أيها "الإسلاميون" بمصر، لا بد من توبة
السلام عليكم ورحمة الله.
إخوتي الكرام، هل لازال هناك داعٍ للحديث عن أخطاء الأحزاب الإسلامية وهي في وضعها الحرج الآن؟ في الواقع، نحن نرى الحاجة ماسة، إذ أن هذا الحديث ليس نقداً مجرداً بل هو علاج، وذلك للأسباب الأربعة التالية:
أسباب الحديث عن أخطاء الإسلاميين
السبب الأول: الوقوف على الأخطاء جزء من الحل
إن الوقوف على الأخطاء جزء من الحل، فنحن نعتقد أن هذه الأخطاء والانحرافات هي التي ساقت الإسلاميين إلى ما هم فيه الآن من ضعف أمام العدو المجرم. فلا نجاة لهم ولا نصر إلا بالتوبة من هذه الانحرافات والتخلص منها. لكن الذي يحصل للأسف أنهم مصرون عليها، متمسكون بها، لا يعترفون بأنها انحرافات فضلاً عن أن يتوبوا منها، بل يظنون أن النصر هو في الاستمرار في طريق الديمقراطية والاستشهاد في سبيل الشرعية.
ليست المسألة عندنا لوماً على الماضي دون فائدة، بل هو نذير مستمر لأن المرض موجود. فكيف يطالبني البعض أن أسكت وأنا أرى السكوت سبباً في استفحال المرض؟ كيف يطالبون أن أكف بدل من أن يطالبوا الإسلاميين بأن يكفوا عن الانحرافات التي يصرون عليها وتجر المسلمين معهم إلى الهاوية؟
كثير ممن يلومنا عندما نبين الأخطاء هم أنفسهم الذين كانوا ينتصبون للدفاع عن هذه الانحرافات كلما ذكرناها عبر السنة والنصف الماضية، وذكرها الناصحون غيرنا. فيعلو ضجيجهم صوتنا وينفرون الناس عن سماع صرخات النذير إلى أن وصل الوضع إلى ما وصل إليه. ثم هم هم يعودون الآن للومنا وتقريعنا ويقولون: "مش وقته". لم يكن وقته في الماضي، وليس الآن وقته، ولن يكون وقته عندهم إلى قيام الساعة. فمتى نتعلم من أخطائنا إذاً؟
ثم إنني قلتها وأقولها مراراً: أنا لست ضد الإخوان والسلفيين هكذا جملة وتفصيلاً، بل أنا معكم، عون لكم على شياطين الجن التي تزين لكم هذه الانحرافات. أنا معكم يا أنقياء الإخوان على بعض الرؤوس المتحجرة التي لا تريد أن تتعلم. معكم لتصححوا من الداخل قبل أن يستأصل من لا يخاف الله ولا يرحمكم، أو تعودوا للتوافق مع أعداء الدين ويستمر الانحراف. فتلقوا جزاءكم بها، وليس المطبلون المدافعون عن أخطائكم بأشفق عليكم مني.
السبب الثاني: الحفاظ على حسن ظن الناس بالإسلام
السبب الثاني للاستمرار هو ذاته الذي ذكرته في أول حلقة تكلمت بها عن الثورات العربية قبل سنة ونصف، إذ نادينا: "أيتها الشعوب الإسلامية، الإسلام لم يدخل المعركة بعد في كثير من ساحات التي ينادى فيها بطروحات يقال إنها إسلامية. فإذا ما أخفق الإسلاميون في محاولاتهم، فلا تقولوا: جربنا الإسلام فيما جربنا ولم ينفعنا". فالذي ترونه ليس تمثيلاً صحيحاً للإسلام، وإخفاقه ليس إخفاقاً للإسلام.
أراد أعداؤنا إيهام الشعوب الإسلامية أن الإسلام أعطي فرصته في الحكم فأثبت فشله. في ليلة عزل محمد مرسي، سمعت كثيرين يتساءلون: "لماذا حصل هذا؟" وكأنه أمر غير متوقع، وكأن الخلل في سنن الله معاذ الله. واستغل مرضى القلوب الظرف فتناقشوا للإسلام السياسي ودليل على خطأ تسييس الدين وفشل للتجربة الإسلامية في الحكم. فهنا لا بد من بيان أن هذه التجربة لم تكن إسلامية أصلاً. فالحفاظ على حسن ظن الناس بربهم ودينه وسننه ونصرته للمؤمنين أهم عندنا من إحسان الظن في من أساءوا تمثيل الإسلام.
