→ عودة إلى مرئيات

بخصوص الدكتور محمد مرسي

٢٠ يونيو ٢٠١٩
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم ورحمة الله.

مقدمة وتوضيح المقصد الأولي

نشرت أول أمس يا كرام كلمة بمناسبة وفاة أو اغتيال الدكتور محمد مرسي، ثم ذهبت لتحضير وإعطاء محاضرة. ولما خرجت من المحاضرة رأيت كثيرًا من التعليقات، مثل: "لماذا هذا العزاء الفاتر في الرئيس الشرعي الذي كان يمثل الحق؟" والبعض يقول: "هل ترى أنه لا يجوز الترحم على الدكتور محمد محمد مرسي؟" وبعض التعليقات كان مستفزًا، بحيث فضلت أن أؤخر الحديث في الموضوع ولا أتكلم تحت وطأة هذه الأجواء المشحونة رغبةً في رضا أحد من الناس أو رهبةً من استفزازه.

وأقول الآن: كان مقصد منشوري يا كرام أن ننحي أي تخالفات ونجتمع كمسلمين على التركيز على مأساة المظلومين بشكل عام في سجون الظالمين. لكن بما أن عكس ذلك قد حصل، وتحول المنشور وسوء فهمه إلى سبب للتناحر، فإني سأذكر موقفي كاملًا وأذكر الأمور الخلافية، لأن ذلك أدعى الآن لوأد الفتنة.

موقفي من الترحم على الدكتور مرسي

هل أجد مانعًا شرعيًا من الترحم على الدكتور محمد مرسي؟ هل أكفره كما ادعى البعض؟ الجواب: لا. وأول ما تلقيت الخبر ترحمت عليه، كان ذلك يوم الاثنين أثناء البث المباشر لمسابقة "تبيانًا لكل شيء". ممكن تتحقق من الخبر؟ "ربنا بي؟" الخبر أكيد. "الخبر أكيد؟" أكيد 100%. "وفاة محمد مرسي أثناء المحاكمة؟" أغمي عليه ثم توفي. "أكيد؟" نعم. كان يطالب بإكمال القاضي ولكن رفض، فأغمي عليه بعد أن توفي. الله المستعان. نسأل الله له الرحمة والمغفرة.

طبعًا إخواني، الذي يتابعني من عام 2012 بعد الخروج من عزلة سياسية للسجن يعني. لكن مع ذلك في مثل هذه المواقف لا نقول نسأل الله له الرحمة والمغفرة ولكل المسلمين، ونسأل الله لهم النجاة من سجون المجرمين الظالمين.

الدعاء للمظلومين عامة

ونسأل الله عز وجل أن يشفي صدورنا ممن يظلمون الناس بهذا الشكل. اللهم إنا نبرأ إليك من ظلم كل مسلم، ونسأل الله عز وجل أن يجعل ما يلقاه المسلمون بشتى اتجاهاتهم، بشتى أفكارهم، بشتى أحزابهم في سجون الظالمين، أن يجعله لهم كفارة لذنوبهم، رفعة لدرجاتهم، ليلقوا الله عز وجل خالين من أي ذنب. وحسبنا الله ونعم الوكيل.

اللهم انتقم من الظالمين المسلمين، وارحم من توفي من إخواننا المسلمين أيًا كان اتجاههم، ما داموا يوحدونك ويشهدون لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة، واجعل ما لقوه ويلقونه كفارة لذنوبهم يا رب العالمين.

توقيت ذكر التحفظات والخلافات

لكن يا دكتور إياد، هل هذا هو الوقت المناسب لذكر التحفظات والخلافات والأخطاء مع رجل مظلوم قتل أو مات بهذه الطريقة؟ أنا أجيبكم: لا، ليس الوقت المناسب. الآن وقت اجتماع المسلمين أمام الظلم. لذلك في المنشور في اليوم التالي لم أتكلم عن شخص الدكتور مرسي ولا عن تحفظاتي عليه ولا على منهجه في التغيير. عند تلقي الخبر نعيته رحمه الله وذكرت تحفظي. وفي اليوم التالي في الموقف المكتوب أزحت التركيز عن شخص الدكتور مرسي وعن الأخطاء وركزت على القضية الأكبر والأهم.

طيب، أسيء الفهم وأعادنا البعض لمربع الدكتور مرسي. إذن دعوني أفصل من جديد. أقول: رحم الله الدكتور محمد مرسي، وأبرأ إلى الله من خطأ منهجه الذي ناقشته بالتفصيل مناقشة شرعية، ومن بعض مواقفه التي لا يناسب المقام ذكرها. لزرتهم وعزيتهم، فرج الله عنهم وعن إخواننا أجمعين.

