السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بارك الله لكم في هذا اليوم العظيم، يوم عرفة، ووفقنا فيه جميعًا إلى طاعة متقبلة.
كلمتنا اليوم تقنع العقل وترافق القلب وتجعلك تقرأ القرآن بنفسية جديدة بإذن الله تعالى. هذه الكلمة هي بعنوان "علوية الخطاب القرآني".
رحلة اليقين وإثبات ربانية القرآن
لأن يا إخواننا نحن في رحلة اليقين نؤسس الإيمان خطوة خطوة. تحدثنا في حلقاتنا السابقة عن أدلة وجود الله تعالى، وتخلل هذا الحديث فوائد منهجية وردود على ما يوصف بأنه نظريات علمية صاغها أصحابها بديلة عن خلق الله الكون والحياة. والحديث في هذا المحور لم ينتهِ بعد، لسه ما خلصنا الحديث عن الوجود الإلهي والرد على الاعتراضات، لأن هناك فوائد منهجية لازلنا حريصين على مشاركتكم إياها.
لكن أحببت اليوم، يوم عرفة، أن نتكلم عن محور آخر وهو إثبات ربانية مصدر هذا القرآن، أن هذا القرآن من عند الله سبحانه وتعالى. طيب هذا الموضوع ننوي أن نستفيض في شرحه في موضعه من رحلة اليقين بإذن الله، من أمتع وأهم المواضيع. لكن اليوم أحببت أن أسلط الضوء على جانب أظن أنه لم يُعطَ حقه في المحاضرات والكتب التي تتكلم عن موضوع القرآن والإعجاز القرآني. أحببت أتكلم عن هذا الموضوع فقط لألفت أنظاركم إليه، وكنت قد تكلمت عن جانب بسيط منه في مسابقة "تبيان لكل شيء" الموسم الأول لمن تابعنا في تلك المسابقة. اليوم إن شاء الله نجمع متفرقات هذا الموضوع ونفصل فيه أكثر مما تكلمنا عنه في أيام مسابقة "تبيان لكل شيء".
النبوة بين الصدق والكذب
الآن يا أحبة، هناك كلمة جميلة لابن تيمية يقول فيها: "كلما كان الناس إلى الشيء أحوج، كان الرب به أجود". عبارة عظيمة لا بد من وقفة عندها. لكن باختصار، الناس محتاجون إلى النبوات والوحي لصلاح دنياهم وأخراهم، فترى أن الله تعالى ينصب الأدلة الحاسمة والحجج القاطعة على صحة نبوة أنبيائه عليهم الصلاة والسلام، بحيث لا يمكن أن يلتبس أمر النبي الصادق بأمر مدعي النبوة الكاذب.
الإمام أبو جعفر الطحاوي له كلمة جميلة قال: "لا ريب أن المعجزات دليل صحيح، لكن الدليل غير محصور في المعجزات، فإن النبوة إنما يدعيها أصدق الصادقين أو أكذب الكاذبين، ولا يلتبس هذا بهذا إلا على أجهل الجاهلين". شوف: "فإن النبوة إنما يدعيها أصدق الصادقين أو أكذب الكاذبين، ولا يلتبس هذا بهذا إلا على أجهل الجاهلين". قال: "بل قرائن أحوالهما تعرف عنهما وتعرف بهما، وما من أحد ادعى النبوة من الكذابين إلا وقد ظهر عليه من الجهل والكذب والفجور واستحواذ الشياطين عليه ما ظهر لمن له أدنى تمييز". وهذا حنشوفه اليوم إن شاء الله.
بالنسبة للقرآن يا إخواننا، فإن أهم وجوه الإعجاز فيه هو إعجاز النظم والبلاغة والبيان، وليس هو موضوعنا اليوم. لكن أذكر هنا كفائدة مهمة وضحها ابن عاشور عند قوله تعالى في سورة هود: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}. شوف يا إخواننا، الآية تتحداهم أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات، دير بالك مش مفتريات مثله، لا، مثله مفتريات، يعني مثل القرآن في بلاغة الكلام وفصاحته، مفتريات يعني التحدي لا يشترط عليهم أن يأتوا بمعانٍ سديدة ومفيدة، لا، هاتوا قصص، هاتوا افتراءات، هاتوا كلامًا كذبًا، مش شرط تكون حقائق ولا معانٍ عالية كمعاني القرآن وحقائقه، لكن التحدي أن تسوغوا هذه الافتراءات بمثل بلاغة القرآن وفصاحته. التحدي إلى يوم القيامة.
فالتحدي الأكبر إخواننا هو...
علوية الخطاب القرآني: تمييز النور من الظلام
في المقدمة ذكرت لكم أن التحدي الأكبر هو ببلاغة القرآن ونظمه وبيانه. كلمتنا اليوم ليست عن هذا الجانب، وإنما متعلقة بالمعاني وبجانب خاص من المعاني، ألا وهو علوية الخطاب القرآني. يعني أنك ترى في القرآن خطاب رب علي عزيز كامل الصفات لإنسان، وإن كان رسولًا، لكنه لا يتجاوز مقام العبودية لله، عبد بشري يعتريه الضعف. هذا معنى علوية الخطاب القرآني. تلحظ بوضوح في القرآن أنه خطاب رب عزيز كامل الصفات لإنسان، وإن كان رسولًا، لكنه لا يتجاوز مقام العبودية ويعتريه الضعف لأنه بشر في النهاية.
طيب حتى نفهم المقصود أكثر يا كرام، تعالوا نرسم الظلام لنستطيع تمييز النور. تعالوا نأخذ أمثلة من كذابين ادعوا النبوة ونرى كتبهم التي افتروها، لترى كيف أنهم كانوا مهووسين بتمجيد أنفسهم، كيف أنهم كانوا هم محور هذه الكتب المفترى وليس الله عز وجل، حتى أنهم ادعوا حلول الله في ذواتهم وتنكروا لبشريتهم الضعيفة.
أمثلة من مدعي النبوة الكذابين
الآن بدنا نأخذ أمثلة من الظلام حتى نرى بعدها النور أكثر. مثالان يتبعهما ملايين من الناس للأسف، هما: غلام أحمد القادياني مؤسس الطائفة القاديانية، وحسين علي نوري المازندراني الذي لقب نفسه ببهاء الله مؤسس الطائفة البهائية. القاديانية والبهائية.
غلام أحمد القادياني
نبدأ بالقادياني الذي كان مدعومًا بقوة من بريطانيا، وألف كتاب "الجهاد في الإسلام" يضع فيه الجهاد عن أتباعه كما يحلو للاحتلال البريطاني. القادياني هذا إخواننا كان له كتاب سماه "حقيقة الوحي"، ترجمه عبد المجيد عامر، سآتي لكم الآن بمقتطفات منه.
يقول القادياني: "والآن أسجل فيما يلي بعض الإلهامات الإلهية". يذكر منها أن الله يقول له: "بشرى لك يا أحمدي، أنت مرادي ومعي سرك سري، إني ناصرك، إني حافظك، إني جاعلك للناس إمامًا، أكان للناس عجبًا؟ قل هو الله عجيب، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون". طبعًا ملاحظة عندكم اللخبطة والركاكة والسرقة من آيات القرآن، وهذا كثير جدًا عند القادياني، السرقة من آيات القرآن وخلطها بكلامه لإعطاء تأليفاته هذه هيبة. لكن محل الشاهد إخواننا اللي بيلزمنا لليوم، انظر إلى التمجيد الذي يمجد به نفسه ويرفعها عن مقام البشرية والعبودية لله.
يتابع القادياني أن الله يقول له: "أنت مني بمنزلة توحيدي وتفريدي، فحان أن تُعان وتُعرف بين الناس. أنت مني بمنزلة عرشي، أنت مني بمنزلة ولدي، أنت مني بمنزلة لا يعلمها الخلق، إذا غضبت غضبت وكلما أحببت أحببت. إنا أنزلناه قريبًا من القاديان، أنت الشيخ المسيح الذي لا يضاع وقته، كمثلك در لا يضاع".
