→ عودة إلى مرئيات

" أكيد الأجانب بفهموا أكثر منا "

٢٢ يناير ٢٠٢٢
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وصبحكم الله بالخير يا كرام.

مقدمة: الرد على شبهة "أنتم أفهم من العلماء؟"

عندما نتكلم عن نظريات العلم الزائف، وعلماء الغرب الذين ينكرون الله عز وجل ويدّعون أن الكون جاء صدفة وكذلك المخلوقات، يطلُّ علينا دائماً مجموعة من الناس يقولون: "يعني أنت أفهم من كل هؤلاء العلماء الغربيين؟ نظرية التطور هناك آلاف أو مئات الآلاف من العلماء يؤمنون بها، هناك آلاف الكتب التي أُلفت فيها، هناك آلاف الجامعات التي تدرِّسها، أنت ستكون أفهم من هؤلاء جميعاً؟"

شوفوا يا جماعة، بعيداً عن موضوع أن هذا نوع من تأجير العقل والهزيمة النفسية والإحساس بالدونية أمام الغرب، أود أن أوضح حقيقة مهمة جداً وركزوا معي.

حقيقة مهمة: كفر العلماء لا ينفي وجود الله

الآن يا جماعة، لما يكون هناك حقيقة واضحة تماماً كحقيقة وجود الله عز وجل ووحدانيته وتمام صفاته، فإذا كفر بها جمع كبير من علماء الطبيعة، فهذا لا يدل على صحة معتقدهم، بل يدل على قدرة الله عز وجل الذي حجبهم عن أوضح الحقائق على الإطلاق، ألا وهي وجوده سبحانه وتعالى.

يعني تجد أن علماء أحياء وعلماء فيزياء، لوحاتهم عقلوا تقريباً بهذا الحجم، وبينتجوا أوراق علمية كثيرة، ومؤلفين كتب وأبحاث، وممكن عنده بكتب معادلات رياضية في غاية التعقيد، ولكن مع ذلك حُجب عن أوضح الحقائق على الإطلاق، الحقيقة التي يدل عليها كل شيء في الكون، ألا وهو أن لهذه المخلوقات ولهذا الكون خالقاً.

الاستدلال من القرآن الكريم

تعالوا نربط هذا الكلام وندلل عليه من القرآن. إيش هو الكلام؟ إيش هو المبدأ الذي ندلل عليه من القرآن؟ أن كفر هؤلاء ليس دليلاً على صحة معتقدهم، بل دليل على قدرة الله الذي حجبهم بأهوائهم وحجبهم بسوء أعمالهم عن رؤية أعظم الحقائق على الإطلاق. تعالوا نربط الآيات مع بعضها.

سورة الأعراف: "سأصرف عن آياتي"

قال الله تعالى في سورة الأعراف: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}.

الآن، لما تسمع "آيات" في القرآن، لا تخلي بالك دائماً محدود في الآيات المسطورة في القرآن، بل وأيضاً تذكر الآيات المنظورة في الكون وفي النفس وفي الآفاق.

{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}. الله يصرفهم عن آياته. كيف يصرفهم عن آياته؟ من أشكال الصرف أنهم لا يتخذون الظواهر الكونية دليلاً على الله عز وجل، وهذا صرف من الله لهم عن أن يدركوه ويدركوا عظمته ووجوده سبحانه وتعالى.

{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ * وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا}. مهما يُحشد لهم من الأدلة لا يؤمنون. {وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا}.

طب ليش يا ربي صرفتهم؟ وما ربك بظلام للعبيد. قال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ}. هذه تتمة الآية. {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ}.

بادروا إلى التكذيب، والله عز وجل يحذر من التكذيب لأول وهلة، أن الإنسان ما حتى يحاول أن يستعرض أدلة الحق، بل يصد أدلة الحق ويكذبها مباشرة. {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}. هم رفضوا الإسلام أول مرة، رفضوا حقائق الكون ودلة وجود الله عز وجل أول مرة، فربنا يقلب أفئدتهم وأبصارهم. {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ}. غفلوا عن الله عز وجل وما تدبروا آياته.

سورة الجاثية: "أفرأيت من اتخذ إلهه هواه"

طيب هذه الآية من سورة الأعراف، تعالوا الآن نربطها بآية من سورة الشورى، من سورة الجاثية. قال الله تعالى في سورة الجاثية: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ}.

شوف الآن، الله عز وجل يعجب من قدرته، كيف أن الله عز وجل قادر على طمس أبصار هؤلاء وبصائرهم بحيث لا يرون أعظم الحقائق على الإطلاق. {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ}. أهو عنده علم، بروفيسور كبير، عنده آلاف المؤلفات يمكن أو مئات المؤلفات. {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً}. لا شايف أدلة الحق ولا سامعها ولا قلبه دخل شيء من أدلة الحق. {وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}.

إذن وجود الكفر عند هؤلاء وإنكار هؤلاء لله عز وجل، وهم بروفيسورية وذكات الجامعات وعندهم مؤلفات وأذكياء والآي كيو بتاعتهم عالي جداً، الذكاء عندهم عالي، وجود الكفر عندهم دليل على قدرة الله الذي توعدهم وقال ما نفعه في أن يبصر أوضح الحقائق، وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة. {فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}.

ترى إخواننا سورة الجاثية، يعني لو سألتموني إيش أكثر سورة ممكن تخاطب بها الملحدين أو تتكلم فيها عن الملحدين، أقول لكم سورة الجاثية سبحان الله، عشان هذه الآية وما قبلها وما بعدها من آيات.

ترابط آيات سورة الجاثية

هذه الآية التي ذكرناها الآن: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ}. ارجع للآية التي قبلها، ماذا قال الله تعالى: {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}.

فإذن الله عز وجل خلق السماوات والأرض بالحق، وليس كما يقول هؤلاء جاءت خبط عشواء ومن مجموع الصدف وكون من لا شيء وتوظيف لنظرية الكوانتا بطريقة إلحادية، لا لا لا. {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}. هذا كان في رد أيضاً على الملحدين.

طيب تعالوا للآية التي بعد آيتنا التي تكلمنا عنها، بعدما قال الله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ}. ما الآية التي بعدها؟ اسمعوا، قال الله تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}. هذه الآية أيضاً يصلح الاستشهاد بها على هؤلاء الملحدين الذين قالوا: {مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}. لا تحدثونا عن رب يحيي ويميت. شوفوا سبحان الله تناسق الآيات.

وارجعوا معي إلى مطلع السورة، سورة الجاثية. تأملوا الآن ترابط الموضوع مع بعضه. قال الله تعالى: {حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ * وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ * وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ}.

انظروا الآن جمال هذه الآيات. الله عز وجل تكلم عن ظواهر كونية: {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ * وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ * وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}. القرآن الذي يحدثنا بها: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ}.

وقف عند هذه الجزئية من الآية: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ}. إذا إنسان لم يكفه كل هذه الأدلة المنظورة على وجود الله ووحدانية الله وصفات الله، إيش راح ينفعه؟ بأي شيء سيؤمن؟ إذا كان أوضح الحقائق على الإطلاق وجود الله ووحدانيته وصفاته وأنه خلق هذا كله، إذا كان أوضح الحقائق ما آمن بها، بماذا سيؤمن؟ من باب أولى أن لا يؤمن بشيء، لأن هذا أوضح شيء.

وبالفعل هذا مصيرهم، هذا مصيرهم أن الذي ينكر الله عز وجل يصل به الأمر إلى أن ينكر المسلمات العقلية، ينكر السببية، ينكر الحقائق والبدهيات، ينكر وجود الحقائق المطلقة، يصبح شاكاً في كل شيء، مائعاً في كل شيء، ما عنده شيء واضح، ينكر حتى الحقائق الأخلاقية الفطرية، ويصبح عنده أسئلة الأخلاق مسألة مائعة ليس فيها حقائق. {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ}.

إذن معناها أن الذي لا يؤمن بالله عز وجل من باب أولى أن لا يؤمن بشيء، وأن الذي لا يؤمن بالله عز وجل سيصل به الأمر إلى إنكار كل شيء، إلى أن يصبح ما عنده أي حقيقة مطلقة. والله تعالى أعلم بمراده.

الخلاصة والتوصية

اقرأوا بعدما ننتهي من هذه الكلمة يا جماعة، استعرضوا سورة الجاثية وانظروا ما أجملها. استعرضوا الآيات في بالكم هذه الخلفية أن وجود هؤلاء الذين ينكرون الله على الرغم من ذكائهم وكثرة علومهم ليس دليلاً على صحة معتقدهم، بل دليل على قدرة الله الذي توعدهم وقال: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ}، والذي عجب من قدرته إذ قال: {فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا ويهدي بنا. فبلاش يا جماعة لآلاف العلماء، آلاف الكتب، بلاش هزيمة نفسية وبلاش شعور بالدونية. ويريت أيضاً علشان يتعزز لديكم هذا المعنى، عودوا إلى حلقة من رحلة اليقين بعنوان "صح النوم". وانظروا كيف أن هؤلاء العلماء الكبار والكتب العلمية والجامعات العلمية لما تيجي المسألة إلى ما يتعلق بنظرية التطور التي يريدونها بديلاً عن الله عز وجل، انظروا التدليس والكذب وكيف ينامون على المعلومة 130 سنة وأكثر. ارجعوا إلى الحلقة وانظروها.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا ومنكم. السلام عليكم ورحمة الله.