أنا أترحم على الدكتور مرسي بوصفه مسلمًا توفي مظلومًا، فظلمه مشكلتهم مع الإسلام ذاته لا مع حزب أو جماعة.

توضيح الموقف من الشرعية والديمقراطية

لكن في الوقت ذاته أنبه على أنه مع موجة التعاطف مع الدكتور مرسي طفت على السطح من جديد مصطلحات "الرئيس الشرعي" الذي يدافع عن "الشرعية". هل أنا متفق مع هذه المصطلحات؟ طبعًا لا، ولا أريد أن يفهم أني مؤيد لهذه المصطلحات. وكنت وضحت بالتفصيل أني لا أعترف باستمداد الشرعية من خلال صناديق الاقتراع، بحيث إذا اختار الشعب مسلمًا أو نصرانيًا أو ملحدًا ليحكمه بقوانين وضعية مخالفة لشريعة الله تعالى، فإن هذا المنتخب يصبح رئيسًا شرعيًا.

فنحن يا جماعة نقاوم استعباد الأفراد للبشر، لا لنحل محله استعباد البشر لأهوائهم، بل وللنظام العالمي من خلال وهم الديمقراطية وستار الديمقراطية.

التحذير من تجيير التعاطف

إذن، فهناك نبرة عالية تريد تجيير التعاطف مع الدكتور مرسي لصالح هذه السبل غير الشرعية، والتي أضاعت أعمار وجهود كثير من المسلمين المحبين لربهم ودينهم. بل والبعض أصبح يكتب أن وفاة الدكتور مرسي بهذا الشكل لن تثنينا عن طريق السلمية ونضالنا السلمي إلى آخره. طبعًا والظاهر أن مقصوده بالسلمية أن نبقى ندور في دهاليز الديمقراطية وفق قواعد اللعبة التي يسمح بها النظام الدولي.

لماذا يا كرام لا نتعلم من أخطائنا؟ فنرجو المغفرة لمن أخطأ، ونبحث في الوقت ذاته عن السبيل الصحيح. لذلك فأنا أنعى الدكتور مرسي كمسلم قتله ظلمة، لا بوصفه ممثلًا للشرعية، ولا ممثلًا للحق بمنهجه.

الرد على المعترضين على الترحم

على الجهة الأخرى سيعترض البعض على هذا الترحم، ويقول: "كيف تترحم عليه وقد قال كذا وكذا من الأقوال؟" لكن من ثبت إسلامه بيقين لا يزول عنه اسم الإسلام إلا بيقين. وباب موانع إخراج مسلم من الإسلام واسع ما دمنا قد بينا خطورة الأفعال ورفضنا لها. وسنضع في التعليقات سلسلة مقالات فيها تصويب لكثير من المفاهيم المتعلقة بالإيمان ونواقضه وموانع إخراج مسلم من الدين. من لم يتفق معها كاملة فليس أقل من أن تجعله يعذر مخالفه.

هل يمكن أن أكون في شيء من هذا كله قد أخطأت التقدير ولم أحقق التوازن الصحيح؟ ممكن. وإن كان بدر مني شيء من ذلك فأستغفر الله عنه، وما أريد إلا الإصلاح ما استطعت. ومن رأى بعد ذلك أنه أخطأ في حقي عن حسن نية فإني مسامحه على أن يبين وينصف العبد الفقير ولا تأخذه العزة بالإثم.

خاتمة ونصيحة

وختامًا يا كرام، قال الله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}. الفرق بين شريعة خالق السماوات والأرض رب العالمين، وفي المقابل الديمقراطية وما لا نرتضي من مسارات، ليس فرقًا هينًا يمكن المجاملة فيه أو التلبيس على الناس فيه. وفي الوقت ذاته نرحم من أخطأ من المسلمين، فأهل السنة يعلمون الحق ويرحمون الخلق.

ولا تتوقع مني يا كرام أن أرد على التعليقات التي تريد مناقشة منهج الحركات. ما تم تفصيله في عشرات الحلقات والمقالات لا يمكن اختصاره هنا في سطور، لكن نضع روابط ومن شاء فليرجع إليها.

نسأل الله تعالى أن يرحم عبده محمد مرسي، ويرحم من توفي من المسلمين في سجون الظالمين، وأن يفرج كرب من بقي منهم، ونسأله سبحانه أن ينتقم من ظالميهم، وأن يجمعنا جميعًا على الحق في الدنيا ثم إخوانًا على سرر متقابلين في الجنة حيث لا غل في الصدور. والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله.