بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله.
مقدمة عن سلسلة المرأة
إخواني تعلمون أنني بدأت بسلسلة عن المرأة بإذن الله تعالى ننهيها قريباً حتى نعود لسلسلة رحلة اليقين. لكن هنا محطة مهمة قبل متابعة سلسلة المرأة، يعني ضروري أن تعرف الأخت المقبلة على سماع هذه السلسلة ما الذي تتوقعه منها. أعتقد كثير من الأخوات جايات وفي بالهم كثير من المشاكل، متوقعات مني أن أحلها لهن. يمكن أخت تقول: "أبي يظلمني، زوجي لا يحترمني، أخي تسلط علي، نظرة المجتمع لي دونية" إلى آخره.
شوفي أخواتي، أنا هذه السلسلة عملتها لكم لا عنكم. طبعاً اللغة لازم تكون لكن لا عنكم، لكن علشان نسهل الخطاب نخليه تلقائي وقريب. سلسلة المرأة لكم مش عنكم. أنا هنا لست لأخاطب الرجال أن عليكم أن تنصفوا المرأة بكذا وكذا وتعاملوها بالشكل الفلاني. الخطاب للرجال يسير في مسار موازٍ لمسار حديثنا عن المرأة، زي ما تكلمت مثلاً في حلقة "ندا تشتكي لعائشة" اللي عملناه كتاب أيضاً ونشرناه لكم، لما تكلمت عن تعامل النبي عليه الصلاة والسلام مع أم عائشة رضي الله عنها في مقابل التعامل السيء لبعض الأزواج مع زوجاتهم.
لكن هذه السلسلة التي بدأنا بها هي خطاب لكِ أختي المسلمة، أيتها المرأة وأيتها الفتاة المسلمة. لأنه إخواننا وأخواتنا، مشكلة المرأة تحتاج تفكيكاً، مشكلة المرأة تحتاج تفكيكاً لأنها معقدة بتعقيد مشكلة الأمة الإسلامية عموماً. نحن بنقول امرأة يعني نصف الأمة الإسلامية، فمش حتحل مشكلتها بمعزل عن مشكلة الرجل، بل وبمعزل عن مشاكل الأمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. فلازم يكون هناك خطاب للرجال والشباب وخطاب للنساء والفتيات نتعاون فيه على حل مشكلة الأمة، مش كل واحد فينا يفكر من زاويته فقط.
منهج السلسلة: العلاج المعرفي السلوكي (CBT)
أنا في هذه السلسلة يا أخواتي أسير بطريقة ندرسها في الجامعة ضمن مساق العلاجات (Therapeutics)، اسمها هذه الطريقة العلاجية: "Cognitive Behavioral Therapy" (CBT)، ومن هنا جئنا بالعنوان: "المرأة والـ CBT"، العلاج المعرفي السلوكي. وهو فرع علاجي مهم معترف به عالمياً ويدرج ضمن الإرشادات العلاجية كخيار أول لعلاج كثير من الظواهر كالقلق والاكتئاب والفوبيا وغيرها. وهذا الـ CBT مفيد لكل إنسان طبيعي كمان إذا فهمه وطبقه.
أنا بصراحة لما تعلمت هذا الـ CBT وجلست مع مختصين في هذا المجال في العلاج المعرفي السلوكي، أنا شخصياً استفدت كثيراً. فما فكرة هذا العلاج؟ هو علاج لا دوائي، فكرته أن الإنسان لديه أفكار تؤدي إلى مشاعر، وهذه المشاعر توجه السلوك. إذاً: فكرة، شعور، سلوك، تمام؟ نحن من خلال تعديل الأفكار الخاطئة نغير شعور الإنسان تجاه نفسه والناس من حوله وتجاه خالقه سبحانه وتعالى، لنحل أفكاراً إيجابية وتصورات صحيحة محل الخاطئة والسلبية. هذا يؤدي في المحصلة إلى راحة الإنسان وانسجامه مع بيئته وتعامله مع مشاكله بشكل صحي وهادئ ومطمئن.
فكرة هذا العلاج لخصها سيد قطب رحمة الله عليه في عبارة واحدة قبل أن يؤسس هذا العلاج على يد أطباء أجانب. سيد قطب الذي عانى كثيراً في سبيل الله فيما نحسبه، كان يتكلم عن قوله تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا}. روح بالله عليك افتح في كتابه "في ظلال القرآن" على تفسير سورة فاطر واقرأ كلامه الجميل عند هذه الآية، وكيف أن هذه الآية لما قرأها في ظرفه العصيب نشلته ونقلت روحه لتحلق في السماء.
