→ عودة إلى مرئيات

حول الألم إلى أمل وعمل

١٣ سبتمبر ٢٠٢١
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تحويل الألم إلى أمل وعمل

أيها الكرام، بعدما نشرنا كلمة "ماذا خسر الأفغان بخروج الاحتلال"، علَّق كثير من الإخوة بأنه شعر بالألم الشديد وبالقهر من هذه المعلومات عن معاناة الأفغان في ظل الاحتلال. وعلَّق كثيرون أنهم لم يستطيعوا إكمال الحلقة من شدة الألم.

فضروري أوضح يا أحبّة أن الألم ليس هو المقصود من الكلمة، لكنه مطلوب بالمقدار الذي يحقق اليقظة، ويوقع في نفسك الهمة الإيجابية لأمتك. وقود السيارة، يعني البنزين، إذا خرج عن مساره في السيارة أحرقها، وإذا سار في مساراته يحرّكها. لا نريدك أن تحترق، ولا أن تكتئب وتحبط بالمعلومات التي سمعتها. وإنما أن تحوّل الألم والقهر إلى قوةٍ دافعةٍ إيجابية، تحثك على العمل لرفعة دينك وإنقاذ أمتك والبشرية من أعدائها.

تجربتي الشخصية في تحويل الألم

دعوني أقول لكم شيئًا، هذا التحويل هو شيءٌ استفدت منه في حياتي كثيرًا بفضل الله. تعرضت في حياتي لفتن وشهوات، لكن كانت آلام أمتي تمنعني من أن أرتع فيها مع الراتعين.

أذكر أني قبل عشرين سنة كنت أدرس في أمريكا، عدت من الجامعة يومًا إلى السكن، فوجدت زميلي في السكن قد ترك صحيفة إسلامية على الطاولة. رفعت الصحيفة فإذا بصورة كوم من الرماد على الصفحة الرئيسية. استغربت من اختيار هذه الصورة للصفحة الرئيسية، لكن عندما دققت النظر فيها فإذا بمعالم وجه محترق، يد محترقة، رجل محترقة. ما القصة؟ مجموعة من المسلمين في جزر إندونيسية يُكوَّمون في مسجد ثم تُضرم بهم النار. فرأيت ما تشيب له مفارق الولدان، وتفتحت عيناي على معاناة كبيرة للمسلمين أين؟ في أكبر بلد مسلم في تعداده السكاني، ولم أكن قبل ذلك أعلم عن هذه المأساة شيئًا.

لم أنكسر ولم أحبط ولم أكتئب، بل قلت لنفسي: لقد ذُخرت لأمر لو فطنت له، فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل. كنا نتعرض لفتن شديدة، لكن حبنا لإخواننا المسلمين المستضعفين وحرقتنا عليهم يمنعنا من أن نقع فيما يقع فيه الغافلون. لا أستطيع أن أخونهم وأغرق في المعصية وأتركهم يعانون، بل حرصنا في بلاد الغرب على الدعوة وإثارة قضايا المسلمين. ولا زال الألم لإخواني المستضعفين والمحبة لهم والإشفاق عليهم من أكبر دوافع دعوتي التي أرى لها ثمارًا ولله الحمد.

نعمل السلاسل لزرع اليقين في النفوس وإزالة الشبهات واستثارة العزة الإسلامية وبث الوعي، وفي ذهني أني أستثمر هذا كله لرفع الظلم عن إخواني وأخواتي واستعادة عز المسلمين. هذا المطلوب منك يا أخي، لا أن تُحبط ولا أن تقف عند الألم، بل أن تُحَوِّله إلى أملٍ وعمل.

قضاء الله والحكمة منه

تذكروا يا كرام أن كلَّ هذا الذي يحصل هو بقدر الله الحكيم. قدَّره ليبتليك، فماذا أنت فاعل؟ قال الله تعالى: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ}.

ويتمنى لو تسوَّى به الأرض، ويقول: يا ليتني كنت ترابًا. وربُّك لا ينسى، فيومئذ لا يعذِّب عذابه أحد، ولا يوثق وثاقه أحد. كلُّ العذاب الذي عذَّبوا به المسلمين سيهونُ أمام العذاب الذي سيلقونه جزاء إجرامهم، وسيجبرُ الله خاطر المظلومين. فاليومَ الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون. أما هذه الدنيا التي نحن فيها فهي دار بلاءٍ لا دار جزاء، دار بلاء لا دار جزاء.

تحويل الألم إلى مشروع عملي

بداية الطريق أن تتخذ قرارًا حقيقيًّا جازمًا بأنك تريد أن تكون جزءًا من نجاة أمَّتك، لا جزءً من الحرب عليها. فبعض الناس يتألم لما يرى ما يحصل لأمته، لكنه في واقع الحال يساهم في نشر الشهوات أو الشبهات، أو يعاون المنافقين والظالمين على حرب المسلمين، فهو في الحقيقة جزءٌ من الحرب على المسلمين، جزءٌ في الجريمة شعر أم لم يشعر.

بعد ذلك حوّل ألمك إلى مشروعٍ تخدم به أمتك. مشروع في ماذا؟ كل ما يفيد الأمة لا تستهن به، فقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: "لا تحقرن من المعروف شيئًا، لا تحقرن من المعروف شيئًا". أمتنا كالمريض المثخن بالجراح، لكن عندنا من الله ضمانة أنه لن يموت. فأي دواء نافع يمكن أن تقدمه له سيسهم في عافيته واستعادته لقوته ولو بعد حين.

تلمَّس طريق مساهمتك في نُصرة الإسلام التي تريد أن تلقى الله بها بما يناسب قدراتك ووضعك. فاستبقوا الخيرات. {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}، و {سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}.

بناء مشروعك الذي تخدم به أمتك يحتاج طول نفس ومجاهدة للنفس وكسلها وأهوائها، لكن أبشر: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}.

أهمية العلم النافع ودور الشباب

تعلمُك للعلم النافع بحيث تُثبِّت أبناء المسلمين على الإيمان من أعظم المشاريع. هناك ملايين من أبناء المسلمين عندهم فراغٌ فكريٌ كبير، الذي يسبق إليهم يؤثر فيهم. إذا سبق أهل الشهوات والشبهات جرُّوهم إلى جهنَّم، وإذا سبقت إليهم أخذت بأيديهم إلى الجنَّة بإذن الله.

أخونا صاحب قناة "شؤون إسلامية" مثلاً خصص مؤخرًا سلسلة بعنوان "العائدون" يجري فيها مقابلات مع شباب وفتيات كثيرين وقعوا ضحية للأنيمي والفرق الكورية وغيرها، فضيعوا دينهم ودنياهم. بمجرد أن رأوا من يهتم بهم ويكلمهم برفق وحرص وإشفاق عادوا وتابوا. وهناك غيرهم الكثير لا زالوا غارقين وبانتظارك أن تنشلهم مما هم فيه.

الخاتمة

فحوّل ألمك إلى مشروع طويل النفس، وكلما فترت همتك تذكر إخوانك المستضعفين ومعاناتهم لتستعيد قوتك وهمتك ودافعيتك. ولا تحزن ولا تكتئب، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.

والسلام عليكم ورحمة الله.