→ عودة إلى سلسلة المرأة

الحلقة 12 - أنا مش شغالة البيت

٣٠ مايو ٢٠٢٠
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم ورحمة الله.

هل المطلوب من المرأة أن تكون خادمة؟

هل المطلوب من المرأة أن تعمل شغالة عند زوجها وأولادها؟ هل تحاولون أن تضحكوا علينا بعبارة "مربية الأجيال" لتزينوا لنا بها العمل كشغالة في البيت؟ هل المطلوب مني كامرأة أن أحترق لأنير الدرب للآخرين، زوجاً كانوا أو أولاداً؟ هل يطلب الإسلام مني أن تتحول حياتي إلى طبيخ، وغسيل وجلي وتنظيف، بما يستنفذ ساعات نهاري وقوة جسدي لحد الإنهاك؟ ثم لا أجد وقتًا لتثقيف نفسي والتفاعل مع مجتمعي، بل وربما لإتقان عبادتي حتى؟

هل مطلوب مني أن أطبخ كل يوم لزوجي وأولادي، بحيث إذا وضعت لهم خبزًا ولبنًا، فمن حق الزوج أن يقول لي: "قصَّرتِ في عملك"؟ هل يحق لزوجي أن يستعلي على خدمة البيت، ويعتبر جلي صحنه أو تنظيف ثوبه أو ترتيب ملابسه منافياً لرجولته، ثم يلومني إذا لم أقم بهذا كله وراءه؟ هل يحق لأولادي وبناتي الصغار، فضلاً عن الكبار، أن يعيشوا لشهواتهم ولهوهم ولعبهم، ويحدث الفوضى وقلة الترتيب في البيت وأنا أخدم على الجميع؟ هل المطلوب من الفتاة أن تخدم إخوانها لمجرد أنها أنثى وهم ذكور؟ هل يجب على المرأة خدمة أهل زوجها؟ هل هناك حالات يحرم على المرأة فيها خدمة زوجها وأولادها؟

إذا ضاقت الحالة المادية للأسرة واحتاجت المرأة إلى العمل لتساعد الزوج، ألا يحمله ذلك مسئولية أكبر في المشاركة في أعمال البيت؟ أم من حقه أن يقول لها: "هذه مشكلتك دبري حالك"، ويتوقع منها أن تؤدي الأدوار كلها ولو على حساب صحتها وحق نفسها؟

فك الاشتباك في العلاقات الأسرية

الكلام الذي سنقوله اليوم أيها الكرام هو بمثابة فك الاشتباك في العلاقات الأسرية. "فبشِّر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه"، نبشرهم بأن هذه الكلمة ستكون مريحة لقلوبهم ومساعدة على سير مركب الأسرة بهناء بإذن الله. لسنا هنا اليوم لنجمل لك عمل البيت على ما هو عليه حتى نقنعك به، بل سنقول لك: وضع بيوت المسلمين اليوم مشوه بالفعل وغير مرضي، فتعالي نرى الأسباب لنتعاون على إصلاح بيوتنا.

خلق الله الخلق لغاية

بداية القصة: خلق الله الخلق لغاية، إن عملوا لها فالحياة الطيبة، وإن عكسوها فالمعيشة الضنك. لو سألت أي مسلم: لماذا خلقك الله؟ فسيجيبك: للعبادة. وسيتلو عليك: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون". لكن عامة المسلمين إذا سمع "عبادة" تصور سجادة الصلاة والمسبحة، ولم يفكر في مفهوم العبادة الشامل الذي يجب أن تنشأ عليه الأسر.

العبودية لله هي حبل من الله: "واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا". إن اعتصمنا بهذا الحبل، ترتبت الأدوار والأولويات والعلاقات، وعمل الجميع بانسجام، كالمغناطيس الذي تترتب القطع المعدنية تجاهه. تنشأ المشاكل عندما يضيع هذا الهدف، فتختلط معه الأولويات والأدوار، تضيع البوصلة العظمى المشتركة، فيصبح لكلٍ بوصلته. يقول الرجل: أريد إثبات ذاتي. طبيعي جداً أن تسأل المرأة حينئذ: طيب وذاتي؟ أريد تلبية رغباتي. طيب ورغباتي؟ فتختلف الأهواء وتدب الفرقة والنزاع والتهتك الأسري.

