→ عودة إلى مرئيات

الإصرار على الديمقراطية حتى الموت!

١٢ يوليو ٢٠١٣
النص الكامل للمقطع

الإصرار على الديمقراطية حتى الموت!

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي الكرام، أمرنا الله عز وجل بالاعتبار فقال: "فاعتبروا يا أولي الأبصار". أحداث مصر مليئة بالعبر التي سنعرض لها في حلقات بإذن الله، ونسأله تعالى أن ينفعنا جميعًا بها.

إخوتي، من استعراض الكتاب والسنة، فإن ما حصل في مصر هو مصيبة في الدين لا تكون إلا بمعصية: "قل هو من عند أنفسكم". فإذا أردنا النجاة فعلينا أن نبحث عن هذه المعاصي والانحرافات ونتوب منها. لكن الذي تفعله الأحزاب الإسلامية للأسف هو الزيادة من هذه الانحرافات والتمسك بها، وهذا حقيقة لا يبشر بخير.

الديمقراطية ومصادمة الدين

هذه الانحرافات التي من أهمها اختيار طريق الديمقراطية بكل ما فيه من مصادمة لدين الله تعالى، كما بينا بالتفصيل في سلسلة "نصرة للشريعة". أمس أصر المتصدرون على وضع لافتة جديدة على منصة رابعة العدوية مكتوب عليها: "مع الديمقراطية ضد الانقلاب". واليوم يدافع منظرهم عنها وعن مبادئ الديمقراطية من جديد، بل ويدعو بعضهم إلى التخلي عن الشعارات الإسلامية لحشد أكبر عدد من الناس وتجنب استعداء الجيش.

قصة الراهب والعبرة منها

في الواقع إخواني، هذا يذكرني بما رواه المفسرون، وإن كان بأسانيد ضعيفة، لكن نريده للعبرة: أن راهبًا صالحًا من بني إسرائيل جيء إليه بفتاة أصابها سوء ليدعو لها، فأغواه الشيطان ووسوس إليه أن يواقعها وقال: "افعلها مرة ثم تتوب". فوقع بها فحملت منه. ثم جاءه الشيطان فوسوس إليه أن اقتلها وجنينها لتستر على نفسك، ففعلها الراهب. ثم اكتشف قومها الأمر فجاءوا بالراهب ليقتلوه.

فجاءه الشيطان مرة أخرى فقال له: "أنا الذي أوصلتك إلى هذا الحال، فلا ينجيك إلا أنا". بل وقال له كما في إحدى الروايات: "إن مت على هذه الحالة لم يفلح أحد من نظرائك بعدك"، يعني سيأخذ الناس انطباعًا سيئًا عن العباد الزهاد، أي أنه جاءه من باب مصلحة الدعوة. فقال الراهب: "فكيف أصنع؟" قال الشيطان: "اسجد لي سجدة واحدة وأنا آخذ بأبصارهم وأنجيك مما أنت فيه". فسجد له الراهب، فغدر به الشيطان وقال له: "إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين". فأخذ الناس الراهب وقتلوه ومات على هذا الحال مشركًا بالله تعالى.

"إني أخاف الله رب العالمين" ليست المسألة هنا التكفير وعدم التكفير، لكن حقيقة إخواني أرى القصة تتكرر مع الأحزاب الإسلامية التي سلكت طريق الديمقراطية. الديمقراطية التي تبنوها بشكل كامل، آليات وفلسفة، والتنازلات الذريعة التي قدموها أوصلتهم وأوصلت شعب مصر معهم إلى ما هم فيه، ومكنت لمجرمي العسكر وأعداء الدين في مصر.

التمسك بالديمقراطية بدل التوبة

فبدلاً من أن يتوبوا إلى الله مما فعلوه في الفترة الماضية، إذا بهم يتمسكون بالديمقراطية وبالمصطلحات التي لوثوا بها عقائد الناس كالشرعية الشعبية حتى آخر لحظة، ويظنون أنها ستنجيهم. "فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون".

بدلاً من التوبة واللجوء إلى الله، يظن البعض أن الحل هو في الإيغال والغرق مزيدًا ومزيدًا في مستنقع الديمقراطية. يعني يبدو أن الأدلة ليست في الحسابات، استعراض سنن الله في القرآن ليست في الحسابات. وبالتالي فبدلاً من "فبما كسبت أيديكم" يكون الاستنتاج: "لا بد من تقديم المزيد من التنازلات".

بدلاً من: "الديمقراطية لم تنفعنا، فآن لنا الآن أن نعود إلى دعوة إسلامية نقية"، يكون الاستنتاج: "الوقوف بين الإسلام والديمقراطية لم ينفعنا، فلا بد من التخلي عن إسلاميتنا والدخول في الديمقراطية بشكل كامل".

بدلاً من قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان"، أي ادخلوا في الإسلام كله ولا تتخلوا عن شيء منه وإلا كنتم متبعين للشيطان، بدلاً من هذه الآية كأنه يقال: "ادخلوا في الديمقراطية كافة ولا تتبعوا آيات الرحمن".

نقد الفكر التنازلي

والذي يظن أن هذه مبالغة فليراجع مقالة أحد المنظرين اليوم بخصوص الخلاف الذي حصل على تعليق يافطة "مع الديمقراطية ضد الانقلاب". وليس من عادة إخواني أن أورد كلام شخص بعينه وذلك تجنبًا لشخصنة الخلاف، لكن حقيقة هذا المقال يجمع أكثر أمراض الفكر التنازلي المنبت تمامًا عن نور الوحي وتحركاته.

