→ عودة إلى مرئيات

النداء الأخير انسحبوا من الانتخابات

١٦ يونيو ٢٠١٢
النص الكامل للمقطع

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله.

النداء الأخير: انسحبوا من الانتخابات

من يتابعني من الإخوة يسأل: ماذا على الحركات الإسلامية في مصر أن تفعل الآن؟

الجواب ببساطة شديدة: عليهم أن ينسحبوا فوراً من هذه المهزلة الانتخابية. على الإخوان أن يسحبوا مرشحهم، وعليهم وعلى السلفيين أن يعلنوا للشعب أنهم كانوا مخطئين في سلوكهم طريق البرلمان، وفي تصريحاتهم وخطواتهم المتعلقة بتطبيق الشريعة، وإشراك العلمانيين في كتابة الدستور، وخذلان من دعا إلى تطبيق الشريعة أولى الأمر، والضن بالتضحيات في سبيل ذلك.

عليهم أن يعلنوها بصراحة ويتوبوا إلى الله، ثم ينزلوا إلى الميادين بدعوة نقية واضحة: أن "لا لحكم العسكر"، وبدعوة خالصة إلى حكم الشريعة. إذا اجتمع الإخوان والسلفيون ومن يؤيدونهم على ذلك، فوالله ليحدثن أمر عظيم.

أقول هذا الكلام وأنا أعلم أنه قد لا يصل إلى أحد من قيادي الإخوان المشغولين بدعم مرسي، ولا من قيادي السلفيين الذين يجتهدون في إقناع الناس الآن أن عدم انتخاب مرسي حرام شرعاً. ومع ذلك أقولها ليسمعها أتباعهم: "معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون".

أقولها لأن بعض المسلمين بدأ يسوء ظنهم بربهم، كأنهم أطاعوا الله فخذلهم، وأسلموا أمرهم إليه فضيعهم. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

تحذير من سوء الظن بالله ونقد الذات

فأقول لهم: إياكم أن تكونوا كمن قال الله فيهم: {يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية}، وقال لهم: {وظننتم ظن السوء وكنتم قوماً بوراً}. لم تطيعوا الله لينجز لكم وعده. كنا نقول لكم: قال الله وقال رسوله، فتقولون: "لكن العقل يقول، والمنطق يقول، والمصلحة تتطلب". وها أنتم تتحملون النتيجة، نتيجة تحذير الله لنا إذ قال: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}.

فلنسئ الظن بأنفسنا نحن حضرات الإسلاميين الذين أعطانا الله فرصة لا تعوض، قلب فيها موازين الأسباب والقوى، فإذا بأكثرنا يتعلق بالأسباب المحرمة أكثر من أي وقت مضى، ويقدم تنازلات ما كان يقدمها زمن الاستضعاف. ليفعلوا ذلك، فهناك من العلمانيين واليساريين والليبراليين أنفسهم من يدعو الإسلاميين الآن إلى اتخاذ هذا الموقف المشرف، مع أنه كان بإمكان هذه الفئات أن تصطاد في الماء العكر وتهيج الشعب ضد الإسلاميين.

أقول هذه الكلمات لأن البعض ينتقدني فيقول: لماذا تنتقد الإسلاميين البرلمانيين؟ لماذا تنتقدهم على العلن؟ ألا يكفيهم عدوهم؟ أليس من السلبية أن تبين أخطاءهم دون إعطائهم بدائل؟ فهأنذا أذكر البديل الوحيد في نظري: انسحبوا من هذه المهزلة التي تخسرون بها دينكم وشعبيتكم، وتضفون بها الشرعية على عدوكم، وعودوا إلى الدعوة وتحملوا تبعاتها.

عودوا إلى الدعوة لتطهروا عقائد الناس وأفكارهم من الشبهات والتلبيسات التي بذرتموها أنتم في أذهان الناس بتهزيل صورة الشريعة للبشر، بتهزيل صورة الشريعة وسوء استخدام فقه المصالح والمفاسد والتفنن في فقه التنازلات.

خطورة البقاء في الانتخابات ومستقبلها

المشكلة أن البعض لا يرى إلا مصيرين لا ثالث لهما: فوز شفيق وما يتبعه من حرب على دين الله والدعاة وفساد البلاد والعباد، أو فوز الدكتور محمد مرسي وما يتبعه من درء بعض هذه المفاسد. وهذه النظرة أن ليس هناك إلا هذا الخيار أو هذا الخيار، وأن ليس لنا منقذ من سوء الأوضاع إلا انتخاب مرسي، هذا من الغفلة والتعامي عن الواقع.

فمصير الانتخابات إن استمر فيها الإسلاميون سيء بل وسيء جداً على كل حال. فمحمد مرسي لن يكون رئيساً متمكناً بيده أن ينقذ ظلماً أو طغياناً من الآلة العسكرية أبداً، بل ما دام حكم العسكر قائماً بغض النظر عن الرئيس، فالمستقبل قاتم، وإمكانية التغيير من مؤسسة الرئاسة معدومة، وليس الضعيفة بل معدومة.

لكن الحل الأوحد الذي لا غنى عنه ولا بديل له هو الانسحاب من هذه المهزلة والتوبة إلى الله من دخولها أصلاً، ليحصل الإسلاميون معية الله التي خسروها يوم تعلقوا بالأسباب الديمقراطية وولجوا طريق الديمقراطية. أما إن أصروا على الاستمرار في هذا الطريق الأسود الذي ما جلب لهم إلا خراب البيت على طريقة "وداوني بالتي كانت هي الداء"، فالمستقبل القريب صعب بغض النظر عن نتائج هذه المهزلة الانتخابية.

تحذير من إضفاء الشرعية على العدو

أيها الإسلاميون، انسحبوا فوراً، انسحبوا قبل أن يفوز شفيق بالتزوير أو دون تزوير، فحينها ستكونون أنتم من أضفى عليه الشرعية بالرضى بالاحتكام إلى الصناديق التي أفرزته، في الوقت الذي ترفض شرعيته أحزاب علمانية ويسارية. وحينها ستلجمون أفواهكم ولن تستطيعوا ولا حتى استنكار كفرياته، ولن تستطيعوا تأليب الناس عليه لأنه جاء إلى الحكم بطريق أضفيتم أنتم عليه الشرعية.

وما دمتم صرحتم مراراً بقبولكم مبدأ سيادة الشعب في السلطات كلها، فقد أعطيتم شفيق المبرر ليقصي دين الله، فهو كرئيس انتخبه الشعب يمثل سيادة الشعب. وإن حاولتم معارضته في شيء من ذلك فستكونون خارجين على القانون والدستور الذي أقسمتم في البرلمان على احترامه، وستكونون خارجين على الرئيس الشرعي الذي جاء بآلية رضيتم أنتم بالاحتكام إليها، وستجرمون وفق القانون.

فاتقوا الله وانسحبوا، فهذا الكلام نستطيع أن نقوله وتستطيعون أن تسمعوه اليوم قبل أن يأتي الرئيس الشرعي فلا نقوله ولا تسمعونه.

كلام الشيخ محمد قطب (رحمه الله)

وأختم بكلام للشيخ محمد قطب حفظه الله من كتابه "واقعنا المعاصر" قال حفظه الله واسمع إلى جمال وحكمة ودقة ما قال: "فالجماعات الإسلامية الداخلة في التنظيمات السياسية لأعداء الإسلام، يعني كالبرلمانات ومؤسسات الرئاسة، هي الخاسرة في اللعبة الدبلوماسية، والأعداء هم الكاسبون، سواء بتنظيف سمعتهم أمام الجماهير بتعاون الجماعات الإسلامية معهم أو تحالفها معهم التي تريد الحياة الدنيا وحدها وتتصارع وتتكالب على متاع الأرض ولا تعرف في سياستها الأخلاق الإسلامية ولا المعاني الإسلامية، فضلاً عن مناداتها بالشعارات الجاهلية وإعراضها عن تحكيم شريعة الله.

ولم يحدث مرة واحدة في لعبة الدبلوماسية أن استطاع المستضعفون أن يديروا دفة الأمور من داخل التنظيمات السياسية التي يديرها أعداؤهم. ولم يحدث مرة واحدة في لعبة الدبلوماسية أن استطاع المستضعفون أن يديروا دفة الأمور من داخل التنظيمات السياسية التي يديرها أعداؤهم، لأن الترس الواحد لا يتحكم في دوران العجلة، ولكن العجلة الدائرة هي التي تتحكم في التروس. وما حدث من إصلاحات جزئية عارضة في بعض نواحي الحياة على يد الإسلاميين لا تطيقه الجاهلية ولا تصبر عليه، وسرعان ما تمحوه محواً وتبطل آثاره، وتظل الآثار السيئة التي ينشئها تمييع القضية باقية لا تزول - قضية الشريعة، قضية تحكيم دين الله - وشرها أكبر بكثير من النفع الجزئي الذي يتحقق بهذه المشاركة."

انظر إلى العبارة الأخيرة قال حفظه الله: "وتظل الآثار السيئة التي ينشئها تمييع القضية باقية لا تزول، وشرها أكبر بكثير من النفع الجزئي الذي يتحقق بهذه المشاركة." انتهى كلامه حفظه الله.

اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد. اللهم دبر لأهل مصر فإنهم لا يحسنون التدبير. اللهم اهدنا واهد الضالين من المسلمين، واهد الجماعات الإسلامية لما تحب وترضى يا رب العالمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله.