→ عودة إلى مرئيات

الخروج من دائرة الإحباط وقسوة القلب

٦ ديسمبر ٢٠١٤
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم أيها الأحبة،

كثير منا يهتم لأمته اهتماماً سلبياً يقسو معه قلبه، فلا هو حافظ على الفرح بالطاعة كما كان أول هدايته، ولا هو أنقذ أمته. فيما يلي أربع توصيات حتى لا نعلق في المنتصف بهذا الشكل:

التوصية الأولى: سلم لقضاء الله تسليماً صادقاً غير سلبي

الهم لأحوال الأمة عندما يوصل لليأس وازدراء الطاعات، فإنه كثيراً ما يكون غلافاً للسخط على القدر. تذكر أنه: "ولو شاء ربك ما فعلوه". لكن هل يعني هذا أن لا نسعى لتغيير الواقع بحجة أنه مقدر؟ لا بالتأكيد، وإنما أن لا يكون حزننا مشوباً برفض لقدر الله وشك في حكمته. ارضَ عن قضاء الله، ثم اسخط على نفسك إن قصرت في إصلاح واقع المسلمين، وارضَ عنها إن أطاعت.

التوصية الثانية: اعرف ما الغاية

خطأ كبير أن تجعل الغاية النهائية التمكين للمسلمين في الأرض، ثم تحكم على كل عمل لا يؤدي إليها في نظرك بأنه عديم القيمة. بل الغاية طاعة الله تعالى: "الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر". الغاية هي العبادة بمفهومها الشامل: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون". وإنما التمكين وقيام الدولة المسلمة ورفع الجور عن المسلمين هو لحراسة الطاعة والعبادة.

نعم، قد نختلف على تحديد الطاعة المثلى والأعظم أجراً، لكن ليس لنا أن نحقر طاعة على اعتبار أنها لا توصل إلى الهدف، فهي بحد ذاتها هدف. هذا ما يميز الدعوة الإسلامية التي لام الله نبيه فيها على الانشغال بأشراف قريش عن أعمى فقال له: "كلا إنها تذكرة فمن شاء ذكره"، مع أن إسلامه قبيل وفاته لم يسهم في التمكين.

لا نريد إخواني أن نصبح كأصحاب الدعوات الأرضية بأن نجعل التمكين هدفاً نهائياً، ونحكم بعدها على أعمالنا نجاحاً وفشلاً على أساسه، فهذه نظرة أرضية بحتة ولو ظللناها سماوية. قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: "لا تحقرن من المعروف شيئاً"، "لا تحقرن من المعروف شيئاً" أي شيء مهما صغر في نظرك. ومن حقر طاعاته وطاعات الناس فهو يخالف نهي النبي صلى الله عليه وسلم، ويضيف بذلك معصية إلى معصية خذلان المسلمين التي تؤرقه.

نحى رجل غصناً عن طريق المسلمين فدخل الجنة، وسقت امرأة كلباً فدخلت الجنة. وليس لك أن تزدري أموراً عظمها الله تعالى: تعليم الناس الطهارة، تعليمهم حديثاً، تنقية قلب عبد من شبه، خشوعك في صلاتك، سعيك على عيالك، كلها تصب في الهدف الأعظم: طاعة الله. فلا يجوز أن تذم أو تزدريها.

انظر إلى طاعتك على أنها جزء من سعيك الكلي لتعبيد الناس لربهم ونهضة أمتك، فكلما رأيت كلمة طيبة وفعلاً طيباً اعتبرتها أساساً يعتمد عليه لبناء حب الله في قلوب العباد، وجزءاً من مشروع نهضة الأمة. وحينئذ فلن تحقر من المعروف شيئاً. وإنما الذي يذم هو ادعاؤك أن هذه الطاعات تغنيك عن نصرة المسلمين ومقارعة الكافرين والمنافقين. فلا تذم طاعاتك نفسها حينئذ، بل يذم عدم تكميلها بالواجبات الأخرى. والفرق بين الأمرين مهم جداً وأساس للانطلاق إلى سائر قضاء الأمة ونهضتها.

استمد من الفرح بطاعتك القوة على التخلص من تقصيرك، وإياك أن يجعلك تقصيرك تحقر طاعتك، أو يجعلك تقصير الآخرين تحقر من طاعاتهم. لا نتكلم عن التحقير بمعنى استصغار العمل في جنب الله تعظيماً له سبحانه، بل عن الشعور باللا أهمية واللا جدوى من هذه الطاعات. فتحقير الخيرات ذنب يضاف إلى التقصير في نصرة الأمة.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه". فبأي حق تحقرها أنت وقد كانت سبباً في الرضوان الأبدي السرمدي؟ بأي حق تحبط عملك أو أعمال إخوانك بغير ما نص الله على أنه يحبط العمل؟ التقصير في نصرة الدين ذنب، لكن من أين لك أنه يحبط الطاعات حتى تقول عنها لا تفيد أو على الفاضي؟ وقد علمت أن أحكم الحاكمين تعالى قد قال: "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين".

إذن حتى تهتم بأمتك دون أن يقسو قلبك: سلم لقضاء الله تسليماً غير سلبي، واعلم أن الغاية طاعة الله وعبادته.

التوصية الثالثة: اعرف ما المطلوب منك

المسؤولية في الإسلام فردية: "عليكم أنفسكم"، "لا تكلف إلا نفسك"، "وحرض المؤمنين". أقول لك بداية أخي تذكر أن المسألة ليست صفراً أو مئة بالمئة، ولكل درجات مما عملوا. إتقانك للطاعات التي تستقلها يؤهلك أن ينور الله بصيرتك لنهج النبي والطاعات المثلى: "ويزيد الله الذين اهتدوا هدى". الإنجازات المرحلية تؤهلك للاستيفاء للمهام العظمى ولعدم الانتكاسة بعد الاستيفاء.

كم من أناس أهملوا قلوبهم وأمراضها، فلما تصدوا لنصرة الأمة أنقضت عليهم أمراضهم فأساءوا وزادوا الأمة وبالاً وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. اعلم أن فاقد الشيء لا يعطيه، فمن لم يحكم بناء نفسه فلن ينقذ أمته. احرص على نور قلبك لتفيض بالنور بعد ذلك على الناس، وهذا يتطلب نفساً منشرحة تحرص على خشوعك وأورادك، تفرح لضحكات صغارك، تأنس بأهلك وإخوانك، تتقن دراستك وعملك. صناع مجد الأمة لهم آباء أحكموا بناءهم الداخلي فبارك الله في أعمالهم الشخصية الصغيرة، وكان لهم من بعد ذلك سهم في الخير العميم على الأمة.

التوصية الرابعة: اعلم أن الحزن ليس محموداً ولا مطلوباً لذاته

اعلم أن الحزن ليس محموداً ولا مطلوباً لذاته ولا يرفع عنك شيئاً من المسؤولية، وأن الفرح ليس مذموماً بل مأمور به ما دام فرحاً بالطاعة: "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا". افرح بطاعتك مهما قلت، وأثنِ على طاعة الآخرين، وحول همك على المسلمين إلى قوة تصلح بها ذاتك وترفع همتك وتشغلها عن السفاسف. وننصح في ذلك بمراجعة كلمة: "هل الإسلام دين الحزن بالفعل؟" والله تعالى أعلم والسلام عليكم ورحمة الله.