بعد ما شرح سيد قطب قال عبارة رائعة، قال: "إنه لم يتغير شيء مما حولي، ولكن لقد تغير كل شيء في حسي". ركز معي يا جماعة، قال: "إنه لم يتغير شيء مما حولي". هو كان مسجون أيام عبد الناصر وفي ظرف صعب جداً، ومع ذلك ماذا يقول؟ "إنه لم يتغير شيء مما حولي". القضبان هي القضبان، والجدران هي الجدران، والمعاملة الصعبة هي المعاملة الصعبة. قال: "ولكن لقد تغير كل شيء في حسي". هذه خلاصة الـ CBT، حتى لو لم يتغير شيء في واقعك وتعامل الناس معك، كل شيء يتغير في حسك عندما تحل الأفكار الصحيحة محل الخاطئة، فتنعكس إيجابياً على مشاعرك ومن ثم سلوكك وانسجامك في بيئتك.
أهداف السلسلة وتصحيح المفاهيم
هذا هدف هذه السلسلة يا أخواتي الكريمات، كما ذكرت في الحلقة الماضية: تصويب نظرتك لنفسك ولعلاقتك بربك ودينك وللمجتمع من حولك. هل يعني هذا أنني لا أطمح لتغيير تعامل الناس مع المرأة وتذكير الرجال بأن ينصفوا المرأة؟ بلى، نشرت كما ذكرت وسأنشر في ذلك بإذن الله تعالى. بالإضافة إلى أنك أنتِ عندما تتغيرين وتتعاملين بثقة وراحة وطمأنينة وهدوء، فإن ذلك ينعكس بإذن الله على علاقاتك مع من حولك وتعاملك معهم وتعاملهم هم بالتالي معك، ردود أفعالهم هم على تصرفاتك أنتِ.
وبالمناسبة، ترى هناك أخوات بدأن يراسلننا بأنهن ارتحن من الحلقة الأولى في سلسلة المرأة، حلقة "تحرير المرأة الغربية". لسه بنقول بسم الله وبدأنا نتكلم عن أصل الموضوع عن المرأة الغربية، كثير من الأخوات بدأن يشعرن باطمئنان واعتزاز وحب لشريعة الله. هذا من الحلقة الأولى، وفي الحلقات القادمة خير كبير بإذن الله تعالى.
تمام يا أخواتي، هذا هو الهدف من سلسلتي. لست هنا لأناقش التفاصيل الفقهية. نعم، أتكلم بشكل عام عن القوامة وحكمتها، عن النفقة على المرأة وحكمها وأهميتها، عن عمل المرأة ودوافعه وضوابطه، لكن لن أدخل في تفاصيل فقهية دقيقة. وإنما أحض الناس رجالاً ونساءً على التمسك بمرجعية دين الله تعالى في ذلك كله، وصدق الاحتكام إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لما يروا جمال وحكمة ورحمة هذه الشريعة العظيمة.
وعلشان نطلع من هذه السلسلة بأكبر فائدة بإذن الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ}.
خطاب مباشر للمرأة وتوضيح الدور
طيب، ولذلك فأنا حريص أن أخاطبك مباشرة لتكون الكلمات لكِ لا عنكِ. فأرجو أن تستمعيها وفي ذهنك قول الله تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}.
وأنا يا أختي الكريمة أخوكِ، إن رأيتِ مني شيئاً فانصحيني في التعليقات. انصحي واكتبي ما ترينه من خطأ، لكن بلاش الله يكرمك، بلاش لغة "أنتم أنتم الرجال". أنا أختي في كلماتي هذه لا أمثل الرجال، وأرجو أن تركزي معي الله يكرمك. أنا في كلماتي هذه اللي بوجهها للمرأة لا أمثل الرجال، بل أزعم أني أمثل المؤمنين والمؤمنات. وما سأذكره من انحرافات هو واقع من الرجال والنساء على حد سواء. فموضوعنا ليس رجل مقابل امرأة، بل ولا حتى ملتزمون وملتزمات مقابل مقصرين ومقصرات، يعني شيوخ بالكلام العامي مقابل ناس عاديين. طبعاً أنا لا أقبل هذه القسمة أبداً، لا أقبل تسمية الشيوخ ولا إسلاميين ولا شيخات ولا العبارات هذه كلها.
لكن أؤكد وأعود وأقول: ليست المسألة رجل مقابل امرأة، ولا ملتزمين وملتزمات مقابل مقصرين ومقصرات. بل أزعم أن عدداً من المسلمات غير المحجبات والمقصرات في كثير من الطاعات يقبلن بكلامي وبتمثيل لهن في هذه السلسلة، لأنهن وإن كن على معصية الله (ويدعو الله أن يتوب عليهن)، إلا أنهن معترفات لله بالذنب، محبات لله ورسوله، مقرّات بحكمة أمر الخالق وعدله ورحمته سبحانه وتعالى.
