→ عودة إلى سيكولوجيا الانحراف

الحلقة 2 - هكذا تنحرف الدعوات

١٠ يناير ٢٠١٣
النص الكامل للمقطع

هكذا تنحرف الدعوات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إخوتي الكرام، تكلمنا في الحلقة الماضية عن سيكولوجيا الانحراف، وعن أسلوب الالتزام والتوافق الذي استخدمه المحققون الصينيون في استدراج الأسرى الأمريكيين إلى تغيير مبادئهم والتعاون معهم. اليوم سنتأمل أسلوب الالتزام والتوافق على واقع الحركات المنتسبة للعمل السياسي الإسلامي.

سيكولوجيا الانحراف: مراجعة وتطبيق

رأينا في سيكولوجيا الانحراف أن الأسير كان يُطالب بداية بتصريح يبدو عديم الأهمية، عديم التبعات، ينتقص فيه ولو قليلاً من نظام دولته، أو يلين قليلاً لنظام الدولة المعادية. بدأ الأسير بعبارات مثل "أمريكا ليست كاملة" أو "لا بطالة في الشيوعية"، وتدرج به حتى أصبح في النهاية واشياً عن رفقاء سلاحه إن حاولوا الهروب من معتقليه.

قارن ذلك بتصريحات بدأت بها الحركات الإسلامية السياسية، مثل: "الديمقراطية مبدأ باطل يتعارض مع الإسلام، لكنها الوسيلة الوحيدة المتاحة للوصول إلى الحكم الإسلامي، فسنتخذها مطية لذلك لا هدفاً". إذاً، بدأ الأمر بإنكار الديمقراطية، لكن مع اعتبار التعاطي معها ضرورة.

التدرج في التنازلات: الديمقراطية مثالاً

ثم تطورت الأمور فأصبحنا نسمع اعترافاً بالديمقراطية. فإذا ما رجعوا قالوا: "نحن لا نتكلم عن الشق التشريعي من الديمقراطية، إنما عن آليات الديمقراطية ووسائلها". إذاً، أصبحت كلمة "ديمقراطية" عندهم حمّالة وجوه، يجوز إقرارها بنية الوجه الصحيح منها الذي لا يتعارض مع الإسلام.

ثم تطورت الأمور إلى أن أصبحنا نسمع عبارات مثل: "لا بد من الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، إرادة الشعب هي الفيصل في المبادئ والأفكار". وهذه التصريحات هي خلاصة الديمقراطية التشريعية، خلاصة الديمقراطية كمنهج حياة.

ثم وصل الأمر إلى إيجاب التصويت بـ "نعم" للدستور الديمقراطي، معللاً بعضهم ذلك بالعبارات المقيدة في المضابط الخافية عن عيون الناس، بينما يعترف البعض الآخر بأنه دستور شركي، لكن يرى إقرار هذا الشرك هدفاً مرحلياً لمنع استبداد العلمانيين والفلول. هذا فيما يتعلق باللين للنظام غير الإسلامي، كما كان الأسير يلين للنظام المعادي شيئاً فشيئاً.

التدرج في التنازلات: الشريعة مثالاً

أما فيما يتعلق بانتقاص الأسير من نظام دولته شيئاً فشيئاً، فيشبه في واقعنا التصريحات المتتالية التي فيها غض من قيمة الشريعة أو اجتزاء منها بطريقة أو بأخرى. فبداية كانت الشريعة كاملة هي المطلب الأوحد الذي لا نكوص عنه في حال الوصول إلى الحكم.

ثم إذا ببعض الحركات السياسية الإسلامية تشارك في السلطة فتلتزم بالقانون الوضعي، مما أثار عليها المطالبين بتحكيم الشريعة. فوجدت الحركات السياسية نفسها وسط معركة الرد والإفحام، مضطرة للدفاع عن نفسها وعما تبنته من ديمقراطية ومنتقصات وما يدعون إليه من تطبيق الشريعة. وهنا الخطورة: الانتصار للنفس ولمنهجها المنحرف كان في المحصلة على حساب الشريعة، وأدى إلى الانتقاص منها بوجه أو بآخر.

فمرة يميع مفهوم الشريعة بعبارات مثل: "من قال إن الحركة الفلانية لا تطبق الشريعة؟ بل هي تطبق الشريعة، الشريعة تعني العدل، تعني المساواة، وهذه موجودة في ظل الحكومة الفلانية". ومرة يصرح بأن الحدود هي أحكام فقهية وليست من مبادئ الشريعة، وأن المطلوب إنما هو الالتزام بمبادئ الشريعة.

