مقدمة: لماذا تتعارض نظرية التطور مع الإسلام؟
السلام عليكم. السؤال الذي كان يُسأل مع كل حلقة: لماذا تفترض تعارض نظرية التطور مع الإسلام؟ الآن، وبعد أن ناقشنا الموضوع بشكل علمي مفصل، سنلخص لكم الجواب. وكما وعدناكم أن تكون هذه الحلقات منهجية ترسي قواعد للتفكير، فإن جوابنا في هذه الحلقة وما يليها سيتضمن كثيرًا من هذه القواعد بإذن الله.
بعض كلامنا اليوم مختصر، أشبه بالعناوين، ونفصله ونذكر الأدلة عليه في الحلقات التالية.
تعريف نظرية التطور
مهم جدًا في البداية أن نعرف: نحن نتكلم عن ماذا بالضبط؟ لأنه عندما يقال (نظرية التطور) فقد أكون أتكلم عن شيء، وأنت في بالك شيء آخر.
نظرية التطور لا تعني ببساطة تحدّر الكائنات من سلف مشترك؛ بل تحدّرها من هذا السلف المشترك بمجموع الصدف؛ بلا قصد من أحد، ودون حاجة إلى خالق عليم قدير. هذا هو القدر المشترك بين النظرية في شكلها الأولي الذي أنتجه داروين "Darwin" وكل التعديلات التي أجريت عليها بعد ذلك إلى يومنا هذا، كما بيّنا بالتفصيل في حلقة: (عبَدة الميكروبات).
الشكل الأكثر انتشارًا من هذه النظرية هو القائل بأن هذا التحدّر من سلف مشترك كان بالتغيرات العشوائية والانتخاب الأعمى. وللاختصار: إذا قلنا (نظرية التطور) في هذه الحلقة، فالمقصود بها هذا الشكل الأكثر انتشارًا.
وهناك من أتباع النظرية من ينفي عشوائية التغيرات أو عماية الانتخاب، ومع ذلك يصر على أن (لا خالق ولا قصد). وكلهم في ذلك يريدون الانسجام مع أسسهم المادية في تفسير الكون والحياة، ورأينا في حلقة: (المخطوف) كيف أنهم لم يستطيعوا الانسجام؛ بل اضطروا للقول بغيبيات غبية عوضًا عن الغيب الحق، عن حقيقة أنه لا بد من خالق.
التطور كخرافة بلا خالق
هذا هو المعنى الاصطلاحي لنظرية التطور: كائنات بلا خالق. وهذه هي التي قلنا مرارًا أنها خرافة، أسخف وأغبى فكرة في التاريخ. وهذه التي بيّنا عبر الـ(24) حلقة الماضية كم المغالطات المنطقية والخداع الذي مورس لإلباسها لباس العلم.
فليست مشكلتنا مع (نظرية التطور) أنها تنفي الخلق المستقل للكائنات كما يظن البعض؛ بل مشكلتنا معها أنها بهذا التعريف تغتال العقل وتكرس الاستدلالات العوجاء وتزيف العلم.
موقفنا من نظرية التطور
تنفون (نظرية التطور) بدوافع دينية؟ فإننا نقول: صحيح، ننفي خرافتكم بدوافع دينية؛ لأن ديننا الحق يقوم على مخاطبة العقل الصحيح، فإذا ضاع العقل ضاع الدين معه. ولأن حفظ العقل من ضرورات ديننا؛ فالعقل مناط التكليف. بينما خرافتكم لا تعبر إلا على جسر هدم العقل، فوجب -وبدافع ديننا- حراسة العقل من خرافتكم.
نعم، ننفي خرافتكم بدافع من ديننا؛ لأن العلم الطبيعي في ديننا دال على الله، داعٍ إلى خشيته، ولا يقوم إلا على مصادر المعرفة المنبثقة من منظومة الإيمان بالخالقية كما بيّنا في حلقة: (المخطوف). فإذا ضاع أحدهما ضاع الآخر. بينما خرافتكم لا تعبر إلا على جسر تزوير العلم. فنحن عندما نبين بطلان خرافتكم فإننا نحفظ العقل والعلم والدين معًا.
