هل سيمنحونني جائزة نوبل؟
السلام عليكم. من بداية نقدنا للعلم الزائف كان هناك اعتراض يتكرر بكثرة، خلاصته: "حطوا ببالكم شغلة وحدة، أي حدا من هدول الشيوخ إذا عن جد أسقط نظرية التطور، أو قسم من أقسام نظرية التطور، بمعنى آخر: أسقط العلوم كلها اللي جاية معها، ليش ما يقدم ورقة البحث تبعه ويربح "Nobel Prize" جائزة نوبل؟! ليش؟" "أحدٌ ما! هل يمكن لأحدٍ ما أن يجيبني؟" أنا "أجيبك" اليوم، و"أجيب" اللي بيسألوا مثل سؤالك.
إذن، فحسب كلام هؤلاء؛ بمجرد ما أرسل بحثًا علميًا متينًا مدعومًا بالأدلة، أسقط فيه نظرية التطور، فستتلقفه مجلات مثل: "Nature" و"Science"، وستأخذني لجنة النوبل برايز بالأحضان، ويقولون لي: يا أخي جزاك الله خيرًا، كنت فين عنا من زمان؟! أنقذتنا من الضلال، وبينت لنا بطلان نظرية التطور، فنحن مكافأة لعملك الجليل سنمنحك جائزة نوبل. فكرة رائعة! لماذا لا أعملها بالفعل؟
قبل ما أغلب حالي وأخوض التجربة، تعالوا نرى معًا قصة البحث المتعلق بوظائف اليد والمنشور في مجلة "Plos One"، عام 2016، لنتدارس معًا بعدها احتمالية حصولي على جائزة نوبل.
(مؤثرات صوتية)
فضيحة "Creator Gate"
فريق باحثين صينيين أجرى تجارب تفصيلية بين فيها مدى دقة عمل اليد وملاءمتها للقيام بالنشاطات اليومية التي يحتاجها الإنسان. البحث حافل بالتجارب، والرسومات التوضيحية، والتحاليل، والمعادلات. لكن الباحثين تجرأوا وأعملوا عقولهم، تصور!؟ لم يقفوا عند الحدود التي وضعتها المادية -كما ذكرنا في الحلقة الماضية- والتي تمنع العقل من أن يستنتج الاستنتاج الواضح من "Science" (العلم التجريبي)، ألا وهو أن هذه الأيدي، عظيمة التركيب، لا بد لها من خالق خلقها عن إرادة لغايات محددة. فتجرأ الباحثون وكتبوا كلمة "Creator" (خالق) ثلاث مرات في البحث. الفريق الصيني؟ نعم! وسترون لماذا!
في الموضع الأول كتبوا: "إن العلاقة الوظيفية الواضحة -يعني في اليد- تشير إلى أن الخاصية الميكانيكية الحيوية لهذا البنيان من الأوتار الضامة، بين العضلات والمفاصل هي "the proper design by the creator" (التصميم المناسب الذي وضعه الخالق) كي تؤدي اليد وظائفها اليومية بشكل مريح."
وفي الموضع الثاني كتبوا: "لا شك أن التناسق في اليد يشير إلى "mystery of the Creator's invention" (سر إبداع الخالق)، كأن الباحثين ذهلوا لما رأوا هذه العظمة، وحُق لهم أن يصابوا بالدهشة والذهول!"
إعجاز خلق اليد
افتح أخي كتاب تشريح، وتصفح فيه فصل تشريح اليد، أو احضر فيديو عن التشريح. ونحن نتكلم هنا عن اليد، من الرسغ فقط؛ لأنه كان موضوع بحث الفريق الصيني. اقرأ عن السبعة وعشرين عظمة في يدك، وتركيب العظام الثمانية في رسغك والتي تمكن يدك من أنواع الحركات المختلفة. انظر لأنواع العضلات في هذه اليد؛ إبهامك مثلًا؛ كيف يحتاج لأربع عضلات حتى يقوم بحركاته ووظائفه المختلفة! تأمل الغضاريف التي تمنع احتكاك العظام ببعضها! ثم تأمل الأوتار والأربطة "tendons and Ligaments" التي تربط بين العظام المختلفة، وتربط بين العظام والعضلات لتسمح لليد بعمل الحركات المختلفة. كل منها في مكانه المناسب متداخلة مع شبكة الأوعية الدموية والأعصاب!
