→ عودة إلى مرئيات

المسلم والمواقف المنسجمة -شيرين أبو عاقلة مثالاً

١٣ مايو ٢٠٢٢
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم ورحمة الله ومساكم الله بالخير يا كرام.

مقدمة

في يوم الجمعة في هذه الساعة المباركة تم اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة وهي تنقل للإعلام جرائم المحتل الغاصب الذي لم يراعِ عصمة دمها ولا كونها امرأة ولا كونها صحفية ولا راعى كرامة النفس الإنسانية. والله تعالى يقول: "من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً".

ونألم لقتلها وهي التي تعرضت لما تعرض له كثير من نساء فلسطين من تخويف وقهر وسلب حقوق ثم قتل بهذه الطريقة الإجرامية. ولا زال إجرامهم متصلاً، فاليوم قصفوا بيتاً واعتقلوا وجرحوا عدداً من الشباب في جنين.

كنت أفضل أن تجتمع الكلمة على إجرام المحتل الذي قتل الصحفية شيرين أبو عاقلة، بل وعلى جماعات التنسيق الأمني عملاء المحتل الذين قتلوا القتيل ومشوا في جنازته والآن يقيمون المآتم وينظمون القصائد في مدح شيرين ويحسبونها على نضالهم وهي ضحية من ضحايا خيانتهم وتواطئهم مع المحتل.

أسباب الحديث عن موضوع الترحم

لكن ما حصل فعلياً هو أن مناقشة الحدث انتقلت إلى دائرة أخرى وهي موضوع جواز أو عدم جواز الترحم عليها والدعاء لها بالجنة كونها توفيت نصرانية فيما يظهر لنا. وهذا الاختلاف أدى إلى التفرق والتنازع والتباغض والمحتل المجرم يتفرج وهو اللي طلع سالم من المعركة.

لذلك فالحديث عن موضوع الترحم من عدمه فُرض فرضاً: أولاً: من باب بيان العلم "لتبيننه للناس ولا تكتمونه". ثانياً: لأن ردود أفعال الناس لها جذور فكرية وعقدية تحتاج تصحيحاً. وثالثاً: لمحاولة جمع كلمة المسلمين على الحق وإنهاء هذا التباغض.

فرب العالمين سبحانه يقول في وصف الذين يحبهم ويحبونه: "أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين أشداء على الكفار رحماء بينهم". وللأسف كثير من الناس ليس عنده رحمة تجاه المسلمين بل شدة عجيبة.

تقسيم الحديث

وحقيقة إخواني الذي يحصل هو نقاش في الطابق الثاني وإحنا لسه مش متفقين على الطابق الأول. لذلك سأقسم حديثي في الموضوع إلى قسمين: اليوم نتفق على بعض المقدمات العامة الأساسية المهمة جداً والتي أزعم أنه لا يصح أن يختلف عليها مسلم. وبكرة إن شاء الله بنتكلم في حادثة شيرين حتى نطبق هذه القواعد العامة ونخرج بنتيجة. وأظن الأنسب حينها أن يكون لقاءً عبر تيليجرام بحيث تتكلم عن الحكم حسب الأدلة ثم نسمع منكم أي اعتراض بمداخلات صوتية ونناقشه بهدوء إن شاء الله.

أما اليوم فخلينا نتفق على أساسيات نبني على أساسها أرضية مشتركة بإذن الله.

المقدمة الأولى: عرّف نفسك

أول مقدمة هي: عرّف نفسك، أنت يا إما مسلم أو مش مسلم؟ كوني مسلماً معناها أني أُسلّم لرب العالمين في كل أموري، في تصوراتي ومواقفي وعباراتي، ومرجعيتي الوحيدة هي حكم الله ورسوله.

جعل الله الرحمة مئة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءاً وأنزل في الأرض جزءاً واحداً فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه. فالتسليم لله عن إيمان مطلق بحكمته ورحمته وعدله هو العنصر الأساسي في العبودية التي أوجدنا الله عز وجل من أجلها: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون".