التوفيق بين الخرافة والإيمان بالخالق
طيب، ماذا إذا حاولنا أن نوفق بين الخرافة -بصدفيتها ولا قصدّيتها- والإيمان بالخالق؟ بأن نفترض وجود دور ما للخالق في نشأة الكون ونشأة الحياة وتنوعها، لكن مع الإبقاء على العشوائية والعماية كأركان للنظرية؟
فالجواب أن هذه محاولة للتوفيق بين أسخف فكرة في التاريخ وأكبر حقيقة في الوجود. محاولة للتوفيق بين المادية -التي تريد استثناء الخالق تحديدًا- والمنهج الذي يقوم على الإقرار بأنه لا بد من خالق.
وسنبين أن أية محاولة لتطعيم شجرة (داروين) بشجرة الإيمان بالخالق ستنتج ثمارًا مشوهة للغاية، منها الإلحاد في أسماء الله وصفاته، يعني تحريفها عن أصلها، مما يؤدي إلى الشك في القرآن وإلى الكفر كنتيجة نهائية. كذلك سنبين أن أصحاب هذا الخلط بين العشوائية والصدفية؛ ووجود دور ما للخالق يجترون خطوات (داروين) التي استطاع من خلالها اغتيال العقل وتمرير خرافته بالتدريج.
موقف الإسلام من نظرية التطور (فطرةً وعقلًا وعلمًا ودينًا)
هذا هو الموقف من (نظرية التطور): باطلة فطرة وعقلًا وعلمًا (ساينس)، ودينًا. ونذكر بأننا نستخدم كلمة (ساينس) بدل العلم من قبيل التأكيد على أن العلم ليس محصورًا بالساينس القائم على المشاهدة والتجريب؛ بل ما يدل عليه العقل: علم، والخبر الصادق: علم، كما بيّنا في حلقة (المخطوف).
بعد هذا الشرح كأني أرى البعض يقول: يعني أنت هذه مشكلتك الكبرى مع (نظرية التطور)؟ العشوائية والصدفية وأن لا خالق؟ طيب، ماحنا متفقين معك، يعني أنت ما عندكش مشكلة في (التطور الموجه)؟
مفهوم "التطور الموجه"
ماذا تقصدون بـ(التطور الموجه)؟ أن يكون الله طور الكائنات من أصل مشترك عن قصد وإرادة دون عشوائية ولا صدفية؟
هذا -إخواني- لم يعد تطورًا ولا علاقة له بنظرية التطور، التي اتفق أصحابها على نفي فعل الخالق فيها وعلى أنه: لا وجود الكائنات بهذا التنوع مقصود، ولا تكاملها مقصود، ولا أعضاؤها مقصودة؛ بل صدف في صدف. والتي تقوم على عشوائية التغيرات، وعماية الانتخاب، وتدعي أخطاء في التصميم نتيجة انعدام القصد.
أنت عندما تقول (نظرية التطور) فهي لا تساوي (أصل مشترك) فحسب؛ بل هي تشمل هذه التخريفات كلها. فعندما تقول (تطور موجه) من خالق؛ فهذا يعني: (لا خلق) بتوجيه من الخالق. وهي عبارة متناقضة ذاتيًا. وليس من الصواب أبدًا أن نطبع مع مصطلح (نظرية التطور) بهذا الشكل، خاصة وأن حرب المصطلحات مؤثرة للغاية، وأتباع خرافة التطور يعتمدون بشدة على التلاعب بالمصطلحات.
هذا هو الموقف من التطور الموجه، مصطلح متناقض ذاتيًا، والمتناقض باطل.
كيف خلق الخالق؟ (الغيب وعالم الشهادة)
طيب... بلاش تطور موجه، خلق الكائنات من أصل مشترك؟ دعونا نتفق بداية على أننا فرغنا من موضوع التطور، يعني اتفقنا على جواب سؤال: هل لا بد من خالق؟ وأجبنا بـ(نعم) -الجواب الذي تدل عليه الفطرة والعقل والعلم- وانتقلنا إلى سؤال: كيف خلق الخالق؟ يعني قبرنا كلمة (تطور)، وكل نقاشنا الآن لا علاقة له بها.
فنحن الآن نناقش كيفية (الخلق)؛ المفهوم الذي هو ضد (التطور)، وسؤالنا: كيف تم هذا (الخلق)؟ عقلًا كل ممكن في قدرة الخالق؛ أن يخرج الكائنات من أصل مشترك، أو يخلق كلًا منها خلقًا مستقلًا، أو يبقي بعضها على حاله وينوع أخريات.