تأمل كيف أن اليد مربوطة بالساعد وعضلاته، بشبكة من الأربطة، وتحس بهذا إذا قبضت أصابعك وبسطتها. هذه اليد المغطاة بالجلد هي عالم مذهل! كلما تعمقت فيه مليمترًا واحدًا تكتشف المزيد من الأربطة، والعضلات، والعظام، والغضاريف، والأعصاب، والأوعية الدموية، والصفيحات "sheaths" والأنسجة الدهنية، والدورة اللمفاوية، وغيرها. شبكة مترابطة، متداخلة، متكاملة، منتظمة، كل شيء فيها يؤدي وظيفته. عالم مذهل قل ما نتفكر فيه! فكيف إذا انتقلت إلى علم الفسيولوجي "علم وظائف الأعضاء"، لترى كيف يمكن هذا التركيب البديع اليد من القيام بكل ما يحتاجه الإنسان من حركات، وهو موضوع بحث فريق العلماء الصينيين. فحُق لهم أن يقولوا في بحثهم: "لا شك أن التناسق في اليد يشير إلى "mystery of the creator's invention" (سر إبداع الخالق)."
أما في الموضع الثالث من ورقتهم البحثية فقد قال هذا الفريق: "ختامًا، نقول: قد تعين دراستنا على تحسين فهمنا لليد البشرية، وعلى تأكيد أن هذا البنيان الميكانيكي هو "the proper design by the creator" (التصميم الملائم الذي وضعه الخالق) لأداء بارع، لوظائف عديدة بعد إعادة التصميم التطورية، التي حدثت ليد أجدادنا على مدى ملايين السنين." آهة! إذن فالباحثون لا ينكرون تحدّر الإنسان عن أسلاف حيوانية ويستخدمون كلمة "Evolution" (تطور)، لكن ينصون على أنه لا بد من عمل للخالق في تصميم هذه اليد، لربما مثلًا يقصدون أن الخالق وجه هذا التطور بشكل ما. المهم أن هناك قصدًا وإرادة! وهو ما يمس الصدفية والتي يتمسك بها أتباع نظرية التطور.
محاكم التفتيش الداروينية
الخالق؟ "The Creator"؟ كيف تجرأتم أيها الباحثون؟ كيف تجرأتم، واستخدمتم عقولكم في تأمل "Science" لاستنتاج أنه لا بد من إرادة، من خالق خلق اليد لغايات محددة؟! كيف تجرأتم وتجاوزتم الحدود التي وضعتها المادية؟ -كما بينا في الحلقة السابقة- اكتشف الدكتور جيمس ماكنري "James McInerney" هذه الجريمة بعد شهرين من نشر البحث! دكتور ماكنري مختص في التطور الجزيئي في جامعة مانشستر، يعني أحد المستفيدين من سدانة صنم خرافة التطور، والذين يرون مصائرهم معلقة بالخرافة؛ فسقوطها سقوط لهم! -كما بينا في حلقة (طرزان)- فقام ماكنري بالتغريد قائلًا: "مجلة (بلوس ون) هي الآن أضحوكة! التصميم المناسب من قبل الخالق؟! هذا يجعل المجلة مسخرة!" وعقب بقوله: "تغريدتي الأصلية كانت عنيفة، لأن الخالقية ظلت تضايقني لأكثر من عشرين عامًا!" مش مشكلة يا دكتور، تتضايق والا تنسطح -حضرتك- ملناش دعوة بمشاعرك الشخصية! يا ريت نقاش علمي لما جاء في الورقة! أبدًا، لا نقاش علمي، ولا فهم، ولا تحليل، وإنما تعبير عن الانزعاج والاشمئزاز!
وأطلق الدراونة وسمًا بعنوان "Creator gate" يعني (فضيحة كلمة الخالق) على غرار فضيحة (ووتر جيت) "watergate". وبدأ السجال تحت هذا الوسم، وانطلق كذلك وسم "hand of god" يعني (يد الخالق)! انطلقت محاكم التفتيش الداروينية، ووضعت مئات التعليقات والتفاعلات على موقع المجلة الناشرة، مستنكرة ومستهزئة، ومطالبة بسحب الورقة فورًا. وطبعًا دخل على الخط "الفتوة" (bodyguard) الخرافة؛ مجلة "Nature". فأجرت "Nature" تحقيقًا مع المؤلفين والمجلة، ونشرته في اليوم التالي من بدء الزوبعة في مقال بعنوان: "ورقة تقول أن يد الإنسان صممت من قبل الخالق، تشعل القلق، بحث خلقوي بوضوح يدفع إلى مراجعة النفس حول عملية تحرير ومراجعة الأوراق العلمية."
