→ عودة إلى مرئيات

أبعاد قانون "منع الإرهاب"

٣١ مايو ٢٠١٤
النص الكامل للمقطع

أبعاد قانون "منع الإرهاب"

ملاحظات على قانون الإرهاب الأخير

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله. بدايةً، لا بد من التبيان أنه لا عدل في أي قانون غير مستند إلى شريعة رب العالمين. نحن هنا نتكلم عن قانون مصادم، أو أكثر مصادمة، لشريعة الله سبحانه وتعالى. التعديلات التي أُجريت إنما هي تعديلات على قانون معمول به من عام 2006، وليس بالأمر الجديد.

التعديلات هذه أعادت لمحكمة أمن الدولة ما سُلب منها من اختصاصات نتيجة للتعديلات الدستورية التي جاءت مواكبة للربيع العربي، أو ما عُرف بالربيع العربي. يعني هو التفاف على هذه التعديلات التي أصلاً هي لا نمجدها، ولكن ما سُلب من اختصاصات محكمة أمن الدولة أُعيد إليها بهذه التعديلات.

توسيع مفهوم الإرهاب

الملاحظة على هذه التعديلات أنها وسعت توصيف الإرهاب لتشمل كل مسلم مهتم بشؤون أمته ودينه بالمفهوم الشامل والكامل. كان القانون يشمل الأعمال المادية فقط، لكنه أصبح الآن يشمل الإنكار باللسان وإبداء الرأي في كثير من القضايا. فالتعديلات هي حقيقة عبارة عن إرهاب لتكميم الأفواه ومحاصرة آثار الثورة الشامية، ومحاصرة آثار ما عُرف بالربيع العربي، حتى ممن لا يقوم بأعمال مادية.

التعريف الجديد للإرهاب

كيف أصبح التعريف الجديد للإرهاب؟ قلت أنه الآن أصبح أكثر فضفاضية وواسع. في الواقع، لا بد من أن نأتي بأمثلة على هذه الفضفاضية. يعني هذا القانون توسع في حالة التجريم، صحيح ذلك؟ لو شرحت لنا هذه القصة وأوردت النصوص.

الآن سأقرأ نصوصاً من القانون الجديد، من التعديلات. لكن قبل أن نقرأ هذه النصوص، بداية مهمة جداً أنه ورد في وسائل إعلام أن هذه التعديلات إنما أُجريت تماشياً مع الأنظمة والقوانين العالمية. طبعاً، فلن تذكر أن القوانين العالمية إلى الآن لم تجعل بشار الأسد الذي قتل مئات الآلاف وعذب هو وجنوده واغتصبوا وحرقوا وشردوا مئات الآلاف من المسلمين، هذا ليس إرهابياً. أمريكا أبو غريب، أمريكا غوانتانامو ليست إرهابياً. الكيان الصهيوني ليس إرهابياً. بينما المجموعات المجاهدة التي تدافع عن دينها وأرضها وعرضها إرهابية. وبالتالي، عندما نقرأ الآن كلمة إرهاب، نحتفظ بهذه الصورة في ذهننا: ماذا يقصدون بالإرهاب؟

أمثلة من نصوص القانون

مثلاً من النصوص: "القيام بأعمال من شأنها أن تعرض المملكة لخطر أعمال عدائية أو تعكر صلاتها بدولة أجنبية". تلاحظ الفضفاضية الكبيرة جداً في مسألة تعكير صف العلاقات. إذا انتقدت الصين في مسألة ما، هذا في الواقع ينطبق عليه تعكير صف العلاقات. القيام بأي وسيلة مباشرة... إذا انتقدت بشار، لإزالة سفارة نعم، دولة شقيقة وصديقة.

"القيام بأي وسيلة مباشرة أو غير مباشرة بتقديم الأموال أو تدبيرها بقصد استخدامها لارتكاب عمل إرهابي أو تمويل الإرهابيين، سواء وقع العمل أم لم يقع، داخل المملكة أو خارجها". وهذا طبعاً يشمل الأعمال الجهادية كما هو ظاهر.

حديث أيضاً عن الذخائر والأسلحة للقيام بأعمال إرهابية أو على وجه غير مشروع. حتى يصبح أكثر فضفاضية، ليس فقط الأعمال الإرهابية بتعريفهم، بل "وعلى وجه غير مشروع". طبعاً مش غير مشروع في شريعة رب العالمين، في شريعة الأرض. وبالتالي، مقاومة الاحتلال الصهيوني يعتبر غير مشروع الآن نتيجة لمعاهدة وادي عربة طبعاً، بأنها دولة مصونة الحقوق أصبحت كما نصت عليه المادة التي أشرت: لا يجوز أن ترتكب ضدها شيء نعم، يعكر صف العلاقة معها.

"استخدام" وهذه عبارة خطيرة وجديدة: "استخدام نظام المعلومات أو الشبكة المعلوماتية أو أي وسيلة نشر أو إعلام أو نشر موقع إلكتروني لتسهيل القيام بأعمال إرهابية أو دعم لجماعات أو تنظيم أو جمعية أو الترويج لأفكارها". جميل، أو الترويج لأفكارها. الآن أنا على الفيسبوك أتكلم عن الجهاد، هذا يمكن أن يعتبر ترويجاً لأفكار الجماعات الإرهابية، مع أن الفيسبوك هو أقرب ما يكون إلى المجالس الخاصة الاجتماعية. إبداء الرأي في هذه المجالس الخاصة في الفيسبوك، مقالة، مقالات، خاطرة، تعليق على مقال، تعليق على خبر، نشر لمقطع فيديو، أصبح هذا مشمولاً في القانون بعد التعديلات.

طبعاً انتقاد ممارسات إجرامية لدولة صديقة بالتعريف الحكومي أيضاً أصبح إجرامياً. قد تقرر المحكمة أن ما قمت به ليس عملاً إرهابياً أو ليس ترويجاً لأفكار إرهابية، ولكن متى يخرج هذا القرار؟ بعد سنة ونصف. أنا كنت أحد ضحايا قوانين حرب الإرهاب، وخرجت براءتي مما لا يسوءني أن أُدان به بعد 470 يوم. نعم، كأنك حُكمت يعني ما الفرق؟ كأنك حُكمت.

