السلام عليكم. تطور الإنسان عن كائنات أدنى، هكذا تقول نظرية التطور. لكن القرآن يقول أننا بنو آدم الذي خلقه الله بيديه وخلق منه زوجه. هنا تنوّعت اتجاهات المؤمنين بنظرية التطور من أبناء المسلمين. فمنهم من قال: إذن نعيد تفسير آيات القرآن بما يتناسب مع نظرية التطور. ومنهم من قال: نقول أن قصة آدم في القرآن قصة رمزية. ومنهم من قال: بل نكذب القرآن ونؤمن بالعلم.
في هذه الحلقة سنناقش بالأبحاث العلمية هذه المقدمة التي اعتبروها مسلماً أن تطور الإنسان حقيقة علمية، ونحاول أن نرسم معاً ملامح المنهج العلمي القويم، لعلنا نكون من أهل قوله تعالى: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [البقرة: 213]. فتابعوا معنا.
الادعاءات الداروينية حول أصل الإنسان
ما يشيعه أتباع نظرية التطور في أشهر مجلاتهم وكتبهم ومواقعهم العلمية والمحاضرات التثقيفية لعموم الناس هو أن الإنسان تطور عن أصول مشتركة مع الحيوانات، مرت بمراحل انتقالية من كائنات شبه بشرية وصولاً إلى الإنسان الحديث الذي يسمونه بالهوموسابينز. وأن هذا الإنسان الحديث ظهر أول ما ظهر في أثيوبيا قبل حوالي مئة وخمس وتسعين ألف سنة، كما في هذه الورقة المنشورة في "نيتشر" عام 2005. ثم بعد عشرات الآلاف من السنوات خرج نسله إلى بقية أنحاء العالم.
وأن هذه الكائنات المزعومة التي يفترض أن الإنسان تطور عنها لها خصائص انتقالية تناسب النطاق الزمني الذي اكتشفت فيه، من حيث شكل الجمجمة وحجمها والهيكل العظمي والمادة الوراثية. ويضع المروجون لنظرية التطور من العرب هذه الصور خلفية لمحاضراتهم.
أهي إذاً أنتم تقولون أننا معاشر البشر بشكلنا الحالي كان أول ظهور لنا قبل مئة وخمس وتسعين ألف سنة في أثيوبيا، أليس كذلك؟ بلى، تقريباً، يعني بلاس ماينس خمسة آلاف سنة. أهي وهناك تسلسل واضح في أسلاف الإنسان بما يناسب النطاق الزمني في الخط التطوري؟ طبعاً طبعاً. وكل أحفورة نجدها تدعم التسلسل الذي افترضناه قبل وجودها ولا تخرج عن ذلك الإطار، أليس كذلك؟ بلى طبعاً.
تناقضات الاكتشافات الأحفورية مع الخط التطوري المزعوم
حفرية المغرب (2017)
طيب ماذا تفعلون بالحفرية البشرية المكتشفة عام 2017 في المغرب، والتي تعود لثلاثمائة ألف سنة حسب تقديرات المختصين، بحيث عنونوا لها بعنوان: "حفرية مكتشفة في المغرب تعيد ترتيب شجرة عائلة الهوموسابينز"؟ ما فيش مشكلة، سنعمل "ستريتش" للخلف ونقول أن الإنسان الأول ظهر قبل حوالي ثلاثمائة ألف سنة كما في موقع "سميثسونيان".
حفرية إسبانيا (1995)
طيب تعالوا نعود للوراء، ماذا عن الحفرية المكتشفة عام 1995 في إسبانيا لبقايا جمجمة وهيكل عظمي قدروا أنها أقدم من سبعمائة وثمانين ألف سنة، يعني أقدم بكثير من الثلاثمائة ألف سنة المزعومة، فعمرها ثمانمائة ألف عام؟ ومع ذلك فمن الواضح أنه كوجوهنا، احتاروا كثيراً في التفسير، وقرروا اعتباره كائناً شبه بشري وأطلقوا عليه اسم "هومو أنتي سيسور"، وأطلقوا العنان لخيالهم لإظهاره بدائياً كهذا التمثال في المتحف الأسترالي. ولا زالت الحيرة في تفسيره قائمة، فمن شهور قليلة نشرت مجلة "نيتشر" دراسة تعيد التأكيد على أن وجه ما سموه "هومو أنتي سيسور" هو كوجوهنا. وتكلمت مجلة "ساينس" عن الحيرة في مكان وضعه في التسلسل التطوري.
جمجمة كينيا (2001)
طيب مهما فعلتم لتفسروا هذا الفرق بمئات الآلاف من السنوات، ماذا ستفعلون بالجمجمة المكتشفة في كينيا عام 2001 والتي أطلقوا عليها اسماً يعني "رجل كينيا مسطح الوجه"؟ وقدروا عمر الجمجمة بثلاثة ونصف مليون سنة. حتى أبدت مقالة في مجلة "نيتشر" صدمتها الشديدة بها وصدرت المقالة بقولها: "إن التاريخ التطوري للإنسان معقد وغير واضح المعالم. إنه يبدو اليوم على شفى الإلقاء في المزيد من الارتباك بسبب الاكتشاف لنوع جديد يعود لثلاثة ملايين ونصف مليون السنة". وكذلك مجلة "ساينس" في مقال بعنوان: "جمجمة تضيف المزيد من الغموض على أصول الإنسان"، تقول في مقدمته: "إن اكتشاف جمجمة وبقايا أحافير عمرها ثلاثة ونصف مليون سنة في شمال كينيا يهز شجرة تطور البشر من جذورها". ونشرت "ساينس" أيضاً في مقال آخر قائلة: "إن الخبراء مجمعون على الرأي أن هذه الحفرية سوف تعقد الجهود لتتبع المسار الملتوي لتطور الإنسان". مجمعون! بينما مروجو نظرية تطور العرب يوهم كلامهم بأن الخبراء مجمعون على تسلسل واضح لتطور الإنسان. وبالمناسبة، فالداروينيون في المحصلة لم يصنفوا هذه الأحفورة ضمن الجنس البشري، لكنهم محتارون في أن خصائصها لا تناسب هذه المرحلة الزمنية حسب الخط التطوري المزعوم.