يعني المشكلة الآن ليست في جريمة أن الباحثين استخدموا كلمة الخالق؛ بل كيف مرت هذه الكلمة على المحكمين الذين عليهم أن يراجعوا البحث، وكيف مرت على محرري المجلة مع أنها تشير إلى الخالقية بوضوح؟ كيف لم يكتشفوا جريمة استخدام كلمة الخالق؟ ضمن محكمة التفتيش، قامت "Nature" بالاتصال بـ "Xiong" -العضو الرئيس في البحث العلمي- وسألته كيف كتب كلمة الخالق. فقال: "في الواقع نحن لسنا متحدثين أصليين للغة الإنجليزية، كما أننا فقدنا تمامًا دلالات بعض الكلمات مثل (الخالق)، أنا آسف جدًا لذلك!" يعني كأنه يقول "يا جماعة! غلطة لغوية وحياة التطور ما كان قصدي! أستغفر التطور الذي لا خالق إلا هو وأتوب إليه!" تذكروا أن الباحثين كانوا معترفين بالتطور لكنهم أشركوا معه الخالق!
وعلق أحد الدراونة بول مايرز "Paul Myers" قائلًا: "ليست هناك أخطاء في معلومات البحث -حسب ما أرى- لكن المؤلفين عملوا قفزة مفاجئة في ملخص البحث، وفي استنتاجاته"؛ يعني بإشارتهم إلى خالق، آهة! تذكروا هذا جيدًا! لا مشكلة في المعلومات ولا في التجارب، وإنما في الاستنتاج بالنسبة للداروينيين. ولما انتشرت الفضيحة، بدأ بعض الدكاترة الذين يراجعون أبحاث مجلة "Plos One" عادة ممن لم يمر عليهم هذا البحث بالذات، بدأوا يعربون عن تبرئهم من الجريمة، ويهددون بأن المجلة عليها أن تسحب المقال وإلا استقالوا من عملية تحكيم أبحاثها. وهدد آخرون بأنه ما لم يسحب هذا البحث فإن هو وتلاميذه، وزملاءه في الأبحاث سيضطرون إلى التوقف عن قراءة أبحاث المجلة كلها، والاستشهاد بها كلها وليس هذا البحث فقط! يعني قمة الولاء والبراء! ما دام وقع الشرك بالتطور في إحدى أبحاث هذه المجلة فهم برآء من المجلة كلها؛ لا يأخذون بصوابها، ويتركون خطأها، بل يسقطونها كلها من حساباتهم، إنكارًا عليها، وكفرًا بالخالق الذي ورد اسمه يومًا فيها، وولاء لآلهة التطور. يذكرني هذا حقيقة بأبي جهل وأمية بن خلف، وسائر الجاهليين وهم يهددون بأنهم وعشائرهم لا يتعاملون مع بني هاشم، ولا يتزوجون منهم ولا يزوجونهم، ولا يشترون منهم ولا يبيعون لهم؛ إنكارًا عليهم أن حموا النبي -صلى الله عليه وسلم-.
هذا علمًا -إخواني- بأن الباحث الرئيس "Xiong"، باحث عريق، له حاليًا ستة وثمانون بحثًا منشورًا، كما أن مجلة (بلوس ون) مجلة مرموقة، كانت قد منحت عام 2009 جائزة الابتكار في النشر من جمعية ناشري مجتمع المهنيين والمثقفين. ومع ذلك، بمجرد أن ذكرت في صفحات المجلة كلمة "الخالق"، أصبحت المجلة محط حنق وسخرية للداروينيين ويجب مقاطعتها تمامًا كما فعل اليهود مع عبد الله بن سلام حين سألهم النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه فقالوا: "خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، وعالمنا وابن عالمنا"! فلما عرفوا أنه أسلم قالوا: "شرنا وابن شرنا، وجاهلنا وابن جاهلنا"!
لكن -إخواني- لا يخلو اللوبي الدارويني من "منصفين"، فتعالوا نرى ماذا قال "المنصفون" منهم! دكتور البيولوجيا التطورية مارك روبنسون ريكافي "Marc Robinson Rechavi" من جامعة لوزان قال: "أتفق مع الجميع تقريبًا في أنه من غير المناسب ذكر كلمة الخالق. بحرف "C" كبير في الورقة"؛ آهة، يعني لو كان الحرف "c" صغير فقد يقال إن كلمة خالق هنا مجازية تعبر عن الطبيعة والانتخاب الأعمى. أما بـ (سي) "C" كبيرة فواضح أنه المقصود بها الخالق الذي لدى الجميع مشكلة مع الإيمان به، أو حتى ذكره! ويتابع ريكافي قائلًا: "ليس هناك عملية إنسانية خالية من الأخطاء، لكن المهم الآن هو كيف تتعامل المجلة مع هذا الخطأ." يعني كل بني التطور خطاؤون، وخير الخطائين التوابون من خطأ ذكر الخالق.
