→ عودة إلى مرئيات

تنبيه على سوء توظيف لكلمتي (غير المسلمين: هل كلهم في النار؟ )

٤ يوليو ٢٠٢٠
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم ورحمة الله، مساكم الله بالخير يا كرام، ومنحكم موفورة الصحة والعافية.

تنبيه على سوء توظيف لكلمتي (غير المسلمين: هل كلهم في النار؟)

إخواني، نبهني أحد الإخوة على سوء استخدام لكلمة نشرتها سابقًا بعنوان "غير المسلمين: هل كلهم في النار؟" فأحببت أن أنبه حتى لا يساء توظيف الكلمة.

أصل القصة وسوء الفهم

ما القصة ابتداءً؟ القصة أن أحدهم نشر مقطعًا بعنوان "محدش هيدخل الجنة" أو "لن يدخل الجنة" لم أحضرها، وحاليًا أخوكم مشغول جدًا حقيقةً ما بين الناحية المهنية في البحث العلمي والتحضير لحلقات نوعية نختم بها سلسلة المرأة بإذن الله تعالى، لنعود بعدها إلى رحلة اليقين ونحاول أن نكون سببًا في دخول الناس الجنة ونجاتهم من النار، وهذا أهم ما في الموضوع. فالوقت ضيق، وبما أني لم أشاهد المقطع المذكور فلن أحكم على ما فيه.

لكن المهم في الموضوع أن بعض الناس فهم من هذا المقطع لهذا الشخص أن عامة غير المسلمين في العالم اليوم معذورون لأن الإسلام وصل إليهم مشوهًا، ولأن المسلمين ليسوا سفراء جيدين في تمثيل الإسلام. بعض الإخوة ردوا عليهم أن كلامكم باطل، كيف معذورون يعني؟ فقالوا لهم: بلى، وهو الدكتور إياد يقول كلامًا مشابهًا في كلمة له بعنوان "غير المسلمين: هل كلهم في النار؟" هنا مربط الفرس.

توضيح الموقف من الكلمة السابقة

لست هنا لأعيد مناقشة موضوع غير المسلمين ومصيرهم، ولا لأناقش الكلمة التي أثارت الجدل مؤخرًا، ولكن لأقول لمن يسيء فهم كلامي: لا، لا تستشهد بكلامي على مفهوم باطل لو سمحت.

أنا في كلمة "غير المسلمين: هل كلهم في النار؟" ذكرت أقوال الإمام الغزالي وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمة الله عليهم جميعًا في من قامت عليهم الحجة الرسالية ومن لم تقم عليهم.

أصناف الناس عند الإمام الغزالي

الغزالي تكلم عن ثلاثة أصناف:

  1. قال: صنف لم يبلغهم اسم محمد صلى الله عليه وسلم أصلاً، فهم معذورون.
  2. وصنف بلغهم اسمه ونعته، يعني صفته وما ظهر عليه من المعجزات، وهم المجاورون لبلاد الإسلام والمخالطون لهم، وهم الكفار الملحدون.
  3. قال: وصنف ثالث بين الدرجتين، بلغهم اسم محمد صلى الله عليه وسلم ولم يبلغهم نعته وصفته، بل سمعوا أيضًا منذ الصبا أن كذابًا ملبسًا اسمه محمد -حاشاه- ادعى النبوة، فهؤلاء عندي في معنى الصنف الأول، يعني المعذورين. فإنهم مع أنهم سمعوا اسمه، سمعوا ضد أوصافه، وهذا لا يحرك داعية النظر، لا يحركهم ولا يحثهم لينظروا في أمره ويتحققوا من صحة دعوته.

مغالطة "الدعوة المشوهة"

الآن كثير من الناس يتحمس ويقول لك: خلاص إذن عامة الأمم اليوم من غير المسلمين هم من هذا الصنف الثالث الذين وصلتْهم دعوة الإسلام مشوهة. لا، خدوا بالكم يا إخواننا، ليس هناك نبي إلا شوهت دعوته وعودي، كما قال ورقة بن نوفل لنبينا صلى الله عليه وسلم: "لم يأتِ رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي" كما في البخاري. إذن ليس هناك نبي إلا شوهت دعوته وشوه شخصه الكريم وعودي، ومن أكثر وسائل المعاداة في كل أوان التشويه والافتراء ومحاولة إسقاط الشخصية.