وهذا الشيء إخواننا مش اختياري. إذا اخترت أن أكون على ملة غير ملة الإسلام فهذا خياري وأتحمل نتائجه. لكن إذا بسمّي حالي مؤمن فالله تعالى يقول: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً".

إذن مطلوب تحكيم الدين وأن نقبل بحكمه في أنفسنا ونسلم له تسليماً تاماً. وإذا خالفنا الدين في أمر واتبعنا شهوة محرمة مثلاً، نكون مقرّين بأننا مخطئون. أما إذا تعاملنا مع الدين كطبق من الأطباق في بوفيه مفتوح من الأفكار والمبادئ، فهذا مش إسلام ولا إيمان، وهذا تعامل يدل على الاستهانة بأوامر الله بشكل مخزي ومشين.

لذلك بتلاحظ غضب رب العالمين لما أنكر على أهل الكتاب أنهم أخذوا بأحكام وتركوا أحكاماً فقال: "أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض". خذوا بالكم لم يقولوا نحن كفرنا ببعض الكتاب، لكن في التطبيق العملي كانوا انتقائيين. فقال الله لهم: "أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب". ما أظنش أنه إحنا كأمة إسلامية محتاجين كمان خزي في الدنيا ولا محتاجين أشد العذاب في الآخرة.

فهذه أول مقدمة: عرّف نفسك. إذا مسلم فمسطرتك وميزانك ومعيارك: قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم.

المقدمة الثانية: إمكانية الوصول إلى حكم الله

هنا يمكن تحكي لي: "لا تقول لي حكم الله ورسوله، هذا فهمك أنت لكلام الله. لا تفرض علي فهمك أنت وقراءتك أنت للنصوص". هذا بيأخذنا للمقدمة الثانية: أننا يمكننا الوصول إلى حكم الله وتسميته حكم الله، والمسألة مش متروكة لما يعي لكل واحد بحيث كل ما قيل له حكم الله يقول: "لا هذا فهمكم أنتم"، وكأن النصوص نسبية مبهمة هلامية. حاشا كلام الله.

قال الله تعالى: "وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله". توجيه رباني واضح: لما تختلفوا يا مسلمين بتحكموا بينكم الله سبحانه وتعالى. على طريقة الناس الهلاميين بيصبح معنى الآية: "وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله" (بس خدوا بالكم مش ممكن تردوه إلى الله والرسول لأنه كل واحد له فهمه المختلف وبالتالي مش ممكن تتفقوا).

قال الله سبحانه وتعالى: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر". على طريقة الهلاميين بيصبح معنى الآية: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول" (بس خدوا بالكم مش ممكن تردوه إلى الله والرسول لأنه كل واحد له فهمه المختلف وبالتالي مش ممكن تتفقوا إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ومش ممكن تؤمنوا بالله واليوم الآخر لأنه مش ممكن تردوا الأشياء إلى الله والرسول).

"فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم" ومش ممكن يحكموك لأنه كل واحد له فهمه المختلف وبالتالي مش ممكن يؤمنوا ولا راح يصلح القرآن للفض في الخصومات ويضيع الدين ويصبح القرآن كله بلا دلالة.

كيف الرد إلى الله والرسول؟ بالرد إلى كلام الله في القرآن وإلى السنة الثابتة، مش باتخاذ مواقف بناء على انطباعك الشخصي ولا تفصيل الدين على مزاجك. قال الله تعالى: "وأنزلنا إليك الكتاب تبياناً لكل شيء". إذن هناك بينات واضحة والمذموم مش اللي بيتمسك بيها وإنما الذي يخالفها.

لما رب العالمين في آيات كثيرة يسمي القرآن هدى وتبياناً ومبيناً ونوراً، كيف رح يحمل هذه الأوصاف إذا كانت الآيات كلها بلا دلالة واضحة؟ قال تعالى: "وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً"، وقال: "ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء".