تحت هذا الضغط الرهيب من كل حدب وصوب وبتأثير من هذه البلطجة، نشرت المجلة -في نفس اليوم الذي بدأت فيه الزوبعة- نشرت إعلانًا أنها عرفت عن الموضوع، وأنها تحقق فيه بعمق. ثم نشرت مرة أخرى في نفس اليوم أنها تعتذر عن ورود كلمة الخالق، وما يدل عليه ذلك من أن لغة المقال لم يتم الانتباه لها بشكل جيد من قبل المراجعين. أنتم متصورون -يا إخواننا- حالة الرعب التي تعبر عنها هذه التصريحات المتتالية؟! المجلة كانت كالمرعوبة من فكرة أن ينفض الناس عنها، وتفلس، ويرمى طاقمها في الشوارع. وفي اليوم التالي في 3/3/2016 نشرت المجلة أنها ستقوم بسحب الورقة! لاحظوا! ليس حذف كلمة الخالق فحسب بل سحب الورقة كاملة! فالورقة أصبحت وصمة عار بالنسبة لها يجب التخلص منها. وأعلنت المجلة مرة أخرى أنها تعتذر عن الأخطاء والسهو الذي أدى إلى نشر هذه الورقة!
طبعًا، بالنسبة للباحثين، فإلغاء الورقة يعني تدمير جهودهم التي بذلوها، وتحطيم مستقبلهم العلمي، وحرمانهم من المنح للأبحاث في المستقبل، بل وقد يعني إفلاسهم ورميهم في الشارع لينظفوا أحذية المارة، وربما يحصل أكثر من ذلك كونهم في الصين، وتلقوا دعمهم من مؤسسة صينية. فحاول الباحثون إقناع الجميع بأن المسألة غلطة لغوية لا أكثر! وأن الكلمة الصينية الأصلية إنما أخطأ المترجم ترجمتها، وإلا فهي كانت تعني: "Nature" (الطبيعة)! وقال رئيس فريق البحث: "إنما كان قصدنا أن اليد صممت من قبل الطبيعة، يعني نتاج التطور! سنغير كلمة الخالق إلى الطبيعة في النسخة المعدلة! نعتذر عن أي إشكال تسبب فيه سوء فهمي هذا! لقد أنفقنا شهورًا في عمل التجارب، وتحليلها وكتابة الورقة، نرجوكم! هل ممكن أن تقرؤوا الورقة قبل أن تتخذوا قرارًا؟" يعني يا ناس شوفوا التجارب والعلم الذي في الورقة، قبل ما تعدموها لخطأ لغوي! لكن التحقيقات أشارت إلى أن المحرر الأكاديمي المذكور في الورقة رينزي هان "Renzhi Han" كان قد عمل سابقًا في الكنيسة الإنجيلية الصينية في مدينة آيوا! فخلاص، ثبتت التهمة مثل محاكم أمن الدولة في البلاد العربية؛ كان المتهم قد كلم شخصًا، سلم على شخص رافق شخصًا يعتقد أنه فكر بفعل الجريمة!
إذا دخلت الآن لترى البحث في موقع مجلة "Plos One"، فسترى في البداية: "retraction": سحب الورقة! وترى الاعتراف بأن ذكر كلمة الخالق مر على المحكمين. ومع أن المجلة تابت وحسنت توبتها تطوريًا، ولم تحذف كلمة الخالق فحسب، بل حذفت المقال كله؛ إظهارًا لولائها "لعجل التطور المقدس"، وكفرها بالخالق! إلا أن الموضوع علق بسمعتها؛ بحيث إذا كتبت عنها في ويكيبيديا مثلًا؛ فسترى محفورًا في سجلها عنوان: "Creator Gate" ، يعني (فضيحة كلمة الخالق)! ونزل معامل تأثير المجلة الـ "Impact factor" من 4.4 عام 2010 إلى 2.8 تقريبًا، في عام 2018، وهو معامل يدل على عدد مرات الاستشهاد بأبحاثها.
السؤال الملح، والمهم جدًا هنا: هل يا ترى أيٌ من الذين هاجموا البحث والمجلة كانوا يناقشون بشكل علمي ليثبتوا أن تركيب اليد ووظائفها لا تحتاج إلى خالق يخلق عن علم وإرادة؟ هل نشر أيٌ منهم طرحًا علميًا ليثبت به أن هذا كله يمكن أن يأتي بالصدفة والعشوائية والانتخاب الأعمى؟! بل، هل عامتهم قرأوا البحث أصلًا؟! لا طبعًا، ليس هناك أي نقاش علمي لهذا الموضوع من زعران العلم هؤلاء! وإنما فقط استهزاء، ومسخرة، واشمئزاز! (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّـهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ۖ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) [الزمر:45] فقط سخرية وهجوم؛ أن كيف تتجرؤون على ذكر كلمة الخالق؟ فكان الأحق أن تسمى القصة "IdiotesGate" أو "IgnorantsGate" (فضيحة الجهلة) وليس (بالإنجليزية): فضيحة كلمة الخالق.