جماجم تشاد (2002)
لم يستفق الداروينيون من هذا الكف عام 2001 حتى جاءت صفعة أخرى عام 2002 باكتشاف جماجم في تشاد سمّوها "توماي"، قدّروا عمرها بـ 6 إلى 7 مليون سنة كما نشر في "نيتشر"، بخصائص لا تناسب هذه المرحلة الزمنية حسب الخط التطوري المزعوم. فقربها من الجماجم البشرية يجعل من المفترض أنها ظهرت متأخرة نسبياً. فإذا قبلوا بأن عمرها ستة إلى سبعة ملايين من السنوات، فلن يمكن القبول بكون العديد من الأنواع المتأخرة بعد "توماي" أسلافاً للبشر وتنتمي لنفس السلالة التطورية، لأن هذه الأنواع أقل شبهاً بالجمجم البشرية المعاصرة من "توماي". يعني ما بينفعش الجنس الأقدم يكون أقرب للإنسان من الجنس الوسيط. حتى قال هذا المقال في "نيتشر": "إن توماي هي رأس قمة هذا الجبل الجليدي الذي قد يُغرِق لنا أفكارنا الحالية عن تطور الإنسان". وقال المختص في الأنثروبولوجي بيرنارد وود: "عندما ذهبت إلى كلية الطب عام 1963، كان تطور الإنسان يظهر كالسُّلم". كل هذا لا زال محل خلاف. لاحظ مرة أخرى، هذا من مقال في "نيتشر"، إحدى أشهر المجلات العالمية وهي أكثرها دعماً لخرافة التطور. ما العلاقة بين هذه الأحافير وأي منها هو سلف للإنسان؟ إن كان أي منها أصلاً سلفاً للإنسان، كل هذا لا زال محل خلاف. لذلك أخي عندما ترى من يعرض لك مثل هذه الرسومات الفكاهية التي تظهر تطور الإنسان كخط رصين، فاعلم أنه لم يحدث معلوماته من عام 1963، من أيام ذهب برنارد وود إلى كلية الطب.
اكتشافات لاحقة (2005، 2015، 2020)
وبعدها في عام 2005 نشرت "نيتشر" مقالاً صدرته بالقول: "حتى سنوات قليلة مضت، كان يعتقد أن التاريخ التطوري لنوعنا البشري مباشر وبسيط إلى حد ما"، إلى أن قال: "لكن مؤخراً بذر الارتباك في شجرة تطور الإنسان". ثم شرع المقال في بيان الاكتشافات التي أحدثت هذا الارتباك. ثم في عام 2015 اكتشفت عظام في تنزانيا تشبه عظام يد الإنسان الحديث وزادتهم ارتباكاً، إذ قدر عمرها بأكثر من 1.84 مليون سنة، ونشرت عنها "نيتشر". وفي العام نفسه في 2015 اكتشفت أحفورة في إثيوبيا بخصائص لا تناسب الخطة التطورية المزعومة، ونشرت عنها "نيتشر"، وعلق عليها بروفيسور الأنثربولوجي كولين جروفز قائلاً: "لا نعلم كم نوعاً تواجد" يعني من أسلاف الإنسان المزعومة "ولا نعلم أيها يتبع لأيها". وقال عن هذه الأحفورة: "يعني كأن عربة التفاح قلبت رأساً على عقب".
طب مش يمكن الصورة اتضحت أكثر في السنتين ثلاثة الأخيرات؟ لا. بل اكتشف العديد من الاكتشافات المربكة، حتى علّق المحرر العلمي في موقع "بي بي سي" قول رينكون في المقال المنشور من شهور في 2-4-2020 قائلاً: "في وقت ما كنا نتصور أن تطور البشر يسير في شكل خطي، حيث يظهر الإنسان الحديث في نهاية الخط باعتباره ذروة التقدم التطوري، لكن أينما ننظر الآن نرى بشكل متزايد أن الصورة الحقيقية كانت أكثر فوضوية من هذا بكثير".
كان محسوماً لدى الداروينيين ولفترة طويلة من الزمن أن الإنسان الأول ظهر في إثيوبيا، ورسموا قصة خروج سلالته وانتقالها لأنحاء أخرى في العالم. لكن هذا الحسم تبعثر تماماً بهذه الاكتشافات التي ظهرت في المغرب وكينيا وتشاد وتنزانيا. قالوا: إذن فلنقول أن أصل الإنسان كان في إفريقيا بشكل عام، فهذه الدول كلها في إفريقيا.
أحافير الصين (2017)
في إفريقيا؟ ماذا تقولون إذن عن هذه الأحافير في الصين التي نشر عنها في 2017 وقالت عنها: "أحافير غريبة من الصين تظهر أصولاً آسيوية لنوعنا الإنساني وتعيد كتابة قصة تطور الإنسان"؟ الصين مش مشكلة، صحيح مش نفس القارة زي إثيوبيا، لكن من نفس الكوكب على الأقل! 2020 وهذا هو واقع السيناريوهات التطورية للإنسان: مبعثرة، غرقانة، مربكة، ملتوية، معقدة، غامضة، فوضوية، مهتزة من جذورها، كعربة تفاح مقلوبة رأساً على عقب، بتعبيرات التطوريين أنفسهم. تعبيراتهم تجعلني أتصور أتباع الخرافة يركضون كالكائنات الوهمية التي افترضوها، يجرون لاهثين خلف سراب خرافتهم.
المنهجية الداروينية في التعامل مع التناقضات
رسم الأشجار المتفرعة
طيب ماذا يفعلون؟ بما أن كل خط تطوري للإنسان ينهار مع كل اكتشاف جديد، أصبحوا يلجأون لرسم أشجار متفرعة، بحيث إذا تم اكتشاف شيء جديد، فرعوا فرعاً من الشجرة ووضعوا الأحفورة عليه وانتهى الموضوع. ويتجنبون رسم علاقة مباشرة بين كائن وكائن، وهو التفاف من المهم جداً الوقوف عنده. يعني الأحافير التي أفسدت عليهم خيالاتهم السابقة وأعربوا عن انزعاجهم منها، أصبحوا يضيفونها في مكان ما في الشجرة. تنظر أنت فترى أسماء كثيرة ووجوهاً تخيولية كثيرة، فتظن أن هذه كلها أدلة على التطور الإنسان، مع أنها على العكس تماماً، تحول الدليل الهادم بالتطور إلى دليل للتطور على طريقتهم التي جئنا عليها بشواهد كثيرة. وهذه الأشجار تتباين من موقع لموقع بحسب ما تنطلق خيالاتهم، كما في هذه الصور من "Human Origins" و "Nature" و "Science" ومجلة "Earth" المعروفة والموسوعة البريطانية "Encyclopedia Britannica" وموقع المتحف الأسترالي وغيرها.