العبودية بمفهومها الشامل

بداية التآلف هي بالاجتماع على العبودية بمفهومها الشامل. العبودية بمفهومها الشامل تعني كل ما يحبه الله من الأفعال والأقوال والمعاني القلبية. أن نحتكم في أمرنا كله لله، ونقيم شرعه في حياتنا، ونتعلم العلم لنتلمس مراده ورضاه سبحانه. أن ننظر في آيات الله الكونية ونتعلم العلوم الطبيعية ونتقنها ونحقق الكفاية لأمتنا ونعمل على إعزازها: "هو استخلفكم في الأرض واستعمركم فيها". بناء الأمة اقتصادياً وصناعياً وتقنياً، معالجة مشكلة الفقر، الإعلام الهادف، ابتكار العلاجات لاستنقاذ الأرواح: "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا". استعادة موازين القوى لأهل الحق، عرض الدين الحق للبشرية، ومنع الافتراء عليه: "وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيدًا".

أن نعلم أبناءنا، وننشئ فيهم نفوسًا سوية عزيزة، قوية متميزة الهوية، بصيرة بالغايات. أن نعمل على الدفاع عن المظلومين في الأرض، واستنقاذ البشرية من استعباد النظام الدولي. نتنسم ريح الجنة، فإذا فترت همتنا نظرنا إلى هذه الأهداف فأشعلت فينا الحماسة من جديد. هذه هي العبودية بمفهومها الشامل، وهي رحمة من الله بعباده: "يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه". العبودية لله حبل من الله ينقذهم به أن تتحول سكينة الأسرة إلى شقاء، ويتحول البنون الذين يفترض أنهم زينة الحياة الدنيا أن تتحول هذه النعمة إلى عذاب.

الإجابة على الأسئلة المطروحة

إذا فهمنا هذه المقدمة يا كرام، عرفنا سبب المشكلة وعرفنا الحل، وعرفنا الإجابة عن كثير من الأسئلة. أي تناول لموضوع عمل المرأة في البيت، بل ولأدوارها عموماً، إذا لم يأخذ هذه المقدمة بعين الاعتبار، فإنه سيكون تناولاً قاصراً قد يسيء أكثر مما يحسن. مثل السؤال التقليدي المعروف: هل يجب على المرأة القيام بحاجات زوجها وأولادها كالطبخ وتنظيف البيت وغسل الملابس وغيره؟ الذي نفعله عادة في الجواب عن هذا السؤال هو أننا نبدأ بطرح الخلاف الفقهي، وبأقوال الشافعي، وبأبي حنيفة، وأحمد، ومالك، وترجيحات من بعدهم من العلماء.

لحظة، أتم السؤال: هل يجب على المرأة خدمة زوجها الذي يمضي وقته في قضاء رغباته؟ ويتعالى عن القيام بشيء من مهنة البيت، ويظن أن له حق الخدمة استحقاقاً مطلقاً لأنه الرجل وهي المرأة؟ هل يجب على المرأة خدمة أولادها الذين يعيشون لاهتمامات تافهة، يأكلون ويشربون، ويمضون الساعات على البلاي ستيشن أو الأفلام، ويعتبرون أن أمهم عليها خدمتهم أثناء ذلك، وأن هذا من لوازم حنان الأمومة وتضحيتها؟

الجواب عن هذه الأسئلة، وبكل وضوح: لا، وألف لا. والخوض في الخلاف الفقهي قبل تحديد الصورة المسؤول عنها يعطي الانطباع بأن من فقهاء الأمة المتفق على إمامتهم من يقبل بهذه الصورة المشوهة، وهم أجل وأرفع من أن يقبلوا بها. لذلك يا كرام فانتزاع الفتاوى من واقعها الذي صدرت فيه وتركيبها على واقعنا المشوه هو من الجهل وليس من الفقه في شيء.

إعادة صياغة السؤال

في المقابل، إذا سألت: هل يجب على المرأة القيام بمهنة البيت لتكون ظهراً وسنداً لزوج منهمك في العمل لتهيئة العيش الكريم لها ولأبنائها؟ زوج يريد أن يكفيها ويعفها، مواجهاً بذلك قوى العالم التي تريد أن تقطع صلتها بأوليائها وتزج بها في أجواء مسعورة لتعاني ما تعانيه المرأة الغربية من ضياع وإهدار لكرامتها وشرفها تحت عنوان التمكين الاقتصادي للمرأة كما رأينا. هل يجب عليها القيام بمهنة البيت كجزء من فريق يعمل لهدف عظيم، مستعينة في ذلك بأولادها الذين ربتهم على تحمل المسئولية، وخدمة أنفسهم وبر والديهم، ويعينها زوجها الذي لا يترفع عن عمل البيت ولا يستكبر؟