أيضاً من النصوص: "كل فعل يقصد به إثارة عصيان مسلح ضد السلطات القائمة بموجب الدستور أو منعها من ممارسة وظائفها المستمدة من الدستور أو تغيير دستور الدولة بطرق غير مشروعة". إذن الامتناع في هذا القانون هو عمل. هذا قد يشمل الجنود، قد يشمل القضاة إذا امتنعوا عن إنفاذ الدستور بطريقة غير مشروعة لدى من صاغوا هذا القانون. يعني في النصوص السابقة كان الفعل فقط والترك لا، الآن صار الترك فعل عندهم. نعم، أصبح الترك بحد ذاته فعلاً.

معاقبة الشريك وتوسيع مفهوم التحريض

"معاقبة الشريك" أيضاً من النصوص الخطيرة: "معاقبة الشريك بأي صورة من صور الاشتراك في أي جريمة من تلك الجرائم أو التدخل في الجريمة أو التحريض عليها أو المساعدة في ارتكابها بعقوبة الفاعل الأصلي، سواء ارتكبت الجريمة داخل المملكة أو خارجها". التحريض هذا أيضاً مفهوم واسع جداً. التحريض على الجهاد أصبح تحريضاً على الإرهاب.

الآن أتساءل حقيقة: المسلمون في سوريا، سوريا يأخذها الجيش الإجرامي يغتصبها، يلقي بها عارية، ثم إذا واحد من المسلمين حاول يسحبها أو يسترها ويردها، يطلقون عليه الرصاص، يقتلون خمسة وعشرة بهذه الطريقة. يعني هذه إن شاء الله نأتي عليها في الممارسة حقيقة أن يصبح هناك غطاء قانوني حتى تستطيع الدولة أن تطال يدها من تشاء، أي إنسان يعبر، يحاول أن يكون فاعلاً منكراً للمنكر. أحسنت ما قلت، والنصوص الفضفاضة يعني من يتكلم يستطيع أن يدينوه بهذا. نعم، وهذا المطلوب.

العمل الإرهابي: فعل، امتناع، أو تهديد

العمل الإرهابي حسب القوانين الجديدة أصبح "كل عمل أو امتناع عن العمل أو التهديد به". التهديد، واحد يقول والله لأحرق الخمارة. "أو التهديد به أياً كانت بواعثه" طبعاً ولو كانت إسلامية، بل وحصراً إذا كانت إسلامية. "وأغراضه أو وسائله يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي من شأنه تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر أو إحداث فتنة". أو إحداث فتنة إذا كان من شأن ذلك الإخلال بالنظام العام.

أنا أتساءل الآن مثلاً ملف المسلمات الجديدات اللواتي يسلمن ويقتلن، مثل ما حصل مع أختنا بتول حداد رحمة الله عليها وتقبلها الله. إذا أنا أثرت هذا الموضوع على الفيسبوك وطالبت بأنه لا بد أن يكون هناك حماية للمسلمات الجدد، وأصبح هناك موجة من الردود من بعض المتعصبين من النصارى. الآن أثارت فتنة. هل أُدان أنا بهذا القانون؟ سؤال ينبغي أن يُجاب حقيقةً. وفي القانون تدع حسب النصوص. الآن هذا النص يشمله. يسمح للقاضي أن يتحرك بهذا النص.

نعم، "أو إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم أو تعريض حياتهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة". نعم، شوف يعني الآن طبعاً إذا برمي... ماذا البيئة؟ يعني إذا مطلع في الرحلة ومترك وراه شيء، ألحق ضرر بالبيئة حقيقة يعني. "أو المرافق أو الأملاك العامة أو الأملاك الخاصة أو البعثات الدبلوماسية أو احتلال أي منها". الآن احتلال أي منها هذا يذكرنا بما حصل في تونس مثلاً عندما قام مجموعة من الغيارى على الرسول عليه الصلاة والسلام بالاحتجاج أمام السفارة الأمريكية، لم يقتلوا أحداً من السفارة، وصار ما فعلوا أنه اجتازوا السور. الآن احتلال بعثة السفارة أصبحت الآن لو تكرر هذا العمل عندنا، خرج مجموعة من الناس غيرة على رسول الله عندما يُنشر فيلم مسيء أو تمارس هذه الدولة إجراماً بحق إخواننا في بقاع الأرض، إذا احتللنا جزء من هذه السفارة دون أن نقتل أحداً، هذا يعتبر أيضاً عملاً إجرامياً.

"أو إرغام سلطة شرعية أو منظمة دولية أو إقليمية على القيام بعمل أو الامتناع عنه أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين أو الأنظمة". أنا أتساءل يعني الآن تعطيل تطبيق الدستور والأنظمة، هل الاعتصامات مثلاً هي تعتبر وسيلة لتعطيل الأنظمة؟ أو في اعتصام، أطالب بانسحاب الأردن من اتفاقية سيداو المخلة بالأخلاق، والتي حقيقةً تفتح المجال للإباحية. هل هذا يعتبر تعطيلًا لتطبيق الدستور والقوانين والأنظمة؟ هذا سؤال ينبغي أن يُجاب. وسؤال أيضاً يطرح نفسه، ماذا عن تعطيل شريعة رب العالمين؟ يعني هذا القانون وصف الذي يطعن في القانون الوضعي بأنه إرهابي. هذا عمل إرهابي يُجرم عليه.

غياب حماية المقدسات الإسلامية

بالسؤال الأخير، ماذا بمن سب الله عز وجل؟ ماذا بمن قدح في الدين؟ ماذا بمن سب النبي عليه الصلاة والسلام؟ هناك قوانين تعاقب في قانون العقوبات طبعاً، ليس في قانون الإرهاب. طبعاً معروف أن العقوبات مخففة عادة لا تُنفذ. لكن لماذا لا نرى ذكراً لمقدسات المسلمين وشريعة المسلمين ودين المسلمين، الدين الذي يدين به أهل البلد، لا نرى لها أي ذكر في قانون الإرهاب؟ يعني ربما هذا سؤال مفتوح.