مفهوم "السلف المشترك" الافتراضي
ماذا يعني التشجير؟ يقولون مثلاً: الإنسان والشمبانزي تطورا عن أصل مشترك. فيظن البعض أن هذا الأصل المشترك هو كائن معروف لديهم، يوجد أحافير تدل على وجوده تاريخياً. أبداً، إنما هو الكائن الافتراضي، كما في "نيتشر" افترضوا وجوده وأعطوه اسماً آخر: سلف مشترك بين الإنسان والشمبانزي. هل هناك أي دليل علمي عليه؟ أي معلومات عنه؟ أبداً، وإنما لا بد من اختراع وجوده تطورياً. هذا مع أن بحثاً نشر من شهور في "Science Advances" التابعة لمجموعة "Science" افتتح بجملة: "إن دماغ الإنسان أكبر بثلاث مرات ومرتب بشكل مختلف عن دماغ أقرب أقربائه الأحياء وهو الشمبانزي. وهي خصائص مهمة للقوة الإدراكية للإنسان وسلوكه الاجتماعي. إلا أن الأصول التطورية لهذه الخصائص غير واضحة. فالإنسان مختلف عن الشمبانزي بشكل كبير. وكيف استطاع التطور عمل ذلك غير معروف، والسلف المشترك بينه وبين الشمبانزي غير معروف. المهم أنه تطور وخلاص".
حفرية "آردي" من عائلة "آردي بيثيكس" أو حفرية "لوسي" من عائلة "أسترالوبيثيكس" التي اعتبروها سابقاً أسلافاً للإنسان وأيقونات لتطوره، يتجنبون الآن رسم علاقة مباشرة بينها وبين الإنسان والدعاء أنها أسلاف له، وإنما يدعون أنها ربما تفرعت هي وأسلاف ما للإنسان عن أصل مشترك ما كما في "ساينس". وكل ما ترونه من أرقام هي كائنات تطورية يفترض أنها وجدت، فأصبحت أشجارهم عبارة عن مجموعات من الأعشاش المنفصلة لا تربطها إلا أصول موهومة لا دليل عليها. ولذلك أصبحوا كثيراً ما يتجنبون كلمة "أسلاف الإنسان" ويستخدمون بدلاً منها "أقرباء". هناك قرابة ما، كيف؟ متى؟ ما الدليل؟ لا نعرف، لكن لا بد أن هناك قرابة ما.
تفصيل أيقونات التطور المزعومة
الآن وبعد أن بيّن لكم إخواني أن الاكتشافات الحديثة تبعثر الخطة التطورية المزعومة، تعالوا نبين لكم أن عناصر هذه الخطوط أو هذه الأشجار، يعني ما كانوا يسمونه أيقونات التطور، الأحافير الدالة دلالة دامغة على حصول التطور، أنها لا علاقة لها بتحول تطوري ولا كائنات انتقالية ولا أشباه بشر ولا حاجة. وإنما ببساطة عندنا أحافير لقردة وأحافير لبشر. أحافير القردة هي لقردة متنوعة الأشكال لكنها تبقى قردة. وأحافير ما زعموا أنهم أشباه بشر هي أحافير بشر بينها من التنوع كما بين البشر الحاليين. وعندنا أجزاء من جماجم وهياكل عظمية لا يمكن الجزم بأنها تابعة لبشر أو قردة أو غيرهم، تبنى عليها قصص ورسومات بمحض الخيالات والتوهمات كجمجمة الحمار وسن الخنزير، وقد تكون لمخلوقات منقرضة. ونقصد بالقرادة هنا "الإيبس"، وهناك فرق بينها وبين "المونكيز"، والكلمتان تترجمان في العربية لـ "قرادة". والداروينيون يدعون أننا نشترك مع "المونكيز" في أصل مشترك ما، ثم يختلفون في شأن "الإيبس" هل هي أسلاف للإنسان أم تشترك معه في أصل مشترك ما آخر.
إذن دعونا نأخذ قصة أيقونات التطور، ولنأخذ هذا الخط التطوري الموجود حتى اليوم في أغسطس من العام 2020 في موقع الموسوعة البريطانية بعنوان "الخط التطوري للإنسان".
أسترالوبيثيكس أفرينسيس (لوسي)
أولاً: أسترالوبيثيكس أفرينسيس، القرد الجنوبي العفاري، والذي سمي أشهر أحافيره بـ "لوسي". ما لا يعرفه الكثيرون هو أن "لوسي" هي عبارة عن مجموعة عظام متناثرة في سفح تلة تتعرض لعواصف مطرية، عظام لم تكن مرتبطة ببعضها، جمعت على مدى ثلاثة أسابيع، فك من هنا، عظمة فخذ من هناك، وبعد أسابيع فقرة من العمود الفقري من موقع آخر وهكذا. فاستنتج الباحثون أن هذه العظام تعود لنفس الكائن، كما في كتاب "لوسي بداية الجنس البشري" لمكتشف العظام دونالد جوهانسون، وكما في موقع جامعة أريزونا. فهذه العظام قد تكون لنفس الكائن وقد لا تكون. افترضوا أنها لنفس الكائن وأنه يحمل صفات انتقالية بين البشر والقرود، فانطلق خيال أتباع الخرافة ليرسموا بناء على هذه العظام عدداً ضخماً جداً من الرسومات والتماثيل في المتاحف والأفلام الوثائقية والكتب المدرسية والجامعية، وعمل لها صوراً تجعلك تشعر بالحنين لأمك الأولى المفترضة، ونشر وثائقيات وبرامج عن كيف ماتت لوسي ليصبح وجودها حقيقةً مسلماً بها، ويبقى التساؤل فقط عن تفاصيل حياتها. وبحيث إذا سمعت "لوسي" تصورت أنه مستخرج في الحفرية هذا الكائن محنطاً مكتمل الشحم واللحم.
وما لا يعرفه كثيرون أن إعلام الخرافة تعامى في ذلك كله عن الكثير من الأبحاث التي تشكك في جزئيات كثيرة من الاستنتاجات التي بنيت مبكراً عن "لوسي"، والأبحاث التي تنفي بالكلية أن تكون "لوسي" وعائلتها من القردة العفارية سلفاً للإنسان. حتى أن المجلة الفرنسية "ساينس إي بي" جعلت العنوان الرئيس لغلاف عددها الصادر في الشهر الخامس من عام 1999: "وداعاً لوسي"، وذكرت في المقال الأدلة على أن كل عائلة الأسترالوبيثيكاس التي تنتمي إليها "لوسي" لابد أن تزال من شجرة عائلة الإنسان. وفي عام 2007 نشرت المجلة الأمريكية المعروفة "P-NAS" مقالاً تبين الأسباب التي تشكك في كون القرد العفاري الذي منه "لوسي" سلفاً للإنسان. وحديثاً من شهور قليلة في إبريل 2020 نشرت مجلة تابعة لمجموعة "ساينس" بحثاً اعتمد على جمجمة "لوسي" ومجموعة من جماجم القردة العفارية لتخيل شكل الدماغ، وقال الباحثون في النتيجة: "بخلاف الادعاءات السابقة، فإن بنية دماغ القرد العفاري هي كأدمغة القردة، وليس هناك خواص تتجه نحو الصفات البشرية"، يعني لا انتقال ولا شيء. وهناك الكثير من الأبحاث الأخرى تنفي كون القردة العفارية ومنها "لوسي" أسلافاً للإنسان، وأصبحت المجلات العلمية ترسمها مشجرة على أن لها مع الإنسان سلفاً مشتركاً ما، كما رأينا في "نيتشر" و "ساينس". ومع ذلك لا تزال الكتب الجامعية والمدرسية والمواقع العلمية ومثقفو العرب يستخدمونها كأيقونة لتطور الإنسان.
