ألم تنقرضوا بعد؟!
السلام عليكم. نرى جميعاً كيف تقوم مجرفات الاحتلال بتجريف الأشجار، بل والأحجار، وأجساد إخواننا في غزة، لمحو أي أثر للحياة هناك. بالتوازي وبالتنسيق، هناك في بلاد المسلمين من يحاول تجريف بقايا الإيمان والعقيدة والشريعة.
فتجد على محطة رسمية في بلد من بلاد المسلمين شلّة يناقشون مساواة المرأة بالرجل في الإرث. يُطرح السؤال: "إيش رأيك يا فلان؟ أنت مع مساواة الرجل بالمرأة في الميراث؟" فيجيب أحدهم: "نعم أنا معها، وأنا أتكلم من ناحية حقوقية، مش من ناحية شرعية. الشريعة علاقة روحانية بين الإنسان وربه، لكن أنا يهمني الناحية الحقوقية."
ثم يسأل آخر: "فلانة، شو رأيك؟" فتجيب: "نعم أنا مع المساواة، لكن حتى لو أخذنا بالأحكام الشرعية المطبقة، المرأة مش عمالها بتاخذ حصتها من الميراث." ثم يسأل آخر: "فلاني، شو رأيك؟" فيجيب: "أنا أتفق مع كثير مما حكى فلان، لكن عندي ملاحظة: المرأة مرات بتاخذ أكثر من الرجل." وهكذا وهكذا.
هل لا يزال لهم وجود؟
معقول؟ معقول لا زال لهؤلاء وجود في بلاد المسلمين؟ ألم ينقرضوا بعدما رأينا إجرام وتواطؤ أسيادهم في الدول التي تدعي نصرة حقوق المرأة؟ بعدما رأينا كذب وتفاهة الشعارات التي كانوا يرفعونها؟
هو بالفعل كان المتصور أن ينقرضوا، وأن لا نرى لهم أثراً إلا في الأحافير أو المتاحف الأثرية. كان المتصور أن يختبئ كل المتطاولين على الشريعة في الجحور ويدسوا رؤوسهم في التراب. لكن كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم، العديد من هذه الحوارات يكون المحاورون فيه فاشلين في التمثيل.
المقصد من هذه البرامج
لكن المهم في رأيكم، ماذا يقصد يا إخواني من مثل هذه البرامج في هذا التوقيت؟ المقصود ببساطة هو ممارسة التجريف لبقايا الدين، مهاجمة الإسلام من كل المحاور، وشغل الناس عما يحصل في غزة، وإرجاع الناس إلى المربع الأول لمحو أي أثر إيماني لطوفان الأقصى وما تبعه.
المقصود هو إخراج أجيال ليس عندها أي مقدس إلا المقدسات الموهومة المحفوظة بالقانون والحبس والترهيب الفكري. المقصود هو أن يتكلم الغيورون على دينهم عن مثل هذه اللقاءات التافهة فتشتهر، ويصبح الانتقاص من الشريعة والكفر بأحكامها وقلة الأدب مع رب العالمين.
تُصبح هذه وجهات نظر، وآراء يُعبَّر عنها على محطَّات رسميَّة. وإذا قال أحد أن هذا كفر، يُقال له: "تكفيري، إرهابي، خدَّش أحاسيس المواطنين الموجودين في هذا اللقاء، وأثار الفتنة. إلحقوا يا الجرائم الإلكترونيَّة، هيا إلى المحاكم!" لأنه كما هو معروف، يُصبح للمواطن حقوقٌ تُحفظ، وأحاسيس تُصان، إذا كان رخيصًا مستأجرًا ينطق بالكفر ويتسافل على الإسلام.
الرد على المطاعن في الشريعة
ولأنني لا أريد إشهارهم ولا إشهار برامجهم التافهة، لكن لابد من التأكيد على أمور يا إخواني:
أولاً: أي أحد يطعن في الشريعة بهذا الشكل بحجة الحرص على حقوق المرأة، فهو لا يتكلم عن قناعات مشوهة بل عن رخص وعمالة. لو كانوا مهتمين بالمرأة، فلاهتموا بنساء غزة اللي عمالهم يُطحنّ، ويُعتقلن، ويُُمزّقن، ويمُتن من الجوع، ويُترملن، ويُيتمّن، وما يلاقين شربة ماء ولا كسرة خبز، مش بيأخذن نص نصيب الرجل في الميراث. فأي إنسان رخيص يعيد زبالات أسياده وعلفه من الغربيين عن مساواة المرأة بالرجل في الميراث، روح يحكي لأسيادك يتوقفوا عن جرائمهم بحق نساء غزة.
ثانياً: هل يجرؤ أي من هؤلاء الهلافيت أن يقول: "تعالوا نشوف إذا دستور الدولة الفلانية عادل ولا لا؟ تعالوا نشوف إذا كلام الرئيس الفلاني عادل ولا لا؟" بينما بكل أريحية يقولون كلام محصلته: "إيش رأيكم في كلام رب العالمين، عادل ولا مش عادل؟ طيب إذا مش عادل، إيش ممكن نحط قانون أعدل منه؟"
ثالثاً: ليس من الصواب أبداً أن يُقال: "طيب يا أخي ناقشهم، ارد عليهم الحجة بالحجة." هذه التفاهات مردود عليها مراراً وتكراراً، ومجرد أن نقبل بأن تُطرح للنقاش بهذا الشكل هو انتصار لكل الرخيصين. أم تطلب أن يُرمى في مصحة عقلية؟ حق الله أعظم.
لا تستسلموا للتجريف
لكن يُراد الاعتداء على حق الله وشريعة الله في بلاد المسلمين عشان أنت ما تعرف تتلقاها من فين ولا من فين؟ أتحاول نصرة إخوانك في غزة ولا تعترض على مساندة البعض لمن يقتلهم؟ ولا تعترض على الطبل والزمر والرقص على جراحاتهم؟ ولا على الوقاحة مع شريعة رب العالمين والنباحة لأحكام دينه؟
إشغال بالتضليل والتجهيل والتجويع والإفقار وتجريف الإيمان والإذلال، والإشغال بمتطلبات الحياة، بل وبالسفاسف والتفاهات، فتحس أنك مش ملحق على شيء، وتصاب بالإحباط، وتستسلم للتشويه والتكفير الذي يُراد لمجتمعاتنا.
لا تحبط ولا تخف، فقط استمسك بالعروة الوثقى بحبل الله حتى يحميك من هذا التجريف. "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة." وإذا ابتعدت عن ربك عز وجل، فستكون من ضحايا هذا التجريف.
هذا زمان تمحيص يا إخواني، هذا زمان تمحيص. ثم يأتي التجريف الحق من رب العالمين الذي قال: "ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون."
والسلام عليكم ورحمة الله.