والمنصة وخلافه: "يا ريت رجاء يشيل من ذهنه تصور إن دي ثورة إسلامية بكل ما يحمله مصطلح إسلامية من تبعات وتصورات ذهنية وإرث نفسي وخلافه". وتابع: "ليس أقل من الاعتراف بحقيقة واضحة بتقول: ما قدرناش ننجح لوحدنا وبخطابنا الحالي بدليل اللي إحنا فيه حاليًا". أي أن الخطاب الإسلامي فشل والدليل ما هم فيه من نكسة. فبدلاً من أن يستنتج أن خطابهم لم يكن إسلاميًا نقيًا وإلا لنصرهم الله تعالى، يستنتج حضرته أن الإسلام لا ينفع كخطاب.

ثم قال: "الحل الوحيد للخروج من المأزق ده هو تصدير ثورة شعبية وليست إسلامية، نحدد إحنا عاوزين إيه بالضبط علشان نرتاح. لو عاوزينها ثورة إسلامية يبقى نتحمل انفضاض الناس اللي مش قابلة خطابنا بسبب عدم جدواه أو بسبب كذا أو كذا" وأورد أسبابًا أخرى. فبعدما أشرب البعض الديمقراطية في قلوبهم، تصوروا أن الناس تنفض عن الخطاب الإسلامي، والحق أنها تنفض عن الخطاب الملفق الهجين المخلط فاقد المصداقية.

ثم قال المحترم: "ولو عاوزينها ثورة شعبية تخلي العسكر مرتبك مش قادر يشوه حراك الشعب بأطيافه ويخلي الهدف أو النجاح بعد كده متبنى ومدافع عنه شعبيًا، يبقى نستحمل فاتورة الانحياز لمنطقة وسط تجمع كل الفرقاء المختلفين". إذن لا زالوا يتنططون بمصطلحات التوافق وجمع الفرقاء لأن حفنة اللادينيين سيطرت على أذهانهم وحكمت تصرفاتهم أكثر من مراقبة الله عز وجل.

ويدعو حضرته إلى تحمل فاتورة الانحياز لمنطقة وسط. ما هي هذه الفاتورة؟ التخلي عن الإسلامية والدخول في دين الديمقراطية كافة، وتقديم المزيد من التنازلات حتى تنجيهم بعدما وضعوا على خشبة القتل. ثم يقول حضرتهم: "مش عاجباك كلمة ديمقراطية؟ جميل، مع إني مش فاهم ليه يعني. قدم بقى البديل الواضح القوي المقبول شعبيًا المتوافق مع النظم السياسية العالمية".

تبعات التنازلات

لا زالت النظم السياسية العالمية مسيطرة على أذهانهم بعد خذلانها وتآمرها عليهم. وهذه من أدل العبارات إخواني على ما أوردناه في الحلقة الثانية من سلسلة "سيكولوجيا الانحراف" حلقة "هكذا تنحرف الدعوات" تحت عنوان "مبدأ الالتزام والتوافق". عندما ذكرنا أن الذي يقدم التنازلات يجد نفسه مضطرًا للالتزام بتبعات هذه التنازلات حتى يكون متوافقًا مع نفسه. وهكذا صاحبنا هنا بدلاً من القول بأن القبول بدخول السباق الرئاسي بناءً على قواعد اللعبة الديمقراطية كان تنازلاً يجب التوبة منه والتراجع عنه، يستنتج أنه حتى نكون متوافقين مع أنفسنا لا بد من التعديل في خطابنا والتخلص من إسلاميته كاستحقاقات للمطالبة بالرئيس المنتخب ديمقراطيًا.

ثم قال حضرته: "كفاية فسفسة أو كفاية فلسفة رجاء أبوس أيديكم الخيالات الطوباوية دي ثبت عدم جدواها مليون مرة". إذن أصبح الطرح الشرعي فلسفة وخيالات ثبت عدم جدواها. بدلاً من أن يقول أن طريق التنازلات هذا هو الذي ثبت عدم جدواه. ونحن نتساءل عندما يقول أن الطرح الإسلامي ثبت عدم جدواه، عدم جدواه في ماذا بالضبط؟ في خدمة دين الله؟ في خدمة دين الله الخطاب الإسلامي غير مجد في خدمة الإسلام؟ أم أنه ثبت عدم جدواه في تحصيل كرسي الحكم؟ أم في حشد الجماهير؟ فإذا كانت الشريعة تحشد استعملناها، وإذا كانت لا تحشد استخدمنا بدل منها كلمة ديمقراطية.

نداء للتوبة والعودة إلى الله

أنا أسأل أصحاب هذا الطرح: متى آخر مرة قرأتم فيها القرآن بتدبر؟ وما معنى إسلامكم إن كنتم لا تستدلون بقال الله وقال رسوله؟ وما معنى قوله تعالى إذن: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم"؟ وهل أنتم بطريقتكم هذه تنصرون الله لتستحقوا وعده تعالى إذ قال: "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم"؟ والله لا أرى إلا أن الله تعالى يكيلكم إلى أنفسكم وإلى ديمقراطيتكم التي ارتضيتموها في حربكم مع مجرمي العسكر.

فاتقوا الله وكفى سجودًا للديمقراطية وأنتم على خشبة الموت. وأصلحوا هذا الفساد يا شباب الإخوان، أصلحوا هذا الفساد يا شباب الإخوان قبل فوات الأوان. نسأل الله أن يهدي الضالين ويصلح أحوال المسلمين. والسلام عليكم ورحمة الله.