هومو هابلس (الإنسان الماهر)
اللي بعده: ثانياً "هومو هابلس" أو ما يسمونه الإنسان الماهر، ويقولون أنه شبه إنسان، أحد المراحل الانتقالية بين القردة الجنوبية والإنسان المعاصر. ومرة أخرى ما وجدوه ليس هذا الكائن بل عظام أطلق العنان بعدها لخيالاتهم. نشرت مجلة "ساينس" عام 1999 بحثاً يُبين أنَّ خصائص هذه الأحافير التي صُنِّفت سابقًا على أنَّها لشبه إنسان هي كخصائص القردة الجنوبية، وبالتالي يجب إزالتها من تصنيف "الهومو" يعني أشباه البشريين المفترضين. ثم عام 2000 نشرت مجلة "البيولوجيا الجزيئية والتطور" بحثاً ينفي صلاحية "الهوموهابيلس" كحلقة وسيطة بين القردة الجنوبية والبشر، مع أن هذا الاعتقاد ساد لمدة ثلاثين عاماً كما يقول البحث. ثم في عام 2011 نشرت "ساينس" بحثاً بعنوان: "من كان الهوموهابلس وهل كان من أشباه البشر بالفعل؟" أول جملة في البحث تقول: "في السنوات العشرة الأخيرة تضعضعت مكانة الهوموهابلس كأول فرد من نوعنا". ثم تحدث البحث عن تشابه الهوموهابلس مع القردة الجنوبية. عشرات السنين من نفي الأبحاث لفكرة شبه الإنسان هذا ولا زالت صوره تتداول كأيقونة لتطور الإنسان.
هومو إيركتس (الإنسان المنتصب)
اللي بعده: ثالثاً "هومو إيركتس" ما يسمونه الإنسان المنتصب، ويقولون أنه شبه إنسان. هذا الكائن الافتراضي يعتبرونه محورياً ومهماً في التطور. هذا بحث منشور في المجلة الألمانية الإنجليزية "كوريوفوشينز انسيتيوت زاكنبيرغ" عام 1994 بعنوان: "المبررات لإغراق الإنسان المنتصب" يعني إلغاء فكرته، يقول فيه الباحثون وهم من أمريكا وأستراليا والصين والتشيك: "ليس هناك حدود فاصلة بين الإنسان المنتصب والإنسان العاقل لا في الزمان ولا في المكان، ليس هناك عملية انتواع في تحدر الإنسان العاقل من المنتصب. هذه الأسباب تتطلب اعتبارهما نوعاً تطورياً واحداً". وهذا بحث منشور في مجلة "نيتشر" يتكلم عن احتمالية تصنيف "هومو إيركتس" كسلالة أو عرقية "ريس" من جنسنا البشري المعروف، يعني لا مرحلة انتقالية ولا حاجة.
سيقول قائل: لكن لحظة، هل هذه الأبحاث حسمت الموضوع؟ أم أن هناك أبحاث أخرى ردت عليها؟ هل اتفق علماء التطور على إزالة "الهومو إيركتس" مثلاً من مسار تطور الإنسان؟ فنقول إخواني: هؤلاء الداروينيون لا يكادون يتفقون على شيء، بل يخطئ بعضهم بعضاً ويسخف بعضهم بعضاً، وإنما يتفقون على شيء واحد: نفي الخلق. في هذا المقال في موقع "لايف ساينس" الدارويني أيضاً يتكلم عن خلاف الداروينيين على الإنسان المنتصب فيقول: "النسب والتاريخ التطوري للإنسان المنتصب وباقي أشباه الإنسان غير واضح وأصبح موحلاً أكثر بالاكتشافات الحديثة". موحل، مطيّل، امنيّل في ستمائة نيلة على إخوانا المصريين. ثم يستخدم المقال عبارات: "هناك الكثير من الاختلاف، المزيد من الارتباك، العلماء ليسوا متفقين". فنعم، هناك خلاف على كل شيء. والأبحاث التي نعرضها لك والتي تضرب أيقونات التطور هي من أعلى المجلات تصنيفاً كـ "PNAS" و "Science" و "Nature"، بينما كلام مروجي نظرية التطور العرب يوهم بأن السيناريو تمام والأدلة محكمة والعلماء مجمعون.
إنسان نياندرتال
اللي بعده: رابعاً إنسان نياندرتال. كنا في حلقة "نظرية البانكيك" قد استعرضنا معكم هذه الورقة العلمية التي أجرت مراجعة شاملة لـ 151 بحثاً عن النياندرتال وأثبتت أنهم لا يقلون عننا في شيء، وليسوا أسلافاً غبية همجية للبشر كما كان يدعى. وقد أصبح هذا مقبولاً لدى عامة الداروينيين، ونشرت فيه أبحاث كثيرة، من آخرها بحث جيني نشر من حوالي شهرين يظهر أن الفروقات الجينية في الميتوكوندريا بين النياندرتال والبشر الحاليين هي أقل من الفروقات بين الدب القطبي والدب البني، وأنه حصل تزاوج بين الإنسان المعروف والنياندرتال.
الخلاصة حول الأدلة الأحفورية
ففي الخلاصة: الأسترالوبيثيكس أفرينسيس هي كالقردة الجنوبية، ليست فيها خصائص انتقالية للإنسان. وما سمي بالهومو هابلس هو أيضاً ليس شبه إنسان بل من القردة الجنوبية فيما يظهر. وكل ما زعم سابقاً أنهم أشباه بشر غيره هم بشر، الفروقات بينهم وبين الهياكل البشرية التي تتم المقارنة بها هي كالفروقات بين سلالات البشر الحالية أو قريب منها. وترى لماذا هذه الرسومات التخيولية الغبية لا قيمة لها؟ مجرد خداع وتضليل ودجل بالعلم الزائف تنام عليه الكتب الجامعية والمدرسية ومواقع تبسيط العلوم الأجنبية والعربية لعشرات السنين، تماماً كما نامت على كذبة العظام الخلفية بلا فائدة في الحوت كما بينا في حلقة "صح النوم"، أو رسومات هكل للأجنة كما بينا في حلقة "طرزان".