فليس كل من وصلته دعوة الإسلام مشوهة يعتبر معذورًا، بل هناك حد أدنى من دعوة الإسلام، إذا وصل هذا الحد الأدنى الأقل إلى شخص، فإن عليه أن يتحرى ويسأل ليعرف الحق من الباطل.

الحد الأدنى لقيام الحجة

هنا يجدر بنا أن نسأل السؤال المحدد التالي: ما هو الحد الأدنى من دعوة الإسلام، الذي إذا وصل شخصًا قامت عليه الحجة حتى لو كانت مختلطة بالكثير من التشويه؟ قامت الحجة يعني بحيث لا يعذر هذا الشخص. ما هو الحد الذي أشار إليه الإمام الغزالي بتعبير "يحرك داعية النظر" يعني يوجب على الشخص أن يبحث ويتحرى؟

شوفي يا كرام، الذي يظهر من كلام أهل العلم والله أعلم أن الحد الأدنى الذي تقوم به الحجة هو مضامين الشهادتين وسورة الإخلاص. يعني: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن محمدًا صلى الله عليه وسلم يدعو إلى توحيد الله تعالى وينهى عن الشرك.

سورة الإخلاص: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾. فسورة الإخلاص تصف الله تعالى بأوصاف الكمال المطلق، وهذا يوافق فطرة الإنسان، وتخرج الأديان الأخرى كلها التي وصفته سبحانه بأوصاف باطلة تصادم الفطرة. "الله أحد" ليس معه آلهة وكل المعبودات من دونه باطلة. "لم يلد ولم يولد" بخلاف قول النصارى. "ولم يكن له كفوًا أحد" وهذا يخرج اليهود أيضًا الذين يصفون الله تعالى في كتابهم المحرف بما لا يليق بكماله، بما لا يليق بكماله من أنه صارع يعقوب وأنه نام واستراح وما إلى ذلك، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.

آها، عليه هو أن يبحث ويتحرى، خاصة في هذا الزمان الذي تستطيع فيه أن تستخرج جهاز الموبايل وتستخرج معلومات مفصلة منه يجيبك وأنت مسترخٍ على كرسيك، أنت مستريح على الكرسي، بتكبس كبسة بتطلع معلومات كاملة.

دور الفطرة في البحث عن الحق

قد يقول قائل: لكن إذا كل واحد مطلوب منه أن يتحرى عن كل شخص ادعى أنه نبي فمش هيخلص هذا. نقول له: دعوة الإسلام ليست كأية دعوة، بل إن الله عز وجل جعل في النفس فطرة تنجذب للتوحيد، كما في آية الميثاق قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [الأعراف: 172-173]. وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون.

هناك يا كرام فطرة ستنجذب عندما يسمع هؤلاء دعوة التوحيد، حتى وإن هودهم آباؤهم أو نصروهم أو مجسوهم. هناك فطرة تشعرهم بأن ما هم عليه باطل، ﴿فَلَا تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ﴾. الفطرة تجعلهم يحسون ببطلان ما هم عليه ويفضلون التوحيد على دينهم المحرف. فالذي يصله أن الإسلام يدعو إلى توحيد الله ويصفه بأوصاف الكمال، هذا قامت عليه الحجة، وإن شوه الإسلام له، فإن المقدار الذي بلغه عن الإسلام كان يجب أن يحركه للبحث والتحقق، فهو مقدار يسد فجوة روحية فطرية كبيرة لديه، يسد فجوة روحية فطرية كبيرة لديه، تأزه أزًا، تحركه تحريكًا للبحث والتحري.