ليس هناك أي طرح علمي، وإنما بناء على مقدمة وكأنها مسلمة، لا يجوز أبدًا أن تذكر الخالق! لا يجوز أبدًا أن تشكك في آلهة الصدفية واللا قصدية والعبثية! لا يجوز أبدًا أن تشكك في التطور! (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَـٰهًا وَاحِدًا ۖ إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ) [ص:5] طيب؛ لماذا عجاب؟ ناقشونا علميًا! (وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ) [ص:6] تعالوا! آلهة التطور تنال بسوء! (إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ) [ص:6] هناك مؤامرة على الآلهة!
هل يمكن إسقاط نظرية التطور؟
بعد هذا كله -يا كرام- تعالوا نعيد السؤال الذي بدأنا به: [حطوا بالكم شغلة وحدة، أي حدا من هدول الشيوخ، إذا عن جد أسقط نظرية التطور أو قسم من أقسام نظرية التطور بمعنى آخر: أسقط العلوم كلا اللي جاية معها (بالإنجليزية) هل من أحد؟ ألا يستطيع أحد أن يجيبني؟] قد تقول: لكن المعترضين يطلبون منك أن تنشر ورقة تسقط نظرية التطور أو قسمًا من أقسامها، لا ورقة تذكر الخالق. كنا قد بينا -يا كرام- بالتفصيل أن نظرية التطور تعني ببساطة: لا خلق، وأنها قد أفرغت من محتواها تمامًا، وتساقطت أركانها تباعًا. ومع ذلك يعيد أتباعها في كل مرة تعريفها ولا يبحثون عن تفسير إلا تحت مظلتها؛ لأن إقصاءها بالكلية يعني ببساطة الإقرار بالخلق. فنشر ورقة تصرح بإبطال التطور يعني ورقة تعترف بالخلق، تمامًا!
هناك باحثون من الدراونة أنفسهم شككوا في أركانها؛ شككوا في عشوائية التغيرات، وعماية الانتخاب، وفي أبحاث منشورة لهم في "Nature" وغيرها. لكن الذي لا يمكن أن يمس عندهم شيء واحد: القول بالصدفية، وأن لا خالق! إذا متفق معانا على هذا المقدار فتعال انقد النظرية، وأعد تعريفها، واقترح شكلًا آخر من أشكالها، وانشر زي ما أنت عاوز. المهم أن تكتب في النهاية: "Evolution"، تطور، لأنها الكلمة التي تعني لا خلق ولا غاية ولا حكمة، بل صدفية محضة. -طيب ما دام شككتم حتى في العشوائية، فلا بد من إرادة! -مش مشكلة! قد يكون "microbial intelligence" ذكاء ميكروبي، ذكاء خلوي، البكتيريا تختار، البكتيريا تقرر، الفيروسات ذكية. انسب الإرادة إلى أي شيء! لكن إياك أن تذكر الخالق!
الأخ أحمد إبراهيم المتخصص في الصيدلة كتب ورقة علمية تثبت في ثناياها وجود قصد وإرادة في وجود الكائنات، مستخدمًا عبارة "Conscious intervention" (تدخل واعي) دون التصريح بإسقاط نظرية التطور، ولا التصريح بوجود خالق. وأرسلها لإحدى المجلات العلمية، فرفضها المراجع لها الدكتور جيمس ماكنري، وغرد على حسابه على تويتر قائلًا: "أرسلت لي ورقة لمراجعتها هذا الـ (بالإنجليزية) نهاية الأسبوع، ورقة غريبة بعض الشيء! ثم اكتشفت أنها خلقوية، تتحدث عن تدخل واع، تبدو علمية لكنها مشوشة عند التدقيق! بوجود مجلات زائفة، فإن علينا أن نتوقع نشر الكثير من الأوراق الخلقوية في المستقبل." حاول الأخ أحمد مناقشته على تويتر فما كان منه إلا أن قام بحظره!
ولاحظوا -يا كرام-، هؤلاء يقولون: "وجود خالق هو شيء خارج عن عالم الطبيعة "Supernatural"، ميتافيزيقي "metaphysical"، غير قابل للاختبار "Untestable"، ويدعون أنهم يرفضونه لهذا السبب. كأن التطور الصدفي هو فكرة من عالم الطبيعة وقابلة للاختبار. كأن تكون خلية بالصدفة، ثم تطورها لكل أشكال الكائنات الحية -بالصدفة- هو شيء مشهود في الطبيعة، وينجح أمام الاختبار. وقد بينا في الحلقة الماضية فساد حصر العلم بعالم الطبيعة، وأن وجود الخالق هو ما يدل عليه العقل، وأن رفض دلالات العقل يعني إسقاط "Science" نفسه، بينما تخاريف العلم الزائف لا يدل عليها عقل ولا علم.