إذا طرحت السؤال بهذه الطريقة، فلن تنتظري الجواب، بل ستجيبين نفسك بنفسك. وكل السؤالين بدأ بـ "هل على المرأة القيام بمهنة البيت؟" وشتان بين الحالين. وبذلك تفهمين لماذا لم يكن عمل المرأة في مهنة البيت يشكل محل خلاف عام في القرون الفاضلة، وكان الرأي الفقهي موجوداً بأن مهنة البيت ليست من عقد الزوجية، ومع ذلك لم يكن يتسبب في إشكالية. كانت المرأة تشعر باللذة، وهي تسند زوجها وترعى بيتها، فيخرج ابنها عالماً أو قائداً أو مجاهداً، وتشعر أنها أنجزت وحققت ووهبت للأمة، وتستمتع فطرياً بهذا العمل. وما كان يتصور في ظل وجود الهدف المشترك أن تقول المرأة: "لا أريد أن أعمل شيئاً في البيت"، لأنها بذلك كأنها تقول: "لا أريد أن أعيش لغاية، بل أريد أن أعيش لشهواتي وأهوائي، أو أريد أن أحقق إنجازات أخرى، وأترك إسناد زوجي وأولادي الذين يعملون لأهداف عظيمة". ما أصبح عمل البيت مشكلة ومحل نزاع إلا لما ضاع الهدف العظيم المشترك، واضمحل معنى العبودية في حياة الأسرة.

التعامل مع الواقع المشوه

قد تقولين: طيب كلامك جميل، لكن زوجي ليس كما وصفت ولا أولادي. تريد ثيابًا جديدة، قطعة أثاث جديدة؟ تصوري عندما يكون هدفك إحياء الأهداف الصحيحة للأسرة من جديد، ويكون عندك صبر وطول نفس في تحقيق هذه الأهداف. طيب لم تجدي تجاوباً من الزوج أو من الأولاد، ويريدونك بالفعل مجرد شغالة، تخدمينهم وهم عاكفون على أهوائهم، أو لديهم متطلبات استهلاكية عالية، أو زوجك يكلفك بخدمة أهله لا على سبيل حسن العشرة، وبذل المعروف والإحسان، بل على وجه الإلزام، وكأنه من واجباتك.

هنا لا يفرض الله عليك أن تقبلي بأداء تلك الأعمال، بل ويلزمك الحزم مع الأبناء لصالحك وصالحهم، وقد تصبرين على زوجك راجية بذلك الثواب، وحسن العاقبة وأن يثمر معروفك في أخلاقه، وأنت مع ذلك قائمة بالأساسيات التي تكلمنا عنها من حق نفسك وحق ربك عليك، لا يمنعك الشرع من ذلك ما دام باختيارك ورضاك.

في المقابل، إذا أصبحت تحملين فوق طاقتك، وأصبح أداؤك لهذه الأعمال يضر بجسمك، أو يؤذي نفسك، بل وقد يفسد عليك أداء ما أوجبه الله عليك كصلاتك وطلبك للعلم الواجب عليك. هل نقول لك حينئذ: "معلش اصبري وضحي، كوني شمعة تحترق لتنير الدرب للآخرين"؟ لا، بل لا يجوز لك ذلك. ونعود هنا لترتيب الأولويات الذي تكلمنا عنه في حلقة البحث عن الذات، فنفسك أولى الأولويات وهي أول ما تحاسبين عليه: "عليكم أنفسكم"، "قوا أنفسكم وأهليكم نارًا". نفسك أولاً. لا يجوز لك أن تهلكي نفسك وتقصري في الأساسيات التي أوجبها الله عليك لرفاهية غيرك ولو بدافع الأمومة، فهذا لن ينفعك يوم: "يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه". فأنت وزوجك وأولادكما وحياتكم ملك لله رب العالمين، لست ملكاً لأحد ليستهلك صحتك الجسدية أو النفسية أو يقتحم دائرة نجاحك في الأساسيات من أجل رفاهياته أو لرفض تحمل مسئوليته. وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم، قال نبينا صلى الله عليه وسلم: "إنما الطاعة في المعروف، إنما الطاعة في المعروف".

