→ عودة إلى رحلة اليقين

ملحق - عمر البشرية-مثال على الخطأ في التوفيق بين ما ينسب للإسلام وما ينسب للعلم

٤ سبتمبر ٢٠٢٠
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم ورحمة الله أيها الكرام.

مقدمة: عمر البشرية بين الروايات الدينية والتقديرات العلمية

تساءل البعض بعد حلقة "أصل الإنسان" قائلاً: "هناك جماجم يظهر أنها بشرية، قدروا عمرها بمئات الآلاف من السنين. طيب، ألا يتعارض هذا مع ما يقال من أن عمر البشرية حسب الكتب السماوية هو حوالي ستة آلاف سنة؟"

فنقول إخواني: هذا التحديد لم يرد في القرآن ولا في السنة، وإنما عند أهل الكتاب. وقد تستغرب إذا علمت أن عالماً كابن حزم رحمه الله عارض أهل الكتاب في ذلك، وأشار إلى أن النصوص دالة على عمر أطول بكثير للبشرية.

مشكلة التوفيق بين ما ينسب للإسلام وما ينسب للعلم

لاحظوا يا إخواني ما الذي يحصل مع بعض المسلمين: يأخذ المقدمة مسلمة أن الإسلام يحد عمر البشرية في بضعة آلاف من السنين، ويأخذ كلام علماء الأحافير مسلماً أن عمر هذه الجماجم مئات الآلاف من السنين، وأنها جماجم بشرية بالفعل. ثم يقع في نفسه شك فيقول: "إذن كيف أوفق بين هذه الحقيقة العلمية وقول الإسلام أن آدم كان على الأرض قبل بضعة آلاف من السنين؟"

فهذه مشكلة في التعامل مع نصوص الوحي وتقويلها ما لم تقله، ثم مشكلة في التعامل مع ما ينسب إلى العلم وأخذه كمسلمات، نتجت عنه مشكلة في الجمع بينهما.

جواب موقع الإسلام سؤال وجواب

وقد وجدت جواباً عن السؤال في موقع "الإسلام سؤال وجواب"، أنقل لكم أجزاء منه لأنه مصاغ بطريقة علمية جيدة في المجمل. السؤال نصه باختصار: "منذ متى وجد الكائن البشري؟" سأقرأ لكم أجزاء منه.

قال المجيب: الحمد لله.

1. تاريخ وجود الإنسان من علم الغيب

أولاً: تاريخ بداية وجود الإنسان على هذه الأرض، وكذلك تاريخ الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأقوامهم، هو من علم الغيب. إذن غيب.

2. استحالة حساب التواريخ

ثانياً: فإن سألت: "ألا توجد طريقة لحساب ذلك ومعرفة هذه التواريخ؟" فالجواب أن هذا غير ممكن أبداً لأمرين. إيش لغير ممكن أبداً أن توجد طريقة لحساب ومعرفة التواريخ؟ ممكن أبداً لأمرين.

الأمر الأول: أن أخبار الرسل والأمم الذين أخبرنا بهم الوحي، رغم أن أهل العلم استطاعوا بالتقريب أن يرتبوا بينهم من حيث الزمن من خلال جمع النصوص إلى بعضها البعض وتحليلها، إلا أن مدة بقاء كل أمة على هذه الأرض، وكم كان بين كل رسول وآخر، هذا كله أمر مجهول في الأغلب، لا طريق لنا إلى معرفته بحساب، ولم يأتنا به خبر. إذن ديروا بالكم إخوانا، ما في طريقة لمعرفة ذلك.

الأمر الثاني: أن هناك حقباً تاريخية مجهولة لا نعلمها، ولا نعلم من عاش فيها ولا مدتها الزمنية. فمثلاً المدة بين آدم ونوح عليهما السلام لا نستطيع القطع بمقدارها، ولا نعلم شيئاً عن حالها وحال أهلها. وقد ورد أن هذه المدة كانت عشرة قرون، ولكن هذا ليس نصاً في تحديدها. بعدين مشرحوا ليش مش نص، بيقول لك يعني القرون يعني أجيال أم قرون بمعنى مئة عام؟ قال لك ما في تحديد.

3. نصوص قرآنية تدل على فترات طويلة ومجهولة

قالوا: وكذلك المدة بين قوم نوح وعاد وثمود وقبل إبراهيم عليه السلام، هي فترة طويلة بنص القرآن، لكننا لا نعلم عنها. قال الله تعالى: {وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا * وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} [الفرقان: 37-38]. إذن هذه الآية تركتها مفتوحة: {وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا}.

أيضاً استدل الموقع بقوله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} [إبراهيم: 9]. إذن لاحظوا: {لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ}.

