أفلا يتدبر أنصار الديمقراطية القرآن-ردا على تبرير شعارات الديمقراطية بأنها لتحصيل الدعم الدولي
السلام عليكم ورحمة الله إخوة الكرام.
رفض شعارات الديمقراطية وتبريرات البعض
عندما نرفض رفع شعارات الديمقراطية في الاعتصامات، يرد بعض المتعذرين بأن المقصود بهذه الشعارات مخاطبة الخارج، أي النظام الدولي، وليس مخاطبة المسلمين في الداخل. فنقول لأصحاب هذا العذر: عندما توجهون رسائل إلى الخارج بشعارات الديمقراطية، ما مفاد هذه الرسائل؟
أننا نعلم يا ساسة النظام الدولي أنكم كارهون للشريعة، فنحن نطمئنكم أننا لا نريدها إسلامية، بل سنطيعكم في التزام الديمقراطية التي ارتضيتموها لنا، فأغيثونا في المقابل وأعينونا على المجلس العسكري.
وصف قرآني دقيق للعذر
هناك في الحقيقة وصف قرآني دقيق لعذركم هذا، فلو أنكم هداكم الله تدبرتم القرآن لعلمتم أن هذا العذر يدين صاحبه ولا يعذره. قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} [محمد: 25-26].
إن كان الله وصف من قال للكفار الكارهين لما أنزل الله: "سنطيعكم في بعض الأمر" وصفهم بأنهم ارتدوا على أدبارهم، فكيف بمن قال لهم: "سنطيعكم في الديمقراطية" منهج حكم وتشريع، أي سنطيعكم في كل الأمر؟ مجرد الوعد بالطاعة إدانة كما في الآية، فكيف بهم وهم يلتزمون وعدهم للكفار بالفعل في تبني الديمقراطية؟
مشكلة هؤلاء: تبين الهدى وسوسة الشيطان
لقد بين الله عز وجل مشكلة هؤلاء أنهم تبين لهم الهدى، لكن الشيطان الذي يظهر بصورة الاجتهادات العقلية الحكيمة التي تناسب المرحلة سول لهم، أي سول لهم أن يوافقوا أهل الشرك والكفر في بعض الأمور. يقولون: الديمقراطية هي من متطلبات المرحلة، وبعد أن تمر الأزمة نعود إلى الإسلام النقي من جديد.
إذن هذه هي فحوى دفاعهم بقولهم: "نريد الديمقراطية توجيه رسائل إلى الخارج"، أي نريد أن نقول للنظام الدولي الكاره لما نزل الله: "لا تخف، نحن لا نسعى إلى الحكم بالقرآن الذي تكرهه، بل سنطيعك في كل الأمر". عذر أقبح من ذنب، وتهمة تثبتونها على أنفسكم يا هداكم الله وأنتم لا تشعرون.
لماذا لم تنتبهوا؟ غياب تدبر القرآن
أتدرون لماذا لم تنتبهوا إلى أن القرآن يتحدث عنكم؟ السبب مذكور في الآية السابقة لهذه الآيات مباشرة، قوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24]. سبحان الله! عودوا أنفسهم إن سمعوا قال الله وقال رسوله أن يردوا على هذه الآيات والأحاديث بالفلسفات والأهواء التي يرونها حكمة وعقلانية، فحرمهم الله نعمة تدبر القرآن.
أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها؟ في مثل ظرفكم العصيب توجهون رسائل إلى من كره ما نزل الله، إلى كاره شريعة ليغيثوكم، وتستردونهم بسخط الله، وهم من تآمر عليكم وأحرق ورقتكم. بدلاً من أن تلجأوا إلى الله تعالى القائل: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26].
الله الذي يؤتي الملك والله الذي ينزع الملك. {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء: 139]. أما تدبرتم هذه الآية أم على قلوب أقفالها؟
العيب في عدم الصدق لا في الشريعة
ظننتم أن شعار الشريعة لم يعد يصلح للحشد، مع أن العيب ليس فيه ولا في فطرة الناس، وإنما في عدم صدقكم في رفعه، فرفعتم بدلاً منه زبالة الديمقراطية لتجمعوا عليها الذباب، لأنكم مهزومون نفسياً، مهزومون نفسياً أمام من يكرهون الشريعة ويحبون الديمقراطية، فلا ترون غيرهم وتريدون تكثير سوادكم بهم.
{قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 100]. أما تدبرتم هذه الآية أم على قلوب أقفالها؟
الركون إلى الظالمين ووهن بيوتهم
ركنتم إلى الذين ظلموا فانقلبوا عليكم. {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 41]. أما تدبرتم هذه الآية أم على قلوب أقفالها؟
الله أعلم بأعدائكم
عرفكم الله بحقيقة أعدائكم الذين تريدون توجيه رسائل إليهم، وأخبركم أنهم يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل. قال الله تعالى بعدها: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ} [النساء: 45]. أعلم منكم بأعدائكم، أعلم أنه: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120]. مهما وجهتم إليهم من رسائل.
الله أعلم بأن أعدائكم {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} [آل عمران: 118] أي يسرهم أن تقعوا في المشقة، يسرهم أن تقعوا في المشقة، ولا يخفاكم تأمرهم على سوريا وأهلها. {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا} [النساء: 45]. أما تدبرتم هذه الآية؟ أما تدبرتم هذه الآيات كلها أم على قلوب أقفالها؟
الغرب ومصالحه
الغرب الذي توجهون إليه الرسائل، إن أعادكم إلى كرسي الحكم فهل سيعيدكم لتحكموا بما أنزل الله على المدى البعيد كما تزعمون، وتحرروا البلاد والعباد من العبودية للغرب، أم لتنفذوا سياساته من حيث تشعرون أو لا تشعرون؟
اليوم نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تحليلاً تقول فيه: "إقصاء الإخوان يعني صعود المتشددين الإسلاميين الذين لا يؤمنون لا بالديمقراطية ولا بالانتخابات، وهذا خطر كبير علينا". فهل يدافع عنكم النظام الدولي لوجه الله تعالى؟ والله تعالى قال: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217]. أما تدبرتم هذه الآية أم على قلوب أقفالها؟
دعوة إلى التدبر والفرار إلى الله
لذا نقول للمدافعين عن الانحراف: لا تثبتوا التهمة على أنفسكم بأنفسكم من كتاب الله، ولا تتعذروا يهديكم الله، لا تتعذروا بأعذار هي أقبح من ذنب. هذه فرصتكم، هذه فرصتكم يا هداكم الله في شهر رمضان أن تتدبروا القرآن وتحاكموا أنفسكم إليه وتقبلوا عليه دون مسلمات سابقة، دون موروثات حزبية شعارها: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ} [الزخرف: 22].
أقبلوا على القرآن لتعيدوا صياغة نفسياتكم وعقلياتكم بنور من كتاب الله تعالى. {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} [الذاريات: 50-51]. والسلام عليكم ورحمة الله.