→ عودة إلى مرئيات

المؤامرة على الدعوة في تونس

١٥ يونيو ٢٠١٢
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم ورحمه الله.

المؤامرة على الدعوة في تونس

هذه الرسالة بخصوص أحداث تونس الأخيرة، فقد رأينا أن الباطل لا يهادن، حتى لو هادنت. الباطل لا يهادن حتى لو هادنت. فبعض الناس كان يدافع عن المسلك التنازلي لبعض الأحزاب وتخبط تصريحاتها فيما يتعلق بتطبيق الشريعة، بحجة أنه لا بد من إصلاح المجتمع رويداً رويداً. وكأن قوى الكفر والنفاق ستتركك تصلح البلاد والعباد وتتفرج عليك دون تدخل، مع أن الله تعالى قال: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا}، وقال: {ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء}.

المخطط الغربي والعلماني

رأى العلمانيون والغرب أن الدعاة في تونس يستثمرون الفترة الذهبية بعد فرار بن علي في الدعوة وتوعية الناس وبيان الشريعة التي شوهها ويشوهها الإعلام العالمي. فأغاظ هذا النشاط أعداء الشريعة ومكروا ليل نهار ليجروا الدعوة إلى المواجهة وليبرروا ضرب الدعوة وإعادة القمع الذي عانى منه الدعاة أيام بن علي.

ففي 24/5/2012، أي قبل ثلاثة أسابيع، تناقلت وسائل الإعلام خبراً بعنوان: "أمريكا تسعى لإنشاء هيئة لمحاربة الإرهاب في تونس". وجاء فيه أنه سيزور تونس قريباً دانيال بنيمين، منسق ملف مكافحة الإرهاب بوزارة الخارجية الأمريكية، بغية إنشاء هيئة لمحاربة الإرهاب في تونس، أي لمحاربة الإسلام، لمحاربة الدعوة، لمحاربة الشريعة.

وفي البرنامج لقاءات مكثفة مع وزراء العدل والداخلية والخارجية في الحكومة التونسية. وهذه الوزارات الثلاثة لحزب النهضة. لاحظ هذه الوزارات الثلاثة لحزب النهضة. الآن سيوضع حزب النهضة على محك آخر واضح، فهو يقود الائتلاف الحاكم في تونس، وبيده وزارتا العدل والداخلية المسؤولتان عن التعامل مع الأحداث الجارية.

استجابة حزب النهضة للأوامر الأمريكية

فقد نشر خبر يوم الثلاثاء الماضي بعنوان: "وزارة العدل التونسية تعتبر أعمال العنف والتخريب في العاصمة أعمالاً إرهابية". لاحظ الاستجابة للأوامر الأمريكية. وزارة العدل التونسية تعتبر أعمال العنف والتخريب في العاصمة أعمالاً إرهابية. طبعاً سنرى بعد قليل كيف يتم افتعال هذه الأعمال ومن ثم نسبتها للشباب الغيورين على دينهم وشريعة ربهم. وأعيد التذكير بأن وزير العدل من حزب النهضة.

جاء في هذا الخبر وقال محمد فاضل السايحي، المكلف بمهام في ديوان وزير العدل التونسي لوكالة فرانس برس: "الجرائم التي وقعت إرهابية بامتياز، وسيكون القانون المنطبق على مقترفيها من جنس الفعل، وسنطبق عليهم أحكام قانون مكافحة الإرهاب". هذا القانون الصادر سنة 2003 في عهد الرئيس الفار زين العابدين بن علي.

تعريف الإرهاب في القانون التونسي

طبعاً كوني كنت سجيناً سياسياً اطلعت على تفاصيل قانون مكافحة الإسلام. ما الذي يجعل عملاً من الأعمال إرهابياً؟ أن يكون ذا طابع إسلامي ببساطة، أن يكون ذا طابع إسلامي. فلو هاجم مسلم عامي معرضاً فنياً فإنه قد يحبس بضعة أشهر على أعلى تقدير. أما إن كان متديناً ملتحياً يقول: قال الله وقال رسوله، فهذا إن خطط لمهاجمة معرض يستهزأ فيه بالله، فإن مجرد تخطيطه هذا يعتبر فوراً أعمالاً إرهابية، يعتبر عملاً إرهابياً، عقوبته الإعدام والمؤبد أو سجن العشر سنوات والـ 15 سنة. هذا هو القانون الذي أنفذته أمريكا في دول العالم الإسلامي.