كل الأبحاث التي استشهدنا بها إخواني هي لداروينيين، ولا يعترف أي من كاتبيها بسقوط خرافة تطور الإنسان. ففي كل مرة تسقط فيها إحدى أيقوناتهم فسيقولون: "لا يهم، هناك أدلة كثيرة على التطور"، كما بينا في حلقة "طرزان". فالبديل وهو الخلق الحكيم مرفوض مسبقاً ولا يمكن التفكير به. ما نعمله هو تجميع الصورة الكلية التي لا يعترفون بها، وبيان ارتباكهم، وأنهم لا يفكرون أصلاً بالخروج من صندوق الإيمان الأعمى الدارويني. فهم قد ألزموا أنفسهم بإيجاد قصة ما بديلة عن الخلق، فلا بد من إعادة كتابة سيناريو القصة كما يعبرون هم بأنفسهم، ورسم الأشجار عديمة الفائدة والثمار، وإطلاق العنان للتخيلات والأساطير، وعمل أي شيء ولا أن يعترفوا بوجود خالق.
التفسير الدارويني للفجوات
إرنست ماير من جامعة هارفرد وهو من كبار الداروينيين يقول في كتابه "ما الذي يجعل علم الأحياء فريداً" طبعة عام 2004: "إن أقدم الأحافير للهومو" يعني للبشر وأشباههم المزعومين "وهي أحافير هومو رودولفينسيس وهومو إيركتس مفصولة عن القردة الجنوبية بفجوة كبيرة خالية من الأحافير. كيف يمكننا أن نفسر ذلك؟ في غياب الأحافير التي تلعب دور الشكل الانتقالي، فإن علينا الرجوع إلى الطريقة المتعارف عليها في علوم التاريخ ألا وهي بناء رواية تاريخية". بناء رواية تاريخية يعني اختراع قصة ما لسد الفجوة، ثم النظر إن كانت هذه القصة ستأتي أدلة تعرضها أم لا. وبالتالي فكثير مما يعرضه الداروينيون هو روايات تاريخية لسد فجوات. لا عجب فماير نفسه يقول أن البيولوجيا التطورية هي في كثير من جوانبها أقرب للإنسانيات من العلم الرصدي التجريبي الحقيقي.
حصروا تعريف العلم الحقيقي في العلم الرصدي التجريبي، وأنكروا الغيب لأنه ليس في متناول هذا العلم، ثم لما فشلوا في تفسير الخلق به راحوا يلجأون إلى غيبيات افتراضية لا دليل عليها من رصد ولا تجريب ولا عقل ولا فطرة. كل هذا ونحن لا نريد أن نعيد ما بيناه من مدى سخف فكرة رسم كائن كامل وعمل أفلام ووثائقيات عنه بناء على أجزاء من جمجمة أو عظام متناثرة، كما بيّنّا سابقاً في فضيحة رسم شبه إنسان إبراسكا بناءً على ضرس ونشر بحث عنه في "ساينس" ثمّ عودة المجلة لنشر بحث آخر بعده بسنوات أن هذا السن هو سنّ خنزير لا شبه إنسان.
هنا مسألة مهمّة جدّاً جداً جداً، هي أن كل ما ذكر ليس هو أهم ما في الأمر. يعني حتى لو وجد هؤلاء أحافير لكائنات بصفات مشتركة، ما الذي يثبت علمياً أننا تطورنا عنها؟ هذه مسألة مهمة جداً إخواني لأننا كثيراً ما نضيع في التفاصيل بحيث يظن المتابع أنه إذا ثبت مثلاً أن "لوسي" كان لها صفات مشتركة فإن هذا يثبت أننا تطورنا عنها، وكأن الجدال على حفرية معينة هو جدال إذا حُسم، فإنه يُحسم لصالح تطور الإنسان أو ضده. أبداً، وعلينا ألا نضيع في التفاصيل عن الصورة الكلية.
سيقول أتباع الخرافة: هناك أشياء أخفى يعرفها المختصون كالتسلسل المتدرج في المادة الوراثية. فنقول: وهذا أيضاً ليس صحيحاً. هذا البحث في مجلة "البيولوجيا الجزيئية والتطور" يبين أن هناك فروقات جينية ضخمة بين الجنس البشري والقردة الجنوبية لا تتماشى مع تطور تدريجي بطيء، وأن هناك توليفة من الصفات ظهرت فجأة لم تظهر من قبل. طيب ما التفسير لديكم إذن؟ قالوا: حصول ثورة جينية. وهي تسمية تبدو علمية لفكرة كوميدية تكلمنا عنها مفادها أن تغيرات عشوائية كثيرة جداً حصلت بشكل متناسق دون تخريب باقي المادة الوراثية لتكسب الكائن صفات راقية حولته إلى الجنس البشري، وأن هذا كله حصل بالصدفة.
طيب ولماذا تتكلفون فكرة الثورة الجينية أو ما يسميه البعض "rapid evolution" التطور السريع؟ بأي حق تفترضون أن الإنسان تطور عن كائنات أدنى مع أن الأحافير لا تسعفكم، ومع أن الإنسان مختلف في خصائصه وجيناته اختلافاً كبيراً عن الكائنات الأخرى؟ ما هو لازم يكون الإنسان تطور عن غيره. لماذا؟ حتى يكتمل التفسير العلمي: الكائنات الأدنى تطورت عن غيرها، وهذه بدورها تطورت عن الخلية البدائية التي نشأت صدفة بطريقة ما. آها، إذاً فتطور الإنسان عن غيره هو افتراض مسبق تطوعون الاكتشافات له وتلبسونه لباس العلم وليس نتيجة علمية قادتكم الأدلة العلمية إليها.
الخلق كبديل علمي
طيب وما البديل عن تطور الإنسان عن كائنات أدنى؟ أن الله خلقه خلقاً مستقلاً عن علم وإرادة. هذا ليس تفسيراً علمياً. ما معنى التفسير العلمي؟ هو ما يخضع للرصد والتجربة وإعادة الإنتاج. وهل تطور الإنسان عن كائنات أدنى هو شيء رصدتموه أو جربتموه أو أعدتم إنتاجه؟ بينا سابقاً أن الظهور الأول للكائنات هو أمر غيبي لا يمكن أن يخضع للحس ولا للتجربة، وبالتالي فليس من مجال عمل العلم الرصدي التجريبي، "الساينس" ليس من اختصاصه. وبالتالي فالبحث عن دليل من "الساينس" لتفسير الظهور الأول للكائنات هو استخدام للأداة الخطأ في الاستدلال. وبيّنا في الحلقات 49، 51، 52 من رحلة اليقين لماذا العلم ليس محصوراً في "الساينس"؟ فالغيب الذي جاء به الخبر الصحيح هو من العلم، أمر لا يقع تحت الرصد ولا التجريب ولا يمكن إعادة إنتاجه. فلا بد أن يكون الدليل علمياً خبرياً يخبر عما كان في هذا الزمان المغيّب عنه.