تذكير للرجال بمسؤولياتهم
وأقول لإخواني المتابعين: هذه الكلمات ليست لك أيها الزوج أو الأب أو الأخ حتى تأخذ منها ما يعجبك فتعيّر بها المرأة، أوعى بالله عليك! ليست هذه الكلمات وهذه السلسلة لك لتمارس بها الانتقائية فتطلب ما لك وتهمل ما عليك. بل أنا شخصياً على قناعة بأن كثيراً مما يقع من بعض المسلمات من أخطاء هو نتيجة لتقصير كثير من الرجال في واجباتهم. فإنه لما تخلى رجال عن رجولتهم، تخلت إناث عن أنوثتهم. ولما تخلى رجال عن رجولتهم، تخلت إناث عن أنوثتهم. ولما قصر الرجال في نصرة الدين، انفتح المجال للدعوات التي تهدم ما حده الشرع من حدود وما نظمه من حقوق وواجبات.
لما قصر الرجال، انفتحت المجالات للدعوات التي تحض المرأة على رفض مسؤولية الرجل عنها ومعاملته بالندية. وإلا فلو كانت المرأة ترى الرجل يستأسد في الدفاع عنها وعن أمتها ودينها ونصرة قضاياها، لو المرأة رأت هذا من الرجل عليها. مفهوم القوامة الذي سنتكلم عنه بإذن الله من لوازمه، من نتائجه أني لما أخاطب أخاطب الرجل أولاً: تحمل أنت المسؤولية، أصلح أنت أولاً، أنت الوعاء الكبير الذي سيتسع للوعاء الأصغر.
وتذكر أيها الرجل أنك إن استغللت الشرع لصالحك بشكل انتقائي في التعامل مع المرأة، كنت سبباً في فتنتها وصدها عن دينها واستماعها لدعاة الشر. خد بالك، خد بالك لما تتعامل مع الدين بانتقائية، تأخذ ما يعجبك وتقصر فيما عليك تجاه المرأة، ستكون سبباً في فتنة المرأة، فينطبق عليك قوله تعالى: {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}. أسأل الله أن يعيذني وإياك من ذلك.
فنحن في هذه السلسلة نذكر الرجال ألا يظلموا، ونذكر النساء ألا تكون ردة فعلهن ظلماً آخر. وهذا هو التركيز، التركيز مع المرأة. بينما إذا كل من الطرفين برر تركه لأوامر الله بأن الطرف الآخر مش عامل اللي عليه، "أنا كيف ليش عاوزني أنا أعمل اللي علي وهو مش عامل اللي عليه؟" إذا بقينا على هذا الحال ستبقى الانحرافات تتراكم وتصبح تصرفات كل طرف ردود أفعال على تصرفات الطرف الآخر وتضيع مرجعية الدين، يعني لا نصل إلى حل إطلاقاً.
وإنما جاء الوحي بخطاب متوازن، متوازن توازي يعني شامل للرجل والمرأة، فقال سبحانه وتعالى بعد أن ذكر بعض أحكام النساء: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. وتوبوا إلى الله جميعاً رجالاً ونساءً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.
دعوة للتعاون والأخوة
هذا الكلام مقدمة لا بد منها. وياريت الله يكرمكم، أنا متأكد وحتشوفوا في الحلقات القادمة لما أوجه أخواتي ببعض القضايا، يعني "أنت جاي تتكلم معنا، طب وحتتكلم مع الرجال اللي بيعملوا وبيسووا؟" ياريت الله يكرمكم أنتم إخواني وأخواتي اللي حضرتوا هذا الفيديو تردوا عليهم بأن: "يا جماعة يا أخواتنا، إياد كان قد نبه على هذه المسألة ورد عليكم مسبقاً بهذا الفيديو". انشروا لهم هذا المقطع الله يكرمكم واحتفظوا به عشان تردوا به على الإخوة والأخوات اللي حيجوا من نص الطريق ويقولوا "أنتم أنتم أنتم مين؟" نحن إخوة، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}.
فيا أختي الكريمة، حتشوفي في السلسلة يعني في بعض الحلقات حاجات صادمة وغريبة وتقولي: "يعني أنت بتتهمنا؟" أنا مش عم بتهمكم، أنت بتحكم علي؟ مش عم بحكم عليكم. أنا مش في سلسلة مش حأقول للرجال ولا للناس ولا للملتزمات: "تعالوا شوفوا المرأة التي تعمل كده وكده". لا لا لا، الكلام لكِ لا عنكِ. أنا مش عم بحرّض حدا يحكم عليكِ ولا بحرّض حدا ينتقدكِ ولا بحرّض حد يشوف إيش عم تعملي. وإنما أذكركِ أنتِ.
وإن بفضل الله تعالى ممتلئ إيجابية واستبشاراً بأن هذه السلسلة ستغير لدى الكثير من الأخوات حتى البعيدات بعض الشيء عن تقبل الخطاب الشرعي عادة. ولهذا أتكلم بهدوء ومبسوط إني عم بتكلم بهذه السلسلة لأنني مطمئن بإذن الله تعالى أنها ستؤتي أكلها إن شاء ربي الرحمن.
هذا الذي أحببت أن أقوله لكم، ومرة أخرى نحن إخوة. أسأل الله أن يتقبل منا ومنكم، وسامحونا على أي خطأ. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.