ويتابع القادياني أن الله قال له: "برق اسمي لك وكشف العالم الروحاني عليك، تعيش ثمانين حولًا أو تزيد عليه خمسة أو أربعة أو يُقلّك مثلها". (80، 4، 69، 69). وهناك مؤلف كامل بعنوان "نبوءات القادياني الكاذبة" تجده في موقع الدرر السنية، وفيه كثير من الفكاهات من هذا النوع.
طيب يتابع القادياني أن الله تعالى قال له: "وإني أباركك ببركات عظيمة حتى إن الملوك يتبركون بثيابك، لك برق اسمي". إلى أن يقول: "أيها العدو، إن سيف الملائكة مسلول أمامك، لكنك ما عرفت الوقت. ليس الخير في أن يحارب أحد مظهر الله". يعني يدعي القادياني أنه مظهر الله تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.
ويدعي القادياني أن الله قال له: "إنا نبشرك بغلام مظهر الحق والعلاء، كأن الله نزل من السماء والعياذ بالله. إنا نبشرك بغلام نافلة لك، سبحك الله ورافاك". ويدعي القادياني أن الله قال له: "يا أحمد يتم اسمك ولا يتم اسمي، بركت يا أحمد وكان ما بارك الله فيك حقًا فيك. شأنك عجيب وأجرك قريب". ويدعي أن الله قال له: "سبحان الله أنت وقاره، فكيف يتركك؟".
ويقول القادياني: "رأيتني في المنام عين الله، وتيقنت أنني هو، وأعني بعين الله رجوع الظل إلى أصله وغيبوبته فيه". ويقول القادياني: "ومن حمدني وما غادر من نوع حمد فمات، ومن كذب هذا البيان فقد أغضب الرحمن، فويل للذي شك وفسخ العهد وفك".
حسين علي نوري المازندراني (بهاء الله)
أما حسين المازندراني مؤسس البهائية، فألف كتاب سماه "الأقدس"، ومما جاء فيه قال: "إن أدركتم ما نظهره أنتم من فضل الله تسألون ليمن عليكم باستوائه على سرائركم، فإن ذلك عز ممتنع منيع أن يستوي هذا المازندراني على سرير أحدهم، أن يشرب كأس ماء عندكم أعظم من أن تشرب كل نفس ماء وجوده بل كل شيء".
"أن يا عبادي تدركون يعظم له أن يطلع لكم يشرب عندكم كاسة مي". ويقول: "قل إنا دخلنا مكتب المعاني والتبيان حين غفلة من في الإمكان، وشاهدنا ما أنزله الرحمن وقبلنا ما أهداه لي من آيات المهيمن القيوم". ويقول في كتابه المسمى بالأقدس: "يا ملأ البيان اتقوا الرحمن ثم انظروا ما أنزله". في مقام آخر قال: "إنما القبلة من يظهره الله، متى ينقلب تنقلب إلى أن يستقر، كذلك نزل من لدن مالك القدر إذا أراد ذكر هذا المنظر الأكبر". يعني قبلتكم المازندراني، يعني المازندراني هو قبلتكم.
محاور علوية الخطاب القرآني (12 محورًا)
الآن إخواننا بعد أن رأينا هذا الظلام، بعد أن رأينا كيف يمجد مدعي النبوة نفسه، يدعي لها قدسية ذاتية لا تزول، ويجعلها محور كتابه الذي يدعي أنه إلهامات إلهية، تعالوا نرى النور في علوية الخطاب القرآني. سنلتمس هذه العلوية في 12 محورًا، ونأتي على كل محور بأمثلة من القرآن، ونترك لك أخي أن تتأمل مثلها كلما قرأت القرآن بإذن الله. ستجد لذة مختلفة بعد أن تجلس معنا في هذه الجلسة كلما قرأت القرآن.
المحور الأول: كرامة النبي مشروطة بطاعته لله
المحور الأول: كرامة النبي عند الله مشروطة بطاعته لله، ولو عصى لحرم هذه الكرامة. لأن المركزية لله في هذا القرآن، الحديث عن الله هو محور القرآن. نأتي ببعض الآيات:
- قال الله تعالى: {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا}. الله أكبر، هذا الخطاب للنبي عليه الصلاة والسلام. بعض المفسرين كان يحاول أن يجعل الآية نصين، النصف الأول للنبي عليه الصلاة والسلام، النصف الثاني لعامة البشر. بصراحة في هذا تكلف، لو أنه كان عند جميع المفسرين لما قلناها، لكن بعض المفسرين يبدو أنه كان فيه تكلف. هذا لا يقلل من شأن النبي أبدًا أن يقال له هذا الكلام، لأن هذا يدل أن هذا القرآن من عند رب عزيز كريم، وبالتالي كون النبي رسولًا لرب هذا شأنه.
- {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}. قارن هذا بمدعين النبوة الذين يحاولون أن ينسبوا لأنفسهم قدسية ذاتية غير قابلة للزوال، مجدًا ذاتيًا لا يتزحزح، كما رأينا في النماذج المظلمة قبل قليل.
- قال الله تعالى: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا}. يعني إذا ركنت إليهم يا محمد وفتنوك عن الذي أوحينا إليك لأذقناك عذابًا مضاعفًا في الحياة وعذابًا مضاعفًا عند الممات، ثم لا تجد من ينصرك ويمنعك منا ومن عذابنا يوم القيامة.
تصوروا يا جماعة، هذا كله يشهد لمعنى معين أن القرآن يربط كرامة النبي صلى الله عليه وسلم بطاعته لله، لأن المركزية لله، محور القرآن تعظيم الله سبحانه وتعالى، وليس شخص محمد عليه الصلاة والسلام.
المحور الثاني: القرآن ينسب الفضل إلى الله تعالى
هذه الآية الأخيرة تنقلنا للمحور الثاني: أن القرآن ينسب الفضل إلى الله تعالى حتى فيما يظهر أن فيه فضلًا للنبي، لأن المركزية مرة أخرى لله سبحانه وتعالى.
- شوفوا الآية: التثبيت من الله سبحانه وتعالى. نعم النبي ثبت 23 عامًا لم يتزحزح فيها عن مبادئه، لم يتزحزح فيها عن عقيدته، أمر عظيم جدًا. لكن مع ذلك القرآن ينسب الفضل في هذا إلى الله سبحانه وتعالى.
- في معركة أحد، النبي عليه الصلاة والسلام وقع في الحفرة التي حفرها أبو عامر الفاسق، كسرت رباعيته، شجت جبهته ونزل منها الدم، قتل عمه. ومع ذلك تولى أصحابه عنه عندما حصل الهرج والمرج ونزل الرماة عن الجبل والتف خالد بن الوليد على المسلمين وانفض الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم. كانوا يتوقعون عندما يعود إلى المدينة أن يقول لهم: "أنتم أشرتم علي بالخروج ورأيتم حصل معي الذي حصل، وشجت جبهتي وكسرت رباعيتي وتتركونني لأعدائي حتى يقطعوني حتى يعذبوني". لا، ما فعل من هذا شيئًا عليه الصلاة والسلام، وإنما حلم عليهم ولم يعاتبهم. ولما سمع أن المشركين يعدون العدة ليغزوا المدينة خرج إليهم عليه الصلاة والسلام، استنخى الصحابة، استحثهم وأنهض هممهم، فخرجوا معه خجلين مما فعلوا معه في معركة أحد. انظروا الآن هذا الحلم العظيم، هذه الحكمة، هذه الرأفة من النبي صلى الله عليه وسلم، فضل عظيم. لكن مع ذلك القرآن ماذا يقول؟ قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}. لاحظوا إذن القرآن ينسب هذا اللين والحلم من النبي عليه الصلاة والسلام إلى ذات الله سبحانه وتعالى، مع أنه كان قد قال قبلها في مدح الصحابة الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ}.
- مثال آخر: عندما حاول البعض خداع النبي صلى الله عليه وسلم ورمي بريء بتهمة السرقة ليصرفوه عن قريبهم، فجلى الله الحقيقة. قال تعالى بعدها: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}.
