→ عودة إلى مرئيات

خمسة محفزات لاغتنام ليلة القدر

١٩ مايو ٢٠٢٠
النص الكامل للمقطع

بسم الله وصلاة وسلام على رسول الله.

مقدمة: أهمية ليلة القدر

أود إخواني أن أبدأ بالحديث عن ليلة القدر في دقائق معدودة إن شاء الله. كما لا يخفاكم، هذه الليلة من أرجى الليالي أن تكون ليلة القدر، وبالتالي علينا أن نتفكر: تُرى ما الذي يحفزنا على الاجتهاد لإصابة ليلة القدر؟ لماذا علينا أن نجتهد في هذه الليلة وفيما تبقى من ليالي رمضان، خاصة يعني 27 و29، الليالي الفردية؟

أود أن أذكر يا إخوة خمسة أسباب تحفز وتحمس على تلمس ليلة القدر والاجتهاد في العبادة في هذه الليالي.

المحفزات لاغتنام ليلة القدر

المحفز الأول: مغفرة الذنوب

قول نبينا صلى الله عليه وسلم: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".

انظروا إلى عظم كرم الله سبحانه وتعالى، وانظروا إلى جمال المعنى. إنسان يدخل إلى هذه الليلة وعليه خطايا وذنوب، ثم يخرج منها طاهراً منقّى من كل الذنوب. تتخيلون كل الذنوب في ليلة واحدة من كرم رب العالمين سبحانه وتعالى!

وقوله صلى الله عليه وسلم "إيماناً": يعني بما أعدّ الله تعالى من الثواب للقائمين في هذه الليلة. من كان مؤمناً بما أعدّه الله تعالى من الثواب للقائمين في هذه الليلة، فإنه ينال هذا الأجر العظيم، ويغفر له ما تقدم من ذنبه. طبعاً "احتساباً": طلباً للأجر والثواب.

المحفز الثاني: خير من ألف شهر

قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليلة القدر خير من ألف شهر". والألف شهر هي عبارة عن ثلاثة وثمانين سنة وأربعة أشهر، يعني عمر إنسان طويل، عمر كامل.

فقد تكون أنت في رغد من العيش، وسعة من المال، وفي بيت جميل، وعمل مميز، وتنظر لغيرك إشفاقاً ممن لم يحصل مثل ما حصلت. بينما حقيقة الأمر أنهم عند الله هم فائزون لحسن عبادتهم في هذه الليلة، وأنت محروم لا قدر الله، لأنه "من حُرم خيرها فقد حُرم".

المحفز الثالث: معرفة قدرك عند الله

يا كرام، من أكثر ما يشجعك على حسن العبادة في هذه الليالي أنك تعرف بحسب اجتهادك قدرك عند الله تعالى. تعرف بحسب اجتهادك أو كسلك قدرك عند الله تعالى.

كثيراً ما نتساءل: يا ترى أنا لي كرامة عند الله؟ لي مكانة عند الله؟ الله يحبني؟ الله يكرهني؟ كيف تعرف؟

ابن القيم رحمه الله عليه له كلمة عظيمة جميلة جداً جداً، قال: "من أراد من العمال أن يعرف قدره عند السلطان، فلينظر ماذا يوليه من العمل وبأي شيء يشغله". من أراد من العمال أن يعرف قدره عند السلطان، فلينظر ماذا يوليه من العمل وبأي شيء يشغله.

وقال للآخر: تعال الزمني وكن عن يميني، أنت ساعدي الأيمن، لن أقطع في أمر حتى أشاورك، لن أنفذ شيئاً حتى أستأذنك. هذا إنسان عظيم القدر عند السلطان، لماذا؟ لأن السلطان شغله بعمل عظيم.

ولله المثل الأعلى، إذا رأيت أن الله يشغلك في هذه الليالي بأعمال عظيمة وبحسن اجتهاد وعبادة وطاعة، فاعلم أن لك قدراً عند الله. وإذا رأيت أنك كسول، لا تميز هذه الليلة عن ليالي أخرى والعياذ بالله، هذا دلالة سوء.

ويا إخواني، خذوا بالكم، يعني أحياناً الإنسان إما أعلى المراتب وإما لا، إما يقول أنه لازم أحس بتحليق روحي وسعادة غامرة وأنس بالله وشوق لله في هذه الليلة. طيب إذا ما حصلت هذه المعاني، بطفئ الدرجة، بقول إذا أنا لا حظ لي من الخير. لا يا أخي، لا لا، "ولكل درجات مما عملوا". نعم التحليق الروحي والسعادة الغامرة والنشوة العبادية شيء جميل جداً. ما حصلتها؟ ارضَ بما دونها، أنك تجبر نفسك على العبادة، تتكلف العبادة، تلزمها إلزاماً. لك أجر عظيم على العظيم. والسعادة الغامرة أو الطغيان التام والزهد في العبادة، لا، هناك درجات "ولكل درجات مما عملوا".

المحفز الرابع: ليلة الشرف والمقام

يا كرام، ليلة الشرف والمقام.

المحفز الخامس: بركة لسائر العام

ليلة القدر إن اغتنمناها فهي بركة لسائر العام. احنا قلنا سميت ليلة القدر لأنها ذات شرف ومكانة، يعني الليلة المشرفة المعظمة ذات القدر. هناك ذكر قول آخر في سبب تسميتها، ولا مانع من أن يكون القولان مقبولين، أنها سميت بليلة القدر من التقدير والتدبير، أي الليلة التي يكون فيها تقدير ما يجري في تلك السنة. كما قال تعالى في ليلة القدر: "فيها يفرق كل أمر حكيم". فيها يفرق كل أمر حكيم.

وبالتالي أنت لما تقوم هذه الليلة يا إخوان، لما الواحد يلتمسها ويسأل الله أن يوفق للطاعة فيها، يستحضر هذا المعنى أنني بهذه الليلة أستحضر بركة وحسن تقدير لسائر العام، لكل هذه السنة. ولذلك فلنغتنمها ولنجتهد العبادة فيها ولنكثر من دعاء: "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني". كما في الحديث الصحيح أن نبينا صلى الله عليه وسلم وجه أمنا عائشة رضي الله عنها أن تدعو بهذا الدعاء في هذه الليلة.

ولذلك يا كرام في ليلة القدر بالذات، لهذا يا كرام أدعو نفسي أولاً وأدعوكم، حتى من فرط في الأيام الماضية، أن يجتهد كل الاجتهاد في ليلة 27 الأرجى، ثم ليلة 29، وأيضاً محتمل أن تكون ليلة القدر، وأن نجتهد أيضاً فيما تبقى من ليالي. والله تعالى أعلم.