تشديد العقوبات والدوافع السياسية

أنا فهمت من خلال توسع أو ما شرحته أنت دكتور في قضية أنه توسع في هذا التجريم أنهم يريدون هوامش أكثر فأكثر فأكثر على ما يبدو حتى يضيقوا الخناق على الجهاديين. يعني هذا على ما يبدو، بغض النظر عن التطبيق، دائماً التحويل إلى المحكمة أو القضاء سياسي. يعني هو بالنهاية قرار سياسي قد يرتكب بعض الأفعال هذه ويتم التجاوز عنها، قد يتم تعريف. لكن أيضاً يقال أن القانون استهدف العقوبات بحد ذاتها، تشديد العقوبات. ماذا عنها وماذا يمكن أن تفهم منها أو يفهم منها الجهاديون أو يفهم منها الإسلاميون ومشاكل عام؟ تشديد العقوبات كيف أيضاً تصفها؟

اسمح لي بدايةً أن أقول أنني لا أعترف كثيراً بمصطلح جهاديين أو إسلاميين. يعني أنا مشاحف الإسلامي يعني فقط لتبيان المصطلح. هذه القوانين يراد بها أن تحاصر كل إنسان غيور على دينه حقيقة، كل إنسان فاعل. بالدقيق المصطلح سامحني فيها. بحر لا أنا عقوبة ليس المسألة شخصية ولكن لأنه يعني شيء لا نريد حالة من العزلة. نحن الإسلاميون، نحن الجهاديون، الدعاة، الدعاة الناس المؤثرين في المجتمع الذين يرفضون وضع الذل والعار، الجهاديون المؤثرون. نعم، هذا ما قصدت. لا مشاحة في الاصطلاح هنا.

جواباً عن سؤالك الكريم يعني ما عن تشديد العقوبات، أنا أعيد التأكيد على أن مشكلتنا هي مع أصل التجريم لأفعال أمر الله عز وجل بها. مش مشكلتي أنه العقوبة خفيفة أو ثقيلة. مشكلتي أن يعتبر هذا عملاً مجرماً بحد ذاته.

أمثلة على تشديد العقوبات

مثلاً من أشكال التشديد في هذه التعديلات، معاقبة كل عمل إرهابي بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات. هذا الحد الأدنى خمس سنوات لكل شيء مما ذكرناه. مثلاً، الأشغال الشاقة المؤبدة إذا نجم عن العمل الإرهابي، إلحاق الضرر ولو جزئياً، دقيق هنا أخي. نعم، في بناية عامة أو خاصة أو مؤسسة صناعية أو سفينة أو طائرة أو أي وسيلة نقل أو أي منشأة أخرى. وما تكلمنا عن إزهاق أرواح ولا إحداث جروح في الناس، عن وسيلة النقل ومباني خاصة، أو أدى العمل إلى تعطيل سبل الاتصالات وأنظمة الحاسوب، أو اختراق شبكاتها.

الآن طبعاً، بناية خاصة تشمل الخمارات. نعم. ليس هنا موضوعي تصويب أو تخطئة مسألة استهداف الخمارات في بلادنا، مش هذا موضوعي الآن. لكن موضوعي سؤال، لو نصراني أحرق خمارة لزميل نصراني في الشارع من باب مكايدة، أو يعني لأنهم فاتحين محلين بتنافسوا، هل سيشمله قانون الإرهاب؟ طبعاً لن يشمله قانون الإرهاب. إذن أصبحت المسألة استهداف لفئة معينة. يعني أصبح كان ينبغي أن يضاف للقانون: أي عمل إرهابي بدوافع إسلامية. أي عمل بدوافع إسلامية. حقيقةً إنه أو بدوافع سياسية. أو دوافع سياسية. لو واحد أحرق سيارة فارغة لضابط أمريكي موجود هنا ويدرب القوات الأمريكية العراقية أي شيء على قتل من لا يحل قتله، هذا إحراق سيارة وعمل إرهابي يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة. فتشديد العقوبات فائق فوق التصور حقيقة في هذه القوانين.

الدوافع السياسية للقانون

نعم تحدثنا لقانونيين، القانونيون يقولون أن أحد أهم سمات القانون كما أشار الأستاذ موسى بروز الدوافع السياسية أكثر من الجوانب الجنائية العقابية، وكأن السياسة تحدد الجانب العقابي. هل ترون ذلك؟ وبالتالي استخدام القانون أحياناً ستصبح المسألة سياسية أكثر.

في الواقع هناك دلالات واضحة تؤكد لك مثلاً تزامن هذه التعديلات مع بيان وزارة الداخلية السعودية التي وضعت كثير من الجماعات على لائحة الإرهاب وشددت عقوباتها. وضع السلطات المصرية العسكرية لجماعات أيضاً على قائمة الإرهاب وتشديد عقوباتها. أيضاً تأتي هذه التعديلات في ظل بروز ظاهرة التعاطف الشعبي في الأمة الإسلامية مع مصطلحات كانت في العادة مشوهة من إعلام: الجهاد، الخلافة، تحكيم الشريعة. الناس أصبح عندهم جرأة للمطالبة بإنهاء الوجود الأجنبي في المنطقة الإسلامية، التحرر من منظومة دولية، أصبحوا يطالبون بحقوقهم. ومجيء هذه التعديلات في هذا التوقيت بالذات يبدو أنه لمحاصرة هذه الظواهر الفكرية والنفسية.

أيضاً علينا أن نتذكر أن انتقال هذا النفس إلى دول الجوار، ما يحيط بالشام مثلاً، ما يحيط بالدول التي قامت بالثورات، يعني ولادة أمة جديدة، وهو ما لا تريده الأنظمة في العالم الإسلامي. فجاءت هذه التعديلات لتحاصر التغير الفكري بالدرجة الأولى، سواء أدت إلى عمل مادي أم لم تؤدِ.

استهداف التغير الفكري والنفسي

أنا لا أعتقد حقيقة تحاصر التغير الفكري؟ حتى التغير الفكري والنفسي وأشار لذلك أستاذ موسى. الآن يعني ما أظن أن الهدف الأكبر والأهم من هذه التغيرات هي منع انتقال الحالة القتالية من الشام إلى الأردن. ليس هذا حقيقة ما يخيف أكثر الأنظمة في العالم الإسلامي الآن. إذا قام عمل مادي أدى إلى إزهاق أنفس لا تستحق القتل في دين الله عز وجل، هذه الأعمال تُدان حتى من المسلمين دينهم الإسلام. فهذه الأعمال المادية غير المحسوبة غير المقبولة شرعاً يسهل حصارها. أصحابها في العادة ليس لهم قاعدة، ليس لهم حاضنة، وبالتالي يسهل حصارها والتخلص منها ولا تشكل ظاهرة خطيرة على المجتمعات كما يصور الإعلام أحياناً.