- أيضًا مثال آخر في معركة بدر: عندما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم كفًا من حصباء ورماها فجاءت في أعين المشركين، ما بقيت عين من أعينهم إلا دخلتها، وكر المسلمون على المشركين وغلبوهم وهزموهم بإذن الله تعالى. ماذا قال الله تعالى؟ قال: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}. نسبة الفضل دومًا إلى الله سبحانه وتعالى.
- مثال آخر: النبي عليه الصلاة والسلام جاء إلى المدينة، وتعلمون أن الأوس والخزرج كانتا قبيلتين كبيرتين بينهما تناحر وحروب قتل فيها من قتل، وكان في ضغائن ومشاكل في النفوس كثيرة. استطاع عليه الصلاة والسلام التأليف بينهم وجمعهم على قلب رجل واحد، إنجاز عظيم جدًا بلا شك. نعم، لكن الفضل فيه لمن؟ يقول القرآن: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ}. يعني يا محمد ما ألفت بين قلوبهم، {وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
- في معركة بدر التي انتصر فيها النبي والمؤمنون، قال الله تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ * وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ}.
لاحظوا يا جماعة الآن، شأن المنتصر في معركة أن يستر ما كان من زلات جنوده وضعفهم، ويحرص ألا يؤثر عنهم إلا المدائح وشواهد الشجاعة والشهامة والقوة. ولاحظوا أن هذه الكراهية للقاء العدو أمر انطوى وعوضه النصر المؤزر، وكان يمكن أن يطوى هذا الأمر ولا يروى في غمرة هذا الانتصار، ولا تظهر حقيقة، لا تظهر مصلحة بالمقاييس البشرية في تخليد ذكر هذا الضعف الذي اعترى بعض الصحابة، ولا في ذكره آنذاك وقت نزول الآيات والعدو متربص ستبلغه هذه الآيات ويبلغه أن بعض الصحابة أصابه ضعف. لكن هذا كتاب من لدن حكيم عليم يريد أن يربي المؤمنين، وكأن من حكمة ذكر كراهية بعض الصحابة أول الأمر لقاء العدو أن يعلم من بعده، نحن ومن قبلنا ومن بعدنا، أنها في النهاية نفوس بشرية على جلالة قدرها، الصحابة نفوس بشرية تضعف وتقوى وتحتاج تشجيعًا، فلا ييأس المؤمنون إلى يوم القيامة من الاقتداء بهم ولا يغفلون عن استمداد المعونة من ربهم عز وجل. لاحظ في ذلك كله نسبة الفضل إلى الله تعالى لا إلى القائد عليه الصلاة والسلام ولا إلى المسلمين.
طيب إذن هذه كلها أمثلة على أن القرآن ينسب الفضل إلى الله حتى فيما يظهر فيه فضل للنبي صلى الله عليه وسلم.
المحور الثالث: القرآن ينسب التسبب في المكروهات للنبي
في المقابل، نجي الآن المحور الثالث: في المقابل التسبب في المكروهات الحاصلة للنبي ينسبه القرآن إلى النبي. لاحظوا المواقف العظيمة ينسب الفضل فيها إلى الله. الله عز وجل منزه عن كل عيب، أعلى من كل نقص، لا ينسب إليه سوء سبحانه وتعالى. فإذا أصاب النبي شيء يكرهه، التسبب في هذا المكروه ينسب للنبي عليه الصلاة والسلام.
- قال الله تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}. {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} يعني يا محمد.
المحور الرابع: منع النبي من أمر رجاه
المحور الرابع هو منع النبي من أمر رجاه. القرآن يمنع النبي من أمر كان النبي يتمنى أن يحصل.
- تعرفون القصة لما حضرت أبا طالب الوفاة، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية، فقال النبي لعمه أبي طالب: "أي عم؟ قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله، بس أنت احكيها الكلمة وخلي الباقي علي، قل لا إله إلا الله وأنا بترجى ربي سبحانه وتعالى أن يغفر لك وأن يدخلك الجنة وأن يجنبك النار". فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: "أترغب عن ملة عبد المطلب؟ بدك الناس يحكوا عنك إنك متت على غير ملة أبيك؟ يعني بدك يسبوا أباك ويقولوا أنه باعتراف ابنه، باعتراف أبي طالب، عبد المطلب كان جاهلًا، كان يعبد آلهة لا تسمع ولا تبصر ولا تغني عن الناس، بدك الناس يحكوا هيك عن أبوك؟". طبعًا عند العرب هذه كانت مصيبة كبرى. فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عليه: "قل لا إله إلا الله، تبس قل لا إله إلا الله عمي"، وهم في المقابل: "أترغب عن ملة عبد المطلب؟". حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: "على ملة عبد المطلب"، وأبى أن يقول لا إله إلا الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك". إلا إذا ربي منعني. فأنزل الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}. منع القرآن النبي من أمر كان يرجوه.
المحور الخامس: القرآن يعاتب النبي ويرجح خلاف ما فعله
المحور الخامس يا جماعة: القرآن يعاتب النبي ويرجح خلاف ما فعله النبي أحيانًا في آيات عتاب.
- مثلًا في غزوة تبوك، عندما استأذن المنافقون وتعذروا بأعذار كاذبة ليتخلفوا عن الغزوة، أذن لهم النبي، أخذ بظواهرهم وأذن لهم. فأنزل الله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ}.
- الآن إخواننا سآتي لكم بآية أخرى رجحت خلاف ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، لكن حاب أعطيكم مقدمات لهذه الآية، ندخلنا في الجو. النبي عليه الصلاة والسلام وقصته مع عبد الله بن أبي بن سلول. طيب النبي قدم المدينة، وكان أهل المدينة يعني على أهبة أن يتوج عبد الله بن أبي ملكًا عليهم، كان رجلًا عاقلًا، كان رجلًا مهيبًا، رجلًا محترمًا في قومه. فلما أتى النبي وتوجهت الأنظار إلى رسول الله، شرق بذلك عبد الله، يعني تضايق، طبعًا ذهب مجده، اعتبر أنه مجده ذهب، بدل أن يكون ملكًا على المدينة أصبح رسول الله وقائد المدينة. كان بإمكانه أن يؤمن ويشرف بهذا الشرف العظيم اللي أحسن من ملك الدنيا وأن يقال عبد الله بن أبي رضي الله عنه، لكنه للأسف أضمر في نفسه عداوة النبي ما عاش، وبالتالي أصبح يتعمد إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم.
- الأحاديث التي سنذكرها والتي ذكرناها بفضل الله تعالى، كل الأحاديث في هذه الجلسة كما عودناكم في كل المحاضرات بإذن الله أحاديث صحيحة، بعضها حسن، لكن اليوم ما في عندنا إلا صحيحة وأكثرها من بخاري ومسلم.
- النبي عليه الصلاة والسلام مرة ذهب إلى عبد الله بن أبي وصار يكلمه في الإسلام، فقال له عبد الله بكل جلافة: "أيها المرء، إنه لا أحسن مما تقول، إن كان حقًا فلا تؤذنا به في مجالسنا، ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه". فقال عبد الله بن رواحة: "بلى يا رسول الله، فاغشنا به في مجالسنا فإننا نحب ذلك". فصار في تصايف بينهم، النبي عليه الصلاة والسلام خفضهم وتركهم.
- في مناسبة أخرى قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: "لو أتيت عبد الله بن أبي، معلش يا رسول الله تجدحك مع هذا الرجال، بل لعله يديه على إيدك". فانطلق إليه النبي وركب حمارًا، فلما دنا من عبد الله بن أبي قال: "تنح عنا فقد آذانا نتن حمارك". يعني رائحة الحمار أزعجتنا. طبعًا النبي عليه الصلاة والسلام كان طيبًا رائحًا وما كان يظن أن يؤذيهم بنتن حمار وأنه يرعى ما يركب، لكن يريد أن يؤذي النبي بأي طريقة. فقال أحد الصحابة: "والله لحمار رسول الله أطيب ريحًا منك". وبرضه صار في خصومة بين الفريقين، والنبي عليه السلام خفضهم وتركهم.