طوال عام ونصف من نشاط السلفيين لم يقتل شخص واحد. لم يقتل شخص واحد. والآن في هذه الأحداث الشرطة هي التي قتلت أحد المسلمين نسأل الله أن يتقبله. ومع ذلك سيطبق قانون مكافحة الإرهاب على الشرطة؟ لا، بل على الضحية، على السلفيين. إذاً فهذه مؤامرة لاستعادة نظام بن علي، لكن تحت عباءة حكومة يتزعمها حزب إسلامي فيما زعموا، ولوقف النشاط الدعوي الهائل الذي أغاظ الغرب والعلمانيين.

حزب النهضة على المحك

والآن حزب النهضة سيوضع على المحك. هل سيسترضي العلمانيين والغرب مرة أخرى ويتبوأ من تهمة التساهل مع السلفيين بالمشاركة في تطبيق قانون مكافحة الإرهاب هذا؟ مع علم حزب النهضة بأن هذه مؤامرة حيكت ضد السلفيين.

الاستفزاز والاستدراج للمواجهة كان واضحاً ممنهجاً. فمن الفيلم الكفري "لا ربي ولا سيدي" الذي عرض في تونس بعد الثورة، إلى الاستهزاء المتواصل بالنبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته أمهات المؤمنين في التلفاز في قناتي "حنعرس"، إلى سب قبيح جداً سمعناه عن أم المؤمنين أمنا عائشة رضي الله عنها في الإذاعة، إلى عرض فيلم "بيبي بولس" الذي يجسد الله ويستهزئ بالدين على قناة نسمة، إلى هذا المعرض الأخير الذي تكتب فيه عبارة "سبحان الله" بالحشرات، ورسموا فيها الله سبحانه وتعالى، ورسموا فيها النبي صلى الله عليه وسلم على البراق بصورة ساخرة، ويرسم فيها المتدينون الملتحون بطريقة استهزائية، ويوضع فيها رسومات محجبات على أكياس ملاكمة.

استفزاز تلو الاستفزاز تلو الاستفزاز. لماذا كل هذا؟ لاستدراج الدعاة إلى المواجهة، ومن ثم تطبيق أحكام مكافحة الإرهاب عليهم كما أمرت أمريكا. مؤامرة خبيثة واضحة.

نصائح الدعاة والعلماء

وخلال هذه الفترة الماضية، كان دعاة فضلاء يدعون الشباب إلى تحاشي الصدام مع السلطات ومع حزب النهضة والعلمانيين، ويدعونهم إلى استثمار الوقت في الدعوة إلى الله وفي الدعوة إلى الشريعة. وكلام الشيخ أبي عياض التونسي والخطيب الإدريسي وغيرهما حفظهم الله جميعاً، كلامهم في ذلك واضح. وقد كان أبو عياض ينصح حزب النهضة باعتزال العملية الديمقراطية وينفر عن التعاون مع أمريكا، ويدعوهم إلى تصحيح المسار والتعاون على البر والتقوى. ولكن لا حياة لمن تنادي.

ففي مقابلة مع الشيخ أبي عياض حفظه الله قال: "ليست حكومة حماد الجبالي حكومة إسلامية، ولكن نحن في هدنة غير معلنة، ومطالبنا هي أن يتركونا نعمل، وأن يخلوا بيننا وبين الناس، وننشط ونقيم خيامنا الدعوية وملتقيات، ولا توضع لنا العراقيل ولا يستفزون. نحن الآن نضبط الاستفزازات، وقد نصل إلى مرحلة لا نستطيع فيها ضبط الشباب عندما يقع فيها التعدي على المقدسات وعلى ذات الله. نحن لا نريد أن ندخل في صراع مادي مع أحد".

أعيد قال حفظه الله: "نحن لا نريد أن ندخل في صراع مادي مع أحد. وأقولها لك: إذا تركتنا حكومة الجبالي القادمة نعمل، فإن أمريكا لن تتركنا. فالسفارة الأمريكية هي التي تقود البلاد. وللأسف أقولها فإن السفارة تقود النهضة. للأسف هذا واقع، وربما يلومونني ولكن للأسف هذا واقع".

