الحلقة 25 - فوائد من قوله تعالى: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق) - الوصايا العشر / 3
جدد حياة القلب بالقرآن، كي تطمئن الروح بالإيمان، واتلوه بالآناء واستمطر به فيضاً وسحائب الغفران.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إخوتي الكرام. لازلنا مع الوصايا العشر العظيمة في سورة الأنعام. وقفنا في الحلقة الماضية مع الوصيتين الأوليين في قوله تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾.
الوصية الثالثة: حرمة قتل الأولاد من إملاق
ما الوصية الثالثة؟ قال ربنا عز وجل: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾. انظر كيف أن الله تعالى أرحم بالأبناء من آبائهم. ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ﴾. قتل النفس بغير حق عموماً محرم، لكن قتل الولد عن فقر خشية المزاحمة على الرزق، هذا جرم أكبر وأسوأ من جرم من يقتل غضباً أو طمعاً.
ففي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال: قلت يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله نداً وهو خلقك». قلت: ثم أي؟ قال: «أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك». قلت: ثم أي؟ قال: «أن تزاني بحليلة جارك».
أسباب عظم الذنب وضعف التوكل
من أسباب كون هذا الذنب أعظم من باقي أشكال القتل -والله أعلم- أن الذي يقتل ولده خشية الفقر لديه خلل في الإيمان بأسماء الله وصفاته. قتل الولد عن فقر دليل ضعف أو انعدام في التوكل على الله تعالى.
ليست هذه دعوة للتواكل وترك العمل مع الإنجاب، بل من ترك عياله ولم يسعَ على أرزاقهم أصابه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت». إنما هذه الوصية إخواني تؤسس لمبدأ عام وهو حرمة العدوان الناتج عن الخوف على الرزق وضعف التوكل على الله. فإن كان الدافع للمعصية هو ضعف التوكل والخوف على الرزق، فإن ذلك يزيد قبح المعصية وإثمها.
تطبيقات أوسع لمبدأ التوكل
التاجر الذي ينافس جاره بأساليب محرمة ويحاول الإضرار به وكسره وطرده من السوق خوفاً من أن يُغلب في المنافسة ويفتقر يوماً من الأيام، هذا التاجر ضعيف التوكل على الله، ضعف توكله وضعف إيمانه بأنه تعالى هو الرزاق. هذا الخلل في التصور يزيد قبح المعصية والعدوان، كما يزيد قبح قتل الولد.
الموظف الذي يشي بزميله ويقلل من شأن إنجازاته ويضخم من أخطائه لأنه يخشى أن تستغني الشركة بزميله عنه، هذا أيضاً عنده ضعف في توكله وإيمانه. هؤلاء جميعاً عليهم أن يتذكروا قوله تعالى: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾. فإن رزق الله زملاءكم وأقرانكم فلن ينتقص من أرزاقكم.
إذن كانت هذه الوصية الثالثة من وصايا الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾. نسأل الله تعالى أن يرزقنا صدق التوكل عليه. والسلام عليكم ورحمة الله.