- خرج النبي إلى أحد وخرج معه ألف من المسلمين. عبد الله بن أبي في نصف المسافة قال: "احنا ما بنستطيع القتال، ما لنا خبرة بالقتال، ما لنا مصلحة في القتال". عاد بثلث الجيش. عاد. قالوا: "لو نعلم القتال لاتبعناكم، ما نظن إنه في مصلحة، ما نظن إصلاح يكون في مواجهة". فرجع بثلث الجيش وحصلت الهزيمة التي حصلت أو حصلت المصيبة التي حصلت في أحد.
- في مرة أخرى غلام من الأنصار وغلام من المهاجرين حصل بينهما مشكلة فضرب كل منهما الآخر، فنادى الأنصاري: "يا معشر الأنصار"، ونادى المهاجري: "يا معشر المهاجرين". فلما بلغ الكلام عبد الله، طبعًا شجار بين صغيرين يتقاتلان، كان ممكن إنهاء المشكلة، لو ما فيش أي داعي لتكبيرها. لكن مع ذلك ويستغل أي فرصة لإيذاء النبي عليه الصلاة والسلام. فلما وصل الكلام إلى عبد الله بن أبي قال: "قد تداعوا علينا، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل". وقال: "لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل". وطبعًا يعرض ويلمح بالمهاجرين ومنهم النبي صلى الله عليه وسلم.
- جاء ابنه عبد الله بن عبد الله، عبد الله بن أبي هذا المنافق كان له ابن مؤمن بار طيب اسمه عبد الله بن عبد الله بن أبي سلول. فقال: "يا رسول الله، يعني الخلاصة إذا بدك تقتل أبي لكلمتي هذه فدعني أن أكون القاتل، لأنني أخشى أن يقتله رجل من المسلمين فلا تطيق نفسي أن أرى قاتل أبي يمشي على الأرض فأقتله فأكون قتلت مسلمًا بكافر فأدخل النار". فهذه رواية بالذات عند ابن إسحاق ليست في البخاري ولا مسلم، يعني الله أعلم بصحتها. لكن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بل نترفق به ونحسن صحبته ما كان معنا". الترمذي في حديث حسن صحيح قال أن عبد الله بن عبد الله وقف لوالده عند مدخل المدينة وقال: "والله لا تنفلت حتى تقول إنك أنت الذليل ورسول الله العزيز. والله ما بدخلك المدينة يا والدي لحد ما تقول لك أنت تحكي لا يخرجن الأعز، والله ما بتفلت من إيدي ما بتدخل المدينة لتقول أنت الذليل ورسول الله العزيز". وغصب عنه اضطر أن يقولها عبد الله بن أبي.
- أيضًا قال عبد الله مرة: "لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله". حديث متفق عليه.
- أيضًا عبد الله والنبي صلى الله عليه وسلم لا يوحى إليه في الأمر شيء، ووقف يخطب الناس فقال: "يا معشر المسلمين، يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهل بيتي؟". يعني آذاني في كل شيء، لكن هذه المرة وصل الأذى إلى العرض. حصلت أحداث كثيرة وأنزل الله آية الجلد للذين يقذفون المحصنات الغافلات المؤمنات. لكن عبد الله بالذات أفلت من العقوبة لأنه لم يكن قد صرح بالفاحشة، ما قال كلمة الفاحشة، لم يصرح بها على عائشة رضي الله عنها، وإنما عرض تعريضًا وبالتالي أفلت من هذه العقوبة الدنيوية.
- شوف يا إخوان هذا الإنسان المجرم الذي آذى النبي صلى الله عليه وسلم وكاد له في حله وترحاله باستمرار على مدى السنوات الطويلة. طبعًا هو بعد أن انتصر النبي في معركة بدر صار ينافق النبي عليه الصلاة والسلام ويظهر له المودة لكن بيحفر من وراء لوراء. مات هذا الرجل. وابن حجر في بعض طرق الحديث التي سنذكره، لكن لا أعلم مدى صحة هذه الرواية، لم يحكم عليه ابن حجر فيما أتذكر أنه هو الذي طلب من ابنه هذا الطلب. إيش الطلب؟ جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى النبي عليه الصلاة والسلام وطلب من النبي أن يعطيه قميصه ليكفن والده فيه. في رواية أن عبد الله نفسه طلب هذا من ابنه ولله أعلم. لكن الثابت في البخاري ومسلم أن ابنه جاء للنبي عليه الصلاة والسلام وطلب منه أن يعطيه قميصه. القميص في لغتهم زي الدشداشة في أيامنا تقريبًا. فقام النبي عليه الصلاة والسلام وأعطاه قميصه. طمع عبد الله بن عبد الله فجاء مرة أخرى للنبي عليه الصلاة والسلام وطلب منه أن يصلي على والده، يصلي عليه صلاة الجنازة.
- من كان يرقب هذا المشهد؟ سيدنا عمر رضي الله عنه. هنا ما تحمل، ما تحمل. يعني ماشي أعطيته قميصك يا رسول الله، ماشي، لكن تصلي عليه؟ قام النبي ليصلي عليه فأمسك به عمر، أمسك بثوبي: "يا رسول الله تصلي عليه وقد قال يوم كذا كذا وكذا، أنت فاكر يا رسول الله لما قال هكذا؟ فاكر لما قال هكذا؟ فاكر لما قال هكذا؟ فاكر لما قال هكذا؟ فاكر لما قال فيك كذا؟". فالنبي عليه الصلاة والسلام يبتسم وعمر يذكره ونبي الله يبتسم. حتى إذا أكثر عليه قال: "يا رسول الله تصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟". فقال رسول الله: "إنما خيرني الله فقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}". "وسأزيدهم على السبعين، بدي أستغفر له أكثر لعل الله يغفر له". قال: "إنه منافق". في النهاية صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ظن النبي أنه مخير في أن يصلي على مثل عبد الله بن أبي. الخطابي رحمه الله قال: "إن ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع عبد الله بن أبي ما فعل لكمال شفقته على من تعلق بطرف من الدين". يعني إنسان متعلق بخيط من الدين النبي يشفق عليه، ولتطيب قلب ولده عبد الله الرجل الصالح، كرمال هذا الابن المؤمن المحترم. لكن أنزل الله بعدها: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ}. إذن القرآن رجح كلام عمر: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ}. إذن مسألة حاسمة، إن فهمت يا محمد عليه الصلاة والسلام من الآية الأخرى التخيير، فلا هذا أمر حاسم وقاطع وجلي واضح، لا يجوز لك أن تصلي على مثل هذا الرجل.
- هذا كله يا إخواني ذكرته تحت محور أن القرآن عاتب النبي أحيانًا ورجح خلاف ما فعله أحيانًا. طبعًا من أوضح الشواهد سورة عبس. النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الموقف العظيم، دعوة مكية صعبة جدًا، هو وأصحابه يتعرضون لشتى أصناف الأذى والتعذيب. والآن أخيرًا هناك من جلس ليسمع منه على اختلاف في الروايات هل هو شخص، شخصين، ثلاثة، المهم أنه جلس مع النبي صلى الله عليه وسلم بعض الكبراء. فرصة لحظة تاريخية لعلهم يهتدون، فإذا اهتدوا أقل ما فيها يخف الأذى عن المسلمين في مكة، أقل ما فيها يكون في نوع من ممارسة الحرية في العبادة والدعوة. في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة المهمة يأتي عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه، رجل أعمى بسيط مسكين، جاء النبي عليه الصلاة والسلام وقال: "يا رسول الله علمني مما علمك الله". يعني يا رسول الله يمكن نزل لك قرآن وما سمعت في آيات نزلت لك، علمني من هذه الآيات. فالنبي عليه الصلاة والسلام استمر في كلامه مع كبراء قريش. فجاءه عبد الله مرة أخرى يلح عليه. ماذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام؟ {عَبَسَ وَتَوَلَّى}. يعني قطب، عبس وزاح وجهه قليلًا بس. وأصلًا عبد الله بن أم مكتوم أعمى لم يرى العبوس ولم يرى الإشاحة بوجه النبي عليه الصلاة والسلام. ومع ذلك تنزل آيات تعاتب عتابًا شديدًا على النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الموقف: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى * كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ}. كلا لا تعملها يا محمد مرة أخرى، ما تعمل هيك.