ولكن الذي يؤدي إلى تغيير حقيقي هو التغيير الفكري، التغيير النفسي، الاستعدادية النفسية لدى الشعوب الإسلامية نحو التحرر والانطلاق والمطالبة بشريعة الله عز وجل. فيبدو أن هذه التغييرات الهدف الأكبر منها محاصرة هذا التغيير النفسي، إحداث حالة من الخوف بحيث الناس يخسرون كل المكتسبات التي اكتسبوها من وراء موجة الربيع العربي الحديث.

قانون الإفتاء الموازي

الآن أيضاً هنا نقطة مهمة، ليس فقط عن تعديلات في قانون مكافحة الإرهاب ما يسمى بالإرهاب، بل هناك بالتزامن معهم قانون الإفتاء والذي ينص على منع غير المؤهلين من إصدار الفتاوى وعقوبة من يخالف ذلك. طبعاً قد يقول القائل نعم نحن بحاجة إلى تنظيم عملية الإفتاء. أنا أقول في هذه الحالة هل هذه حقيقة هي مشكلتنا؟ هل حرمت إقامة نوادي ليلية والخمارات ومراكز تدريب الجيش العراقي في الأردن؟ وهل هذه كلها بحاجة إلى إفتاء جهات مختصة؟ وإذا أفتت الجهات المختصة هل حقيقة سوف تنفذ توصياتها وفتاواها؟ نعم، فهناك واضح أن هناك عملية تكميم للأفواه وكأنه يعني يراد أن يقف المواطنون أو المسلمون في بلادنا طوابير على المستشفيات وتُخيط أفواههم. أصبح حصار من كل جهة.

أولويات خاطئة وانحراف تشريعي

جميل، يعني كأني فهمت منك أن هناك سياسة، أن هناك إقليم متفق على ما يبدو. نعم، على هذا أيضاً القانونيون بيحكوا أن هناك انحراف المعالجات التشريعية عن معالجة الظواهر الجرمية الأخطر في المملكة، مكافحة الجرائم. يعني زي تجسس إسرائيل وبالذات في الأردن. يعني باعتقادك أنه فيه شيء مش متزن.

وطبعاً نعود ونقول أي قانون لا يستند إلى شريعة رب العالمين لا يوصف بأنه متزن ولا بأنه عادل إطلاقاً. وأخطر شيء على المجتمعات هو الحيود عن شريعة الله عز وجل وحكم الناس بأهواء فئة تريد أن تحقق مصالحها. الله عز وجل قال: "فإن تولوا فاعلم أنما" يعني عن حكم الله "فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم". والرسول عليه الصلاة والسلام قال: "وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتحروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم". إن كنا نتكلم عن السلم المجتمعي والأمن في البلاد، فالأمن هذا لا يحدث إلا بتطبيق شريعة رب العالمين، إقامة شريعة الله عز وجل. هذه القوانين والتعديلات تجعل بعض ما أمر الله به أعمالاً مجرمة، وبالتالي طبعاً أنها لن تكون متوازنة بأي شكل من الأشكال.

لكن أنا أقول يعني هناك مثلاً تنامي لظاهرة الإلحاد في الجامعات، هناك الشذوذ الجنسي، هناك ملفات الفساد المستشري في البلاد، ما ينتج عنه من فقر، ما يتبعه من جرائم. صحيحة، السهرات، التجسس من العدو الصهيوني. هذه الملفات هي أخطر بكثير على السلم المجتمعي حتى بتعريف الساسة وصاغي القانون. أخطر بكثير على المجتمع الأردني. السوفيكس التي ذكرها الأستاذ موسى العبدالله. يعني عندما تعرض بهذه الطريقة أن القوات الخاصة تحاصر ملتحين ومنقبة يقومون باختطاف رأسها، هل حقيقة هذه ظاهرة موجودة في بلادنا؟ يعني يتم اختطاف السياح صباحاً مساءً؟ هل هذه مشكلتنا في الأردن؟ وبالتالي هناك تغييب للهوية الإسلامية في هذه البلاد. حقيقة هناك اتفاقية سيداو للأسف الشديد أكثر الناس في الأردن لا يعرفون أبعادها الخطيرة جداً الأخلاقية والدينية. هذه أخطر بكثير من مسألة أعمال مادية تزعزع من البلاد كما يقول على ما يبدو أولويات الساسة.

الضغط الشعبي ومستقبل المقاومة

أن البعض يقول تشدد القانون قد يفجر الواقع الشعبي عند تطبيقه. واضح الضغط يولد انفجاراً. باعتقادك هذا القانون أنا سألته سؤال وتقول له هذا القانون سيجعل الدعاة أو هؤلاء الذين يحملون الهم يتراجعون، أما أنه يمكن أيضاً أن يفجر الواقع الشعبي؟ كيف ترى؟

في الواقع لو كان الضغط والقبضة الأمنية تنفع مع الأنظمة تجاه الشعوب، لكانت نفعت في مصر، لكانت نفعت في العراق، في ليبيا، في تونس، حيث التعذيب، وتغيب في السجون دون محاكمات، لكنها لم تنفع في هذه البلاد. كثرة التشديد تؤدي للضغط، والضغط يؤدي بالفعل إلى الانفجار.

نحن حقيقةً عندما نتكلم عن هذه التعديلات، نقطة مهمة جداً، لا نتكلم عنها حتى يخاف الناس، وحتى يتراجعوا عن نصرة إخوانهم في بقاع الأرض كلها، سخط الله عز وجل. نحن لا نريد أن نفر من سخط القانون إلى سخط الله سبحانه وتعالى. نحن إن كممنا أفواهنا ولا ننكر المنكر لا بأيدينا ولا بألسنتنا واكتفينا بقلوبنا، والله يوشك أن يحل علينا سخط الله عز وجل. الله سبحانه وتعالى قال: "إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً". طلعنا ما نفرناش، ما جاهدناش بأنفسنا، أقل من الجهاد بالكلمة، أقل من الدفاع عن إخوان المجاهدين. الله عز وجل قال: "وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم". النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من امرئ يخذل امرأً مسلماً في موطن ينتهك فيه من عرضه وينتقص فيه من حرمته إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته".

اللي بيحصل معنا في العالم الإسلامي يستفرد في بلد بلد، يأتيهم الزعزع والحروب والقلاقل من حيث لم يحتسبوا. وهذا حقيقة أن نحن نجعل إخواننا في كل البلاد الإسلامية. لكن علينا أن نتذكر أن ما يحصل بهم جزء من أسبابه هو أنهم قد خذلوا إخوانهم من قبل. وبالتالي لا نريد أن نسلم أولادنا من بعدنا إرثاً متخماً بالذل والهوان والركوع والاستسلام. نحن في النهاية نعلم أن القانون هذا يستهدف المؤثرين. الآن إذا المؤثرون حوصروا وخذلهم المجتمع الأردني، في النهاية الذي يريد أن يحفظ عرضه في بيته ويمنع ابنته من الذهاب مع صاحبها إلى العقبة، هذا سيُجرم حسب اتفاقية سيداو، يمنعها من حق التزمت به دولة الأردنية. وبالتالي علينا أن نتذكر أن هذا القانون في النهاية حقيقة هذه التعديلات في النهاية تؤثر على هوية البلاد الإسلامية.

تأثير القانون على المشاركة السياسية

رياد، يعني بعض المشرعين بيقولوا أن هذا القانون قد يحد أيضاً من تطور العمل السياسي والمشاركة السياسية ومعرف أجواء الحديثة عن الإصلاح. باعتقادك كان له تأثير على قصة المشاركة السياسية؟ يحولونها بحالة نحوها؟

طبعاً هو القانون يحصر العمل السياسي في مظلة الدستور الوضعية بحيث لا يكون هذا العمل مؤثراً إطلاقاً. لاحظ أنه ركز على حماية الدستور وألغى حتى آثار التعديلات الدستورية. وبالتالي يقول للناس من يريد أن يشارك يتفضل يشارك ولكن ضمن شروطنا، وليؤدي إلى مجال لعبة واضحة لا في مجال التغيير إطلاقاً ضمن هذه الضوابط. نعم، وبعتقد أن هذا القانون يساهم يعني الأستاذ موسى أشار إلى قصة أنه حتى مش الإسلامي يعني حتى مش الدعاة يعني حتى اللي بيحاول مثلاً يطرح فكرة كذا هذا القانون قد يطاله أيضاً من يريد أن يقول النظام الدولي وأتباعه لا، من يريد التحرر في قيام كيان مستقل عن منظومة دولية طبعاً. نعم، هذا القانون يخدمها.

تجريم المقاومة

القانون يجرم المقاومة وصار جدل حوله بشكل كبير، يلحق بالعمل الإرهابي على اعتبار أنه يعتبر دولة الكيان ودولة الاحتلال دولة أجنبية محمية صحيح؟ هيك كنت ترى؟

هو لم ينص على ذلك لكن طبعاً تطبيقاته تشمل بلا شك دولة الكيان الصهيوني المعتدي الغاصب المحتل يعتبر دولة صديقة بعد معاهدة وادي عربة حسب تعريف البعض. وبالتالي الانتقاد لها أو التحريض عليها أو اعتبار ما يقوم ضدها أعمال جهادية، هذا يعتبر تعكير أنه يصف على علاقة مع دولة صديقة ومحمية. لم يستثن أنه كانت جدل حول استثناء قصة مقاومة الاحتلال، لم يتم استثناءه فيما أعلم. نعم، قالوا مقاومة الاحتلال لا يحتاج لتشريع. طبعاً الاحتلال في أفغانستان هو أيضاً احتلال، احتلال أي بلد بلاد مسلمين هو احتلال في مالي هو احتلال أيضاً. نعم.

الوضع في الشام: تعقيدات وصراعات

جميل، بدنا نطلع الآن من قصة قانون مكافحة الإرهاب وباعتقاد أننا فهمنا منك دكتور إياد كثير من تفصيلات هذا القانون، أبعاده أيضاً السياسية والاجتماعية. نذهب إلى الشام الآن وأنت يعني إذا بدك تصححني أنت حر واحد من الخبراء ما يجري في الشام. ماذا يجري في الشام؟ بعض الناس أنا من الناس اللي لم أعد أفهم ما الذي يجري، من يقاتل هناك، من يقاتل؟ يعني راح أعطيك وقتك حتى نفهم.

نعم، هي مقدمة أساسية مهمة في الواقع أنه أساس المعركة في الشام بدأت بين النظام السوري المدعوم من النظام الدولي من جهة، ومن قبل الشعب المسلم من جهة أخرى. من ضمن التآمر الدولي على الشام هو محاولة إحداث تصدعات وشقوق في الصف الإسلامي. الشعب المسلم في الشام حقيقةً يخوض المعركة نيابة عن أمة إسلامية. الأمة الإسلامية ليس فاهم هذا الكلام، أعداء الأمة الإسلامية فاهم هذا الكلام. يعني الآن النظام النصيري البعثي الأسدي اجتمع حوله حتى من يكفرونه في مللهم الباطلة، اجتمع حوله كل الطوائف حتى تتآزر ضد الشعب الشامي المسلم. للأسف الشديد الأمة الإسلامية تترك الآن يعني تعتبر إلى حد بعيد خذلت الشعب المسلم في الشام. وبالتالي متوقع أن خذلان الأمة لهذا الشعب المسلم يعظم ويضخم من آثار المكر والتآمر الدولي عليها. لهذا نقول ليس لنا العجب أن يحصل هذا التعثر وهذه الاضطرابات وهذه المشاكل، بل العجب حقيقة أن يبقى الجهاد الشامي صامد حتى اليوم بعد مرور ثلاث سنوات من بدايته. هي ثورة يتيمة ما لها إلا الله بمعنى الكلمة، وكفى بالله عز وجل وكيلاً.

التآمر الدولي ونقاط الضعف

ضمن مخطط التآمر، أعداؤنا دائماً يدرسون نقاط الضعف في الأمة الإسلامية. وجدوا أن من أهم نقاط الضعف حالة الافتراق الفكري والمنهجي والذي رافقه أيضاً عدم الانضباط بآداب الخلاف، وجود الأهواء، حظوظ النفس، قلة العلم الشرعي. فغذوا بعض الحالات التي أصبحت عبئاً على ثورة الشام وأصبحت جزءاً من المشكلة بدلاً من أن تكون حلاً للمشكلة. مثلاً حالة النزوع إلى الغلو، معاداة العاملين في الساحة، التشويه للمشروع الإسلامي. في المقابل، حالة الطواعية لأطراف خارجية والعمل على تحقيق أجنداتها. هاتين الحالتين موجودتين في فصائل على درجات متباينة. ظروف القهر والظلم والقبضة البوليسية والتشديد الأمني في بلاد المسلمين يغذي حالة الغلو كما أيضاً يغذي حالة التبعية.

