→ عودة إلى مرئيات

"بحب أسمع للكل" - كيف نحصن نفسنا قبل أن نسمع لأي أحد...

٢٥ يونيو ٢٠١٨
النص الكامل للمقطع

بحب أسمع للكل: كيف نحصن نفسنا قبل أن نسمع لأي أحد

السلام عليكم ورحمة الله.

تصوروا إخواني لو أنَّ شخصًا لا يُتقن السباحة، ومع ذلك يقول: "أنا أحبُّ كلَّما مررتُ ببركةٍ أن أسبح فيها، بغض النظر عن عُمقها، وبغض النظر هل هي ملوثةٌ أم لا؟" هل يُوصف مثل هذا بأنَّه عقلاني ومتفتح ومتنوَّر؟

أليس مثله تمامًا من يفتح أذنيه لكلِّ من تكلم في الإسلام وفي تفسير القرآن، ولو بكلامٍ شاذٍّ غريبٍ يُصادم إجماعات الأمة عبر القرون، ثم يقول لك هذا المُستمع: "أنا أحبُّ أن أسمع للجميع ثم أُقرر بعقلي"، وهو يظنُّ نفسه بذلك متنوّراً غير منغلقٍ على نفسه.

وهم الانفتاح على الشبهات

هل هؤلاء المُتكلمون المُشكِّكون عندهم حُججٌ قوية نخافُ منها عليك؟ لا والله، لكن المُشكلة ليست في قوتهم بل في ضعف المُستمعين لهم. فالسباح الماهر يسبح في بحرٍ عميق، والذي لا يُتقن السباحة يغرق في بركةٍ صغيرة، والشُبهات بنفس الشكل.

أنت تعتبر نفسك منفتحاً حين تسمع لهؤلاء؟ طيب، أريدك أن تسأل نفسك أخي: هل انفتحت على طلب العلم النافع الذي تميز به الحق من الباطل؟ هل التفتح هو أن تتفتح على الشبهات وأنت لم تنفتح بعد على العلم نفسه؟

هل انفتحت على التقوى وابتعدت عما تعلم يقيناً أنه معصية لتبقى مرآة بصيرتك نقية تميز بها الحق من الباطل؟ ليعطيك الله الفرقان كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا} تفرقون به بين الحق والباطل.

هل انفتحت على قراءة القرآن بتدبر وتفكر كما أمر الله لتفهم معنى قوله تعالى: {وَأَنَّ آيَاتِ الْقُرْآنِ بَيِّنَاتٌ} من قبل أن يأتي غربان الفضائيات المشككون فيما كانت عليه الأمة؟ أم أن غربان الفضائيات هم المؤمنون المقصودون في هذه الآية في وجهة نظرك؟

هل انفتحت على قوله تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} بمثل ما آمنتم به يا أصحاب محمد، وليس بمثل ما يروج له غربان الفضائيات؟

هل انفتحت على دراسة ما يبذله أعداء الإسلام لصدّك عن دينك؟ هل اطلعت على تقارير مراكز التخطيط الاستراتيجي الغربية التي تنص على أن من استراتيجياتها تصدير من يحرّفون الإسلام بحسب أهوائهم بما يشلّك عن مقاومة أعدائك؟

أخي، إذا كان عندك وقت تتنور، فهناك أشياء كثيرة مما ذكرنا يمكن أن تتنور بها.

