حوار مع الدكتورة آلاء النجار
السلام عليكم. كنت مهتمًا أن أسمع من الدكتورة آلاء النجار ما الذي صبرها أمام الفاجعة التي تلقتها: وفاة تسعة من أطفالها بطريقة أليمة، ثم زوجها. نسأل الله أن يرحمهم جميعًا ويتقبلهم في الشهداء، وأن ينتقم من قاتلهم. فهذا التصبير للدكتورة آلاء من تجليات رحمة الله التي أحرص أن أتأملها. لكن الدكتورة كان واضحًا أنها لا تحب ظهور الإعلام ولا الإدلاء بالتصريحات أمام الكاميرات.
إلى أن جاءتني رسالة من أخ أعرفه، طبيب في فلسطين، قدر الله أن يكون ضمن من رافقوا الدكتورة أثناء نقلها للسفر خارج فلسطين، وقد طلب مني ألا أفصح عن اسمه. يقول لي صاحبنا: سألنا الدكتورة بتردد، لأننا لم نرد أن نقلب عليها المواجع، "كيف صبرتِ يا دكتورة؟" فأجابت وهي المعروفة بوقارها وتمسكها بنقابها بإجابة فيها دروس وعبر، نلخصها فيما يلي:
أسباب الصبر عند الدكتورة آلاء
قالت: لا شك أننا في النهاية بشر نتألم ونحزن، لكن نتصبر. وكان مما يصبر:
-
التعرف إلى الله في الرخاء: "تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة" كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم.
-
تذكر حديث "بيت الحمد": تذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ولد العبد، قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول عز وجل: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول عز وجل: فماذا قال عبدي؟ -وهو عز وجل أعلم- فيقولون: حمدك واسترجع. -يعني قال: إنا لله وإنا إليه راجعون- فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسموه بيت الحمد."
-
وفاة الأبناء صالحين وحفظهم للقرآن: قالت الدكتورة آلاء: "توفي أبنائي صالحين والحمد لله، وكبارهم كانوا يحفظون القرآن، إلا أن آدم حافظ لكنه لم يسرد بعد." فقال صاحبنا الطبيب: "تأثرت حين سمعت هذه الكلمة، كأن هناك نقصًا أن آدم الذي يعني عمره 11 أو 12 سنة فقط، وإن كان حافظًا لكنه لم يسرد القرآن في يوم واحد بعد."
-
الاستعانة بالصبر والصلاة: ذكرت الدكتورة قول الله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ}. وقالت: "كان لي دوامان، الفترة الصباحية في العيادة الميدانية والمسائية في الطوارئ. فكان معي مصحفي وفي نيتي أن أقرأ سورة الكهف وشرعت في الأذكار، إذ جاءني خبر أولادي."
قصة حفظ آدم للقرآن
أيضًا سأل صاحبنا الدكتورة: "كم كان عمر آدم حين أتم حفظ القرآن؟" فقالت الدكتورة: "سبع سنين." فقال لها: "سبع سنين! إذا كم عمره حين بدأ يحفظ القرآن؟" فقالت: "خمس سنين." "خمس سنين يا دكتورة؟" قالت: "نعم. لم يكن شيئًا سهلاً، وكان أبوه رحمه الله يشجعه ويتابعه، وقد تطلب ذلك منا الكثير من المجاهدة." تذكر أنها طبيبة مع ما في مهنة الطب من الانشغال طبعًا، ومع ذلك كرست من وقتها لتحفظ ولدها القرآن من عمر خمس سنوات. ثم قالت: "عندما حفظ أخوه الأكبر -الأخ الأكبر لآدم أظنه يحيى- يعني عندما حفظ أخوه الأكبر كتاب الله، شجع ذلك آدم وأصبح الإخوة يشجع بعضهم بعضًا."
"طيب، لكن كيف يا دكتورة حفظ طفل صغير خلال سنتين فقط، حتى وإن كان بمتابعة وتشجيع؟ فقط سنتين؟" فقالت الدكتورة: "المصحف تقريبًا 600 صفحة، فإذا حفظ كل يوم صفحة -طبعًا مع مراجعة مستمرة لما سبق- فإنه يتم خلال سنتين." الدكتور صاحبنا يقول: "الطريقة التي أجابت بها الدكتورة آلاء عن هذا السؤال صدمتني، يعني بهذه السهولة! كل يوم صفحة بس؟"
تأملات الطبيب
قال صاحبنا بعد ما ذكر هذا كله: "الله المستعان، نحن أبناؤنا يمضون أوقاتهم في اللهو واللعب، وحواشي الأوقات قد يحفظون فيها شيئًا من القرآن، بينما هؤلاء على العكس تمامًا." وختم رسالته الصوتية بنبرة مؤلمة كأنه يجهش في البكاء قائلًا: "الله يفرج كربتهم. حسبي الله ونعم الوكيل في من خذلهم، حسبي الله ونعم الوكيل في من قصر معهم، وحسبي الله ونعم الوكيل في من حاصرهم. أي والله حسبي الله ونعم الوكيل. فالاء النجار لم تخسر زوجها وأبنائها، آلاء لم تخسر زوجها وأبنائها، ونسأل الله أن يكونوا قد سبقوها إلى الجنة، نسأل الله ذلك. ولكن الأمة هي من تخسر هذه النماذج التي يعز مثلها في العالم كله. يا رب أعنا على نصرتهم، نصرة ترفع عنا بها إثم الخذلان، وارحم أبناء وزوج الدكتورة آلاء، واجمعها بهم في عليين، وهيئ لهذه الأمة من أمرها رشدًا. والسلام عليكم ورحمة."