طبعاً إحنا لا نقول أن الساحة كلها انفرزت في هاتين القطبين. هناك والحمد لله فصائل كثيرة نجت من هذا الاستقطاب، من الوقوف في هاتين الحالتين. لكن هذه الأطراف المعتدلة الجيدة صاحبة المشروع والرؤية الإسلامية الطيبة إن شاء الله تعاني من هذه الفئات وهذه الحالات.

المشاريع الرئيسية في الشام

لذلك يمكن أن نقول هناك ثلاث مشاريع رئيسية في الشام. وهذه النقطة مهمة، تقسيم المشاريع الرئيسية في الشام. هناك مشاريع كثيرة لكن قد يكون أهمها والفاعلة الآن:

  1. مشروع يرى أن واجب المرحلة هو الدفاع عن المسلمين وصد عدوان تحالف النظام والميليشيا المساندة له. ويريد لجهوده أن تتوج بتمكين لدين الله عز وجل ليقوم كيان إسلامي متحرر من النظام الدولي، لا يظلم فيه العباد ويكون باكورة خير للأمة الإسلامية جمعاً بإذن الله. وهو في ذلك يحتوي من يمكن احتواؤهم من مكونات الشعب ويعمل على الارتقاء بهم، يعمل على إشراك الأمة في الداخل والخارج في مشروعه لأنه مشروع أمة. نعم، مشروع يريد لدين الله عز وجل أن يسود، يريد لدين الله أن يحكم، لأن يحكم هو بأفراده أو بأشخاصه.
  2. مشروع ثاني يريد أن يسيطر هو ويحصر نصرة دين الله في ذاته. ويشكك في الآخرين ويعتبر عامة مكونات الثورة متآمرة وساقطة في بئر العمالة، وليس حريصاً على إشراك الآخرين معه في مشروعه. من يريد أن يشاركنا فليأتِ إلينا يبايعنا ينضوي تحت رايتنا. وهو في ذلك أيضاً يرفع شعار الدين.
  3. وهناك مشروع مرتبط ارتباطاً عضوياً بالنظام الدولي ووكلائه. مهمته تحقيق أجنداتها والحفاظ على مصالحها في المنطقة. وهو أيضاً أحياناً يرفع شعارات دينية، لكن طبعاً إذا غدغت العواطف ولا فهو يصرح بإرادته دولة علمانية أو مدنية متماشية مع المنظومة الدولية.

وهناك مشاريع أخرى كما ذكرنا، لكن هذه المشاريع أشبه ما تكون بمغانط مغناطيس مغناطيس مغناطيس تجذب إليها فئات وأفراد يقتربون من هذا المشروع أو يبتعدون. هناك حالة تغيير ديناميكي لا نستطيع بسهولة أن نقول هذا الفصيل الفلاني يتبنى المشروع الأول بشكل كامل. قد تجد أن هذا الفصيل كثير من أفراده وقياداته يتبنون هذا المشروع، لكن هناك حالة تمحيص.

وهناك نقطة مهمة جداً يجب أن لا ننساها: جهاد الشام فُرض على الناس فرضاً. وهذه نقطة في غاية الحساسية. ماذا تقصد فرضاً؟ بمعنى لم تكن المسألة أن هناك أمور مستقرة ثم الجماعات الجهادية دخلت إلى ساحة الشام بعد تخطيط طويل وبعد حواضن تربوية واتفاق على الرؤية والرسالة والأهداف. لم يكن هذا الذي حصل. الذي حصل ثورة بدأت بطريقة ارتجالية. النظام كان قمعياً جداً إجرامياً في التعامل معها. وجد الناس أنفسها مضطرين لحمل السلاح. الآن تباين فكري كبير في الساحة. الشعب الشامي شعب مغيب عن دينه في عمومه لعقود تحت هذا النظام المجرم. وبالتالي الآن الناس يتربون، الناس يتمحصون. يعني ينبغي أن نرعى هذه الحالة الافتراق والصراع الموجود، جزء من أسبابه أن الأمة لم تكن مستعدة، أهل الشام لم يكونوا مستعدين لهذه الحالة الجهادية. وليس كما يصور الإعلام أنه خلاص المشكلة تلخصت في جبهة النصرة ودولة الإسلامية في العراق والشام ومجموعات صغيرة وهذه تتناحر فيما بينها. ليس الأمر كذلك أبداً. الآن عامة القتال موجه ضد الذين يقتلون في المسلمين ويغتصبون أعراضهم. فحقيقة ما يحصل الآن هو تمحيص مستمر وسيثبت في النهاية الصح هذه المشاريع.

التدخلات الخارجية في الشام

جميل، من حيث الخارج هناك أيدي تعبث بل يقال أن الساحة السورية ساحة أصبحت لكل الاستخبارات الموجودة في الصحيح. لكن هناك أيادٍ مركزية توغلت في الملف السوري، من هي برأيك؟ يعني دور هو الرأيها في الواقع السؤال ينبغي أن يكون من هي الدول أو الأيادي التي ليس لها دور مركزي في الشام؟ ليس لها. فعلياً كما تفضلت كل الدول والمخابرات الإقليمية والعالمية مشتركة في الساحة الشامية. هناك اختلاف بين هذه الدول حول بقاء الأسد أو عدم بقاء الأسد، إعادة اجترار النظام الطائفي وعدم اجتراره. لكن في النهاية يقيناً جميعهم متفقون على شيء: وجوب عدم قيام دولة إسلامية، كيان إسلامي مستقل متحرر لا يخضع للنظام الدولي لأنه هذا يهدد مصالحهم وهذا يعني انفراط عقد المنظومة الدولية لأكملها.