التنوير الحقيقي والتحصين

هل انفتحت على قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} وقوله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ}؟ هل هناك لغو أوضح من لغو أعدائك الذين شعارهم: {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}؟

هل انفتحت على حقيقة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى صحيفة مع عمر فيها شيء من التوراة غضب عليه الصلاة والسلام؟ هل كان عمر ضعيفاً كضعفي وضعفك؟ أبداً، لكن مع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حرص أن نقي نحن المسلمين مصدر التلقي. أم أن حضرتك مش منفتح على أي من ذلك؟ ومقفِّل مع كل ذلك؟ وحاجر عقلك عن كل ذلك؟ وجايت تنفتح على ماذا؟ على سموم غربان الفضائيات؟

انظر إلى حجم المأساة عندما تُقصِّر في طلب العلم النافع، ثم تطمس نور بصيرتك بالمعاصي، ثم تجهل مخططات أعدائك ودراساتهم، ثم تعرض نفسك لفتن الشبهات، عاصياً الله تعالى في هذه المحطات كلها، فتقع فريسة لهؤلاء، ثم تصيح وتولول: "ليش الإسلام مش واضح؟ لماذا يا ربي لم تهدني؟" {قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ}.

بديل مشايخ السلطان

ستقول لي: "أسمع لهم لأني فقدت الثقة في مشايخ السلطان". سأقول لك حينها: "أنا مش فقدت الثقة في مشايخ السلطان، بل لم أثق بهم يوماً والحمد لله". لكن هل البديل عنهم غربان يخرجون من الباب الخلفي لبيت السلطان أيضاً وعلى فضائياته وبدعم منها؟ أم البديل أن تبحث عن العلماء الربانيين الثقات الحقيقيين المهمشين عمداً؟

أليس السلاطين الذين يحبسون العلماء والدعاة ولا حتى بأي عذر معلن مؤخراً هم أنفسهم الذين يصدرون غربان الفضائيات ويفسحون لهم المجالات؟ أليست الجهات نفسها التي تعرض في رمضان مسلسلات تروج للزنا بين الجيران وترك اللقطاء على أبواب المساجد هي نفسها التي تصدر غربان الفضائيات المشككين لتسمعهم؟

سموم الأفكار

هل إذا قلت لك: "أنا أحب كلّما عُرض عليّ طعامٌ أن أذوقه، ثم أقرر هل أكمل التناول منه أم لا؟" حتى لو كان الطعام مقدّماً لي من عدوي الذي أعلم يقيناً أنه حريصٌ على تسميمي، وحتى مع علمي بأنَّ هناك سموماً تسمُّ بلا لونٍ ولا طعم، هل أكونُ بذلك متنوِّرًا عقلانيًّا متحررًا؟

شباكٌ مفروضة يقول لك أصحابها: "تعالَ نصطادُك"، فتسيرُ باتجاهِها، هل هذا تنوَّرٌ أخي؟ هل هذا تنوَّر؟

إشغال العلماء والمصلحين

من أيامٍ جاءتني قائمة بأبحاث لإخوة فضلاء يردون فيها على أحد غربان الفضائيَّات، جُهدهم مشكور، لكنَّ المؤلم حقيقةً في الموضوع، كمية الجهد والوقت المبذولين في الرد على تفاهات لا قيمة لها لو كان عند الناس شيءٌ من الحصانة.

هل يُعقل أخي كلما خرج على الفضائيات غرابٌ جديد أن يتصدَّى من بقي من المُصلحين خارج السجون؟ أن يتصدَّوا لبيان باطله والرد على هرائه وتتبُع أكاذيبه؟ بالله عليك، أليست هذه طريقةً فعالة وممتازة لأعدائنا حتى يشغلوا أوقات العلماء والمُصلحين؟

ألن نصل إلى مرحلة الحصانة العلمية الفكرية النفسية بحيث ننتقل معا جميعاً إلى مرحلة النهوض بأمتنا واسترداد أمجادها؟

الخلاصة: التنوير الحقيقي

لذلك ختاماً إخواني، أدعو كل منفتح بدل ما ينفتح على زبالات معروضة على محطات المجرمين، أدعوه أن ينفتح على التنويريات الحقيقية التي ذكرنا والتي تتلخص في: تدبر القرآن، والعلم النافع، والتقوى التي تعدل ميزان القلب، وفقه الواقع، ومخططات الأعداء.

والسلام عليكم ورحمة الله.