لكن يا أخي أحياناً لا خيار، مش بكيفي وأجبر على ذلك إجباراً من زوج قاس وأهلي لا يتعرفون علي ولا ينصفونني إذا لجأت إليهم. آه، لازم تكوني تعرفي حينئذ أن هذا ظلم الناس لك لا أن الشريعة هي التي ظلمتك. يقينك بذلك هو بداية الحل. لما تكون الشريعة بظهرك تستندين إليها وتخاطبين بها أهلك وزوجك أن: "تعالوا أنا وأنتم مسلمون، فتعالوا إذن نرى حكم الله بيننا"، ثم تتخذين قراراتك وتدرسين خياراتك على أساس تجاوبهم مع ذلك وقدرتك على التحمل، وأنت في هذا كله مستعينة بربك سبحانه تحسنين الظن به وبحكمته ورحمته وعدله.

أسباب تحول مهنة البيت إلى مشكلة

عمل البيت على وضعه الحالي اليوم في كثير من الأسر ثقيل منفر بالفعل، لسنا هنا لنزينه لك ولا لنضع حمله عليك، بل لنرى مشاكله ونعمل على إصلاحها ونوزع أدواره. يمكن أن نلخص أسباب تحول مهنة البيت إلى مشكلة في خمسة أسباب:

1. غياب الهدف العظيم المشترك

وهذا نتج عنه تقصير الوالدين في تربية الأولاد على معاني البر والعمل لغاية والتخفف من الدنيا. وهذا نتج عنه أن يعيش البيت والأولاد الذين جفت أرواحهم أن يعيشوا حياة مادية استهلاكية كثيرة المتطلبات. بالإضافة إلى تعالي الرجال في كثير من الأحيان على المشاركة في عمل البيت، وعدم تمييز حدود الفضل والعدل، بحيث تطالب المرأة بأمور الأصل أن تكون مخيرة في عملها على سبيل الفضل والإحسان منها، ومع ذلك تفرض عليها وتعتبر مقصرة إذا لم تقم بها.

لكن خذ بالك يا أختي، ليس الإسلام هو الذي أوجد هذه المشاكل بل غياب الإسلام. فالإسلام أوجد الأهداف العظمى المشتركة التي تجعل الأب والأم والأولاد، والإسلام حث الزوج على المشاركة في عمل البيت. والإسلام ميز حدود الفضل والعدل، وأعطى المرأة الخيار في قبول أو رفض القيام بأعمال يعتبرها البعض من واجباتها وليست كذلك كما سنرى. لما خالفنا الإسلام في هذا كله أصبح عمل البيت ثقيلاً كريهاً، وطبيعي ألا تجدي نفسك في مثل هذا العمل. العجيب في الموضوع أننا ابتعدنا عن الإسلام في حياتنا فنتج عن ذلك علاقات مشوهة ومشاكل، ثم صار البعض يحاكم الإسلام وكأنه أنتج هذه المشاكل التي ما نتجت إلا عن تغييبه.

أما الأهداف العظمى فقد تكلمنا عنها، والمرأة التي تحضر الأطباق لزوجها وأولادها ليأكلوا وتهيئ لهم جواً مريحاً نظيفاً سوف تستمتع إذا كان هذا كله في سبيل هدف سام يعمل لأجله الجميع. أعرف أسرة طيبة تعيش لهدف، الزوج دكتور جامعي في نظم معلومات حاسوبية، متقن لعمله، يحضر للأستاذية (بروفيسور شيب)، صاحب أبحاث في مجلات عالمية، محبوب لطلابه، يعلمهم العلم النافع ويزرع فيهم القيم الإسلامية، ويسعى مع هذا كله على الأرامل والمساكين. وزوجته الفاضلة درست وهي متزوجة منه علم الحديث ونالت درجة الدكتوراه في تخصص دقيق منه، وأعانها زوجها على ذلك. وهما مربيان فاضلان كما يظهر في انسجام بيتهما وأخلاق أولادهما ونجاحهم في الدين والدنيا فيما نحسبهم.

فيما يعرف بيوم المرأة العالمي الماضي، ورداً على النزعة النسوية، نشرت هذه الدكتورة الفاضلة مقالاً تقول فيه: "في يوم المرأة العالمي أعترف أنني أحب كوني امرأة، فأنا ما زلت أحب أن أرعى أسرتي وأن أطهو لهم ما يحبونه بقلب سعيد. ما زلت أحب أن أعتني ببيتي من تنظيف وغسيل للملابس وطيها. ما زلت أحب أن أقص أظافر صغيراتي وأن أتابع دروسهن وتحصيلهن العلمي. ما زلت أحب تهوية البيت وتعطيره وتلميع الزجاج. ما زلت أشعر بسعادة عندما أرتب الرفوف وأنسق الألوان. ما زلت أحب أن أجمع عائلتي حولي وأن أكون لهم ملاذاً من قسوة هذه الدنيا. ما زلت أشعر بالرضا والإنجاز عندما أوفر لزوجي الهدوء لينام وينال قسطاً من الراحة. ما زلت أشعر بالسكينة عندما يكون زوجي راضياً عني. ما زلت أعشق هذه التفاصيل. فهل أنا طبيعية أم أن سوءاً مسني؟ كل ما سبق لا يعني أنني لا أعرف حقوقي ولا يعني إطلاقاً أن لا يكون لي إنجازات علمية ومجتمعية".