طبعًا نحن نؤكد -يا كرام- على أن هذه المجلات العالمية تحتوي -في المقابل- على علم نافع نستفيد منه، بل المتابع لرحلة اليقين يعلم أننا نستشهد بأبحاث من "Nature" و"Science" وغيرهما من كبريات المجلات؛ نعرض هذه الأبحاث أمام من لم يضعوا عقولهم في سجن المادية؛ لتدلهم على الخالق، بغض النظر، هل دلت هذه الأبحاث أصحابها عليه أم لا. نستدل بالاكتشافات، والمعلومات، والتجارب في "Nature" وغيرها، أما الاستنتاجات التي تحتاج عقلًا فلا يمنعنا منها اتباع هوى، ولا العقد النفسية الموجودة عند أعداء الخالق؛ فنأخذ الصواب، وندع الخطأ! أما المنهزمون نفسيًا، فيريدون منا أن نأخذ ما لدى الغرب كـ (بالإنجليزية) "حزمة" واحدة ويقولون: "كيف تستشهد بأوراق "Nature" و"Science" لإسقاط التطور، والباحثون أنفسهم يؤمنون بالتطور؟" كأن هؤلاء يعملون بقول الشاعر التركي العلماني ضياء ألب إذ قال: "نريد أن نقتبس كل ما لدى الغرب حتى الجراثيم التي في بطونهم." فنقول لهؤلاء: "لا شكرًا"، خلوا الجراثيم والأوساخ الفكرية لكم، أما نحن فعندنا عقول أكرمنا الله بها، ونحن أيضًا -بلا شك- مع مبدأ: (تحكيم الأوراق العلمية من الأقران) "peer review" قبل نشرها. وأنا شخصيًا أنشر في مجلات محكمة علميًا في مجال علم الأدوية، وشاركت في عملية التحكيم لأبحاث علمية.
سيطرة الداروينيين وجائزة نوبل
هل ما سبق يعني أن الدراونة يسيطرون بشكل كامل على النشر في المجلات العالمية؟ -لا؛ لكن أشهر المجلات كـ "Nature" و"Science" و"Cell" مسيطر عليها من قبلهم، وأكثر المجلات كذلك! وجائزة نوبل مسيطر عليها من قبلهم! قد تقول: طيب، أليس هذا دليلًا على صحة نظرية التطور، ووجاهة المنهج المادي؟ فأقول لك: "في السنوات الأخيرة، أصبح للشذوذ الجنسي سيطرة وسطوة، بحيث أن الذي يستنكره يجرم ويحبس ويضطهد، فهل هذا يدل على وجاهة الشذوذ، وعلى أن الشذوذ حق، بينما معارضة البشرية لهم -قبل ذلك- كانت باطلًا؟ أم هذا يدل على أن البشرية تعيش الآن مرحلة من انتكاس الفطرة، واختلال المقاييس على الصعيد الأخلاقي والعلمي، وكل الصعد؟" (قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّـهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة:100].
استدلالك بسيطرتهم على المجلات الأشهر، وعلى نوبل برايز هو مغالطة منطقية معروفة بـ (مغالطة اللجوء إلى سلطة) "Appeal to Authority". وإذا استدللنا على صحة شيء بكثرة أتباعه أو سيطرتهم، فسندخل في كرة ثلج متنامية مبنية على الوهم! كثرة الأتباع، تبهر المقلدين، وهذا يزيد الأتباع، وهكذا دواليك! ونحن لم نتكلم بعد عن تسييس جائزة نوبل، وعدم حياديتها، لكن يكفي ما بيناه لك بالتفصيل؛ كيف أن الباحثين الذين منحوا جائزة نوبل للكيمياء -العام الماضي- كانت أبحاثهم -في الحقيقة- قد أثبتت خيبة نظرية التطور بجدارة! ومع ذلك فقد عنون موقع جائزة نوبل بعنوان: "هم تحكموا في قوة التطور" واستخدم موقع جائزة نوبل هذه الصورة للتعبير عن الجائزة، وقلبوا الحقائق -كما بينا لك بالتفصيل-. هذا عدا عن تسييس الفروع الأخرى من جائزة نوبل، كجائزة نوبل للآداب، ومنحها لمن يتميز في مهاجمة الإسلام، والسخرية من القرآن، والنبي -عليه الصلاة والسلام- وجائزة نوبل للسلام، ومنحها لعتاة المجرمين: كمناحيم بيغن، وشمعون بيريز، وإسحاق رابين، وأكابر مجرميها من غيرهم. فعنوان الحلقة: "امنحوني جائزة نوبل" هو للسخرية فقط! وإلا فلا يشرفنا أن نحصل على هذا الاسم الذي تلوث: "جائزة نوبل"!