ومرة يتعذر أصحاب هذه المناهج لأنفسهم بأن الناس لا تريد الشريعة ولا تتحملها، وهذا انتقاص، وأن تطبيقها "سيفجر البلد" في إيحاء نفسي سلبي خطير فاشٍ للشعوب التي تسمع وترى هذا الصراع الفكري وما يدور فيه. فتخويف الناس من الشريعة، وتصويرها على أنها سبب للفتن، هو انتقاص ذلك كله من الشريعة وتهزيل لمفهومها.

لكن لاحظ أنه حتى تلك المرحلة كان يسلم بوجوب تطبيقها، إنما بشروط ومحددات. ثم إذا بنا نسمع شعارات مثل: "الحرية قبل الشريعة"، "الاستقرار قبل الشريعة"، في سياقات تصرح أحياناً بأن هذه القيم كالحرية والمساواة والاستقرار مقدمة على الشريعة، سواء أفضت إلى تطبيقها أم لم تفضِ.

إلى أن وصل الأمر -أمر وسط معركة الجدال- إلى أن نسمع من إسلاميين لمزاً بالشريعة وأقوالاً لا تختلف في مؤداها عن أقوال العلمانيين، وكأنهم انتهوا حيث بدأ العلمانيون. فسمعنا من مفتي حركة مدافعاً عما فعلته حركته بجماعة منادية بتطبيق الشريعة، سمعنا قوله: "هؤلاء يتباكون على الشريعة المعطلة في نظرهم، ولا يهدأ لهم بال حتى يروا رؤوساً تتطاير وأيدٍ تقطع وظهوراً تجلد". وهذا فيه لمز واضح بالحدود الشرعية ونفور وتنفير منها للأسف الشديد.

وسمعنا في فتنة الدستور من شخصيات معتبرة عبارات مثل: "لا مكان حالياً لإقامة الخلافة، اذهبوا وأقيموا دولتكم وطبقوا الشريعة في الصحراء". وهي عبارات لا تختلف عن عبارات العلمانيين والله المستعان. كما وصل الأمر إلى أن يبرر المبرر بأن هذا الحزب الإسلامي أو ذاك لم يأتِ أصلاً لتطبيق الشريعة الإسلامية ولن يطبق الإسلام! سبحان الله.

إذاً إخواني، بدأ الأمر بتصريحات بسيطة، كلمة هنا أو جملة هناك، يعتبرها البعض غير ذات قيمة، لكن قائليها التزموا بها واضطروا للدفاع عنها، ثم إذا بالركب ينحرف بشكل كامل. الانتقال من تنازل لآخر كان انسيابياً ولا شعورياً أحياناً.

عوامل ساعدت في الانحراف

ساعد في هذا الانتقال ونجاح أسلوب الالتزام والتوافق في حرف الحركات السياسية عوامل منها:

1. جيش المبررين وتغليب العاطفة

أن كل تصريح منحرف خطير كان يلقى جيشاً من المبررين المغلبين للعاطفة، الذين يحسبون حسن الظن نافعاً على كل حال، ولا يعلمون أنهم بوضع حسن الظن في غير موضعه يساعدون في انجراف الناس إلى الهاوية وإنفاذ مخططات الأعداء، بينما هم يشوشون وتطغى أصواتهم على صرخات المصلحين المحذرين.

فيعذر هؤلاء المبررون بداية بأن هذه التصريحات سياسية يراد بها مراوغة العدو وكف شره. إذاً هي تصريحات باطلة باعترافهم، لكن لها ما يبررها. لكنهم انتهوا بتبرير الباطل ذاته في النهاية.

2. الالتزام العلني

العامل الثاني هو عامل الالتزام العلني، فالتنازلات كانت توثيقاً مرئياً ومسموعاً ومكتوباً. ولذا حرصت الأنظمة وصاغة الدساتير على إلزام النائب والرئيس بالقسم على احترام الدستور الذي يجعل التشريع لغير الله تعالى. وهذا من أكبر فخاخ الالتزام والتوافق.

ومع ذلك تجد من يقول إن هذا القسم مفسدة تغلبها مصلحة الإصلاحات المنشودة. وهذا حقيقة من السذاجة والضحالة الفكرية والجهل العميق بالأبعاد النفسية لمثل هذا القسم، فضلاً عن حرمته شرعاً.

3. الحشر في الزاوية: مثلث الضغوط

ثم عند كل تنازل لم يهدأ بال لأعداء الإسلام الصرحاء حتى حشروا هؤلاء المتنازلين في الزاوية وألزموهم بتبعات تصريحاتهم وتطبيقاتها الواقعية، فأقر بها المتنازل علناً. قالوا لهم: "هل سترضون بنتائج الصندوق أياً كانت؟" ردوا: "نعم، أياً كانت". فشكلت هذه التصريحات والمواقف تنازلات جديدة فتحت عليهم جبهة جديدة مع من يحاكم مواقفهم إلى شريعة الله تعالى.