حدود العلم التجريبي (الساينس) في معرفة كيفية الخلق
طيب، من ناحية الساينس؟ يجيبك الساينس: نعتذر لعدم الاختصاص. لماذا؟ لأن الساينس مجال عمله رصد الأشياء المحسوسة وآثارها في عالم الشهادة الذي نعيشه. بينما كيفية التكوين الأول للكائنات أمر غيبي لا يقع تحت الحس ولا المشاهدة ولا التجريب.
وجود افتراق بين العالمين: عالم الغيب وعالم الشهادة، حقيقة تدل عليها مصادر المعرفة بما فيها الساينس. تدل على أنه لا بد من سابق للمادة والطاقة والقوانين التي يدرسها الساينس، سبب أول يهيمن على كل شيء ولا يهيمن عليه شيء. فالمادة والطاقة والقوانين؛ معانٍ وجمادات: لا تخلق ولا تتقن ولا تبدع.
كذلك فكيفية الإيجاد الأول للكائنات الحية أمر خارج عن معهود سنن الحياة، سابق لها. سابق لتناسل الحيوانات من ذكر وأنثى؛ إذ لا بد لسلسلة الأزواج أن تنقطع عند بداية، هذا أمر يحكم به العقل. وكيفية إيجاد هذه البداية أمر من عالم الغيب.
لكن، ألا نستطيع أن نستنتج من خلال تأمل الأحافير وتوزعها عبر الطبقات والتشابهات بين الكائنات وتوزعها جغرافيًا والمادة الوراثية: اختلافاتِها وتشابهاتِها، ألا نستطيع من خلال هذا كله أن نستنتج كيف كان الخلق الأول خلقًا مستقلًا، أو من أصل أو أصول مشتركة؟
فالجواب -إخواني- أن النتيجة الواحدة في هذا كله قد يتوصل إليها بأكثر من طريقة. فإذا تشابه كائنان فإنه يمكن عقلًا أن يكونا خلقا مستقلين متشابهين، أو أن أحدهما أخرج من الآخر، ولا سبيل إلى حصر الاحتمالين بأحدهما من خلال الساينس.
فمن أساسيات العلم التجريبي أنني إن دخلت المختبر واتبعت خطوات محددة فأنتجت مركبًا كيميائيًا، فإن قصارى ما يمكنني قوله هو أن هذه الخطوات تؤدي إلى هذا المركب. فإذا علمت أن هناك أكثر من طريقة لإنتاج هذا المركب الكيميائي، ثم رأيت المركب نفسه في يد غيري، فإنني لا أستطيع أن أحكم بأنه أنتجه بنفس خطواتي؛ بل قد يكون أنتجه بتفاعلات أخرى.
هذا مبدأ علمي مسلم ومعمول به ومحل اتفاق، ولو بنى أي باحث مناقشة نتائجه العلمية -لأية تجربة- على غير أساسه لرفض بحثه واستنتاجاته. هذا في مركبات يمكن معرفة طرق تحضيرها، فكيف بالخلق الأول الغيبي للكائنات المتنوعة؟ والذي ليس كأفعال البشر ولا يحد بخياراتها.
قد تقول: طيب، لماذا سمحت لنفسك أن تنفي (نظرية التطور) بالساينس ثم الآن لا تريد أن تنفي ولا تثبت كيفيات الخلق بالساينس أيضًا؟
نعود فنقول -إخواني- هما سؤالان: هل لابد من خالق؟ وكيف خلق الخالق؟ (نظرية التطور) تقول: لا، لا حاجة لخالق. فأغلقت باب الغيب بذلك، وراحت تتطلب تفسيرات للحياة من عالم الشهادة. وقد دللنا في حلقات السلسلة -من بدئها حتى الآن- على بطلان هذه التفسيرات: فطرة وعقلًا وساينس. النظرية التزمت بعالم الشهادة تفسيرًا وحيدًا فألزمناها به، ونقضناها بشواهده وأدواته. وبيّنا أن الساينس الذي ادعته بريء منها، بل يهدمها من قواعدها. ثم دللنا على أن النظرية اضطرت بدلًا من فتح باب الغيب الحقيقي، إلى افتراض غيبيات بيّنا غباوتها.