مرة أخرى، لا شك -في المقابل- أن كثيرًا ممن حازوا على جائزة نوبل للعلوم أسهموا إسهامات حقيقية، لكن الحصول على هذه الجائزة ليس معيار صحة! وما أحسن ما قاله الدكتور حسام أبو البخاري -فرج الله عنه- إذ قال: "إن أخطر وأعظم ما حدث للعقل المسلم في القرنين الماضيين، هو أنه أصبح ينظر لنفسه وللمسلمين من حوله من خلال نظرة أعدائه له ولدينه." عندنا الآن جموع من أبناء المسلمين تقيم كل شيء بمعايير أعدائها، ولا تقبل بصحة شيء إلا إذا أخذ الختم منهم. تصور لو قيل للمسلمين في بداية دعوتهم: بدل أن تخاطبوا البسطاء من الناس، اذهبوا واطلبوا من صناديد قريش أن يسمحوا لكم باعتلاء الكعبة؛ لتخطبوا أمام الجميع، وتثبتوا لهم بالأدلة تفاهة اللات والعزى، وتدعوهم إلى عبادة الله، افعلوا ذلك، وإلا فدعوتكم غير مقنعة.
مشكلة المكابرين ليست في الدليل
فالذين يقولون: "انشر بحثًا يسقط نظرية التطور".. آهة، يعني ما فيش أي بحث منشور في هذا المجال، أليس كذلك؟! طيب ماذا عن هذه القائمة المنشورة من قبل معهد ديسكفري؟ اطلعت على كثير من أبحاثها، وقمنا بفرزها؛ منها ما هو ليس صريحًا كفاية في نقد التطور، بينما هناك -في المقابل- عدد جيد منها منشور في مجلات مقبولة، في مجتمع البحث العلمي الرصدي التجريبي، وذات معامل تأثير محترم، وتنص بصراحة على نقد التطور الصدفي أو على وجود قصد، أو تصميم في الكائنات، لكن طبعًا دون التجرؤ على التصريح بكلمة الخالق كما فعل الفريق الصيني! فهل الذين يرددون بببغاوية: "اذهب، وانشر بحثًا يسقط التطور"، اطلعوا على هذه الأبحاث المذكورة، وقرؤوها؟ أم أنهم لا يدرون عن وجودها أصلًا، وإنما يلصقون أنفسهم إلصاقًا بالتيار الأعلى صوتًا، الذي يسمونه المجتمع العلمي، "ولا هم في العير، ولا في النفير"، ولا دخلوا مختبرًا بحثيًا أصلًا في يوم من الأيام.
وهنا ملاحظة مهمة -إخواني- نحن نتفق مع كثير من هذه الأبحاث في أن الكون والحياة لم يأتيا بالصدفة، لكننا لا نقلدهم في مصطلح "التصميم الذكي" "Intelligent design"، فمبدؤنا في عدم التقليد، ولا تأجير العقل، والذي استخدمناه مع الداروينيين نستخدمه أيضًا مع أتباع التصميم الذكي. حتى كلمة (تصميم) هي كلمة اصطلاحية تعبر عن عملية لها مراحلها وخطواتها المعروفة، تقوم على البدء بإعداد نموذج مصغر، ثم تمر بمراحل مراجعة، وتصحيح، وتجريب، وتغذية راجعة، إلى أن يصل المصمم إلى انتقاء أوفق البدائل أو الحلول التصميمية. فالتصميم عملية بشرية ناتجة عن عدم الإحاطة بمآلات الأمور، ولا تناسب العلم الإلهي المطلق. هي عملية تمر بطورين: المبدأ "Concept"، ثم التنفيذ "Execution". هكذا هو التصميم! بينما نحن نؤمن برب يقول: (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) [النحل:40]. والكون والحياة دالان؛ لا على تصميم ذكي، بل على خالق فاعل، عليم، قدير، حكيم. فنحن نأخذ بالمعلومات النافعة لأنصار التصميم الذكي، لكننا لا نقلدهم، ولا حتى في مصطلحاتهم، ومنهجنا مع الجميع: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) [الزمر:18].