إذن لا تريد أن تذكر مثلاً نبتعد كما تريد. هل لك أن ترسم لنا خارطة للعمل القتالي في الصف السلفي في الشام؟ من هي الفصائل المقاتلة هناك؟

أنا أتجنب بعد أن أذكر فصائل لسبب هو أنه قد نهضم بذلك حق بعض الفصائل الفاعلة على الأرض التي لها إنجازات كبيرة على الأرض ولكنها ليست ناشطة إعلامياً. ثورة الشام هي في النهاية ثورة شعبية في بدايتها حقيقة، وهذا ما يميزها أنها شعب مسلم انتفض ويختلط به الحالة الجهادية وليس جهاد نخب كما يظن البعض. نعم، فلذلك صعب جداً جداً حصر الفئات الفاعلة. لكن نقول حتى التسمية بالسلفية قد تشعر بحالة من الانفصال أن هناك سلفيين وشعب، بينما واقع الأمر أنه نجحت كثير من الجماعات المؤطرة بالأصول السلفية في أن تتحالف، تجري تحالفات وتنسيقات مع جماعات أخرى، أن تخرج مثلاً بصيغ مشتركة بمواثيق تعلن إرادتها لإقامة شريعة الله عز وجل والتحرر من المنظومة الدولية. طبعاً الجماعات التي تعلن ذلك وتتباين في التطبيق كثيراً هي جبهة النصرة، جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام، شام الإسلام، الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام وغيرها وغيرها.

الملفت للنظر أنه في يوم من الأيام كانت الديمقراطية هي البضاعة الرائجة، وبالتالي الذي كان يريد اكتساب تأييد الشعب يقول ديمقراطية ديمقراطية حرية هذه العبارات الرنانة بالنسبة للناس في حينها. الآن الظاهرة طيبة أنه في الشام أصبحت الشريعة شعاراً رناناً يجمع الناس حوله بحق أو بباطل، لكن أقصد عموم الشعب الشامي الآن أصبح عنده وعي نحو أنه حقيقة لا تحرر لنا إلا بقيام كيان إسلامي. نعم.

القاعدة وداعش في الشام

أين القاعدة في القتال الدائر بالشام؟ القاعدة الحديث عن القاعدة أصبح كل عمل يلصق بالقاعدة. القاعدة والشام فهمنا المعادلة وفهمتنا إياها أيضاً كحالة وصف الناس بلا تعرف الحقيقة. نعم، نعم.

الفصيل الذي يعلن انتمائه للقاعدة ولا يمكن ذلك حالياً هو جبهة النصرة. جبهة النصرة تنسق وتشترك مع فصائل أخرى في حربها ضد النظام والميليشيا المتعاونة معه. هذا كسر حالة الجمود التي عاشها كثير من الجماعات المجاهدة بحيث تحاول جبهة النصرة إشراك الآخرين في مشروعها دون التخلي عن هدفها المعلن، هدف القاعدة القديم الحديث ألا وهو إقامة شريعة الله عز وجل، التحرر من المنظومة الدولية. لذلك فالسؤال هو حقيقة ليس ماذا كان أثر القاعدة على الشام، بل تجنب استعداء غير المحاربين، تجنب الأخطاء التي تشوه صورة الجهاد والشريعة، وذلك دون تنازل عن مطلبها وعن هدفها الأسمى ألا وهو إقامة دين الله عز وجل وتحرر الأمة. نعم.

يعني القاعدة نصرة يعني نفهم هكذا. داعش من هي؟ ما علاقتها بالقاعدة؟

جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام الآن تنكر أنها كانت مأمورة لدى قيادة القاعدة. ولكن الدكتور أيمن الظواهري عندما جاء بنصوص الأصل أنها تثبت أن هذه الجماعة كانت فرعاً تابعاً للقيادة في أفغانستان. وبالتالي الأصل أن جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام التي منها انبثقت جبهة النصرة أنها هي جزء من القاعدة. لكن حالياً هي تتبرأ من منهج القاعدة والقاعدة حقيقة أعتقد في طريقها لم تتبرأ أيضاً من منهج جماعة الدولة. نعم.

استشراف مستقبل السلفية الجهادية في الشام

يعني السؤال الأخير الذي أختم به: ما هو مستقبل استشراف للمستقبل، مستقبل السلفية الجهادية في بلاد الشام علماً بأن المشهد يشي بنزاع داخل هذه السلفية ومعارك حاسمة قادمة قد نشهد في كثير من المناطق؟

بداية السؤال الذي أطرحه: ما هو مستقبل الإسلام في الشام؟ أنا عن نفسي أقول من متابعة حثيثة حقيقة متفائل على المدى البعيد أن الله عز وجل سيكتب فرجاً ومخرجاً للأمة وتكون الشام باكورة هذا الفرج المغرد. المدى البعيد هذا يعني موعدين إحنا فيه في كل مكان. المدى البعيد لكن الشام يعني المدى المتوسط مختلفة حقيقة عما حصل في مصر وغيرها. هناك حالة جهادية تعيشها الشعب وبالتالي نتوقع مخاضاً طويلاً وعسيراً ولكن بإذن الله تعالى بعد ذلك فرج.

المشروع الذي سيبقى هو المشروع نقي المنهج، العصي على التطويع، الملتحم بالأمة، المدرك لطبيعة المعركة أنها معركة ضد النظام الدولي وأذنابه. ليست معركة مع أناس يصنفهم بأنهم هؤلاء صحوات أو هؤلاء منحرفين وما إلى ذلك. المشروع الذي يسعى إلى الارتقاء بالآخرين لا إلى تصنيفهم واستعدائهم هو المشروع الذي سيبقى بإذن الله. هنا أقول مشروع ولا أقول فصيل لأنه حقيقة الفصائل والتحالفات قد تتغير. قد يحصل مثلاً أنه عندما تأتي المحكات الصعبة خاصة أن النظام الدولي متدخل في التمويل وفي التسليح، عندما توضع هذه الفصائل على المحك الآن لا يطلب منها تنازلات في كثير من الأحوال. في يوم من الأيام راح يطلب منها تنازلات، يطلب منها أن تكون هي في النهاية خاتم طيع في يد الأسياد الخارجيين. حينئذ نتوقع أن يحصل تصدع وتشقق وانشقاقات داخل هذه التحالفات وداخل هذه الحركات. وبالتالي من هو على هذا المنهج وعلى هذا المشروع النقي الذي نحبه اليوم قد يصبح على غيره غداً.

أنت لم تصف المستقبل حسب الواقع، نظرت إلى المستقبل دكتور إياد حسب الواقع. كيف ترى المستقبل؟ بدأت المستقبل البعيد على المدى القريب والمتوسط وأنت الخبير على المدى القريب والمتوسط.

