عن أي نصر في تونس يتحدثون؟!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
إخوتي الكرام، يبدي البعض فرحًا واستبشارًا بما يحصل في تونس. ما الذي يحصل في تونس؟ حزب نفترض أنه إسلامي، كان كوادره وأفراده في أقبية وزارة الداخلية وفي السجون يسامون سوء العذاب. عندما سقط نظام بن علي، انتقل هؤلاء ليصبحوا وزراء ورؤساء وزارة وما إلى ذلك. هؤلاء يصرحون مرارًا وتكرارًا أنهم لا يريدون تطبيق الشريعة، وأنه لا مكان لتطبيق الشريعة في تونس. وعلى الرغم من ذلك، يعتبر البعض انتقالهم هذا من السجن إلى كرسي الحكم فوزًا عظيمًا وفتحًا مبينًا ونصرًا مؤزرًا من الله سبحانه وتعالى.
مفهوم النصر والهزيمة في الإسلام
في الواقع أخواني، الفرح بما يحصل في تونس هو دلالة على عدم فهم لمفهوم النصر والهزيمة في الإسلام. النصر والهزيمة في الإسلام، في دين الله عز وجل، النصر هو أن تثبت على دين الله حتى الممات، أن يفشل أعداء الله في أن يزحزحوك ويفتنوك عن دينك. وأما الهزيمة، فهي أن تفتن عن دينك، تتخلى عن شيء من دين الله، وأن ينجح أعداء الله في صدك عن دين الله.
وفق هذا التعريف، ما يحصل في تونس هو ليس نصرًا ولا فتحًا ولا فوزًا، بل هو انتكاسة وارتكاسة وسقوط حر وهزيمة مروعة حقيقة.
أمثلة من القرآن والسنة
أصحاب الأخدود
ثم أضرم لهم النيران وألقاهم فيها ليحترقوا حتى الموت. هل اعتبر الله تعالى هؤلاء مهزومين؟ بل قال تعالى في سورة البروج التي تصف حال هؤلاء أصحاب الأخدود: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ}. إذن الله تعالى نص على أنهم فازوا فوزًا كبيرًا مع أنهم حرقوا حتى الموت.
هؤلاء كيف آمنوا؟ آمنوا عندما رأوا الغلام المؤمن يثبت أمام الملك المشرك، وعندما حاول الملك المشرك قتل الغلام المؤمن ففشل، فقال له الغلام: "لن تستطيع قتلي حتى تقول بسم الله رب الغلام". ففعل الملك وقال: "بسم الله رب الغلام"، فبالفعل استطاع قتل هذا الغلام. هل قتل الغلام هزيمة له؟ أبدًا، بل عندما قتل آمن الناس. فماذا تريد نصرًا أكثر من أن يكون موتك سببًا في إيمان الناس بالله تعالى؟
إذن في دين الله، النصر هو الثبات حتى الممات. قال الله تعالى: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}.
حرام بن ملحان رضي الله عنه
في الحديث الذي رواه البخاري أن حرام بن ملحان رضي الله عنه، الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم ليعلم الناس دينهم، غدر به فطعنه واحد بحربة نفذت من صدره. تصور الآن إنسانًا طُعن بالحربة تنفذ من صدره، يعلم أنه ميت لا محالة، ومع هذا ماذا قال في تلك اللحظة؟ قال: "فزت ورب الكعبة".
تطبيق المفهوم على الوضع التونسي
إذن الذي يركن إلى الذين ظلموا لا يُنصَف، هو مهزوم بنص كلام الله عز وجل. هذا التصريح المتتالي بأنه لا مكان لتطبيق الشريعة ولن نطبق الشريعة، هذا ليس ركونًا إلى الذين ظلموا، بل هذا هو الظلم والحرب لدين الله بعينه. هذا هو الظلم حقيقة.
الله سبحانه وتعالى يقول: {وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}. يعني لن يمكن الله الكافرين من هزيمة المسلمين المؤمنين. وبالفعل إذا المؤمن استقر إيمانه في قلبه، وفشلت قوى العالم في أن تنتزعه من قلبه، وهذا والحمد لله رأيناه، رأيناه في أناس عذبوا وسجنوا ولكن مع ذلك لم يُنزع الإيمان من قلوبهم. إيمانهم في قلوبهم أرسى من الجبال الشوامخ، أرسى من الجبال الشامخات. لن يجعل الله للكافرين على هؤلاء المؤمنين سبيلًا.
أما إذا فُتن الإنسان عن دينه، وفي سبيل الوصول إلى السلطة والحفاظ عليها واسترضاء القوى الداخلية والخارجية، صرح بهذه التصريحات التي هي حرب لدين الله، هذا مهزوم. هذا قد جُعل عليه سبيل لأنه فقد إيمانه.
فيا إخواني، الذي يحصل في تونس ليس نصرًا، هو للأسف هزيمة مروعة. أمة تفتن عن دينها وتسير وراء السراب وتستعجل قطف الثمار ولو بطريقة غير شرعية، سوف تبقى تنتقل من هزيمة إلى هزيمة. أسأل الله العظيم أن يفرج كرب الأمة.
خطورة تبرير التنازلات
يا إخواني، الأنظمة البائدة والباقية في العالم الإسلامي تنص في دساتيرها على أن الإسلام مصدر من مصادر التشريع، وبعضهم يقول مصدر رئيس للمصادر التشريع، ومع هذا نقول هذا غير مقبول أبدًا. لا بد أن تكون الشريعة هي المصدر الوحيد للتشريع، لا أن تكون أحد المصادر. فما بالكم بالذي يقول لا أريد الشريعة أصلًا؟ حزب يُسمى إسلاميًا ومع ذلك لا يريد الشريعة، لا مصدرًا رئيسيًا ولا مصدرًا فرعيًا.
ومع هذا يصر البعض للأسف الشديد، يصر البعض أن يتعامى عن هذه الحقائق وتغلب عليه الحزبية والعصبية التي تعمي وتصم وتبكم، ويدافع عن تصريحات مادّية ويجد لها التأويلات والأعذار والمبررات. إخواني، تبرير مثل هذه الأقوال حقيقة هو خطر جدًا على عقيدة ودين وإيمان من يبرر.
في تعريفنا الإسلامي، قد تجد رجلًا يدوس رجلًا آخر تحت نعله، ومع ذلك الذي تحت النعل منتصر لأنه ثابت على دينه، والذي يدوس مُنهزم لأنه على غير دين الله عز وجل. هذا هو النصر في الإسلام: الثبات على الدين. والهزيمة: أن تفتن عن دينك استرضاءً للغرب والشرق والداخل والخارج.
الخاتمة والدعاء
فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرد المسلمين إلى دينهم ردًا جميلًا، وأن يفرج كرب المسلمين في كل مكان، وأن يعيننا على التزام الحق واتباع دينه حتى نخرج من هذا الواقع المرير.
والسلام عليكم ورحمة الله.