فهذه ثاني مقدمة: أن القرآن مش نسبي، فيه محكمات واضحات بينات لا يختلف عليها عاقلان، وأخر متشابهات تفهم على ضوء المحكمات. مجرد وقوع الخلاف على أمر لا يجعله خلافياً ظنياً وبإمكانك تأخذ الرأي اللي بيعجبك. لا يصح أبداً لما تشوف تفرق واختلاف وتعرض عليك الأدلة الواضحة أن تقول على كل إنه أمر خلافي. لا لا خد بالك خد بالك هذه طريقة عمالة بتستخدم لجعل الدين كله ظنيات هلامية بلا محكمات ولا حقائق قاطعة.

وكل مرة تشغل اسطوانة: "هؤلاء المتحجرون المتزمتون المتشددون الذين يفرضون آراءهم على الآخرين". أيوة يعني ما الذي تريده أن يكون كل القرآن بلا دلالات علشان حضرتك تلعب وتلف الدور وتسكت من يستدل بالقرآن والسنة بهذا البكج إياه تبع "لا تفرضوا آراءكم". أمر الله واضح: "وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله". لم يقل الله: "وما اختلفتم فيه من شيء فقد أصبح خلافياً تحترم فيه وجهة النظر ووجهة النظر الأخرى".

قال نبينا صلى الله عليه وسلم: "وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور".

المقدمة الثالثة: كيف أعرف أن فهمي للقرآن صحيح؟

المقدمة الثالثة يا كرام: كيف أعرف أن فهمي للقرآن صحيح؟ بداية اسمح لي عزيزي المشاهد أقول لك إنك ضال، نعم وأنا كمان ضال وكلنا ضالون في الأصل. والدليل قول الله تعالى في الحديث القدسي الصحيح: "يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم".

أنا علي أن أطلب الهداية من الله سبحانه. واللي بيطلب الهداية من الله، فأول شيء لازم يستسلم لله ويقبل على القرآن والسنة دون مقررات سابقة. أجاي أنتقي اللي بيعجبني. فأنا ضال على أصل البشرية "كلكم ضال". ولن يهديني الله للحق إذا أنا محدد موقفي مسبقاً في موضوع الترحم على شيرين. أجاي أقول بالنصوص، نصوص القرآن والسنة علشان تناسب موقفي المحدد أصلاً. وبردد عبارة: "أكيد الإسلام مش هيك" لأنه حكم معين مش مناسب لتصوري المسبق. فأنا راح أبقى ضال ولن يهديني الله إذا أنا مش مراعي الإخلاص ورضا رب العالمين قبل كل شيء.

وجاي مهووس وموسوس إني بدي الناس يحبوني ويشوفوني معتدل ولطيف ورحيم أو يشوفوني قوي وشديد وحارس العقيدة. ولما بسوّق المنشور بفكر يا ترى كم لايك راح يحصد؟ كم واحد رح يمجدني؟ وكم واحد رح يعارضني؟ إذا كنت كذلك فلن أنتظر أن يهديني رب العالمين.

إحنا يا إخواننا بالإضافة إلى كوننا ضالين بضعفنا البشري، فإحنا برضه تعرضنا لتضليل وانشغل علينا كثيراً من أعدائنا وإعلامهم عبر قرون. ما عشنا في نظام حكم إسلامي علشان نشوف الإسلام بجماله وعزته وتناسق أحكامه. كثير من اللي بنعرف عن أحكام الإسلام مأخوذ من أفلام ومسلسلات دفع لها مئات الملايين علشان تكرهنا في ديننا. وأعداؤنا اشتغلوا على توهين الإسلام والتوحيد وتقليل قيمته في نفوسنا لأن التوحيد هو الرابط الجامع للأمة وهو مصدر قوتها.