فوجد المتنازلون أنفسهم وسط مثلث: فمن زاوية أعداء الإسلام الصرحاء الذين يحس المتنازل تجاههم بعقدة النقص، ولا زالت أرواحهم محبوسة في سجونهم وإن أخرجت أجسادهم الثورات. هؤلاء الأعداء لن يسكتوا إن تراجع المتنازلون عن تصريحاتهم أو حاولوا تأويلها بما يتوافق مع الشريعة.

ومن زاوية ثانية خصومهم الفكريون الذين ينادون بحق بحرمة التنازلات، لكن لا يحسن بعضهم التوازن بين بيان فساد المنهج من جهة والرحمة بالمخالفين وإرادة الخير بهم من جهة أخرى، مما يجعل العزة بالإثم تأخذ هؤلاء المتنازلين ويطغى عليهم الانتصار للنفس.

ومن زاوية ثالثة عوام الناس الذين يعلمهم المتنازلون في المساجد أن التذبذب والمراوغة ليست من صفات المؤمنين. العوام الذين يحبون الشجاعة والجرأة، والمتنازلون يحرصون على إرضاء قاعدتهم الشعبية وإقناعهم بسداد منهجهم وإبطال منهج مخالفيهم. فكان لا بد من أن يظهروا منسجمين مع تصريحاتهم ومواقفهم، لأنه كما بينا في الحلقة الماضية يبدو الشخص الذي يتصرف بأشكال متناقضة في عيون الناس متقلباً غير واثق مشتت الفكر غير جدير بالثقة. وهذه الخصائص كلها مكروهة من المجتمع ومن الشخص نفسه.

فأراد هؤلاء المتنازلون أن يظهروا متوافقين في تصرفاتهم ويتجنبوا ما يمكن اعتباره تضارباً في مواقفهم أمام شعبهم. وسط هذه الأقطاب الثلاثة: إرضاء الأعداء، والعناد مع الخصوم الفكريين، وكسب ثقة الناس المحبين للشخصية المنسجمة، انبرى المتنازلون للدفاع عن مواقف وتصريحاتهم المصادمة للشريعة، حاطبين في الليل لأي دليل شرعي أو عقلي يشهد لها، على طريقة "أعتقد ثم أستدل"، وهي طريقة لا يصيب حاملها الحق أبداً، خاصة إذا فقد التجرد ودفعه التعصب إلى أن ينتصر لنفسه.

وحتى يقنعوا الناس كان لا بد أن يقنعوا أنفسهم أولاً، ففاقد الشيء لا يعطيه. وخدعوا أنفسهم للأسف حتى أقنعوها، فحصل تغير حقيقي في النفسيات التي أصبحت تصريحاتها ومواقفها جزءاً من كيانها، خاصة مع وجود التوثيق والالتزام العلني المكتوب والمرئي والمسموع. أصبحت مواقفها جزءاً من كيانها، فوجدت نفسها تدافع عن مواقفها كما تدافع عن كيانها.

وبهذا قاد الالتزام إلى التوافق. التزموا بتبعات تنازلاتهم ثم وافقوا نفسياتهم مع هذه التبعات. هذا التوافق، هذا التغير في النفسيات سهل تقديم تنازلات أكبر. وكلما كسر باب من أبواب الثوابت اجترأ على ما بعده، وأتى أصحاب التصريح الأول بثانٍ هو من لوازمه وتبعاته، وانتصب جيش المبررين الجاهز للدفاع عن هذا التنازل الجديد أيضاً. وفي كل مرة ينقشع غبار المعركة عن تحويل مسألة من القطعيات إلى مسألة ظنية اجتهادية. وهكذا جاء الهدم على الثوابت واحداً تلو الآخر.

والعجيب أن هؤلاء المتنازلين كثيراً ما يبررون تنازلاتهم الجديدة بعبارات لا تعني إلا أنهم وقعوا في الفخ، وهي قولهم: "لنكن صريحين، فالذي يقبل بالديمقراطية وشروطها عليه أن يقبل باستحقاقاتها، لا يجوز أن نتحدث عن العدالة والمساواة والحرية ثم نضع الشروط المانعة" -أي الشروط الشرعية المانعة من التطبيقات المنحرفة للديمقراطية-. يذكرون هذه العبارة الببغائية التي لا تعني شيئاً ولا تستند إلى دليل، وما هي إلا تعبير صريح عن أنهم نصبوا لأنفسهم فخاً محكماً أعان أعداؤهم عليه، ثم وقعوا فيه وأوغلوا بدلاً من الرجوع إلى الحق.

