السلام عليكم ورحمة الله
ملامح الدولة المدنية التي يريدونها لسوريا
إخواني، ترى ما هي ملامح الدولة المدنية التي يريد المجتمع الدولي فرضها في سوريا؟ يتكلم الساسة بعبارات منمقة خلاصتها أنهم يريدون قيام دولة مدنية تكفل الحرية والكرامة وتشرك مختلف الطوائف في الحكم. طبعاً حرية الشعب السوري وكرامته لم تهم المجتمع الدولي خلال السنتين الماضيتين، إنما بيت القصيد لديهم هو دولة مدنية تشرك مختلف الطوائف، وبتعبير أدق: دولة طائفية تابعة للنظام الدولي تمنع قيام كيان إسلامي.
أي أنه لا بد من المحافظة على أكبر قدر من الطائفة النصيرية في الحكم والسيطرة على مؤسسات الدولة العسكرية والبوليسية، وتطعيمها بطوائف معادية عقدياً للمسلمين السنة. وذلك ضمن سياسة متكررة مشابهة لما حصل في لبنان والعراق من تمكين للنصارى والشيعة، ومشابهة لما فعلته بريطانيا من قبل في الهند وفلسطين.
ليس هذا استنتاجاً ولا تخميناً إخواني، بل هو منطوق تصريحات كثيرة متضافرة تصب كلها في هذا الاتجاه، جمعتها من دراسة قيمة جداً للدكتور أكرم حجازي بعنوان "البديل" وهي الحلقة الثانية عشرة من سلسلته.
ونحن نسمع هذه التصريحات الآن، أرجو أن ندرك ما الذي يقصده المجتمع الدولي بالدولة المدنية، وأن نتذكر أنه يريد لتنفيذ مخططه هذا استخدام سوريين يظن بعضهم أن بإمكانهم النجاة من الحية وإن وضعوها في كُمهم. ولنتذكر أن المجتمع الدولي لن يسلح أو يدعم أي جهة حتى يضمن أن هذا الدعم سيفضي إلى هكذا دولة. ولنتذكر أن المجتمع الدولي سيبقى يدعم بشار الأسد إلى حين ضمان أن يكون البديل عنه هو الدولة المدنية المذكورة. نسأل الله عز وجل أن يرد كيدهم في نحورهم ويمكن لعباده المجاهدين في كل مكان.
السياق التاريخي والنوايا الدولية
بداية إخواني، علينا أن نتذكر أن فرنسا ساعدت في تمكين النظام النصيري في سوريا. بشار الجعفري، مندوب النظام السوري في مجلس الأمن، قال كلاماً أثار استياء وزير الخارجية الفرنسي، فقال له هذا الوزير لوران فابيوس: "بما أنك تحدثت عن فترة الاحتلال الفرنسي، فمن واجبي أن أذكرك بأن جد رئيسكم الأسد طالب فرنسا بعدم الرحيل عن سوريا وعدم منحها الاستقلال".
ولا يخفى ما قدمته الطائفة النصيرية من خدمات طوال السنوات الماضية بالتنكيل بأهل سوريا وتأمين حدود الكيان الصهيوني، فلن يتخلى عنها المجتمع الدولي بسهولة.
تصريحات القادة الدوليين
لذا فقد كان من أول التصريحات تصريح وزير الحرب اليهودي إيهود باراك بتاريخ 17/5/2012 لشبكة CNN الأمريكية والذي نقله موقع "منات الجزيرة" حيث قال إيهود باراك: "لا بد من إيجاد طريقة لتغيير النظام في سوريا، ومن الأفضل اعتماد الطريقة اليمنية، أي ترك الأسد وفريقه يغادرون البلاد من دون تفكيك الاستخبارات والقوات المسلحة". بشار الأسد لديه الآن عبء دموي ثقيل جداً لا يمكنه معه بقاؤه، فالحل الأمثل لدى إيهود باراك هو في التخلص من الأسد وبعض حثالاته والإبقاء على السيطرة النصيرية في سوريا.
بعد فترة من هذا التصريح لإيهود باراك، قال وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا في مقابلة تلفزيونية في 31/7/2012: "إن الحفاظ على الاستقرار في سوريا سيكون مهماً وفق أي خطة تتضمن رحيل الأسد عن السلطة، وإن أفضل طريقة لتحقيق ذلك هو الحفاظ على أكبر قدر من الجيش والشرطة متماسكاً". وهو ما أكدته لاحقاً وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في 12/8/2012 بقولها: "يتوجب على الشعب السوري قيادة عملية الانتقال السياسي وأن يحافظ على سلامة المؤسسات السياسية ببلاده".
ثم وبعد الإعلان عن الائتلاف الوطني السوري، تتابعت هذه التصريحات بشكل مكثف جداً. فالرئيس الأمريكي باراك أوباما في 14/11/2012 قبل حوالي أسبوعين قال: "إن إحدى المسائل التي سنواصل التشديد عليها هي التأكد من أن هذه المعارضة تتجه نحو سوريا ديمقراطية ومعتدلة وتشمل كل المجموعات، أي كل الطوائف".