ولا تسأل عن التعليم الفاشل الفاشل في المدارس والجامعات والذي طبعاً لا يقوي العقيدة. وزاد الطين بلة النماذج المشوهة اللي بتلاقي الواحد بيذبح المسلم بالسكين وهو بيكبر. ليش؟ لأن هذا المسلم قاوم الدولة الإسلامية المزعومة. هذا كله شئنا أم أبينا؟ ربّى عند كثير مننا عقداً نفسية، عقد بمعنى الكلمة بحيث لما أسمع منك كلمة "كافر" بيقفز إلى ذهني بكج كامل من الوحشية وانعدام الرحمة وصور نمطية مقززة.

لذلك كثير من ردود الأفعال اللي شفناها اليومين لا تسمى ردود عاطفية، لا هي ردود عقدية ناتجة عن عقد نفسية. لأنه لو المسألة لعاطفة جياشة مش هتلاقي الشخص نفسه رحيم جداً بشيرين مثلاً وبيدعو لها بالجنة بينما بيسب وبيلعن أخوه المسلم لمجرد إنه قال هذا الترحم حرام وما بده يسمع دين الله أصلاً ويكاد يكفر المسلم أو بيقول: "إذا شيرين ما بتدخل الجنة فما بدي هذه الجنة". هذا مش موقف عاطفي ولا موقف شرعي طبعاً، هذه عقد نفسية.

فمرة أخرى: "يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم". إذا حابب رب العالمين يهديك اهدى شوي، تخلص من العقد النفسية وما تخلي البكج السيء والصور النمطية تقفز لمخيلتك وأقبل على القرآن والسنة طالباً الهداية بصدق.

كثير من الناس عاملين خانتين ويريد أن يحشر كل متكلم في إحداهما: إما مترحم على شيرين فهو رحيم ومحترم وراقي، أو محرم للترحم فهو غليظ القلب ضيق الأفق. هذه القسمة الثنائية تحرمك من الإنصاف والهداية للحق.

المقدمة الرابعة: مسؤولية الكلمة

المقدمة الرابعة: مسؤولية الكلمة. نقطة مهمة جداً. الترحم إخواننا هو عبادة. الترحم عبادة وطلب الجنة لأي إنسان عبادة لأن الدعاء هو العبادة. والإنسان لما بيمارس العبادة لا يمارسها بالهوى ولا علشان يكايد حد ولا علشان يثبت لحد إنه معتدل أو شديد أو لطيف أو غيره.

قال الله تعالى: "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد". وقال نبينا صلى الله عليه وسلم: "وهل يكب الناس على وجوههم يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم". وقال كما في البخاري: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم". لاحظ: "لا يلقي لها بالاً". رمى الكلمة أو كتب منشور أو علق تعليق وراح يمكن نسيها بعدها، لكن أحصاه الله ونسوه.

يمكن تقول: "علشان كلمة؟" نعم علشان كلمة. تصور إذا كانت هذه الكلمة تكذب صريح القرآن، إذا كانت تكذب آيات وأحاديث وأنت تضحك على نفسك وبتقول: "أكيد الإسلام مش هيك، أكيد الإسلام مش كده" وتريد إسلاماً مفصلاً على مزاجك. بغض النظر الآن عن موضوع شيرين بالتحديد، لكن دعونا نتفق على أن الكلمة خطيرة جداً جداً ولها مسؤولية عظيمة أمام الله.

فبالله عليك بالله عليك لما تقول أي كلمة لا تخلي رأي الناس وكثرة اللايكات تؤثر عليك فتضيع آخرتك علشانهم. شوف لما رب العالمين يقول: "يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم". "لا تقدموا بين يدي الله ورسوله" يعني لا تعطوا رأيكم مقدماً على حكم الله ورسوله. أنت مؤمن إذا تسأل: ما الذي يأمر الله به في هذا الموضوع علشان أقول سمعنا وأطعنا.