السبب الثالث: دحض الاستنتاجات الخاطئة
السبب الثالث هو أن البعض يقول: "إن كان الإسلاميون قاموا بتجربة إسلامية ناقصة ومع ذلك حصل لهم ما حصل، فما بالك لو تمسكوا بالشريعة كاملة كما تطالبون؟" فلا بد هنا من بيان أن تجربتهم لم تكن إسلامية لا كاملة ولا ناقصة، ففقدوا بذلك معية الله وتركهم لأعدائه. هذا هو الخلل، وإلا فإن الغافلين يستنتجون أنه في المرات القادمة علينا التنازل أكثر فأكثر.
السبب الرابع: توضيح منطلقات النقد للمتابعين الجدد
السبب الرابع هو أن كثيراً من المتابعين الجدد لا يتفهمون أبداً منطلقاتنا عندما نحكم على هذه التجربة بأنها غير إسلامية، أو عندما نقول إن الإسلاميين خذلوا الشريعة. فيظنون أن قصارى ملامتنا للإسلاميين هي في أنهم أخذوا بفتوى المجيزين للمشاركة البرلمانية. بل وبعض المتابعين الجدد يظنون أننا نقصد بخذلان الشريعة أن الإسلاميين لم ينجزوا المطلوب ويقضوا على المنكرات من اليوم الأول من الحكم، وكأن العبد الفقير صاحب طرح سطحي عجول لا علاقة له بالواقع.
فلا بد هنا من التوضيح أننا عندما نقول إن الإسلاميين خذلوا الشريعة ولم يطبقوها، فهذا يشمل كل مرحلة من مراحل ما بعد الثورة، وليس الأخذ بفتوى المشاركة البرلمانية أو الرئاسية فقط، ولا أنهم تباطأوا في تطبيق الشريعة، بل كانوا سريعين في مصادمة الشريعة.
الانحرافات المنهجية التي يجب التوبة منها
الآن ما هي هذه الانحرافات التي لا بد من التوبة منها والتخلص من الدوافع النفسية والشوائب العقدية التي أفرزتها؟
-
خذلان دعوة استكمال الثورة ومواجهة العسكر: بدءاً مما بعد تنحي مبارك، عندما ظهرت الدعوة إلى استكمال الثورة وفك أجهزة الدولة العميقة ومواجهة العسكر المربى على عين أمريكا والصهاينة، هذه الدعوة الثورية هي من صلب الشريعة. لكن عامة الإسلاميين خذلوها بل ونفروا الناس عنها، وكانوا بذلك غير مطبقين للشريعة من الخطوة الأولى.
-
التخاذل عن نصرة الشعب أمام ظلم الجيش: عندما استتب الأمر للجيش فعاد إلى ظلم الناس والبطش بهم وإطلاق البلطجية عليهم في التحرير والعباسية ومحمد محمود وغيرها، وكاد الناس يثورون من جديد، فينفس الإسلاميون في كل مرة بحجة الحرص على مرور الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي ستمكن لأهل الإسلام وتقيم دولة الشريعة عزيزة الجانب. فبدلاً من الانضمام إلى الشعب والانتصار للمظلومين وهو من تطبيق الشريعة، خذلوا الناس عن مواجهة الجيش.
-
التخلي عن المطالبة بتحكيم الشريعة: عندما ظهرت الدعوات مراراً لتحكيم الشريعة، فخذل بعض الإسلاميين وأعلنوا أنهم لن يشاركوا في هذه الدعوات وهذه الجمعات، ثم ها هم يطالبون بمشاركتهم في المطالبة بالديمقراطية ويهاجمون من يمنع من ذلك.
-
التملق للكفار: عندما تملقوا للكفار في كل موطن، ووقفوا حداداً على باب "شنو" المجرم، وتواصل بعض من ينتسب إلى السلفية مع إذاعات صهيونية، بينما الشريعة تأمرهم أن يكونوا أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، خاصة أئمة الكفر.