قد تقول لي: أنا لم نقرّ لك بعد بصحّة القرآن والسنة ولم تثبت لي ذلك. ماشي، لكن إلى أن نصل تلك المحطة من رحلة اليقين، لا تقول لي أن تطور الإنسان علم مؤيد بالأدلة العلمية، بل إيمان أعمى بتفسيرات تخيلية ضاربة في عمق التاريخ فحسب.
أمر آخر مهم جداً جداً هو أن تحول كائن إلى آخر يجب أن ينبني ضمنياً على أن هناك من يجري هذا التحويل عن قصد وإرادة. لأن التطور الصدفي بلا قصد ولا غاية لا يحول كائناً لكائن ولو امتلأت الأرض والسماء بالمحاولات العشوائية، كما بينا بالتفصيل في حلقة "خاطبهم كأطفال" عندما ذكرنا ما يتطلبه تغير بسيط في الكائن نفسه كاستطالة عنق الزرافة، وربطنا ذلك بمثال الأطفال الذين يضربون بعشوائية على كيبوردات، والتغيرات المطلوبة في ملفات الوورد بشكل متزامن دون تخريب الفقرات الأصلية. وكما بيّنا في حلقة "من سرق المليون" بأنه حتى إذا تجاوزنا ذلك فإن طبقات الأرض ستعج بأحافير الكائنات الانتقالية المفترضة، ومعها أحافير الكائنات الفاشلة الناتجة عن التغييرات العشوائية. وهما حلقتان في غاية الأهمية لبيان سخف فكرة التحول من كائن لكائن بالصدف عبر التغييرات العشوائية والانتخاب الأعمى، وسخف الحفاوة بحفرية كدليل على حصول التطور، وأن عبارات مثل "كائن انتقالي" و "حلقة وسيطة" هي عبارات مضللة لأنها مبنية على القصد والإرادة في تحويل كائن لآخر بينما هم ينفون القصد والإرادة.
كوميدية تقدير الأعمار بالملايين
هذا كله يا كرام ونحن لم نتكلم عن كوميدية التعامل مع هذه التقديرات لأعمار الكائنات بملايين السنين وكأنها أرقام مقدسة فيها قدر عال من الدقة. لكن يكفي كمثال واحد، حوالي عام 1992 وجدوا حفرية في إثيوبيا، وبعد سبعة عشر عاماً قام الإعلام بتضخيم هذا الاكتشاف، فجعلتها "ساينس" موضوع غلافها بعنوان "اكتشاف العام" واشتهرت بـ "آردي"، ونشرت عنها "ساينس" مقالاً ونشرت عنها بعنوان "العثور على أقدم هيكل عظمي لسلف الإنسان"، ووضعوا لها مكاناً في الخط التطوري المزعوم قبل 4.4 مليون سنة، وهو للأمانة 4.387 مليون سنة بلس ماينس فاصل صفر ثلاثة واحد مليون سنة كما في "نيتشر" في النطاق الزمني المناسب لتطور الإنسان. لكن ما لبثت مجلة "ساينس" في العام التالي أن نشرت مقالاً يطعن في أدلة أن "آردي" سلف للإنسان. ونشرت "تايمز" مقابلة مع مختص بيّن فيها أن أصحاب الدعوة استخدموا أساليب غير علمية لتمرير دعواهم. ونشرت "نيتشر" أيضاً بحثاً يعارض هذه الدعوة أن "آردي" سلف للإنسان. محلّ الشاهد: "آردي" "نيتشر" أكثر العينات ملوثة بما يعطي عمراً مبكراً يقدر بحوالي 23.15 مليون سنة. إحدى العينات مع أنها ملوثة أيضاً أعطت عمر 4.387 مليون سنة. "إن هذا العمر يبدو أفضل تقدير للعينات وبالتالي يعطي الحد الأعلى لهذه البقايا. البذور التسعة الأخرى من العين نفسها تمثل ملوثات عمرها 23.6 مليون سنة". هكذا بكل بساطة نحن نرى أن 4.4 مليون سنة أنسب ونستثني عينات 23.6 مليون سنة مع أن كل العينتين باعترافنا ملوثة. فعمر حفرية "آردي" قد يكون 4.4 مليون سنة، قد يكون 23 و 16 مليون سنة، يعني حوالي خمسة أضعاف، قد يكون أقل وقد يكون أكثر. وسنضع لكم في التعليقات روابط لمقالات تبين مدى كوميدية فكرة أن هذه التقديرات بملايين ومليارات السنين هي أرقام دقيقة.
الرد على المروجين العرب لنظرية التطور
هذا هو واقع الدليل العلمي على تطور الإنسان. قد تقول: لا لا ليس فقط الأحافير، هناك الدليل الجيني فالإنسان تتشابه مادته الوراثية بنسبة 98.8 بالعشر بالمئة مع جينات الشمبانزي. بيّنّا بطلان هذه الدعاوى بالتفصيل العلمي في حلقتين "الغشاش" و "أكل زيد لحم الكلب". قد تقول: لكن هناك دليل التشابه بين تشريح الإنسان والكائنات الأخرى. بيّنّا عدم دلالة ذلك على الأصل المشترك بالتفصيل في حلقة "ذيلك الذي لا تعرف عنه الكثير". قد تقول: لكن هناك دليل الأخطاء في تصميم بعض أجزاء الإنسان كشبكية العين. بيّنّا بطلان ذلك بالتفصيل في حلقة "أحرجتك".
نحن يا كرام بيّنّا عبر عشرات الحلقات بطلان نظرية التطور من جذورها بالتفصيل العلميّ، وبيّنّا بطلان مبادئها والأساليب التي اتبعوها لترويجها على الناس. فالذي لم يتابع الحلقات الماضية عليه أن يعلم أن ما نعرضه اليوم ليس إلا جزءاً بسيطاً من مناقشة مفصلة مطولة.
هذا إذن هو واقع الدليل العلمي على تطور الإنسان عن كائنات أدنى. سيناريوهات نقضتها الاكتشافات الحديثة حتى أصبحت مبعثرة، غرقانة، مهتزة من جذورها بتصريحات التطوريين أنفسهم. وأيقونات هذه السيناريوهات مفندة واحدة واحدة بالاستثناء. أدلة توظف خيالات الفوتوشوب وأفلام هوليوود بناء على عظام مبعثرة، تفترض تعسفاً أن الإنسان تطور عن غيره بلا دليل علمي، مبنية على محاولة إنكار فكرة الخلق بأي ثمن، وعلى طلب أداة الاستدلال الخطأ على قضية غيبية، وتتجاهل تبعات الصدفية واللاقصدية التي لا يمكن أن تحول كائناً لكائن، وتتجاهل عدم الدقة بشكل كبير في عمر الأحافير. {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} [النور: 40].