الغزالي رحمه الله في إحياء علوم الدين والشافعي رحمه الله في الرسالة نقلا الإجماع، إجماع المسلمين على أن المكلف يعني الواحد فينا البالغ العاقل لا يجوز له أن يقدم على فعل حتى يعلم حكم الله فيه. ما بتعمل شي حاجة إلا لما تعرف ماذا يريد الله منك في هذا الشيء. قالوا: "فمن باع واجب عليه أن يتعلم ما عينه الله وشرعه في البيع". ومن ومن إلى أن قالوا: "وكذلك الطهارة وجميع الأقوال والأعمال". وجميع الأقوال والأعمال.

"يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم". "يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض". ما ترفعوش صوتكم على صوت النبي. طيب إذا خالفنا: "أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون". بتصلي وبتصوم وبتحج وبتزكي وبروح هذا هباء منثوراً.

قال تعالى بعدها: "إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم". وكذلك الذي يترك ضجيج العقد النفسية والتريندات الإعلامية ومشاهير منصات التواصل الاجتماعية ويغض صوت أهوائه، بيعمل ميوت لكل هذا ويأتي إلى حكم الله ورسوله بأدب ليتعلم بتسليم وأدب.

إذا كان سيد النبي عليه الصلاة والسلام شخصياً لما أراد أن يستغفر لأمه استأذن ربه كما في صحيح مسلم قال: "استأذنت ربي أن أستغفر لأمي". الاستغفار وطلب الرحمة ودخول الجنة هذه كله أفعال يستأذن الله فيها. نوح عليه السلام لما قال: "ربي إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين". لاحظ مش دعاء صريح لابنه حتى تلميح بطلب النجاة لابنه. جاءه الرد: "يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين". فالتزم نوح الأدب مع ربه فقال: "رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين". استغفر ربه على التلميح بتنجية ابنه. "أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم". أعوذ بك يا رب أن أطلب منك ما لا يحق لي طلبه وأنا أتجاوز الحد الذي تسمح لي به في الدعاء.

فالدعاء مش كما يقول البعض: "أنت ادعو بالرحمة لأي أحد ثم ربنا يرحم أو لا يرحم". لا لا لا لا. الدعاء نفسه بحاجة أن يكون مأذوناً فيه وإلا كان اعتداء في الدعاء: "إنه لا يحب المعتدين". "ادعوا ربكم تضرعاً وخفية". ولا نقول إلا ما يرضي ربنا. مش بحجة الانفعال والعاطفة تتكلم بأي حاجة وتقول: "معلش أنا معذور".

الآن المهم تفكر مش في مصير شيرين لأن ترحمك عليها أو عدم ترحمك مش هو اللي سيغير مصيرها في الآخرة. لكن إذا كنت بكلامك وموقفك تخالف أمر الله فهذا سيؤثر على مصيرك أنت. آخذ بالك من نواقض الإسلام مخالفة أمر معلوم من الدين بالضرورة. إحنا لسه ما تكلمناش إن كانت الترحم مخالفاً ولا لا، لكن كقاعدة عامة نتفق عليها: إنكار أمر معلوم من الدين بالضرورة مصيبة كبرى. لو واحد مثلاً قال الصلاة مش مفروضة أو الخمر حلال، كلمة لكنها كلمة تكذب آيات بينات وأحاديث صحيحة فلا ينفعه بعدها ادعاء الإسلام.

وأسيبك من اللي رح يبدأ يردح ويتبلطج ويقول: "أنتو بتكفروا المسلمين". هذا لن ينقذك ولن يغني عنك من الله شيئاً. بس عمال بيدللك وبيدفعك باتجاه النار وبسكر على أذنيك علشان يصمهم عن سماع صوت المحذرين اللي بيهيج العواطف ويستثير العقد النفسية والصور النمطية بدل الاستدلال العلمي المنهجي الهادئ والصادق بالكتاب والسنة. هؤلاء ماخذين الدين حاجة ثانوية ورب العالمين يقول: "وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرتهم الحياة الدنيا". اللي مش مقتنع يخضع للإسلام في مواقفه ومشاعره وكلامه وأفعاله هذا ما أخذ الدين لعبة. اللي بيتبع للتريند وبيقدم الإنسانوية والامهلبية على أمر الله ورسوله هذا بيلعب. سيبك من هؤلاء. "وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع". كل هؤلاء مش هيشفعوا لك. "وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها". مش ممكن تفدي نفسك من العذاب ولو بكل ما في الأرض.