لأجل كل ما سبق -يا كرام- فالذي يقول: "انشر ورقة تسقط بها نظرية التطور"؛ هذا الاعتراض يفترض أن المشكلة مع أتباع العلم الزائف هي مشكلة أدلة، بحيث إذا جبنا لهم الدليل المقنع ببحث علمي فخلاص، تم توجيه الضربة القاضية لنظرية التطور، وسيضطر الـ "Scientific Community" (مجتمع العلم الرصدي التجريبي) سيضطر للاعتراف بسقوطها، ويستحيي أتباعها من الحديث عنها بعد هذه الضربة القاضية. ما فعلناه في هذه الحلقات هو أننا بينا لكم كيف أن كل الحقائق العلمية في الكون تدل العاقل على الخالق وصفاته، لكن المكابرين ينكرون هذه الدلالة، بل ومنهم من يستخدم هذه الحقائق نفسها ليستدلوا بها على العبثية والصدفية هؤلاء! كيف ستقنعهم ببطلان نظرية التطور أو غيرها من تخاريف العلم الزائف التي يحاولون بها سد فجوة إنكارهم للخالق! ما هو الدليل الذي سيخطئ النظرية عندهم وقد جعلوها غير قابلة للتخطئة؟ يعني لا يتوفر فيها عنصر (بالإنجليزية) "التخطئة" بحال من الأحوال، بل مهما انهارت أركانها افترضوا افتراضات جديدة أكثر كوميدية ليبقوا على اسم التطور "Evolution".
ما هي الصورة المنتظر أن أعرضها للأعمى، حتى يقر بالجمال؟! عندما تكون (عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد:24]؛ هل تتوقع بمجرد ما نعرض لهم الحقائق أنهم (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) [الإسراء:109]؟ هؤلاء مشكلتهم ليست مشكلة دليل، فهم لا يناقشون الأدلة بعقول مجردة عن الهوى، والعقد، وأمراض القلوب، وبالتالي فالدليل ليس عندهم بدليل! بل قد يكون دليلًا على العكس تمامًا فيصدق عليهم قول الله تعالى: (لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) [يونس:97،96].
من المهم جدًا أن نفهم ذلك -إخواني- حتى لا نقع في الخطأ الذي يقع فيه بعض من يرد على الإلحاد، لكن دون علم للأسف! فيقول وهو يتكلم عما يعتبره خرافات عن الإلحاد: "الخرافة الخامسة، هي خرافة الضربة القاضية؛ حيث يعتقد كثيرون أنه يمكن التعامل مع الملحدين بمنطق محمد علي كلاي، وأنه يمكن أن تكون هناك ردًا ساحقًا ماحقًا لكل ما يقولونه ويتحججون به، ببساطة هذا غير ممكن على الأقل ليس في كل الحجج." إذن يرى صاحبنا أن هناك حججًا لدى الملحدين، ليس عليها رد ساحق ماحق لدينا -معاشر المؤمنين-! بينما نقرأ في القرآن: (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّـهِ مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ) [الشورى:16]. ونقرأ في القرآن: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ) [الأنبياء:18]. فعندما ترى أن الملحدين لا يؤمنون فهذا ليس لأننا لا نملك ردًا ساحقًا ماحقًا يزهق باطلهم، بل لأنهم لا ينفع معهم هذا الرد -مهما كان واضحًا- كونهم ليسوا طلاب حق، وما داموا كذلك فليس الآيات الكونية فقط بل وكما قال الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَّا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّـهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) [الأنعام:111].
"وأنه يمكن أن تكون هناك ردًا ساحقًا ماحقًا لكل ما يقولونه ويتحججون به، ببساطة هذا غير ممكن، على الأقل ليس في كل الحجج! الأنبياء أنفسهم لم يتمكنوا من ذلك فلماذا نتوهم أننا يمكننا ذلك؟!" الأنبياء -عليهم السلام- لم يتمكنوا من هداية المشركين؛ لأن المشركين لا يتبعون الدليل، وإلا فقد كان عند الأنبياء الرد الساحق الماحق لكل أباطيل المشركين، بل والمعجزات الحسية: عصا تتحول لثعبان مبين، وبحر يشق؛ فإذا "كل فرق كالطود العظيم"، ومائدة تنزل من السماء، وناقة تخرج من جوف صخرة، وقمر يشق! ومع ذلك: (وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ) [يونس:101].
فعندما تقول لي: "انشر بحثًا علميًا يثبت بطلان نظرية التطور، أو نظريات العلم الزائف الأخرى"، فإني أقول لك: أما للعقلاء فكل ما هو منشور أصلًا من علم حقيقي لتطوريين أو لغيرهم، يبطل خرافة التطور. وما نشرته أنا من أبحاث في مجالي يبطلها، لما يدل عليه كل بحث نافع -أيًا كان مجاله- من إتقان، وسننية، وانتظام في ظواهر الكون والحياة. وأما لغير العاقل من مرضى القلوب فكأنك تقول: انشر بحثًا يقنع من لا يريد أن يقتنع، ويخضع للحق (مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ) [الفرقان:43]، واستغلق على نفسه، وتعصب لجهله. فلا نملك إلا أن نقول: (وَقُل لِّلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ وَلِلَّـهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [هود:121-123]. والسلام عليكم ورحمة الله.