تحذيرات إلهية من الانحراف

كان هذا ما يتعلق بعاملي التوثيق والالتزام العلني. وسنتكلم في المرة القادمة بإذن الله عن عاملي بذل الجهد الإضافي والدافعية الذاتية.

لكن نقول ختاماً إخواني: لأجل هذا كله ولحكم يعلمها الله، حذر عز وجل من الانحراف البسيط وغلظ عقوبته. فهو سبحانه يعلم هذه العواقب الوخيمة، ونحن كبشر أضعف من أعدائنا الذين يكيدون ويوظفون العلوم النفسية والاجتماعية والسياسية والعسكرية لحرفنا عن ديننا وردنا عنه. أضعف منهم إلا أن نعتصم بحبل الله ونعض على سنة نبينا بالنواجذ ونلزم المحجة التي لا يزيغ عنها إلا هالك.

انظر إلى قوله تعالى: {وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} [الإسراء: 74]. هذا الشيء القليل لن يكون فعلاً كفرياً يقيناً، فالفعل الكفري ليس شيئاً قليلاً. ومع ذلك لو وقع منه عليه الصلاة والسلام: {إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} [الإسراء: 75]. لأذاقه الله عذاباً مضاعفاً في الدنيا وفي الآخرة.

انظر إلى قوله تعالى: {وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [المائدة: 49]. عن بعض ما أنزل الله إليك! وانظر إلى قوله تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} [هود: 113]. ولا والله ما انتصر المتنازلون في الدنيا ولن تنصرهم تنازلاتهم من عذاب الله في الآخرة، إلا أن يتداركهم برحمته ويردهم إلى الحق رداً جميلاً.

أفلا يتدبرون القرآن؟ أفلا يتدبرون هذه الآيات؟ أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها؟ {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ} [محمد: 25-26]. في بعض الأمر! فكيف بمن أطاع في الديمقراطية كمنهج حياة؟

فمن تعامى عن هذه النداءات الإلهية كلها فقد الحصانة، وضره كيد أعدائه، فلا يلومن إلا نفسه.

نسأل الله أن يهدي الضالين ويصلح أحوال المسلمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عوامل ساعدت في الانحراف (تكملة)

4. بذل الجهد الإضافي والدافعية الذاتية

وسنتكلم في المرة القادمة بإذن الله عن عاملي بذل الجهد الإضافي والدافعية الذاتية.

تحذيرات إلهية من الانحراف (تكملة)

لكن نقول ختاماً إخواني: لأجل هذا كله ولحكم يعلمها الله، حذر عز وجل من الانحراف البسيط وغلظ عقوبته. فهو سبحانه يعلم هذه العواقب الوخيمة، ونحن كبشر أضعف من أعدائنا الذين يكيدون ويوظفون العلوم النفسية والاجتماعية والسياسية والعسكرية لحرفنا عن ديننا وردنا عنه. أضعف منهم إلا أن نعتصم بحبل الله ونعض على سنة نبينا بالنواجذ ونلزم المحجة التي لا يزيغ عنها إلا هالك.

انظر إلى قوله تعالى: {وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} [الإسراء: 74]. هذا الشيء القليل لن يكون فعلاً كفرياً يقيناً، فالفعل الكفري ليس شيئاً قليلاً. ومع ذلك لو وقع منه عليه الصلاة والسلام: {إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} [الإسراء: 75]. لأذاقه الله عذاباً مضاعفاً في الدنيا وفي الآخرة.

انظر إلى قوله تعالى: {وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [المائدة: 49]. عن بعض ما أنزل الله إليك! وانظر إلى قوله تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} [هود: 113]. ولا والله ما انتصر المتنازلون في الدنيا ولن تنصرهم تنازلاتهم من عذاب الله في الآخرة، إلا أن يتداركهم برحمته ويردهم إلى الحق رداً جميلاً.

أفلا يتدبرون القرآن؟ أفلا يتدبرون هذه الآيات؟ أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها؟ {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ} [محمد: 25-26]. في بعض الأمر! فكيف بمن أطاع في الديمقراطية كمنهج حياة؟

فمن تعامى عن هذه النداءات الإلهية كلها فقد الحصانة، وضره كيد أعدائه، فلا يلومن إلا نفسه.

خاتمة

نسأل الله أن يهدي الضالين ويصلح أحوال المسلمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.