المقدمة الخامسة: لا تلازم بين التعامل الدنيوي والحكم الأخروي

المقدمة الخامسة: لا تلازم بين التعامل الدنيوي والحكم الأخروي. يعني ممكن أكون معتقد بناء على الأدلة أن إنساناً ما من أهل الجنة ومع ذلك أعامله بشدة. ممكن مؤمن يعصي معصية لا تستوجب الكفر ومع ذلك يستحق القتال: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله". وقاتلوها مع أنها من المؤمنين. نعم لكفها عن ظلمها مع أن المؤمن الموحد في النهاية مآله إلى الجنة حتى وإن عوقب قبل ذلك.

في المقابل ممكن واحد يكون من أهل النار ومع ذلك أعامله بالحسنى. قال الله تعالى في الوالدين: "وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما". والدان يجاهدانك علشان إيش؟ علشان تشرك. إذا ماتا على ذلك فهما من أهل النار. لكن ماذا قال الله بعدها: "وصاحبهما في الدنيا معروفاً". فممكن واحد أعتقد حسب الأدلة أنه من أهل الجنة ومع ذلك أعامله بالشدة. ممكن واحد حسب الأدلة يكون من أهل النار ومع ذلك أعامله بالمعروف والإحسان.

فإذا قلنا عن إنسان أنه كافر فهذا لا يساوي دائماً المعاملة بالغلظة وإنما مواقفنا دائماً شرعية تدور مع الشريعة حيث دارت.

المقدمة السادسة: تعظيم ما عظمه الله

المقدمة السادسة يا كرام: إسلامنا يعني أننا نعظم ما عظمه الله. المركزية في حياتنا هي لله تعالى لا لهوى الإنسان. أكثر ما عظمه الله هو التوحيد وأكثر ما جرمه الله هو الشرك. ما الدليل؟ لا يا جماعة مش دليل واحد ولا مئة دليل. القرآن كله في هذا المعنى. يكاد كل القرآن يكون حديثاً عن توحيد الله وكمال صفاته وتنزيهه عن النقص والشريك والولد وبيان فرق ما بين المؤمنين والمشركين ومصائر المؤمنين ومصائر المشركين في الدنيا والآخرة.

لأجل التوحيد خلق الله الخلق وأرسل الرسل وأنزل الكتب وخلق الجنة والنار. ما الدليل؟ "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون". ليعبدون عبادة بالشرك؟ لا طبعاً بل بتوحيد. التوحيد هو القيمة العظمى التي لا يغفر الله مخالفتها: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء". أن دعوا للرحمن ولداً. حتى لو كان الإنسان لطيفاً في معاملته للبشر لكن أشرك مع الله، نعم حتى لو كان كذلك فهو قد ظلم ظلماً عظيماً.

قال الله تعالى: "وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم". هو في حد في البشرية إخواننا كلها، في حد في كل البشرية قدم مثل ما قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ومع ذلك قال الله له: "ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين". الله أكبر. إذا أشرك النبي عليه الصلاة والسلام يحبط كل عمله. في حد أحسن من الأنبياء عليهم السلام؟ ومع ذلك بعدما ذكر الله كثيراً منهم قال: "ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون". أعمالهم تصبح بلا قيمة.

