→ عودة إلى بالقرآن نحيا

الحلقة 9 - وليعفوا وليصفحوا

٢٥ نوفمبر ٢٠١٢
النص الكامل للمقطع

مقدمة: طاعة الله ككبسة زر

جدد حياة القلب بالقرآن كي تطمئن الروح بالإيمان، واتلوه بالآناء واستمطر به فيض ربه وسحائب الغفران.

السلام عليكم ورحمة الله. إخواني وأخواتي، أحياناً عندما نتكلم عن طاعة الله تعالى، يقول قائل: "شوي شوي، ما في شيء بيجي مرة واحدة، يعني هي كبسة زر". وفي الواقع أن الإيمان يجعل الإنسان يطيع الله عز وجل بالفعل كأنها كبسة زر.

أمثلة على الاستجابة الفورية

في الحلقتين الماضيتين رأينا أمثلة من ذلك:

  • عمر كان في حالة غضب وهمّ أن يبطش بعيينه، فسمع: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} فتوقف وسامح.
  • الصحابة كانوا يشربون الخمر، فسمعوا: {فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} فأراقوها على الفور.

اليوم نحن على موعد مع مثال آخر، مسألة أصعب من الغضب وأصعب من السكر. إنسان يُطعن في عرض ابنته الصحابي، ومع ذلك عندما جاء أمر الله بالعفو والصفح، استجاب الصحابي كأنها كبسة زر. إنه الإيمان يصنع العجائب.

قصة أبي بكر ومسطح

كان لأبي بكر الصديق رضي الله عنه قريب فقير اسمه مسطح، وكان أبو بكر يبره فينفق عليه من ماله ويرحمه. عندما افترى المنافقون على أمنا عائشة رضي الله عنها واتهموها في عفتها، ماذا كان يتوقع من مسطح؟ أن ينبري للدفاع عن ابنة قريبه الذي يحسن إليه من قبيل البر والوفاء.

لكن مسطح كان ممن خاض في الإفك، فماذا كانت ردة فعل أبي بكر؟ قال: "والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً بعد الذي قال لعائشة ما قال". طبعاً ردة فعل متوقعة تماماً.

الأمر الإلهي بالعفو والصفح

لكن الله عز وجل يريد لعباده خلقاً أسمى، فأنزل تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

استجابة أبي بكر الصديق

ماذا كانت ردة فعل أبي بكر رضي الله عنه؟ قال: "بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي". فعاد ينفق على مسطح وقال: "والله لا أنزعها منه أبداً". والحديث رواه البخاري. يعني لا أوقف النفقة على مسطح أبداً. كأنها كبسة زر، تحول 180 درجة من: "والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً" إلى: "والله لا أنزعها منه أبداً".

الدروس المستفادة

قال ابن كثير تعليقاً على هذا الموقف: "فلهذا كان الصديق هو الصديق رضي الله عنه وعن بنته".

هل قل احترام أبي بكر عند المسلمين بعدما استجاب لأمر الله بالعفو؟ لا والله، بل يترضى عنه ويحبه مئات الملايين من البشر إلى يوم القيامة.

لذلك يا أخي، عندما يقال لك: سامح أخاك الذي أساء إليك، سامح صديقك الذي هجرته، لا تقل: "لا، لقد أساء إلي إساءة لا يمكن أن أنساها". لن تكون أكبر من إساءة مسطح لأبي بكر، ومع ذلك: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

والسلام عليكم ورحمة الله.