة أنا مش متأكد أنها صحيحة. أنا سمعت كلمة لسين وصاد وعين من اليوتيوبرز وبيقولوا كلام منطقي. إيش عرفني أنه رسول الله حقاً؟ إيش عرفني أن الأحاديث حُفظت؟ إيش عرفني أن القرآن من عند الله؟ مش يمكن كلام اليوتيوبرز هؤلاء الصحيح والإسلام اختراع بشري؟" و و و من الشبهات.
أيوه، شوف كيف حضرتك تضيع عمرك ثم تدلي أذنيك لهؤلاء الممولين من أعدائنا ليفتنوك عن دينك. لم تبذل جهداً ولم تمض وقتاً في دراسة دينك، بل وتعلم التفكير الناقد حتى لا تنخدع، ثم عرضت نفسك للفتن.
مشهد يوم القيامة: المؤمنون والمنافقون
أذكرك بآيات عظيمة مخيفة في سورة الحديد، قال الله تعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الحديد: 12]. شوف هذا المشهد الجميل، الرسول عليه الصلاة والسلام ومعه المؤمنون راح يدخل الجنة.
طيب، هناك فئة من الناس مغبونون، يوم يقول المنافقون، الآية التي بعدها: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ} [الحديد: 13]. يا جماعة الدنيا عمالة بالظلم حوالينا، شوي شوي امشوا شوي شوي علشان نستطيع نستفيد من نوركم. {قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا} [الحديد: 13]. لا لا معلش، كل واحد بياخد نوره من أعماله. إحنا أخذنا نورنا من مشينا المساجد في الظلمات، أخذنا نورنا من قراءة القرآن وتعلم ديننا وغض أبصارنا وأسماعنا عما يغضب ربنا. كل واحد ياخد النور بتاعه. {قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد: 13].
والله يا جماعة لحظة مخيفة مرعبة تشيب بالشعر. {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ}. من جهة المؤمنين نور وبشراكم، ومن جهة هؤلاء الذين ينادونهم، ينادي المؤمنون هؤلاء اللي وراء السور، حُبسوا وراء السور عفواً، ينادي الذين وراء السور، ينادون المؤمنين: {أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ} [الحديد: 14]؟ ينادونهم: {أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ}؟ قالوا: {بَلَىٰ} [الحديد: 14]. آه، كنتم معانا في الدنيا لما كانت الأمور مش واضحة والحقائق خافية عليكم. {قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [الحديد: 14]. الشيطان.
أسباب النفاق والخذلان
عدوا معاي: {فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ} يعني عرَّضتموها للفتنة، عرَّضتم أنفسكم للفتنة. نظر إلى الحرام واسمع للحرام، وأنت تعلموا قول الله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36]. لطَّخت مرآة قلبك التي خلقها الله صافية، فأصبحت ترى الحق باطلاً والباطل حقاً، فدخل النفاق إلى القلب.
شوف الآية: {وَارْتَبْتُمْ} شككتم في الدين. {وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ} اتبعتم أنفسكم هواها، وتمنيتم على الله الأماني. "الله غفور رحيم" تقولون. "الله غفور رحيم" كما قال الله تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا الْأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا} [الأعراف: 169]. اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم. فلما قلبك يقسو وتبدأ تستثقل قراءة القرآن وتكره بعض أحكام القرآن وتحب المعاصي، فتذكر أنك أنت الذي فعلت ذلك بنفسك. {وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ}.
المجاهرة بالمعصية
في الحديث القدسي العظيم الذي رواه الإمام مسلم يقول رب العزة عز وجل: "يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه."
عوداً إلى رسالة الشاب، يقول أن بعض الشباب يفاخر بالأفلام التي يحضرها. أذكر من يفعل ذلك بالحديث الذي رواه البخاري قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين." اللي بيجاهر بالمعصية. وإن من المجاهرة تتمة كلام النبي عليه الصلاة والسلام: "وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا. وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه." هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
الله سترك وأنت تنظر إلى الحرام، تروح تحكي الناس: "أنا شفت الفيلم الفلاني وشفت البطلة الفلانية وشفت الحلوة الفلانية وشفت البشع الفلاني." قد يقول قائل: "ليش هو يعني أنا ماذا فعلت حتى أستر على نفسي؟ يعني إيش اللي عملت لما أشاهد هذه الأفلام؟" أيوه تمام، إذا لم تعد ترى متابعة الأفلام ورؤية العورات منكراً تستحي منه، فهذا علامة موت القلب. إذا لم تعد تستحي من ذلك فاعلم أن الإيمان عمال بيرفع منك.
الحياء والإيمان
قال نبينا صلى الله عليه وسلم: "الحياء والإيمان قرناء جميعاً." يعني دائماً بيكونوا مع بعض. "الحياء والإيمان قرناء جميعاً، فإذا رُفع أحدهما رُفع الآخر." ما فيش حياء، ما فيش إيمان. أنت تجادل في كونها منكراً وإثماً عظيماً.
طيب، تصور لو النبي عليه الصلاة والسلام جالس بجنبك وأنت ماسك الموبايل عمال بتطلع على هذا الفيلم والرسول عليه السلام نظر في الأفلام هذه، بالله عليك هل هل هل حتشوف إن ما فيش فيها حاجة خالص؟ الأمور عادية تماماً؟ هتجادل النبي عليه الصلاة والسلام إن هذا الكلام حرام ومنكر؟ أنا سأسألك سؤال: هل أنت مستعد قبل أن تنظر إلى هذه الأفلام والمسلسلات أن تقول: "بسم الله"؟ هل تقول: "بسم الله" قبل أن تنظر إليها؟ يا حسرة والله إذا نجادل في هذا فهذا علامة موت القلب، فروح اسعف قلبك.
استغلال الوقت في المواصلات
يقول الأخ أيضاً في رسالته أن بعض الشباب يحمل الأفلام علشان يتفرج عليها في الطريق، عشان يتفرج معنا، عشان ما يضيعش الوقت عليه في الطريق. طيب أنا أقول لك شيء يا أخي، هذه الربع ساعة اللي بتروح عليك في الطريق، النصف ساعة، ويمكن في مصر أيضاً التي منها رسالة أخينا الشاب، في مصر أحياناً المواصلات تأخذ معاك ساعة أو ساعتين. هذه المدة اللي شوية ربع ساعة لساعة لنصف ساعة هي التي تبني شخصيتك. أنا بالنسبة لي بفضل الله تعالى تعلمت كثيراً من علوم الشرعية وكثيراً مما ينفعني في ديني ودنياي تعلمتها في المواصلات. وتعلمتها وأنا أسوق السيارة من السماع.
كثير من الناس يقول لي: "أخي أنت كيف جمعت العلم الشرعي والعلم في الصيدلة وهذه التحضير لهذه الحلقات؟" المسألة ما هيش عقدة، ما هيش بيج ديل كما يقال. أنا يعني مش سوبرمان يا جماعة. المسألة بسيطة تماماً. العلم، أخوكم للأسف الشديد، واستغفر الله، مش عم بقولها من قبيل المجاهرة، وإنما من قبيل يعني أن تعرفوا أني متأخر شوي. الإنسان استيقظ على أنه لا يجمع تعالوا، هناك شيء اسمه حسنات وتفاوت درجات، وهناك شيء اسمه نصرة الإسلام. كان أهلنا يغرسون فينا هذه المعاني، لكن للأسف أثمرت لربما في نفسي في مرحلة متأخرة بعض الشيء. لكن لما الواحد صحي والحمد لله صرت أحرص على استغلال وقتي، ما يفوتش من وقتي ربع ساعة ونصف ساعة إلا فيما ينفع. مش شرط فقط قراءة ودعوة، لا، حتى لما ألعب مع أولادي أنا أحتسب الأجر في ذلك، لما أمزح معهم أحتسب الأجر في ذلك، لكني لا أضيع وقتي فيما لا يرضي الله عز وجل.
فهذه الربع ساعة والنصف ساعة التي تصرفها في المواصلات هي التي قد تحولك من إنسان ملكش اهتمامات غير منتمي لأمة محمد عليه الصلاة والسلام إلى إنسان ينطبق عليك قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ} [الصف: 14]. فكأنك تقول: "نعم يا ربي لبيك أنا من أنصارك."