ورد عليها زوجها على حسابه على العلن بالثناء والوفاء والامتنان والمودة لها، وهو شيء نشجعه ما دام بأدب حتى نشيع النماذج الطيبة في هذا الوقت الذي يشيع فيه نشر النماذج السلبية وتنفير الشباب والفتيات عن الزواج وبناء حصن الأسرة. محل الشاهد يا كرام أن الأخت الفاضلة تعمل ضمن مؤسسة الأسرة لأهداف مشتركة عظيمة فتستمتع بأعمال البيت وتجد فيها ذاتها.

2. ضعف التربية

ثاني الأسباب لتحول عمل البيت لمشكلة هو ضعف التربية. ستكون حلقتنا القادمة عن التربية بإذن الله، لكن نقول هنا فيما يتعلق بعمل البيت: من واجب الوالدين أن يساعد الولد على تحديد الأهداف وبناء الشخصية وتحمل المسئولية ومعرفة الذات والهوية. أنت مسلم تطيع الله، تبر والديك وتعينهما وتبتغي بذلك الأجر والجنة. يربيانه على الانشغال بما ينفعه وعدم الالتهاء بالتوافه. وكل هذه التربية بالفعل والقدوة قبل القول، وهي مسئولية الوالدين المشتركة. هؤلاء الأولاد والبنات سيكونون عوناً لك في مهنة البيت، ربوا منذ نعومة أظفارهم على تحمل المسئولية ومعرفة ما لهم وما عليهم من العناية بأنفسهم ومتعلقاتهم. لكنهم لن يقوموا بهذا الواجب طواعية إلا إذا كنت أماً مربياً متواصلاً تملئين عليهم حياتهم. لا تتوقع أن تري هذا النوع من الأولاد إن كانوا ربوا على يد الشغالة أو في الحضانات بينما أنت منشغلة عن النجاح في الأساسيات ومنها رعاية الأسرة. فالمرأة التي لم تختر أن تكون مربية هي اختارت بنفسها أن تكون مجرد شغالة، خاصة إذا انضم إلى تقصيرها تقصير الزوج. الولد الذي لم تغذه أمه بغذاء الروح والعقل، ولم يجد الإشباع العاطفي منها، وضعف التواصل معها، بدل أن يشارك في مهنة البيت، سيلجأ إلى الأكل الكثير والنوم الكثير، واتباع أهوائه ورغباته والفيديوهات السخيفة، ويصبح متطلباً مستهلكاً وحملاً بدل أن يكون عوناً.

3. الاستكثار من الاستهلاكيات

وهذا يأخذنا إلى المشكلة الثالثة ألا وهي الاستكثار من الاستهلاكيات والانغماس في الحياة المادية وما ينتج عنها من متطلبات منزلية. في صحيح مسلم: "يا عائشة هل عندكم شيء؟ قالت: يا رسول الله ما عندنا شيء. قال: فإني صائم". هكذا بكل بساطة تسير الحياة بلا وجبة لذلك اليوم، ولا تخرب الدنيا إذا لم يكن هناك طبيخ جديد. بيت تثور فيه مشكلة لأجل طبخة، عادة ما يكون بيتاً بلا هدف عظيم يعمل لأجله الجميع.

4. ترفع الزوج عن عمل البيت

المشكلة الرابعة: ترفع الزوج عن عمل البيت، وركز هنا على كلمة "ترفع". فما هو أهم من الجهد البدني الذي يضعه هذا على المرأة هو الأذى النفسي عندما تحس أن زوجها يرى من حقه أن يرمي أغراضه ويستعمل مرافق البيت.