نفوذ السفارة الأمريكية على حزب النهضة

وصدق حفظه الله، السفارة تقود حزب النهضة. فقبل أسبوعين كتبت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية تقول: "إن الدعم الذي أقرته إدارة باراك أوباما الخميس الماضي هو الدعم المستحق لحزب النهضة التونسي الذي قدم كثيراً من فروض الطاعة والولاء للولايات المتحدة، التي أبرزها إقصاء كلمة المرجعية الإسلامية من الدستور الجديد للبلاد، وجولته التودد بالغرب، وهو ما يستحق الثواب".

مرة أخرى صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية تقول: "إن الدعم الذي أقرته إدارة باراك أوباما الخميس الماضي هو الدعم المستحق لحزب النهضة التونسي الذي قدم كثيراً من فروض الطاعة والولاء للولايات الأمريكية للولايات المتحدة، التي أبرزها إقصاء كلمة المرجعية الإسلامية من الدستور الجديد للبلاد".

إذاً فأمريكا تقدم الرشاوى لحزب النهضة ليتخلى عن تطبيق الشريعة، بل ولتستخدمه لمحاربة من يدعون إلى تطبيقها. وها نحن نرى بوادر أن يقوم هذا الحزب الذي يرفض تطبيق شريعة الله أن يقوم بالمشاركة بتطبيق شريعة أمريكا في محاربة شريعة الله. حزب النهضة يرفض تطبيق الشريعة، لكن حكومته في طريقها إلى أن تطبق قانون مكافحة الإرهاب الذي هو في الواقع مكافحة الشريعة.

استفزازات العلمانيين وتأجيج الصراع

والعلمانيون في تونس يجرون حزب النهضة إلى هذا الصراع مع السلفيين بتعمد استفزاز المسلمين والسخرية من دينهم. رأينا كيف توجه عدد من الشباب إلى هذا المعرض الأخير في قصر العبدلية ليحاولوا هؤلاء الرسامين العلمانيين بهدوء ويطالبوهم بعدم عرض هذه الرسوم. فلم يكن من النساء الحاضرات إلا أن استهزأن بالشباب بطريقة رقيقة، واستمر المعرض. استمر المعرض.

استفزاز تلو الاستفزاز إلى أن انفجرت الأوضاع وتحرك بعض الغيورين حتى من بسطاء التونسيين الذين ليس لديهم توجه معين. فسارع الشرطة، نعم الشرطة أنفسهم، إلى تأجيج الصراع وإتلاف الممتلكات وإضرام النيران كما رأيناهم، ونسبوا ذلك إلى التيارات السلفية، ومن ثم القيام بحملات اعتقال عشوائية. وهذا كله في فيديوهات رأيناها وهي مبثوثة في الإنترنت.

فلما حانت الفرصة للمؤسسة الحاكمة من حزب النهضة وغيره، بدأوا يطلقون التصريحات النارية بأنهم سيطبقون قانون مكافحة الإرهاب. على من؟ على الذين استهزؤوا بالله وآياته ورسوله؟ لا، بل على المسلمين الثائرين.

تناقضات حزب النهضة

فحزب النهضة يصدر بياناً ناعماً يطالب فيه بعدم المساس بالحريات الدينية، وفي المقابل يفتخر وزير داخليته بأن شرطته قد قمعت الاحتجاجات أمام قصر العبدلية حيث تعرض الرسوم. إذاً فالمستهزئون بالله لهم الحماية والرعاية ليمارسوا كفرهم بأريحية، وأصحاب القلوب الحية من المسلمين لهم خراطيم المياه بل والرصاص الحي وقانون مكافحة الإرهاب.

أصحاب القلوب الحية لهم التشويه من وزير الداخلية النهضوي الذي يقول: "إن الأعمال التخريبية قام بها شباب سلفيون ومجرمون من متعاطي الخمور والمخدرات وأعمال السطو". أصحاب القلوب الحية لهم تصريحات وزير الداخلية النهضوي: "لا مفر من مواجهة السلفيين". أما المستهزئون بالله وآياته ورسوله، أما من يكتبون العبارات الإسلامية بالحشرات، فهؤلاء لا مفر من حمايتهم بالشرطة، مع محاولة السعي بطرق قانونية إلى منع تكرر أعمالهم المسيئة للإسلام، وحتى ذلك الحين يحمون ويرعون.