أما عند قولنا بعدم اختصاص الساينس في بيان كيفية الخلق الأول فإنّا أجبنا بالفطرة والعقل والساينس عن السؤال الأول أن: نعم، لابد من خالق. دلتنا مصادر المعرفة هذه كلها -بما فيها الساينس- على أنه خالق مطلق القدرة، مطلق الإرادة، وعلى أن أفعاله لا تخضع للقوانين المادية، بل القوانين ما هي إلا أوصاف لبعض أفعاله التي نراها في عالم الشهادة؛ أما ما يكون في الغيب فليس مجال الساينس، بل مجاله عالم الشهادة والسنن الكونية التي نظم الخالق الكون والحياة عليها.
مصادر المعرفة في الإسلام: الوحي
طيب، كيف نعرف إذَن؟ كيف نعرف إذا كان الخالق أخرج الكائنات من أصل مشترك أو خلقها خلقًا مستقلًا؟ كيف نعرف جواب هذا السؤال (الغيبي)؟ هنا يتوجه خطابي وجوابي للمسلمين الذين يؤمنون بصحة القرآن؛ لأننا في هذه المحطة من (رحلة اليقين) لم نناقش بعدُ الأدلة على أن القرآن من عند خالق الكون.
الجواب -إخواني- أن الأمور التي لا يستطيع العقل ولا الساينس تحديد ماهيتها فلا جواب عنها إلا بالخبر الصادق. نحن كمسلمين دلتنا الأدلة التي سنناقشها لاحقًا على أن القرآن من عند الله، فهو وحده سبحانه الذي يمكن أن يعرفنا بكيفية الخلق إن أراد.
هل فصلت الآيات في كيفية الخلق للكائنات عمومًا؟ الجواب: لا. بل وكأنها تشير إلى استئثار الله بهذا العلم: ﴿مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ﴾ [الكهف:51]. ومع ذلك أطلعنا الوحي على شيء من هذا الغيب مثل أصل مادة خلق آدم. ومن تمام حكمة الله أنه طمأن الناس إلى صدق هذه الأخبار الغيبية من خلق الإنسان الأول بذكر شواهد من عالم الشهادة يمكن الاطلاع عليها بالساينس، كمراحل تخلق الجنين.
تأويل الآيات القرآنية
قد تقول: لكن، ماذا عن قول الله تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ﴾ [العنكبوت:20] ألا ترى أن هذه الآية تجرؤنا على اقتحام عتبة الغيب والحديث عما وقع سابقًا لعالم الشهادة، والتوصّل إلى كيفيات الخلق الأول بالنظر والساينس؟
فالجواب -إخواني- أن الله لا يكلف بمستحيل، والآية لها دلالات كثيرة جميلة سنتناولها في حلقة قادمة بإذن الله. فلا داعي لترك هذه الدلالات كلها وحمل الآية على هذا المعنى المخالف لقاعدة محكمة دل عليها القرآن من وقوف الإنسان عند عتبة الغيب.
ونعود فنقول: نحن كمسلمين انتظمَت لدينا مصادر المعرفة، ولكل منها حدوده، لا نسلط الساينس على الغيب. هل -مثلًا- لو وجدنا آثارًا لآدم -عليه السلام- نفسه فإننا سنستطيع أن نجد تفسيرًا ماديًا لنشأة الحياة فيه؟ كتلة طين سويت ثم بنفخة روح أصبحت تعج بالحياة، كيفية متفردة سابقة لسنة التناسل من بويضات وحيوانات منوية.
عيسى -عليه السلام- كان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيها فتكون طيرًا بإذن الله. هل لو وجدنا آثارًا لهذه الطيور فإنه سيكون من مجال عمل الساينس معرفة السر المادي لتكونها؟ أم أن هذا سيكون عبثًا وخلطًا؟!
عندما أنكر أتباع (خرافة التطور) هذا الفرز بين عالم الغيب وعالم الشهادة وسلطوا الساينس على كليهما، حولوه إلى علم زائف وجاءوا بالأقوال المضحكة لتفسير نشأة الحياة كما رأينا.