4. ترفع الزوج عن عمل البيت (تكملة)

المشكلة الرابعة: ترفع الزوج عن عمل البيت، وركز هنا على كلمة "ترفع". فما هو أهم من الجهد البدني الذي يضعه هذا على المرأة هو الأذى النفسي عندما تحس أن زوجها يرى من حقه أن يرمي أغراضه ويستعمل مرافق البيت، ويتركها كما هي، ثم يلومها إذا لم تقم هي بتنظيفها، وكأنها خادمته. هذا الترفع من الزوج عن عمل البيت هو من أسباب المشكلة.

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخيط ثوبه ويخصف نعله ويخدم نفسه، وكان في مهنة أهله. هذا هو قدوتنا، وهذا هو الرجل الذي يجب أن نقتدي به. فإذا كان الزوج يرى أن عمل البيت يقلل من رجولته، فهذا فهم خاطئ للرجولة. الرجولة هي تحمل المسؤولية، والمشاركة في بناء الأسرة، والتعاون مع الزوجة.

5. عدم التمييز بين الفضل والعدل

المشكلة الخامسة: عدم التمييز بين الفضل والعدل. كثير من الأزواج يعتبرون أن خدمة الزوجة في البيت واجب عليها، وأنها مقصرة إذا لم تقم بها، بينما الشرع أعطى المرأة الخيار في كثير من هذه الأعمال. الأصل في خدمة البيت أنها من باب الفضل والإحسان من الزوجة لزوجها وأولادها، وليست واجباً شرعياً عليها. عندما تتحول هذه الأعمال من فضل وإحسان إلى إلزام وواجب، تشعر المرأة بالظلم والإرهاق، وتفقد المتعة في أدائها.

الزوج الصالح هو الذي يقدر فضل زوجته وإحسانها، ويشاركها في أعمال البيت، ويخفف عنها العبء، ولا يرى أن ذلك ينقص من رجولته. بل على العكس، يزيد من محبته في قلب زوجته، ويجعل الحياة الأسرية أكثر سعادة وانسجاماً.

الحل: العودة إلى الأهداف المشتركة

إذا أردنا حل هذه المشاكل، فعلينا العودة إلى الأهداف العظمى المشتركة التي ذكرناها. عندما يكون هناك هدف سامٍ يجمع أفراد الأسرة، يصبح عمل البيت جزءاً من هذا الهدف، ويؤدى بروح التعاون والمحبة.

دور الزوجين في الإصلاح

  • الزوج: عليه أن يكون قدوة في تحمل المسؤولية والمشاركة، وأن يقدر جهد زوجته، وأن يعاملها بالفضل والإحسان لا بالإلزام والاستعلاء. وأن يتذكر أن بيته هو مسؤوليته المشتركة مع زوجته.
  • الزوجة: عليها أن تتذكر أن عملها في البيت إذا كان بنية صالحة وفي سبيل الله، فهو عبادة تؤجر عليها. وأن لا تهمل نفسها وصحتها وحقوقها الأساسية، وأن تحزم مع الأبناء في تحمل مسؤولياتهم.

تربية الأبناء على المسؤولية

تربية الأبناء على تحمل المسؤولية والمشاركة في أعمال البيت منذ الصغر أمر ضروري. فالبيت ليس فندقاً يقدم لهم الخدمات، بل هو مؤسسة يشارك الجميع في بنائها. عندما يتربى الأبناء على خدمة أنفسهم والمساعدة في البيت، فإنهم يصبحون عوناً لوالديهم، ويشعرون بالانتماء والمسؤولية تجاه أسرتهم.

التخفف من المادية والاستهلاكية

التقليل من المتطلبات المادية والاستهلاكية الزائدة يخفف كثيراً من أعباء البيت. عندما تكون الحياة بسيطة وغير معقدة بالكماليات، يقل الجهد المطلوب للحفاظ عليها، وتتوفر الفرصة للتركيز على الأهداف الأسمى.

الخلاصة

عمل البيت ليس مشكلة في ذاته، بل المشكلة تكمن في غياب الأهداف المشتركة، وضعف التربية، والمادية الزائدة، وترفع بعض الأزواج، وعدم التمييز بين الفضل والعدل. عندما تعود الأسرة إلى مفهوم العبودية الشاملة لله، وتعمل جميعاً لهدف عظيم، وتتحمل المسؤوليات بالتشارك والمحبة، يصبح عمل البيت جزءاً ممتعاً ومثمراً من بناء أسرة قوية وسعيدة.

فلتكن بيوتنا حصوناً منيعة، ومصانع للرجال والنساء الصالحين، ومراكز إشعاع للخير في المجتمع، لا مجرد أماكن للاستهلاك والنزاع. نسأل الله أن يصلح بيوتنا وأسرنا.