المحور السادس: تهوين شأن إعراض الأكابر وتقديم الضعفاء
هذا يا جماعة ينقلنا المحور السادس. المحور السادس من إيش؟ المحور السادس الدال على علوية الخطاب القرآني: أن القرآن يهول من شأن إعراض الأكابر عن الدين ويقدم ضعفاء لا تهتم بهم الدعوات الأرضية عادة. كما مر التهوين من شأن إعراض الأكابر عن الدين وتقديم ضعفاء لا تهتم بهم الدعوات الأرضية.
- أوضح مثال على ذلك سورة عبس التي ذكرناها كمثال على عتاب القرآن للنبي عليه الصلاة والسلام. شوف سورة عبس ما يقول الله عز وجل: {وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى * كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ}. والله واحد أعمى جاي مقبل على النبي عليه الصلاة والسلام حابب يتعلم من معلمه الله هذا أهم عند الله عز وجل من كل المشركين المعرضين. أن الله عز وجل لا يضره معصية من عصى ولا ينفعه طاعة من أطاع.
- مثال آخر على هذا العنوان بس طمع بالهداية، يعني هذا أنه بلا شك نطمع في هداية الناس أجمعين، لكن مع ذلك وجهنا وإقبالنا وحفاواتنا تكون للمؤمنين. وإذا رأينا أن مؤمنًا مقبلًا يريد أن يستزيد من نعم الله سبحانه وتعالى عليه، النعم الدينية، يريد أن يتعلم أن يوحي الله، هذا مقدم عندنا على الآخرين الذين نحرص وإيضًا على هدايتهم. هذا التوازن أعتقد أن للأسف كل المسلمين إلا من رحم ربي وقليل ما هم قد فقدوه. عندهم اهتمام كبير بغير المسلمين وقد يكون اهتمام كبير مثلًا بالجنس الغربي الأبيض الجميل المتعلم الثري، وعندهم اهتمام أقل بكثير من الضعفاء سواء كانوا بالمسلمين وغير المسلمين مثلًا في إفريقيا وأقاصي الأرض والفقراء والمستضعفين. فهذه الآية تعيد لنا التوازن، إن إنسانًا مقبلًا على الله سبحانه وتعالى أهم من كل من لا يريد أن يستزيد من نور الوحي. طبعًا الكلام هنا ليس على الذين لم تصلهم الدعوة أصلًا، لا على الناس المستكبرين والمعرضين.
- مثال آخر يا جماعة على أن القرآن يهون من شأن المستكبرين الكبراء المهمين من ناحية مادية، بينما يرفع عليهم كثيرًا أناس المستضعفين البسطاء. قال الله تعالى في سورة الأنعام: {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ}. ما تحزن عليهم.
- آية أخرى قال الله تعالى في سورة الكهف: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}. إذن اصبر نفسك مع هؤلاء الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا.
- من أجمل الأمثلة يا جماعة، من أجمل الأمثلة على هذا العنوان مرة أخرى أن القرآن يقدم البسطاء المستضعفين الذين تستغني عنهم الدعوات الأرضية ولا تلتفت إليهم، يقدمهم على كبراء مهمين في أقوامهم لكنهم مستكبرون معرضون. من أجمل الأمثلة ما حصل عندما جاء نفر من قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم مرة أخرى في وضع صعب جدًا، وضع الاستضعاف والتعذيب والتكذيب والإهانة والقتل أحيانًا. عرضوا عليه أن: "يا محمد حابين نسمع لك، بنسمع لك، لكن اجعل لنا مجلسًا خاصًا. بدك يعني أنا أجلس جنب صهيب الرومي ولا بلال الحبشي ولا سلمان الفارسي؟ هؤلاء لا نجلس بجانبهم، هؤلاء فقراء بسطاء. أما اجعلنا مجلسًا نجلس ونسمع منك". والله عرض مغري جدًا بصراحة. والنبي صلى الله عليه وسلم أظنه لو فعل واستأذن الصحابة أولئك أنه: "يا عمار بن ياسر، يا صهيب، يا بلال، يا سلمان، يا أيها المستضعفون، ممكن معلش لو سمحتوا بس باليوم الفلاني أو في الوقت الفلاني إنكم ما تجلسوا عندي عشان نجلس مع هؤلاء". أظنهم كانوا سيوافقون، ولو فعلها عليه الصلاة والسلام لفعلها لأجلهم قبل غيرهم حرصًا عليهم لأنهم كانوا يؤذون أذى شديدًا. ولكن مع ذلك يأتي أمر من الله عز وجل فيقول في سورة الأنعام: اعتبر الله ذلك طردًا، حتى لو استأذنهم أنهم ما يجلسوا عندي في هذا الوقت، اعتبره طردًا. {وَمَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ}. لم يأذن القرآن للنبي صلى الله عليه وسلم لا أن يستشير الصحابة ولا أن يخصص مجلسًا خاصًا أبدًا للكافرين، واعتبر ذلك طردًا مع أنه كان عرضًا فيما يبدو مغريًا جدًا جدًا.
- اقرأ ما بعدها من آيات بعد هذه الآية، قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ * وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}. كبار قريش مجرمون، بينما هؤلاء المستضعفون سلام عليكم، والله يا أهلًا والله يا سهلًا ومرحبًا.
المحور السابع: تحقير الكفار واستفزازهم فيما يتعلق بحق الله
هذا إخواننا ينقلنا إلى المحور السابع. المحور السابع: أن القرآن تجد فيه تحقيرًا للكفار واستفزازًا لهم فيما يتعلق بحق الله، بينما النبي وأصحابه مستضعفون في مكة يؤذون على هذه الآيات. مرة أخرى تجد تحقير الكفار واستفزازهم فيما يتعلق بحق الله، بينما النبي وأصحابه مستضعفون في مكة يؤذون على هذه الآيات. على فكرة في آيات كثيرة لن تدرك عمق معناها وجمال هذا المعنى فيها إلا عندما تتذكر أنها آيات مكية. كل الآيات التي سوف نتلوها الآن يا جماعة آيات مكية، يعني نزلت في مرحلة استضعاف شديد.
- قال الله تعالى واصفًا الذي آتاه آياته فانسلخ منها قال: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ}. تحقير شديد للكفار.
- في الآية الأخرى في سورة الأنعام: {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ} حيوانات، {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}. هذه في سورة الأعراف.
- في سورة الأنعام قال الله تعالى: {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} ستهانون، {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ}. يهددهم بما سيكون من أمرهم يوم القيامة.
- في سورة الأنعام أيضًا: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}.
- في سورة الزمر: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ}. أيها الجاهلون.
- في سورة الأنبياء: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ}. تصور هذه الآيات التي تستفز وتحقر الكفار وهم سادة مكة، والنبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه يؤذون على هذه الآيات، يشتمون، يضربون، يقتلوا منهم من يقتل ويصبرون. فلا تجده يشتمهم إذا شتموه ولا يستهزئوا بهم إن استهزئوا به. ومع ذلك يخاطبهم بهذه الآيات التي تحقرهم وتستفزهم فيما يتعلق بحق الله. هذه مش آيات عمالها تستفزهم وتهينهم فيما يتعلق بحق النبي، بل بحق الله عز وجل.
المحور الثامن: علو القرآن عن الانفعالات النفسية البشرية
إذن هذه الآية الأخيرة تنقلنا إلى المحور الثامن: علو القرآن عن الانفعالات النفسية البشرية. تجد الإنسان إذا كتب كتابًا هذا الكتاب يعبر عما يجيش في صدره من الانفعالات البشرية المعتادة. القرآن ما فيه هذه الانفعالات النفسية البشرية.
- مثلًا تجد قول الله عز وجل في سورة الحجر: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ}. النبي عليه السلام يستهزأ به، يكذب، يسخر منه. طيب هل تبع هذه الآية شتيمة لهم ودعاء عليهم؟ لا. {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}. ما في انفعال بشري وإنما تعليق القلب بالله سبحانه وتعالى.