أصحاب القلوب الحية الذين ثاروا على الحانات والخمارات لهم تصريحات وزير العدل النهضوي: "هؤلاء السلفيون تجاوزوا كل الخطوط الحمراء وستتم معاقبتهم بحزم، انتهت الفسحة التي منحت لهم". أما المستهزئون بالله وآياته ورسوله فهؤلاء لم يتجاوزوا الخطوط الحمراء ولا يحتاجون إلى الحزم، فسحة لهم ممتدة لا تنتهي.

نقد الإسلام المعتدل

أسد علي وفي الحروب نعامة. هذا هو الإسلام المعتدل الذي لا زال بعض المسلمين مفتوناً به. هذا هو الإسلام، هذا هو النموذج الذي يريد عبد المنعم أبو الفتوح أن يستلهم لينقله إلى مصر. النموذج الذي يدخل حزباً إسلامياً فيما زعموا في منظومة ديمقراطية جاهلية وبإشراف أمريكي حثيث على الانتخابات ليصبح الإسلاميون جزءاً من هذا النظام يحمي حرية الزندقة والكفر والخمارات ويحارب الغيورين من المسلمين.

هذا هو النموذج الذي تريده مؤسسات الدراسات، مؤسسات دراسات التخطيط الاستراتيجي الأمريكية التي نصت في دراساتها على وجوب ضرب التيارات الإسلامية الأصولية باستخدام الإسلام المعتدل.

هل حصل من بعض الشباب أخطاء خلال هذه الفترة؟ لا بد أنه حصل. لكن من الحول الفكري أن يتم التركيز على أخطائهم في التقدير وتسرع في بعض التصرفات، والتغاضي عن الكفر والزندقة من العلمانيين، وإقصاء الشريعة من حزب النهضة وتقاضي رشاوى أمريكا على ذلك. بل هذا دلالة جبن وانسياق وراء الآلة الإعلامية العالمية التي تضخم أخطاء المسلمين وتبلد الإحساس تجاه موبقات ومنكرات أعداء الله ومن والاهم. فحتى لو بدر من بعض هؤلاء الشباب كلمات أو مواقف فيها شدة، فإنهم يناصحون ويصوبون، لا يعادون ويجرمون.

دعوة إلى دعم الشباب الغيورين

فيا من تدعون إلى تأجيل تطبيق الشريعة، ويا من تدعون إلى الانخراط في العملية الديمقراطية برعاية أمريكية، هذه هي النهاية: أن تصبحوا في صف أمريكا وفي صف من يهزأ بربكم ونبيكم، مقابل من؟ مقابل خيرة المسلمين الغيورين على دينهم، المحبين لربهم، الغيورين على نبيهم، والمتمسكين بشريعة ربهم.

لذا فأذكر بسماع الحلقة من سلسلة "نصرة للشريعة" والتي هي بعنوان: "لماذا إعلان سيادة الشريعة من البداية؟" لماذا إعلان سيادة الشريعة من البداية؟ والتي قلت فيها: "فيا من تطالبون بعدم إعلان سيادة الشريعة من اللحظة الأولى، اعرفوا ما يؤدي إليه ذلك: أن تصبح الدولة الإسلامية حارسة للقوانين الوضعية، منفذة لها، معاقبة لمن يخالفها، مثيبة للعاصي، معاقبة للمطيع. ماذا بقي لها من اسم الإسلامية حينئذ؟" ها نحن نرى ذلك على أرض الواقع.

وأقول لمن يتحامل على شباب الصحوة، الصحوة الإسلامية والدعوة السلفية في تونس، ويدافع دفاعاً أعمى عن حزب النهضة: اتقوا الله ولا تجعلوا عصبيتكم تعمي بصائركم. هؤلاء الشباب في تونس في عمومهم ليسوا تابعين لأية جهة ولا لأي تنظيم. شباب عانوا من التجهيل وطمس معالم الدين لعقود، ثم لما أتيحت لهم الفرصة تركوا الدنيا وأظهروا حبهم لربهم ولدينه، وقاوموا الاستفزاز الممنهج من العلمانيين لقرابة سنتين. فلا تخذلوهم ولا تقفوا في صف أعدائهم.

اللهم احفظ إخواننا في تونس، ربنا أعنهم ولا تعن عليهم، وانصرهم ولا تنصر عليهم، وامكر لهم ولا تمكر عليهم، واهدهم ويسر الهدى لهم، وانصرهم يا رب على من بغى عليهم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. والسلام عليكم ورحمه الله.