وليس تنحية الرئيس السوري بشار الأسد. سبحان الله! روسيا الآن حريصة على حقوق الطوائف والقوميات، وها هو يصرح بوتين بأنه يجب ضمان حقوق هذه الأقليات طبعاً كالنصارى والنصيريين والدروز قبل تنحية الأسد وإنقاذ الغالبية العظمى من المسلمين السنة، فهؤلاء لا قيمة لهم أبداً عند بوتين وأمثاله، إنما المهم عندهم تسليم البلاد لحكم الأقليات.
ثم في اليوم التالي في 16/11/2012 قال ويليام هيغ وزير الخارجية البريطاني في تصريحات لقناة البي بي سي نقلها موقع قناة الجزيرة: "إن بلاده تدرس الاعتراف رسمياً بهذا الائتلاف كممثل شرعي وحيد للشعب السوري، لكنها تسعى لمعرفة خطط هذا الائتلاف للانتقال السياسي في سوريا ومعرفة من الذين يعتزمون تعيينهم وكيفية توزيع المناصب".
ثم في اليوم التالي وبتاريخ 17/11/2012 قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند: "إن الحكومة المقبلة التي سيشكلها الائتلاف يجب أن تضم كافة مكونات سوريا خصوصاً المسيحيين والعلويين". وقد ذكرت صحيفة حرييت التركية أيضاً أن نشطاء سوريين يتلقون تدريبات على أيدي خبراء غربيين تابعين لمنظمات دولية في نطاق تعاون مشترك بين أمريكا وإنجلترا لإيجاد بديل فعلياً لنظام الأسد.
المشروع المتفق عليه
إذن إخواني، هذا هو المشروع الذي اتفق عليه المجتمع الدولي بما فيه أمريكا وأوروبا بل وروسيا. وهذه هي الدولة المدنية التي يتكلمون عنها: دولة تبقي مؤسسة الجيش والاستخبارات وتطعم فيها الطائفة النصيرية بالأقليات كالنصارى والدروز والإسماعيلية وغيرهم، بخلاف ما فعلت أمريكا بالعراق إذ هدمت كافة مؤسساتها ثم سلمتها للشيعة على طبق من ذهب.
ومن الواضح أن المجتمع الدولي يريد أن يضمن هذا البديل في سوريا قبل التفكير في تقديم الدعم لأيّة جهة، بل ويتوقع أن يبقى داعماً للأسد إلى أن يشكل هذا البديل منعاً لقيام الكيان الإسلامي النقي.
دور الائتلاف والمعارضة
بمشاركة وزيرة الخارجية الأمريكية وأعضاء الائتلاف الجديد ووفود كثيرة إضافة إلى ممثلي المنظمات الدولية، وبحسب ما أعلنته وزارة الخارجية المغربية، فسيركز المؤتمر خاصة على البحث عن وسائل تأمين الانتقال السياسي، يعني بناء الدولة المدنية التي يريدونها الطائفية. هذا هو المخطط إذن: ضمان البديل قبل تنحية بشار الأسد.
لذا إخواني، فنحن عندما نرفض المشاريع التي تخرج من تحت جناح المجتمع الدولي ووكلائه في العالم العربي، لا نرفضها لمجرد أنها تريد أخذ السلاح من أعداء المحاربين، فهذا بحد ذاته لا مانع منه عندنا. لكن المشكلة أن السلاح الموعود يأتي في إطار تنفيذ مهمة، وأن الجهات الموعودة هذه بدأت تقدم تطمينات للمجتمع الدولي تصب في النهاية في المشروع الدولي، ومن شأنها إن تمت أن تسهم بالفعل في تحقيقه.
من هذه التطمينات انتخاب جورج صبري على رأس الأمانة العامة للائتلاف، ومنها تعيين الشيخ الخطيب لمنذر ماخوس النصيري سفيراً للائتلاف في فرنسا. ومنها ما نقلته قناة الجزيرة في موقعها أول أمس عن المتحدث باسم الائتلاف وليد البني أن المعارضة قد تقبل نشر قوة دولية لحفظ السلام إذا تخلى الأسد عن السلطة أولاً. طبعاً هذه القوة الدولية تعني قوة احتلال تشرف على تشكيل الدولة الجديدة بالطريقة التي يريدها المجتمع الدولي.
ومن قبل وثيقة العهد الوطني التي أصدرتها المعارضة في 3/7/2012 في مؤتمر القاهرة وجاء فيها: "يحق لأي مواطن أن يشغل جميع المناصب في الدولة بما فيها منصب رئيس الجمهورية بغض النظر عن دينه أو قوميته رجلاً كان أم امرأة". ويتوقع أن يتم استنزاف الائتلاف والمعارضة برعاية غربية عقدياً وأخلاقياً على مدى الأيام القادمة لتقديم كل التنازلات المطلوبة شيئاً فشيئاً. هذا هو ثمن السلاح الذي سيقدمه المجتمع الدولي إن قدمه، خطوات حقيقية على طريق التمكين للدولة الطائفية التي يراد إنشاؤها.
الخاتمة
نسأل الله عز وجل أن يجعل كيد الكفار في نحورهم وأن يهدي الضالين من المسلمين وينصر عباده المجاهدين في كل مكان. والسلام عليكم ورحمة الله.