نحسب أنها لم تتعمد مخالفة الحق في هذه المسألة، لكنها لم تبذل ما ينبغي للوصول للحق فأخطأته. وقد تواصلت معهم واحداً واحداً طلباً للنقاش إكراماً لما يجمعنا من انتساب للإسلام. وقد رد بعضهم بأدب وخلق معتذراً عن النقاش حالياً، واختار البعض الآخر عدم الرد أصلاً بل اللجوء إلى الطعن والافتراء. فليعذروني جميعاً أني اضطررت للخروج بهذه المادة على العلن، فإن الأخطاء التي وقعوا فيها في هذا الموضوع على العلن كبيرة جداً ولها أثر سلبي للغاية. ومع ذلك فأسأل الله أن يهدينا وإياهم لما يحب ويرضى، وأرجو من إخواني أن يحاولوا التأثير على الشخصيات المذكورة بالنصح والتذكير لا بالتهجم ولا التجريح.
الدكتور نضال قسوم
الدكتور نضال قسوم في حلقة له من برنامجه "تأمل معي" بعنوان "نظرية التطور وأدلتها العلمية" يقول: "طيب يقول لك طيب وين هذه الحلقة المفقودة بينهم؟ وين هذه الأجناس الهياكل التي تقولون أنها يعني بين الإنسان وبين القرد القديم؟ وين وريني أنت حالة لتبين أن الإنسان كان شيء قبل الإنسان وأنه انحدر فعلاً من قردة أو القردة الكبيرة أحياناً تسمى الإيبس هذه القردة الكبيرة. لدينا عدد كبير من هذا النوع من الأحافير صدقوا أو لا تصدقوا، نجد أن هذه الجماجم تتراوح في الأعمار بين حوالي مليون سنة إلى أحدثها الأخير ربما يعني ثلث مليون سنة، ثلاثمائة ألف. وفعلاً عندما نأتي إلى كل واحدة من هذه الستة وننظر إلى حجمها وعمرها نجدها أنها فعلاً تتسلسل من الأقدم إلى الأحدث وتصير تقترب إلى البشر". لا معلش يا دكتور، هذه الدعاوى لأتباع التطور قديمة جداً من عام 1963 كما وضحنا، وأنا لا أدري حقيقة من أين تأخذ معلوماتك خاصة أنك لا تضع مراجع عند كل معلومة.
طيب ماذا نفعل يا دكتور نضال مع آيات الله في القرآن والتي تتكلم عن خلق آدم بيدي الله تعالى؟ يجيبك الدكتور: "أنا أحكم على أي نظرية سواء تطور أو بيج بانج أو جاذبية أينشتاين أو كوانتم ميكانيكس أو ذرية أو نووية، أحكم عليها بأدلتها العلمية، لا أحكم عليها بكتب دينية وإلا بتصير العملية مفتوحة على كل الاحتمالات. بيجيني كتاب آخر واحد يحكم لي من كتاب هندوسي، واحد يكتب لي من التوراة، واحد من التلمود، واحد يحكم على النظرية بالقرآن، واحد ما رح نخلصها كذا". لا يصح أن يوضع القرآن في سلة واحدة مع كتب الأديان الباطلة والمحرفة ككتب الهندوس والتوراة والتلمود، أليس كذلك يا دكتور؟
ويقول لك: "عنا حل من حلين، يقول لا لا هو صحيح كتابك يقول هذا ولكن كتابك غلطان، أو نقول له لا أنت مرغم بهذه الطريقة الذي اختاره البشر سواء المسلمين أو حتى النصارى أو اليهود أنه لا نفهم هذه الآيات بهذه الطريقة، أعيد تفسيرها". وهل اليهود والنصارى أسوة للمسلمين؟ وهل القرآن ككتبهم في الاحتواء على المغالطات ومصادمة العقل والعلم لتطالبنا أن نفعل مثلهم يا دكتور نضال؟
"فهذه الحقائق عن التطور ثابتة في الأرض ما لا علاقة بي تقبل لا تقبل أنت حر. الآن كما قلت لك آنفاً تأتي في الكتب الدينية في القرآن وغيره يتكلم عن الإنسان وأصل الإنسان وخلق الإنسان، فيأتي الناس ومن الطبيعي أن يسألوا طيب هذه الآيات كيف أفهمها على ضوء ما تقولون أنتم يا علماء؟ هل هناك إمكانية أن نفهم هذه الآيات على منوال بطريقة تكون متناغمة مع ما يقوله العلم؟ أنا أقول نعم أن نؤول المرس نؤول الأجزاء التي يبدو أنها إذا فهمت حرفياً إذا فهمت حرفياً تتناقض مع العلم". كيف يعني نؤول القرآن؟ يعني يعتبر الدكتور القول بخلق الإنسان كما هو واضح من القرآن والسنة وكما فهمته الأمة عبر القرون يعتبر ذلك فهماً سطحياً. "عندما ننظر إلى الآيات القرآنية وإذا نظرنا إليها بسطحية وحرفية نرى كأن الإنسان هذا خلق بشكل مستقل تماماً عن باقي الخليقة".
ويتكلم الدكتور نضال عن إنسان بدائي كما في الأفلام الهوليودية التطورية فيقول: "وهذا هو تاريخ الإنسان يعني في الأول كان إنسان بدائي مش فاهم شيء مش فاهم فاكر أنه الأشياء هكذا بتصير حواليه يعني هكذا كلها مخيفة وهناك آلهات كثيرة وكل آلهة بتتعارك في السماء دي الآلهات وكذا وبعد أن ده يتطور شوية مع نفسه ده يفكر أنا ليه معنى وجودي له معنى حياتي هنا لها ضوابط هؤلاء الأشخاص إيش طب وهذا ليقول شيء ثاني عني".