نتوقع حقيقة مزيداً ومزيداً من النزاعات والمشاكل حتى داخل الصف الإسلامي. طبعاً هي مشاكل الشام ليست محصورة بمشاكل الجماعات السلفية. حتى لو نفترض أنه الآن الخلاف بين جماعتي النصرة والدولة أو الدولة والفصائل الأخرى حل أو تلاشت إحدى هذه الجماعات، هناك طبعاً مشاكل كبيرة جداً ولن ينتهي التآمر الدولي. حقيقة نحن الآن نتكلم فقط تآمر دولي، هناك اختراقات أمنية أيضاً. أنا أعيد وأقول مسألة مهمة: أحياناً الانحراف المنهجي والاختراق الأمني يؤديان نفس الوظيفة. الإنسان إذا كان يقوم بأعمال تديناً وظناً أنه بذلك يتقرب إلى الله عز وجل ولكنه في ذلك على غير هدى وبصيرة، قد تكون نتائج عمله أسوأ من نتائج الاختراق الأمني.

رسالة ختامية: السلبية والانخراط في غير شريعة الله

يعني هنا في نقطة مهمة حقيقة أننا حاب أركز عليها ورسالة أوصلها. نعم، وتختم بها. نعم، ونختم بها إن شاء الله.

الانخراط في دستور أو في منظومة حكم تجعل السيادة لغير شريعة الله عز وجل، كان رأيي أنه كان ينبغي عليهم الاستمرار إما عدم الثورة من أساسه أو ثورة مستمرة حتى تقتلع هذه الدولة العميقة وتكافح وتناضل وتستمر في جهادها إلى أن تقوم شريعة الله عز وجل. أما أن أشترك أنا في نظام السيادة فيه لغير شريعة الله، هذا كنت أرى ببطلانه شرعاً. وأرى أن الديمقراطية هي وسيلة من وسائل الخداع والتضليل للشعوب. الديمقراطية التي تروج في بلاد المسلمين أنه حكم الشعب لنفسه وأن الشعب يختار القوانين والأنظمة، هذا شكل من أشكال الشرك في التشريع مع الله عز وجل. ولكن كثير من الناس الذين تابعونا في تلك الآونة أو حالياً عندما ننتقد الديمقراطية قد يتصورون أننا نتقبل بعض النماذج السيئة الموجودة في الساحة الشامية حالياً. فأود هنا أن أؤكد وأبين أنا كإياد وغيري كثيرون ممن ينتقدون الديمقراطية ويرون القبول بها شركاً مع الله في التشريع، لا نقبل أبداً أبداً في المقابل بنماذج إقصائية تريد أن تفرض نفسها على الناس، ترى بوجوب طاعة الآخرين لها، تدعي التمكين وهي لما تصل إليه بعد. نماذج إذا خالفها أحد فإنها تسقطه على الفور، لا تحترم كبيراً ولا توقر عالماً. نماذج تجعل أموراً خلافية هي قديماً خلافية وينبغي أن تبقى خلافية، تجعلها أموراً قطعية مثل كفر عوام الشيعة والذي يخالف في هذه الأمور هو إنسان انحرف في منهجه، ضل الطريق. أو مثل مسألة إسقاط الكفر على أعيان. أنا الآن ماشي الديمقراطية أنا أعتبرها شركاً في التشريع، لكن أن أقول ينبغي أن أقول كل من شارك فيها فهو كافر ويعني لا مسألة الموانع والشروط وما إلى ذلك. هذه مسألة فقهية أجعلها مسألة عقدية قطعية لا مجال فيها للنزاع إجماعية وأضلل من خالفها. هذه الجماعات لا تمثلنا ولا نمثلها. غلو هذا، هذا غير لا نقبله. غلو لا نقبله بغض النظر من يمارسه الآن، من يمارسه في الغد. نحن نقول هذا المشروع لا يمثلنا ولا نمثله. المشروع الذي يمثلنا ونمثله مشروع يقول نعم لسيادة دين الله عز وجل، نعم للحكم بما أنزل الله. يعني هذا ينبغي أن تكافح الأمة في سبيله بمختلف الوسائل. نحن كأمة نشترك في ذلك.

والسؤال الأخير الذي أريد التركيز عليه: بدلاً من أن نقول ما هو مصير الجهاد في الشام، نحن حقيقةً أننا نريد هناك مسلمين في بقاع الأرض أن ننظر إلى ما يحدث في الشام وكأننا نتفرج على فيلم وثائقي تحدث عن ما حصل في العصور الغابرة. نعم، لا بد أن نكون فاعلين مؤثرين. السؤال المهم والملح: ماذا قدمنا نحن لدين الله عز وجل؟ ماذا قدمنا نحن لإخواننا في الشام؟ رجل سأل النبي صلى الله عليه وسلم كما في البخاري: يا رسول الله متى الساعة؟ فالنبي عليه الصلاة والسلام من عادته يحول الأسئلة غير المفيدة إلى سؤال مفيد، قال: "ما أعددت لها؟" أنت إيش جهزت حالك للساعة؟

طب كيف يمكن أن ندعم أولاً؟ كيف يمكن ندعم؟ قوانين منع الإرهاب وغير الإرهاب هذه لا تمنعنا من نصرة دين الله عز وجل بكل أشكال النصرة الممكنة. نحن في النهاية أمام خيارين: إما شريعة الله عز وجل والخضوع لها، أو شريعة مكافحة الإرهاب والخضوع لها. نحن إذا خضعنا لغير دين الله سبحانه وتعالى فسنفر من سخط العباد إلى سخط الله سبحانه وتعالى. وبالتالي النقطة المهمة جداً، نقطة أود أن أختم بها: يعني حقيقة هناك حالة أخطر من السلبية. نحن نقول السلبية التي تعيشها بلادنا يمكن 99% من أهل الأردن خارج التغطية، ما هدالي شيء عن الشام ولا بهمهم يعرفوا. وهذه حالة تهدد بسخط الله سبحانه وتعالى. خذلان إخواننا. الأخطر من ذلك أخي، الأخطر من ذلك بكثير أن البعض نقل خلاف الشام إلى كافة الساحات الإسلامية. أصبح حيننا هنا في الأردن؟ أنت مع النصرة ولا مع الدولة؟ لا هذا شيء في منتهى الخطورة. يعني في النهاية لن يفيد المسلمين في الشام بشيء ولكن ينقل حالة التصدع بلا أي شيء. فتعني، يعني أنا