مسؤولية الدلالة على الشر
الأخ صاحب الرسالة يقول أن هناك من الشباب من يوزع على أصحابه آخر الأفلام. يعني يا حبيبي حضرتك حريص أن تكون هذه صدقة جارية لك بعد مماتك؟ أذكرك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً."
والله يعني أنا أسألك أنت مستعد تلقى الله عز وجل بجبال السيئات من آثار هؤلاء الذين دللتهم على الشر؟ يا جماعة: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8]. ذرة، ذرة! فما بالك عندما الإنسان ينظر ويسمع الحرام والمنكرات التي تقسي القلب وتحبب إليك الكفر والفسوق والعصيان وتنفرك من طاعة الرحمن. والله يا إخواننا أنا حريص ألا أدخل الجنة دونكم، كل من يسمعني والله أحب لكم الجنة كما أحبها لنفسي امتثالاً لقول نبينا صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه."
والله لا أحب لكم أن تندموا كما ندمت على ماضي الذي ضيعت فيه. فالحمد لله ما كناش نحضر أفلام مسلسلات، أشياء نسبياً بريئة كمسلسلات كرتون مع أنها حتى هذه في رسائل مسمومة، لكن والحمد لله ما ضيعتش وقت في مسلسلات وأفلام إلا فترة محدودة لكنني ندمان عليها. وأحب لكم أن لا تندموا مثل ما ندمت عليها، وأحب لكم مثل ما أحب لنفسي.
دعوة للتوبة والعهد مع الله
فأسألكم بالله لا تضيعوا أعماركم، لا تضيعوا أوقاتكم، واعملوا ليوم ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون. واحفظوا وخلوا حلقة في ودانكم، انقشوها في قلوبكم، قول النبي عليه الصلاة والسلام: "ما قعد قوم مقعداً لا يذكرون الله فيه ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم إلا كان حسرة يوم القيامة وإن دخلوا الجنة للثواب."
أنا عني طلب أخير للشباب الذين يسمعونني وكانوا قد وقعوا في مثل هذا تضييع الأوقات، مشاهدة الأفلام، وأيضاً من منهم يدل الآخرين على آخر الأفلام ويباهي بحضور بعض الأفلام ويناقش أحداث الأفلام المليئة بالمنكرات. أطلب منهم طلباً: الذي تأثر بهذا الكلام وينوي أن يعاهد الله عز وجل على أن لا يعود إلى هذا المنكر، بس يعلق لي في التعليقات يقول لي: "أنا أعاهد الله ألا أعود إلى ذلك." محدش يقول: "أعاهد الله ألا أضيع وقتي." لا، هيحصل هيحصل، لكن يا جماعة سددوا وقاربوا. يعني ممكن يضيع وقتك في أنك مرات مثلاً بتنام زيادة، بتطلع مع أصحابك في شيء لا في دين ولا في دنيا لكن مش حرام. فلا تعاهد الله على شيء قد لا تستطيع الوفاء به. لكن هذا لا تستطيع، الله عز وجل ما كلفك به إلا وهو يعلم أنك تستطيع: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]. {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].
فنطلب منكم يا شباب إخوة وأخوات، الذي تأثر بهذا الكلام ويريد أن يعاهد الله على أن لا يعود إلى رؤية المنكرات وبثها، أن يكتب ذلك في التعليقات. علشان أنا شخصياً أشحن بالمزيد من دعوتكم وتحبيبكم في أوامر ربكم عز وجل، وعلشان برضه تحفزوا غيركم. لا تشكروني، الشكر كله لله، لكن فقط أريد أن أرى أن هذا الكلام يلقى آذاناً واعية، وأنا موقن بذلك بإذن الله تعالى.
اللهم يا أرحم الراحمين يا رب العالمين اهدي شباب المسلمين واجمعنا جميعاً من نستمع إلى هذا الكلام في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، ولا تجعلنا نندم يوم الحسرة يا رب العالمين، ولا تجعلنا مغبونين في صحتنا ولا في شبابنا ولا في أوقاتنا إنك أنت الرحيم الكريم الجواد العظيم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.