الدكتورة في مجال البيولوجيا
هذه محاور اختلافنا مع المروجين لفكرة تطور الإنسان عن كائنات أدنى: لا منهجية للتفريق بين العلم الحقيقي والخرافات، لا منهجية في التعامل مع القرآن بل وجرأة على الخوض فيه بغير علم، ولا منهجية في التوفيق بين الوحي والعلوم الطبيعية. والنتيجة بالنسبة لهم: تطور الإنسان حقيقة، والطريقة الوحيدة لتحافظ على القرآن هي أن نعيد تفسيره بما يتوافق مع حقيقة التطور. من أشكال إعادة التفسير هذه ما ذكرته إحدى الدكتورات في مجال البيولوجيا والتي كررت في مقطع من ثماني دقائق عبارة "التطور حقيقة" ثماني مرات، ثم قالت: "إذاً فتعتقد الدكتورة أن آدم ما هو إلا كناية رمز للبشرية بشكل عام وليس كائناً حقيقياً مستقلاً محدداً". سئلت مجدداً فأكدت وقالت: "لذلك أقول أنه ميتافورة، أن آدم كمبنة من أجل من الناس. وعندما نقول أن نعتقد من أجلهم أجلهم، نتحدث عن التكتورة التجاهد المثال، التكتورة المثال، التكتورة العظيم إذاً، نعم، كذلك، يمكن أن تكون هذا من الناس تتبعوا من أجل المثال، ومثال المثال، ومثال تجاهدهم". إذاً، بحسب الدكتورة، فآدم قد يكون مجازاً عن مجموعة من البشر تطورت لديهم القدرات العقلية والإدراك وما إلى ذلك. ولنا أن نسأل الدكتورة: إذا كان آدم كناية أو مجازاً يا دكتورة، وليس كائناً محدداً حقيقياً، فكيف سنفهم قول الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 27]؟ وقوله تعالى: {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ} [طه: 117]؟ وغير هذه الآيات الكثير الكثير. وغيرها الكثير الكثير من الأحاديث الصحيحة في الحديث عن آدم عليه السلام. وطبعاً الذين يتجرؤون على القرآن بهذا الشكل فهم على السنة أجرأ. ما الذي يمنع أصحاب التفاسير الباطنية للقرآن من تفسير القرآن كما يشاءون حيث يخترع من شاء ما شاء من المعاني ويزعم أنها هي المقصودة بهذه الآيات وليس معانيها الواضحة الظاهرة كما حصل مع الحركات الباطنية في التاريخ الإسلامي. إذا كان آدم الذي فصَّل القرآن في قصَّته تفصيلاً مجرد رمزٍ أو مجاز، من أجل خرافات ظلمات بعضها فوق بعض.
الدكتور الروائي أحمد خيري العمري
الدكتور الروائي أحمد خيري العمري يروج أيضاً لفكرة فهم آيات بناء على نظرية التطور. وقد أصدر كتابه "ليطمئن عقلي"، والذي أعاد فيه نفس استدلالات المواقع الشعبوية على صحة التطور، غير ملتفت طبعاً إلى ردودنا وردود الكثيرين العلمية المفصلة على كل منها، ثم أتبع هذه الأدلة بقوله: "ولعله من نافلة القول أنه لا يمكن لأي نظرية علمية أن تكون بديلة لنظرية التطور، دون أن تأخذها أولاً على محمل الجد التام والدراسة العلمية المكثفة، خصوصاً أن سجل الأحافير الذي تستخدمه نظرية التطور يضم ملايين الأحافير إن لم يكن المليارات منها". جملة مصاغة بطريقة توهم أن هناك الملايين أو المليارات من الأدلة على الخرافة من الأحافير. سجل الأحافير الذي تستخدمه نظرية التطور بعيداً عن المبالغة الشديدة في الأرقام، فهذا السجل مليء بأحافير لهياكل بشرية وحيوانية مثيلة للمخلوقات المعروفة الموجودة حالياً بيننا، ولم يدعِ ولا حتى كبار مروجي الخرافة الأجانب أنها دليل على التطور، وإنما الحديث عن أحافير محدودة أريناكم اليوم وفي حلقات الماضية بالتفصيل العلمي ومن أوراقهم ما يكذب دلالتها على التطور.
في المقابل الدكتور العمري الذي أصدر سلسلته في التحصين من الإلحاد بعنوان "أنتي إلحاد" عنده مشكلة في تعريف الإيمان نفسه، فهو يقول: "في الحقيقة الإيمان بأي شيء يحتاج إلى هذه القفزة أن تؤمن بشيء دون كل الأدلة القاطعة الحاسمة". ومثل هذه العبارات وغيرها من العبارات التي تجعل الإيمان بوجود الله وبالغيب عموماً أمراً أغلبياً لا قطعياً يقينياً، وهو ما وضحنا بطلانه تماماً في حلقة "الله غيبٌ هل معناه أن وجوده غير يقيني؟" وحلقة "هل يمكن إثبات وجود الله علمياً؟" وغيرها من رحلة اليقين. فعندما يكون تطور الإنسان مؤيداً بالأدلة العلمية القوية كما يقول الدكتور العمري في حلقة "لماذا يلحد بعض أتباع عدنان إبراهيم"، وفي حلقة اليوم ما يفند دعاواه عن تطور الإنسان.
خاتمة
وأنا ختاماً أسأل من يروجون لهذه الخرافة من العرب: هل أنتم تقرؤون الأوراق العلمية؟ هل تعودون إلى الأبحاث الأصلية وتقرؤونها بلغتها الأصلية للتحقق من صحة المعلومات وصحة الاستنتاجات؟ أم أن مصادر معلوماتكم هو المواقع التي يضحك بها أتباع الخرافة على الناس، والرسومات التي يستخدمها مروجو الخرافة الشعبويون، فتنقلون عنهم كأنهم أناس ثقات مؤتمنون؟ ألأجل هذه الخرافات المهترئة تريدوننا أن نعبث بتفسير كتاب الله تعالى، ونتجاهل الأحاديث الصحيحة عندما تعود إلى القرآن لتطوّع نصوصه بما يناسب العلم الموهوم وكأن القرآن مائع الدلالة قابل للتشكّل حسب الطلب؟ هل أنت بذلك توفّق حقيقة بين العلم التجريبي والقرآن أم تسقط هيبة القرآن من قلوب المسلمين بجعله تابعاً هلامياً؟ هذا القرآن عزيز، {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 41-42]. لا يلتبس بباطل ولا يفسر بباطل ولا يطوع لباطل. كتاب مهيمن حاكم غير محكوم، قائد لا مقود. {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} [الطارق: 13-14].
إذا أدركت هذا كله أخي وأختي، فانفض عنك تخاريف العلم الزائف، وأصغِ بسمعك وكيانك إلى قول ربك سبحانه وهو يذكرك بأصلك بكلام فصل لا لبس فيه ولا غموض، ليجعل من بعد ذلك لحياتك معنى ويبني عليه منظومة أخلاقية إذ تعلم أنك عائد إليه فيقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} [النساء: 1-2].
نسأل الله تعالى أن يهدينا جميعاً ومن يخالفنا لما يحب ويرضى، والسلام عليكم ورحمة الله.