عدم استشعار أهمية التوحيد وقبح الشرك ناتج عن ضعف تعظيم الله تعالى وحقه على العباد. وكأن الإنسان جعل شعاره: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدوا ذواتهم ويعظموا حقوقهم ويستهينوا بحق ربهم". كأنه يقول الإنسان فوق كل شيء، فوق حق الله ذاته. إذا كانت هناك معايير معينة نرفع بها الإنسان أو نخفضه مثل مناصرة القضية الفلسطينية، فخلص انصر قضية فلسطين وادخل الجنة. ما فائدة التوحيد؟ بلاش صلاة ولا صيام ولا زكاة ولا حج. ولماذا ندعو الناس إلى الإسلام؟ ما في داعي إذا كانت النجاة مضمونة لهم في الآخرة بغير الإسلام.

لماذا جلس النبي صلى الله عليه وسلم عند وفاة أبي طالب يقول له: "أي عم قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله" وهو أبو طالب يعني محتاج يقول هذه الكلمة بعدما قدم أعظم الخدمات للإسلام وأعظم الخدمات للنبي بالدفاع عنه وعن دعوته وتكريس حياته وجاهه وأولاده لذلك. كرس كل شيء لحماية النبي ودعوته.

الغلام اليهودي الذي كان يخدم النبي فلما مرض أتاه النبي فقال له: "أسلم". لماذا يسلم؟ هو كان يخدم النبي شخصياً وهذا يدل على الخير الذي كان في قلب هذا الغلام. ألا يكفيه هذا؟ لازم يعني يسلم علشان ينجو؟ نعم لازم. أسلم الغلام فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من عنده وهو يقول: "الحمد لله الذي أنقذه بي من النار". النار يعني لو ما أسلمش كان حيروح على النار مع أنه بيخدم النبي؟ نعم.

لذلك يا كرام علينا أن نحذر من أن ما نظنه رحمة تجاه الناس قد يكون في حقيقته استهانة بحق الله عز وجل.

المقدمة السابعة: لا تلازم بين المحبة والكراهية ودخول الجنة والنار

المقدمة السابعة: لا تلازم بين المحبة والكراهية ودخول الجنة والنار في الآخرة. ولاحظوا أني أقول لا تلازم يعني مش بالضرورة ولم أقل لا علاقة بالمطلق. هكذا ممكن الشخص الواحد تحبه من جهة وتكرهه من جهة. وفي حلقة محبة غير المسلمين نشرتها من فترة طويلة وضحت أن الإسلام لا يؤاخذ على المحبة الفطرية لبعض المشركين ما دمت تبغضهم من جهة كفرهم. هذا موضوع تكلمنا عنه بالتفصيل.

كما أن الله أمرنا أن نعمل بكتابه كله ولا نؤمن ببعض ونكفر ببعض، فكذلك أمرنا أن نؤمن بصفاته كلها لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض. قال الله تعالى: "اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم". الله رحيم وفي الوقت ذاته الله عزيز ذو انتقام. الله عدل حكيم لا يساوي بين من حقق التوحيد الذي لأجله قامت السماوات والأرض ومن نقض هذا التوحيد نقضاً تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً الذي يخالف هذا وما بتكلم إلا عن صفة الرحمة فهذا عامل زي الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله بينما الراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا. نحن نعبد الله ونحبه لرحمته ونحبه لعدله وحكمته وقوته وكل صفاته سبحانه مش بس لرحمته.

المقدمة الثامنة: إنما الأعمال بالنيات

المقدمة الثامنة: إنما الأعمال بالنيات. قاعدة تسري على الجميع مسلمين وغير مسلمين. من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله. كيف يعني تكون كلمة الله هي العليا؟ يدخل جنة الإنسانية وينجو من نار الإنسانية. أما جنة الله فقد حدد شروطاً لدخولها.

المقدمة التاسعة: الحكم بالظاهر

المقدمة التاسعة: نحن كمسلمين نحكم على الناس بالظاهر. وهذا الحكم مش ترف فكري ولا فلسفة وإنما تبنى عليه أحكام شرعية. إذا إنسان مات مسلماً له أحكامه من صلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين وتوزيع ماله على الورثة والتعزي فيه بألفاظ مشروعة. وإذا مات كافراً فله أحكامه المختلفة عن أحكام المسلمين. فعبارة مات مسلماً أو مات مشركاً أو كافراً هي عبارة شرعية يترتب عليها أحكام شرعية تعبداً لله بها.

طيب هل يصح أن نقول فلان المعين في الجنة وفلان المعين في النار؟ هذه خليها للجلسة النقاشية بكرة إن شاء الله نذكر لكم تفصيلها. لكن حتى ذلك الحين نتفق على شيء أن مصير المؤمنين الجنة ومصير المشركين النار كقاعدة عامة. واللي بيقول هذا الكلام مش بيفكر حاله ماسك مفاتيح الجنة والنار بيده وإنما يؤمن بما قاله الله في كتابه. وإذا سنشكك حتى في هذا المبدأ القرآني فخلص لا داعي للإيمان ولا لأركان الإيمان ولا أركان الإسلام.

نحن أنفسنا نعمل ولا نضمن لأنفسنا الجنة ولا النجاة من النار. لكن من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار أن نؤمن بكل ما جاء في كتاب الله تعالى ومن ضمنه مصير المؤمنين ومصير المشركين.

المقدمة العاشرة: دورنا كأمة محمد

المقدمة العاشرة والأخيرة يا كرام: نحن كأمة محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم دورنا الرئيس هو دعوة الناس إلى الإسلام. "كنتم خير أمة أخرجت للناس". وقدوتنا الذي نقتفي أثره هو محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال: "وأنا آخذ بحجزكم عن النار هلموا إلي عن النار هلموا إلي عن النار". فلازم يكون عندنا رحمة كما كان نبينا صلى الله عليه وسلم.

لا يليق بنا كأتباع محمد أن نكون غشاشين كذابين مخادعين. أن ننام عن دعوة غير المسلمين الذين يعيشون بيننا ثم إذا مات أحدهم وأفلت منا إلى مصيره اتخذنا مواقف وتكلمنا بكلام نخون به من لا زالوا أحياء من غير المسلمين ونضللهم ونضحك عليهم ونخدرهم ونشعرهم بأن أمر التوحيد هيّن غير مهم ولا لازم للنجاة.

المسلم الذي يحب الله ورسوله ويعظم الله وتوحيده يعلم أن أعظم رحمة يرحم بها الخلق هي دعوتهم إلى توحيد وعدم التشويش على هذه الدعوة بأي مشوش. فأهل السنة يعلمون الحق ويرحمون الخلق: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين". أما أن نغش من بيننا من غير المسلمين وننام عن دعوتهم ثم إذا مات أحدهم تكلمنا بما يضر الأحياء فهذه ليست رحمة بل غش متصل وخداع ومكر متصل.

خاتمة

هذه إخواني كانت قواعد عامة قبل مناقشة موضوع المراسل شيرين أبو عاقلة التي نعزي أهلها ونلعن الفاجر المحتل الذي قتلها ومن تآمر على المسلمين وعلى أهل فلسطين.

خلينا نتفق على هذه القواعد واللي عنده اعتراض على أي منها يضعه في التعليقات مع تذكر أول قاعدة أننا مسلمون لغة خطابنا قال الله وقال رسوله. اللي مش معرف نفسه كمسلم معلش أعتذر له عن مناقشته الآن من قبيل التركيز وإعطاء الأولويات. فالذي عنده اعتراض على هذه المقدمات الأحد عشرة يضع الاعتراض في التعليقات مع الدليل الشرعي. لكن تذكر إحنا ما تكلمناش لسه عن موضوع شيرين أبو عاقلة فلا تقول لي: "لكن ما هو شيرين كذا وكذا والحادثة كذا وكذا". هذا نؤخره للقائنا التفاعلي غداً إن شاء الله.

أسأل الله أن يهدينا جميعاً سواء السبيل. وتذكروا أن هذه الساعة المباركة من يوم الجمعة فندعو فيها بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدنا لمختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم". والسلام عليكم ورحمة الله.