قالوا: وقد أخبرنا القرآن بأن هناك رسلاً عاشوا ولم يخبرنا عنهم بشيء: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [غافر: 78].

قالوا: فإذا كان الأمر كذلك، فإنه يستحيل الحساب مع وجود هذه الحقب التاريخية الكثيرة المجهولة، ويستحيل الحساب مع وجود هذه الحقب التاريخية المجهولة، ما في حساب ولا حتى في شكل تقريبي.

4. رأي ابن حزم في تحديد عمر الدنيا

قال ابن حزم رحمه الله تعالى: "وأما اختلاف الناس في التاريخ، فإن اليهود يقولون للدنيا أربعة آلاف سنة، يعني صار لها أربعة آلاف سنة. والنصارى يقولون للدنيا خمسة آلاف سنة. وأما نحن فلا نقطع على علم عدد معروف عندنا".

قال ابن حزم: "ومن ادعى في ذلك سبعة آلاف سنة، أو أكثر أو أقل، فقد كذب، وقال ما لم يأت قط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه لفظة تصح، بل صح عنه عليه الصلاة والسلام خلافه". آه يعني رح يقول لك الآن في الأحاديث ما يشعر بخلاف هذا الكلام، إنه المسألة أطول من ذلك بكثير.

قال: "بل نقطع على – يعني نجزم – بل نقطع على أن للدنيا أمداً لا يعلمه إلا الله عز وجل". قال الله تعالى: {مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ} [الكهف: 51]. وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أنتم – يعني يا مسلمين – في الأمم قبلكم إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في الثور الأبيض". يعني نسبة قليلة.

قال: "فهذه نسبة من تدبرها وعرف مقدار أعداد أهل الإسلام ونسبة ما بأيديهم من معمور الأرض وأنه الأكثر، علم أن للدنيا عدداً لا يحصيه إلا الله تعالى". هذا من كتابه "الفصل في الملل والأهواء والنحل". يعني يريد أن يدلك على أن عدد البشرية ضخم جداً، وأن الزمن قديم، زمن البشرية قديم.

5. حدود الاستعانة بالبحوث الأثرية

قال الموقع ثالثاً: "فإن سألت: ألا يمكن الاستعانة بالبحوث الأثرية واكتشافاتها لنعرف منها زمن بداية وجود الإنسان على هذه الأرض؟" يعني ماذا عن الأبحاث والحفريات والاكتشافات والكربون المشع وما إلى ذلك؟

قالوا: "فالجواب: كلما كان الأثر أكثر قدماً، زادت نسبة الخطأ، وصعب معرفة تاريخها".

العقبة الثانية: أن عملية الجمع بين هذه المكتشفات وتحليلها، والمنهج المتبع للوصول إلى النتائج المرجوة منها، هي كلها اجتهادات بشرية، قابلة للخطأ والصواب، ومعرضة لدخول الأهواء والاعتقادات فيها، والتلاعب بنتائجها. ولا يمكن لأحد من أصحاب هذه المناهج أن يزعم أن ما توصل إليه من نتائج هي حقائق علمية مطلقة قامت عليها البراهين التي يجب على الجميع التسليم بها.

العقبة الثالثة: أن ما توصل إليه من نظريات معرض للتغيير أو للبطلان مع كل اكتشاف جديد، والإنسان لم يحط علماً بكل ما في باطن الأرض من آثار.

الخلاصة والإرشاد

قالوا ختاماً: "والذي على المسلم أن يعتقده هو ما دلت عليه النصوص الشرعية: أن لهذا الإنسان بداية على هذه الأرض، وأن الله خالقه بعد أن كان عدماً، وأن بداية هذا النوع الإنساني هو آدم عليه السلام أبو البشرية. وأما زمن وجوده فهو من علم الغيب الذي لا ندركه، ومن جزم بشيء من ذلك فهو رجم بالغيب وقول بلا علم. والله أعلم".

شوف يا إخوانا ما أجمل العلم، ما أجمل الانضباط الشرعي. بعض الناس كما قلنا لا ضايع من كل النواحي، يظن أن الست آلاف والعشرة آلاف منسوبة للإسلام، ويظن أنه ثلاثمائة ألف سنة وستمائة ألف سنة هذه أرقام يقينية. بعدين بقول لك: "طب تعالوا يا علماء وفقوا بين هذه الأرقام وإلا سيقع الشك في قلبي". يا أخي رويدك وتحلى بالعلم حتى تعرف أنه لا تعارض بين أمر الله الشرعي والكوني والقدري وبين كلام الله عز وجل. والله تعالى أعلم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.