تجديد حياة القلب بالقرآن
جدد حياة القلب بالقرآن كي تطمئن الروح بالإيمان، واتلوه بالآناء. السلام عليكم ورحمة الله.
إخوتي الكرام، في الحلقات الماضية رأينا استجابة فورية من الصحابة لأمر الله تعالى، أشبه ما تكون بكبسة زر. البعض يتصور أن هذا صعب، وأنه لا بد له من فترة زمنية حتى يعود نفسه على الالتزام بطاعة أو التخلص من معصية. وفي الواقع إخواني، إن ما قد يحتاج فترة بالفعل هو بناء الإيمان في القلوب. فإذا استقر الإيمان في القلب، فالطاعة التي تظهر على الجوارح سريعة، سرعة استجابة الجندي للأمر في ساحة المعركة.
الطاعة التي نراها ثمرة لجذور عميقة في النفس، ما قد يأخذ وقتاً هو نمو هذه الجذور، الإيمان. استجابة الصحابة بهذه السرعة لم تكن إلا لأن الإيمان عميق جداً في قلوبهم، عمق الجذور في الأرض. فإذا أردت استجابة فورية من نفسك أو ممن تدعوهم إلى طاعة الله، فاعتني بالجذور، اعتني بترسيخ الإيمان.
قصة معقل بن يسار رضي الله عنه
نحن اليوم على موعد مع نموذج آخر من ثمرات الإيمان العميق في النفوس. روى البخاري أن معقل بن يسار رضي الله عنه زوج أختاً له، فطلقها زوجها. حتى إذا انقضت عدتها، جاء الرجل ليخطبها من جديد.
أريدك أن تتصور معي مشاعر معقل بن يسار: زوج أخته للرجل، ودعا الناس إلى الزفاف، واستقبل التهاني، ثم إذا بأخته تطلق! ماذا كانت ردة فعل معقل؟ قال للرجل: "زوجتك وفرشتك" -يعني جعلتها لك فراشاً- "وأكرمتك، فطلقتها، ثم جئت تخطبها؟ لا والله لا تعود إليك أبداً!" ردة فعل متوقعة.
وكان مطلقها رجلاً لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه. فعلم الله الرحيم حاجتهما إلى بعضهما، فأنزل سبحانه: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} -يعني لا تمنعوهن- {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ۗ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُم يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۗ ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 232].
ماذا فعل معقل بن يسار عندما سمع هذه الآية؟ قال: "الآن أفعل يا رسول الله". قال الراوي: "فترك الحمية واستقاد لأمر الله"، يعني قياداً تاماً، فزوج أخته من الرجل. وفي رواية خارج البخاري أن معقل بن يسار قال: "رغم أنفي لأمر ربي"، أي لصق بالرغام وهو التراب.
مقارنة واستخلاص العبر
يمكن إذا حصل هذا الموقف مع بعضنا هذه الأيام، وجاء نسيبك ليتزوج ابنتك بعدما طلقها، فلعلك تقول: "أبداً، حلفت ما أزوجك إياها، وأنا كلمتي ما تنزلش الأرض!" معقل بن يسار يقول: ليس فقط كلمتي تنزل الأرض، بل وأنفي ينزل إلى الأرض، بما أن الأمر أمر الله عز وجل.
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم، إن التشبه بالكرام فلاح. والسلام عليكم ورحمة الله. اشتركوا في القناة.