سهولة الوصول للمعلومة في العصر الحديث

الآن مع انتشار المسلمين في كل بلاد الدنيا وسهولة الحصول على معلومات مفصلة عنه ووجود ترجمات لمعاني القرآن بكل اللغات، يصبح من الباطل أن نقول أن عامة الناس معذورون لوجود التشويه الإعلامي أو سوء التصرف من كثير من المسلمين.

الإعراض عن الحق عند ابن القيم

كذلك يا كرام في كلمة "غير المسلمين: هل كلهم في النار؟" ذكرنا النقل عن ابن القيم في حق الإنسان المعرض الذي لا يهمه أن يتعرف على خالقه ولا أن يعبده ولا أن يعرف الدين الحق من الباطل، يعني لا سائل في الإسلام ولا في غير الإسلام، وإنما يعيش لشهواته. وذكرنا كلام ابن القيم أن هذا من كفر الإعراض، وليس صاحبه معذورًا، ولا اعتقدوا فيه اعتقادًا باطلًا بل يجحدونه، وينكرون بدهيات العقول ويعاندون فطرتهم، ولا يكلفون أنفسهم بالبحث عن الدين الحق. هؤلاء من الباطل القول أنهم معذورون.

مصير من لم تبلغهم الحجة

أيضًا يا كرام في كلمة "هل كلهم في النار؟" ذكرنا أن الراجح هو أن الذين لم تقم عليهم الحجة من غير الأصناف المذكورة، الذين لم يصلهم أصلاً دعوة الإسلام، أرادوا معرفة الحق فلم يستطيعوا، هؤلاء يمتحنون يوم القيامة. فإذا قلنا عن شخص أنه لم تقم عليه الحجة، فهذا لا يعني بالضرورة أنه من أهل الجنة ومن الناجين من النار، بل يمتحن يوم القيامة كما في الحديث الذي صححه عدد من أهل العلم.

خطر التوسع في الأعذار

خدوا بالكم يا إخواني، التوسع في عذر الناس بغير حق فيه إبطال للإيمان بقول الله تعالى، كيف يعني؟ يعني إذا الشخص اللي مش سائل في الدين ولا كلف نفسه أن يبحث لكن عنده إنسانية فهذا في الجنة، والذي سمع عن الإسلام مشوهًا فلم يسلم ولم يتحر ولم يكلف نفسه وإن يبحث وهو أيضًا في الجنة، فخلاص لا داعي أن ندعو الناس إلى الإسلام، خليهم على جهلهم وضلالهم، وخلي دعوتنا دعوة إنسانية علشان يدخلوا الجنة، لأننا إن دعوناهم دعوة صحيحة إلى الإسلام فكفروا بها سيذهبون إلى النار، فلا بلاش بلاش بلاش ندعو الناس إلى الإسلام.

قولوا لي بالله عليكم كيف يكون النبي صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين إذن؟ إذا كان من لم يؤمن به لأنه أعرض عن تعلم الدين أصلاً معذورًا، ومن لم يؤمن به لأنه سمع به سماعًا مشوهًا ولم يكلف نفسه بالبحث معذورًا أيضًا، فبلاش نخبر الناس الحقيقة عن نبينا صلى الله عليه وسلم خوف ما يكفروا ويدخلوا النار. لا، خليهم على جهلهم أو إعراضهم، ونترك كل الآيات التي تأمرنا أن ندعو الناس إلى دين رب العالمين. بالله عليكم هل يقول بهذا الكلام عاقل؟

دور المسلم في تبليغ الدعوة

بعد هذا كله، ركز على دورك أيها المسلم أن تبلغ الدعوة الحقة وتعرف الناس بدين الله الحق، وأن تكون أداة الله عز وجل في استنقاذ الناس من النار. وفي الوقت ذاته تعتقد وتجزم بالحقيقة التي هي من أكثر الحقائق تأكيدًا في القرآن والسنة أن المؤمنين في الجنة والكافرين في النار.

نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يهدينا ويهدي بنا وينقذ بنا الناس من النار. والسلام عليكم ورحمة الله.