- أيضًا شوف كيف الخلو من الانفعالات البشرية. قال الله تعالى في سورة المائدة: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. شيء مخيف يخلع القلب. بعدها مباشرة، أي التي بعدها مباشرة: {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. تهديد يخلع القلب ثم فتح باب للتوبة، لأنه هذا كلام رب منتقم لكنه رحيم، عزيز لكنه حليم سبحانه وتعالى.
- طيب الإنسان بالعادة إخواننا تجده إذا سيطر عليه انفعال يبقى هذا الانفعال مسيطرًا لفترة ويتكون كل الجمل متعاقبة بنفس النفس. لكن القرآن لا تجد فيه هذا الشيء. في سورة البقرة مثلًا، النبي عليه الصلاة والسلام الآن خرج من مكة، نجا من مشركي قريش، ووصل المدينة حيث الأمان بين أصحابه معززًا مكرمًا بين رجاله وجنوده، وقد أمن الآن بطش القريشيين، أمن بطش كفار قريش. كان متوقعًا لو أن القرآن من تأليفه حاشاه عليه الصلاة والسلام، كان متوقعًا أن يكتب سورًا كاملة في هجائهم وسبهم وشتيمتهم وبيان جرائمهم. الآن خرج من أذاهم، تذكروا قلنا قبل قليل القرآن كان يستفزهم ويهينهم فيما يتعلق بحق الله. الآن النبي نجا من أيديهم، كان متوقعًا لو كان من تأليفه أن يهجوهم ويسبهم ويأخذ راحته الآن والآن سلم من أذاهم. ومع ذلك أبدًا، ترى أن القرآن يطوي صفحتهم في سورة البقرة، لأنهم لم يعودوا هم الأهم الآن للمسلمين. الأهم مجتمع فيه أهل كتاب خاصة اليهود، والأهم مجتمع فيه منافقون. وبالتالي تكلم سورة البقرة باختصار شديد عن الكفار: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}. خلاص نقطة. الآن استفاضة طويلة في الحديث عن المنافقين وأهل الكتاب: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} إلى آخر السورة.
- طيب في معركة أحد أيضًا فيما يتعلق بخلو القرآن من الانفعالات النفسية البشرية مثال آخر: في معركة أحد الرسول صلى الله عليه وسلم كما قلنا كسرت رباعيته، شج في رأسه، جعل يسلط الدم عنه ويقول: "كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله؟". يعني يدعوهم إلى الخير في الدنيا والآخرة، يدخلوا الجنة، ينجوا من النار، يكسروا رباعيتي، يشجوا جبهتي، ينزلون دمي، كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وكسروا رباعيتهم وهو يدعوهم إلى الله؟ فأنزل الله عز وجل: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}. لاحظ الآن سياق الآية قال تعالى في سورة آل عمران: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ * لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}. ليس لك أن تتوقع ولا حتى أن يقتص الله لك من ظالميك في الدنيا، فقد يتوب عليهم وقد يسلمون والله يفلحون ما يفلحون، هذا إلى الله سبحانه وتعالى. وإنما عليك التسليم لتصاريف القدر كلها، فما أنت إلا عبد لرب يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد. شوف قول الله عز وجل: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}. طيب وما فعلوه بالنبي من أذى؟ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}.
المحور التاسع: تأخر الوحي عن وقت هو مظنة تأليفه لو كان كلام بشر
المحور التاسع يا كرام هو تأخر الوحي عن وقت هو مظنة تأليفه لو كان كلام بشر. كمان مرة هذا الشاهد التاسع أو المحور التاسع على علوية الخطاب القرآني: تأخر الوحي عن وقت هو مظنة تأليفه لو كان كلام بشر.
- الآن الإنسان إذا اتهم في نفسه أو في عرضه أو في سمعته تلاقيه مستعجل محتقن يريد بسرعة يدفع هذه التهمة عن نفسه. حدثت حادثة الإفك وافترى المنافقون وبعض من تبعهم ممن أخطأ من المسلمين على أمنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. لبث النبي شهرًا لا يوحى إليه. لو كان القرآن من كتابته من تأليفه عليه الصلاة والسلام لدفع هذه التهمة عن بيته الشريف من أول يوم، لكنه يمكث شهرًا لا يوحى إليه شيء حتى نزلت براءتها في سورة النور من الله عز وجل.
- مثال آخر: سورة الفتح. النبي عليه الصلاة والسلام صالح المشركين في الحديبية. لم يدرك المؤمنون الحكمة من هذا الصلح، وهناك أدلة على أن هذا الصلح كان أمرًا من الله كما بينت بالتفصيل في كلمة "صلح الحديبية دليل لعدم التنازل"، عشان لا يجيء أحد يضحك علينا ويقول لنا أنه معاهدات الخيانة والعار والانبطاح والجرائم، جريمة بيع الأمة وثرواتها وبلادها وعبادها للأعداء، أن هذا أيضًا يستشهد له بصلح الحديبية، حاشا وكلا ولا والله. كلمة بعنوان "صلح الحديبية دليل لعدم التنازل" راجعها.
- المهم يا إخواننا، كان المؤمنون آملين أن يعتمروا ويطوفوا بالبيت بعد انقطاع طويل عنهم لسنوات، لم يحصل. وأغمهم هذا كثير، تضايق الصحابة من هذا أن النبي عليه الصلاة والسلام صالح المشركين على أن لا يعتمروا هذا العام، يعودوا العام القادم، وبنود الصلح المعروفة. النبي عليه الصلاة والسلام أمر الصحابة أن يحلقوا وينحروا فلم يفعلوا، ما حد تحرك، ما حد قام لا يحلق ولا ينحر الهدي. طبعًا لا يتصور أن هذا كان عصيانًا عامًا من كل الصحابة لأمر النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن أفضل تفسير لهذا الموقف سمعته هو أنهم طمعوا أن ينسخ هذا الأمر ويؤذن لهم بالحرب من جديد. طبعًا أنهم ما يقوموا ما يحلقوا لأنه إذا حلقوا ونحروا خلاص ما في عمرة، ما راح يدخلوا البيت. لكن قالوا لعل النبي عليه الصلاة والسلام يوحى إليه ينسخ هذا الأمر، لعله يعود فنحارب قريشًا وندخل مكة رغما عنهم، كانوا مستعدين للحرب. انزعج النبي عليه الصلاة والسلام أنه ما في حد تحرك، ما في حد لا حلق ولا نحر. فدخل عند أم سلمة رضي الله عنها وكانت قد خرجت معه في الحديبية في خروج إلى مكة، فأشارت عليه أن ينحر هو ويحلق، يطلع ما يكلم أحد، ينحر هو ويحلق. فلما رأوا النبي فعل ذلك خلاص ما في مجال أن ينسخ الأمر، فحلقوا ونحروا وبهم من الهم ما بهم كما في الرواية حتى كاد بعضهم يقتلوا بعضًا، يعني كانوا مهمومين على خير. بعدما حصل هذا التسليم لأمر الله تعالى وسار النبي قافلًا، قفل راجعًا إلى المدينة، نزلت سورة الفتح: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} مبينة أن هذا الصلح كان فتحًا مبينًا وكما أظهر الله ذلك بالفعل بعدها. لو كان القرآن من تأليف النبي لكتب هذا الكلام وقت حاجته إليه ليطيعه أصحابه بلا تردد وليصبرهم على فوات العمرة، لكنه تنزيل رب العالمين.
المحور العاشر: آيات يحكم الله فيها بين المؤمنين والكافرين
المحور العاشر يا كرام: آيات يحكم الله فيها بين المؤمنين والكافرين ويأمر فيها للكفار بحق أو فضل. ليس رب المسلمين فحسب، هو رب العالمين. وبالتالي هناك آيات تحكم بين الفريقين ويأمر الله فيها بحق أو حتى بتكرم على بعض المشركين.