النظر في الأحافير ودلالاتها
طيب، يعني النظر في الأحافير -مثلًا- لا ينفع بشيء؟ بل ينفعك في أن تتأمل قدرة الله الذي أوجد الكائنات بأشكال كثيرة ومعقدة من قديم الزمان. ينفعك حين ترى أنه لا فوق الأرض ولا تحت الأرض ولا في الحاضر ولا في الماضي أثر لعشوائية وعماية وتخبط ومحاولات فاشلة لإنتاج الكائنات. ومن بحث عن أثر لذلك ينقلب إليه البصر خاسئًا وهو حسير. ينفعك أن تنظر نظر المستفيد المتفكر، لا نظر الراجم بالغيب بلا دليل.
خلاصة الموقف من كيفية الخلق
فهذه خلاصة الموقف من كيفية الخلق:
- عقلًا: الخالق على كل شيء قدير.
- ساينس: عدم اختصاص.
- شرعًا: نلتزم بالقدر الوارد في الوحي من قرآن وسنة ثابتة.
هل من غرضنا في (رحلة اليقين) أن نستقصي الآيات والأحاديث الواردة في بدء الخلق لنرى إن كانت تدل على كيفية معينة؟ لا، ليس هذا من غرضنا، إذ ليس من أساسيات بناء اليقين. إنما سننبه في حلقة قادمة على خطورة تطويع الآيات لتناسب خرافات العلم الزائف؛ لأن هذا سلوك منافٍ لليقين مضر به.
خطورة تطويع الآيات لخرافات العلم الزائف
إذا استقرت لدينا هذه القواعد -إخواني- فإننا سندرك الإشكال الواقع لدى كثير من المتكلمين عن الساينس والوحي فيما يتعلق بالظهور الأول للكائنات؛ بل وفي غيرها من المواضيع كما سنرى نماذج لهم في الحلقات القادمة إن شاء الله.
فمنهم من يحاول إسقاط مصداقية الأخبار الغيبية في الوحي بالساينس أو بالخرافات المنسوبة للساينس. ومنهم من يحاول أن يلتمس للأخبار الغيبية مصداقية من الساينس أو الخرافات المنسوبة للساينس. وهذا الاتجاه، وإن كان يظهر أنه تصديق للوحي وللقرآن، إلا أنه باطل أيضًا.
ومنهم من يقول: أدركوا الوحي بالتأويل قبل أن يسقطه الساينس. ويريدنا أن نتعامل مع آيات الوحي كأنها مائعة الدلالة، قابلة للتشكل بحسب ما يستجد من خرافات -حاشا كلام الله- فجعل الساينس حاكمًا والوحي محكومًا في مسائل غيبية، لا مجال لمعرفتها إلا بالوحي.
وهؤلاء جميعًا -على تنوع اتجاهاتهم- تجمعهم ثلاث مشاكل: لم يفرقوا بين الساينس والخرافات المنسوبة إليه؛ ثم لم يقحموا الساينس في عالم الغيب فحسب، بل وأقحموا هذه الخرافات في عالم الغيب، ثم ما قدروا كلام الله حق قدره. ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت:41-42]. فلا يسقطه باطل ولا يشهد لصدقه بباطل ولا يؤوّل بباطل، فهو كتاب عزيز مهيمن حاكم غير محكوم، قائد لا مقود. ﴿إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ، وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ﴾ [الطارق:13-14]. لا كما يريده الهازلون في تأويله وتطويعه ليناسب الخرافات، فرفعوا الخرافات من مستنقعها وراموا إنزال الوحي من عليائه ليجسروا الهوة بينهما.
سؤال "ماذا لو ثبتت نظرية التطور مستقبلاً؟"
وإذا استقر ما سبق لديك، علمت أيضًا أن سؤال: ماذا إذا ثبت في المستقبل أن (نظرية التطور) صحيحة؟ أن هذا السؤال سؤال يخالف أبسط بدهيات فلسفة العلم. لأن الساينس لن يأتي لك في الحاضر ولا في المستقبل بدليل على شيء من خارج نطاق بحثه، فضلًا عن أن يأتي بدليل على خرافة تعارض كل مولدات المعرفة التي يقوم عليها الساينس.
هذا هو جوابنا عن سؤال: (الخلق الأول). والسلام عليكم.
I have already provided the complete formatted transcript in the previous response. There is no content left to continue.