-
بيع الهدف من أجل الوسيلة: عندما طلبت جماعة الإخوان من الأحزاب كافة بما فيها العلمانية والليبرالية والقبطية واليسار أن تنتخب مرسي، ووعدتها في مقابل ذلك بإشراكها في مؤسسة الحكم وكتابة الدستور الذي هو دين الدولة، فباعت الهدف من أجل الوسيلة. لم تكن بذلك متمسكة بالشريعة بل باعتها سلفاً.
-
التعامل مع الشريعة بلا أدنى مصداقية: عندما تعاملت الأحزاب مع الشريعة بلا أدنى مصداقية، فحشد الناس باسم الشريعة في الأزمات، بينما يرفض الكتاتني أن يستثني أي عضو من مجلس النواب في يمينه على احترام الدستور الشركي، ويصر أعضاء من الإخوان على إبقاء عبارة "مبادئ الشريعة" الهلامية بدل من "أحكام الشريعة" من قبيل التوافق مع الكفار والمنافقين، بما يمنع أي تقدم في اتجاه تحكيم الشريعة في المستقبل. لا يمكن تسمية تجربة كهذه بالإسلام.
-
إدخال أعداء الشريعة في مؤسسات الدولة: عندما أصر الإسلاميون بأنفسهم على إدخال مغنين وممثلين ونصارى وجاهلية الدولة، وتبرأوا من تهمة الإقصائية، مع أن الناس انتخبوهم ليحكموا بالشريعة لا ليدخلوا معهم هذه الأشكال. لا يمكن تسمية تجربة كهذه بالإسلام.
خذلان الشريعة بعد الوصول للرئاسة
هذا كله قبل الوصول إلى الرئاسة. لم يكن الإسلاميون مطبقين للشريعة في أي من هذه المحطات المفصلية، بل خذلوها. أما بعد الرئاسة، فقد نشرنا كلمة "لا الشريعة أقمتم ولا الشعب سوتم" بعد مرور أربعة أشهر على تولي محمد مرسي منصب الرئاسة، وبينا بالوقائع الموثقة عشر شواهد على أن ما يحصل ليس تباطؤاً في تطبيق الشريعة بل مسارعة في هدمها، كحملة سيناء الغادرة التي قادها الرئيس بنفسه، وإدخال نصوص توراتية في المناهج وغيرها.
ثم اتسع الخرق على الراقع وما عدنا نستطيع أن نحصي. وأتت فتنة الدستور الشركي الذي دعا الإسلاميون الناس إلى إقراره، والذي بينا في حينه بالتفصيل أنه لا عذر أبداً لإقراره. ثم حفل الغردقة وترخيص الثلاث سنوات للنوادي الليلية ومداهنة أعداء الدين. وذهب الرئيس وهم لا يزالون في سجونهم يعذبون. فأي تجربة إسلامية هذه حتى يدعي مدع أن الإسلام أعطي فرصته في الحكم؟
دعوة للتوبة وتصحيح المسار
هذه إخواني ذنوب ومعاصي منهجية مارسها الإسلاميون، لا قيام لهم إلا بالتوبة منها، وإلا فإنهم معرضون لعقوبة الله تعالى التي ما العسكري إلا أحد أشكالها وأداة من أدواتها. والمشكلة أن الدوافع النفسية لها لازالت موجودة وتنذر بتكرارها في المستقبل أيضاً. فالتوافق لا زالت موجودة، واسترضاء الخارج بسخط الله لازال موجوداً بشعارات الديمقراطية والتبرؤ من الإسلامية وفقه المصالح والمفاسد المتحلل من كل ضابط لا زال موجوداً.
حصل للمسلمين ما حصل في معركة أحد بمعصية واحدة، فكيف بهذه المعاصي التي بعضها مشتمل على التمكين للشرك وخذلان الشريعة؟ ولذا فسنعرف في حلقات قادمة بإذن الله لهذه الانحرافات المنهجية سعياً إلى تداركها ومعرفة الخلل المنهجي الذي أنتجها لمعالجته بإذن الله تعالى، حتى لا نلدغ من الجحر ذاته مرة أخرى.
ونقول ختاماً للإسلاميين: كانت هذه معاصي وموبقات، لا بد من توبة. لا تكونوا كمن قال الله فيه: {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم}، بل ممن قال الله فيهم: {فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه}.
والسلام عليكم ورحمة الله.