- مثال في سورة الممتحنة قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ}. معشر المؤمنين ومعشر الكافرين. امرأة هربت من المدينة وذهبت إلى مكة مرتدة وحملت معها مالها وحليها، الآن زوجها تضرر. طيب لم تتضرر في المقابل أن امرأة من مكة هربت إلى المدينة مسلمة وحملت معها حليها ومهرها وأموالها، زوجها المشرك تضرر. القرآن قال: {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} وقال: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا}. أنت المسلم الذي ضاع مالك مع هذه المرأة تعوض، وأنت المشرك الذي ضاع مالك مع هذه المسلمة التي جاءت من المدينة تعوض أيضًا.
- مثال آخر: كان المسلمون يكرهون أن يعطوا قراباتهم من المشركين، قد يكون عنده ابن عم ولا عم ولا خال ولا والد ولا ابن فقير. كانوا يكرهون أن يعطوهم من أموال الصدقات. فسألوا عن ذلك فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ}. يعني ليس عليك يا محمد هداية المشركين على الإسلام فتمنعهم صدقة التطوع ولا تعطيهم منها ليدخلوا في الإسلام، ولكن الله يهدي من يشاء فيوفقهم للإسلام إن شاء. فلا تمنعهم الصدقة، لا تمنعهم الصدقة حتى لو كانوا مشركين. طبعًا يعطون من غير مال زكاة كما هو معلوم.
إذن هذا كان متعلقًا بأن الله يحكم بين الفريقين ويأمر للمشركين ويأذن بحق أو بفضل.
المحور الحادي عشر: آيات تأمر بمعالي الأخلاق وإن ظهر فيها مضرة للمسلمين
المحور الحادي عشر يا كرام: أن هناك آيات تأمر بمعالي الأخلاق وإن ظهر أن فيها مضرة للمسلمين، وإن ظهر أن فيها مضرة للمسلمين.
- مثلًا قال الله تعالى في سورة الأنفال: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}. يعني يا محمد إن أحسست أن قومًا يريدون أن يخونوك وينكثوا عهودهم، ما العمل يا رب؟ هل نتغدى عليهم قبل ما يتعشوا علينا؟ هل نباغتهم قبل أن يباغتونا؟ لا أبدًا. بل ماذا نفعل؟ {فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ}. انبذ هذا العهد بوضوح، قل لهم ترى يا جماعة نحن ليس بيننا وبينكم عهد. لا تباغتهم، لا تخنهم، لا تغدروا بهم، وإنما قل لهم أنتم ظهرت منكم أمارات الغدر والخيانة وبالتالي لا عهد بيننا وبينكم. طيب لماذا؟ {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}. سواء من المؤمنين أو من غير المؤمنين، ما بيحب أحد يخون.
- طيب تذكروا يا إخواننا، تذكروا أن المسلمين كانوا قد تعرضوا للغدر في رعل وذكوان وعصية والأحيان، القبائل التي غدرت بهم، تضرروا كثيرًا من الغدر. ومع ذلك لم يكن هذا مبررًا لأن يغدروا بغيرهم.
- أيضًا آية أخرى قال الله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ}. الآن مؤمنون في موضع قوة، وبالتالي أراد المشركون أن يسالموهم. المؤمنون هم الآن في مرحلة جهاد الطلب ومرحلة التوسع والتمدد. أراد المشركون أن يسالموهم. {إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. إذا حسيتهم أن يخدعوك ما تخاف يا محمد. هل يا ربي أباغتهم؟ لا ما تباغتهم، لا خيانة، لا غدر، ممنوع. طيب تريد أن تطمئن؟ حسبك الله، لا تخاف، حسبك الله. فلا تعاملهم باحتمال أنهم يريدون أن يخدعوك. طيب وما الضمان؟ الله يذكرهم: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ}. فكما أن الله كفاك فيما مضى سيكفيك شرهم إذا أرادوا أن يخدعوك.
طيب إذن هذه كانت شواهد على أن القرآن يأمر بأمور قد يظهر منها ضرر من ناحية دنيوية للمسلمين، لكن القرآن يلتزم بالمبادئ الأخلاقية لا يتخلى عنها.
المحور الثاني عشر: مدار القرآن كله على توحيد الله وتعظيم حقه
المحور الثاني عشر: أن مدار القرآن كله على توحيد الله وتعظيم حقه وصلاح دنيا الناس وأخراهم. مدار القرآن كله كما قلنا، المركزية في القرآن المحورية لمن؟ لله سبحانه وتعالى، لتعظيم الله سبحانه وتعالى، تعظيم حقه، وبالتالي صلاح دنيا الناس وأخراهم من خلال تعظيم حق الله سبحانه وتعالى. ليس النبي في هذا القرآن إلا مبلغًا مع كرامته عند الله عز وجل، بلا شك هو كريم على الله عظيم القدر عند الله، لكن مع ذلك ليس شخصه الكريم أبدًا هو محور القرآن.
- تلحظون هذا بوضوح في آيات كثيرة كقوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}.
- الدكتور عمر الأشقر رحمة الله عليه وأحسن الله إليه له كتاب عنوانه "العقيدة في الله" قال فيه فقرة جميلة قال: "فالقرآن كله حديث عن الإيمان بالله، يوضح هذا أننا نجد أن ذكر الله قد تكرر في القرآن باسم من أسمائه أو صفة من صفاته 10062 مرة". ذكر الله قد تكرر في القرآن باسم من أسمائه أو صفة من صفاته 10062 مرة، أي في الصفحة الواحدة قرابة 20 مرة في المتوسط. الله أعلم أي مصحف بيتكلم عنه لكن هذه الحسبة اللي طلع بها الشيخ عمر الأشقر، طبعًا مصحف بقول عشان عدد الصفحات يعني.
- لذلك إخواني تصور أن إنسانًا مضللًا بيسمع مسلمين، مسلمين محمد، يتصور أن المسلمين يقولون محمد بن الله أو المسلمين يعبدون محمدًا صلى الله عليه وسلم أو يتصور أن القرآن إنما محوره والمركزية فيه لشخص محمد صلى الله عليه وسلم، تمجيد في محمد وتعظيم في محمد ورفع لشأن محمد. كثير من غير المسلمين أظن أن هذا الانطباع عندهم. تصور هذا الإنسان يأتي ليسأل: يا ترى ما هي خلاصة رسالة القرآن؟ فيقال له إن في سورة الأنعام آيات تأتي بوصايا عشرة. طيب سمعنا هذه الآيات: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَ
وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. تصور نفسك إنسان لا يعرف عن الإسلام شيئًا ويريد أن يعرف ما هي خلاصة رسالة الإسلام فيسمع هذه الآية. طب وأن محمد في هذا الكلام؟ مبلغ فقط عليه الصلاة والسلام. كل ما ذكرناه لا يخدش مقامه السامي عليه الصلاة والسلام، لكنه في النهاية بشر، أعظم البشر، هو عبد الله ورسوله.
خاتمة وتلخيص
هنا نكون قد وصلنا إلى ختام المادة إخواننا. لاحظوا الإخوة اللي طلبوا تلخيص، إيش كانت جلستنا اليوم؟ أننا ذكرنا بداية أن الله سبحانه وتعالى كلما علم أن عباده محتاجون، أن عباده محتاجون إلى شيء أفاض عليهم من الأدلة عليهم. وبالتالي هم محتاجون إلى الأدلة الدالة على صدق أنبيائهم عليهم الصلاة والسلام، فهم المبلغون عن الله، هم الأنبياء المبلغون عن الله، هم الذين باتباعهم صلاح الدنيا والآخرة. فأفاض الله على عباده من الأدلة على صدقهم وصدق هذا الكتاب أنه من الله سبحانه وتعالى، الكتب المختلفة ومنها القرآن.
طيب الآن قلنا أكبر دليل على صحة أن هذا القرآن من عند الله، على ربانية مصدر القرآن، أكبر دليل هو نظم القرآن، بلاغة القرآن، فصاحة القرآن، بيان القرآن بغض النظر عن المحتوى والمعاني. وذكرنا في ذلك آية سورة هود. قلنا ليس هذا موضوعنا، هذا موضوعنا سيكون بإذن الله تعالى، سيكون موضوعنا الشيق الطويل الممتع اللي يعني بينقلنا نقلة كبيرة بإذن الله تعالى في التعامل مع القرآن وقراءة القرآن لما نصل لهذه المحطة من رحلة اليقين. الله يبارك في أوقاتنا وأوقاتكم ويعيننا نصل لهذه المحطة بإذن الله تعالى. مش هذا موضوعنا. مش موضوعنا فصاحة وبلاغة ونظم القرآن، وإنما موضوعنا شيء متعلق بالمعنى. يا ترى ما هو المتعلق بالمعنى؟ تكلم كثيرًا عن جماليات معاني القرآن والمحتوى الموجود، المحتوى العلمي والمحتوى العقدي في القرآن والتشريعي، تكلم عنه ناس كثيرًا. لكن مع ذلك نحن نتكلم اليوم عن جزئية حسيت أنه لم يسلط عليها الضوء كما ينبغي ولم أجدها مجموعة في مصنف، ألا وهي علوية الخطاب القرآني. أنك تلحظ من أول القرآن إلى آخره أنه لا يمكن أن يكون، لا يمكن أن يكون إلا خطاب رب عزيز مجيد علي عظيم لعبد ضعيف محتاج إلى ربه لا يتجاوز مقام العبودية. وذكرنا 12 محورًا كلها تدل على هذا المعنى.
طيب بدنا نعمل تست سريع، نشوف الإخوة نفسهم بيذكرون بهذه المحاور ولا لا. إذا لم يجيبونيش 12 محورًا أنا أحاز على اليوم. هاتوا لي المحاور. ذكرنا 12 محورًا وتحت كل محور ذكرنا آيات. ما تجيبوا لي الآيات، جيبوا لي المحاور، اذكروا لي المحاور العناوين التي ذكرنا أمثلة عليها من كتاب الله الكريم. محاور إيش بتدل؟ بتدل أن هذا القرآن لا يمكن أن يكون إلا خطاب رب لعبد. هاتوا يا جماعة.
في حدا معنا؟ آه كثير معنا يعني بس لسه ما حد جاوب ومناش كونوا معنا مش معنا. أنا عمالي بذكر ست محاور، الخمسة التي ذكرناها والمحور السادس القادم لحد 12. كل هذه محاور تحت عنوان شو عنوان جلستنا يا جماعة؟ علو القرآن، علو الخطاب، علوية الخطاب القرآني.
طيب الآن المحور السادس الدال على علوية الخطاب القرآني: أن القرآن يهول من شأن إعراض الأكابر عن الدين ويقدم ضعفاء لا تهتم بهم الدعوات الأرضية عادة.
مراجعة المحاور المذكورة
- معاتبة الله للنبي صلى الله عليه وسلم. ذكر الله كثيرًا وذكر الرسول.
- إذن عزيزة وصال هو شيء معاتبة القرآن للنبي عليه الصلاة والسلام وترجيحه غير ما فعله في بعض المواطن. تمام.
- اثنين: علو القرآن عن انفعالات نفسية البشرية. تمام الأخت آية.
- كمان تأخر الوحي. تأخر الوحي عن وقت هو مظنة تأليفه لو كان من عند النبي عليه الصلاة والسلام. هذه ثلاثة.
- عدم الاهتمام بالمعرضين. نحن سميناها إيش وقتها؟ أن القرآن يقلل من شأن أكابر مجرمين ولكنه في المقابل يعظم شأن مستضعفين لا تأبه بهم الدعوات الأرضية.
- ترجيح أفعال على أفعال ذكرناها وعتاب الله للنبي صلى الله عليه وسلم ذكرناها عليه الصلاة والسلام ذكرناها.
- عدم الاهتمام بالمعرضين ذكرناها.
- تأخر الوحي عن وقته ومظنة تأليفه، مظنة هذا حكيناها كمان.
- ذكر الله ومحور وخطاب القرآن ذكرناها رقم 12 صحيح.
- مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم ذكرناها.
- ولا يتأثر بالمشاعر البشرية ذكرناها.
- رقم 7 ذكرناها.
- نسبة الإنجازات لله. يعني خلنا نضبطها اللي كاتب أحد الإخوة أن القرآن ينسب الفضل فيما يظهر فيه فضل للنبي، ينسب الفضل في ذلك إلى الله عز وجل.
- توقيت نزول الآيات حكينا تسعة.
- قلنا في المقابل أن القرآن ينسب التسبب في المكروهات التي تصيب النبي عليه الصلاة والسلام إلى شخص النبي عليه الصلاة والسلام.
- كمان {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ} ذكرناها.
- ليش في كمان يا جماعة في نقاط ما حد ذكرها لحد الآن من النقاط الأخيرة؟ من النقاط الأخيرة: أوامر قد تبدو في ظاهرها مضرة للمؤمنين لكنها لكنها مفيدة، يعني بغض النظر مفيدة ولا لا هي الحق وبالتالي وإن كان يظهر منها مضرة للمؤمنين محتملة، كأن لا يغدروا بمن يريد الغدر بهم ولا يخونوا من يريد خيانتهم، لكن مع ذلك القرآن لا يقبل بالغدر. تمام.
- الحكم بما فيه مصلحة لغير المسلمين. يعني الحكم بين الطائفتين طائفة المؤمنين وطائفة الكافرين بالحق والأمر للكافرين أو الإذن لهم بحق أو بفضل. تمام.
أظننا بذلك قد استوفينا هذه النقاط صحيح؟ نعم في كثير من الإخوة يطلبوا برضه أنه إذا النص لشان يحفظوا النص لشان يحفظوا. طيب أنا بصراحة حاب أنضج أكثر من هيك لكن بنحاول إن شاء الله نعطيكم يعني إشي مبدئي حتى ذلك الحين إن شاء الله.
الدعاء
طيب لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد. يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث. يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وذكرنا وأنثانا وصغيرنا وكبيرنا. اللهم فرج كرب المكروبين من المسلمين. اللهم فك أسر المأسورين من المسلمين. اللهم تقبل شهداء المسلمين وارحم موتى المسلمين. اللهم اشفِ مريضهم ورد غائبهم واقضِ الدين عن مدينهم يا أرحم الراحمين يا رب العالمين.
اللهم فرج عن أمة حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم استعملنا في طاعتك واجعلنا من أنصارك ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا. اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين. اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين ورد إلينا أسرانا يا أرحم الراحمين يا رب العالمين.
اللهم خفف عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان. اللهم خفف عن المستضعفين من المسلمين في فلسطين وفي سوريا وفي العراق وفي بورما وفي أفغانستان وفي الشيشان وفي الصومال وفي أفريقيا الوسطى وفي اليمن وفي كل مكان يذكر فيه اسمك الكريم يا رب العالمين.
اللهم آمِن روعاتنا واستر عوراتنا. اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لنا وترحمنا وإذا أردت فتنة في قوم فاقبضنا إليك غير مفتونين. نسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربنا إلى حبك. اللهم أعنا ولا تعن علينا وانصرنا ولا تنصر علينا وامكر لنا ولا تمكر علينا واهدنا ويسر الهدى لنا وانصرنا على من بغى علينا.
اللهم اجعلنا لك ذكارين، لك شكارين، لك أواهين، لك منيبين. اللهم يا أرحم الراحمين يا رب العالمين. اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين. اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحينا ما علمت الحياة خيرًا لنا. اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحينا ما علمت الحياة خيرًا لنا وتوفنا إذا علمت الوفاة خيرًا لنا. ونسألك خشيتك في الغيب والشهادة ونسألك كلمة الحق في الرضا والغضب ونسألك القصد في الفقر والغنى ونسألك نعيمًا لا ينفد ونسألك قرة عين لا تنقطع ونسألك الرضا بعد القضاء ونسألك برد العيش بعد الموت ونسألك لذة النظر إلى وجهك ونسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.
اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين. اللهم رد ضالينا من المسلمين إليك ردًا جميلًا. اللهم رد ضالينا من المسلمين إليك ردًا جميلًا. اللهم يا أرحم الراحمين يا رب العالمين. اللهم اهدنا واهدِ بنا ولا تفتن بنا وانصرنا على من عادانا يا رب العالمين. وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.